“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
تلعب باكستان دورا محوريا في الوساطة بين الولايات المتحدة وايران، وبين ايران والسعودية. في 5 آب الفائت اعلنت الحكومة الهندية انها ستلغي المادة 370 من الدستور التي تمنح الحكم الذاتي لولاية جامو وكشمير (الشطر الهندي من الاقليم)، ما دفع باكستان الى تعليق الاتفاقات التجارية الثنائية
تعوّل باكستان على دور يلعبه لبنان في المحافل الدولية من اجل ادانة التعرض لحقوق الانسان في كشمير، وقد زار السفير الباكستاني في لبنان نجيب دوراني عددا من المرجعيات السياسية والديبلوماسية لهذه الغاية، وهو يقول انه لمس تعاطفا كبيرا منهم مع قضية كشمير. تجدر الاشارة الى ان باكستان لا تقيم اي علاقات ديبلوماسية مع اسرائيل وتعتبرها دولة غير شرعية، وترفض افتتاح سفارة لها مع الكيان الاسرائيلي وتدعم القضية الفلسطينية بشكل كبير.
مهدت باكستان اخيرا الطريق لاجراء محادثات السلام بين الولايات المتحدة وطالبان في اسلام اباد التي تبدو من دونها عملية السلام الافغانية وسحب القوات الاميركية من افغانستان مستحيلة. مارست سياسة الحياد في سوريا وهي ابقت على سفارتها في دمشق على الرغم من اندلاع الحرب. اضافة الى ذلك، ابقت السفارة على المدرسة الدولية التي تديرها في دمشق مفتوحة، الامر الذي كان موضع تقدير كبير من الحكومة السورية. انطلاقا من دستورها الذي يطلب عدم التدخل في شؤون الدول، لم تشارك باكستان التحالف العربي في حرب اليمن وبقيت حيادية في الخلاف السعودي الاماراتي مع قطر.
في حوار مع “الامن العام” يتطرق سفير باكستان نجيب دوراني الى جوانب مهمة من دور بلده الاقليمي والدولي الذي توسع مع رئيس الحكومة عمران خان، وكذلك الى تطور العلاقات الثنائية بين البلدين.
* يعيش لبنان ازمات متتالية اهمها حاليا ازمة مالية قاسية. هل من تجربة معينة لباكستان مع الازمات المالية والاقتصادية؟
– شهد اقتصاد باكستان في الاونة الاخيرة تراجعا في احتياطيات النقد الاجنبي وانخفاضا في الصادرات وارتفاع التضخم وازدياد العجز في الحسابات المالية والجارية وانخفاض قيمة عملتها وتزايد الديون الخارجية. واجهت باكستان هذه التحديات من خلال اتخاذ تدابير عملية متنوعة، كخلق بيئة ملائمة للاستثمار وتحسين امن البلد وتشجيع الاستثمار المحلي من خلال وضع سياسات ضريبية اكثر مرونة، وزيادة صافي الضرائب وتشجيع الصادرات ومعالجة مسألة توازن الاجور، ونتيجة لذلك بدأ الاقتصاد يتحسن.
* هل اعيد وصل العلاقات التجارية مع لبنان بعد انقطاعها ابان الحرب الاهلية؟ وهل ستعود سفارتكم الى فتح ملحقية تجارية؟ ما حجم التبادل التجاري بين البلدين؟ وكيف يمكن ان تساهم باكستان في تنشيط الاقتصاد اللبناني؟
– نعم، اعيد وصل العلاقات التجارية بعد الحرب الاهلية بين البلدين، وتسعى البعثة الى استقدام المسؤول عن التنمية التجارية بمساعدة وزارة التجارة. الا ان جهودنا لم تنجح حتى الان. حجم التجارة البينية بين باكستان ولبنان لا يعكس طموحاتنا ولا الامكانات الحالية. ارتفع من نحو 20 مليون دولار خلال السنة المالية 2003-2004 ليصل الى 50 مليون دولار في 2007-2008 . اما خلال 2018-2019 فبقي حوالى 33 مليون دولار. نحتاج الى تبادل الوفود التجارية والمشاركة في المعارض التجارية في البلدين. تم اقتراح انشاء مجلس الاعمال المشترك والمجلس الاقتصادي المشترك لتعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية. يجب عقد اجتماع لجنة تتألف من ممثلين عن البلدين برئاسة وزيري التجارة، وفقا لاتفاق التجارة في المستقبل القريب. نحن نتطلع الى تنظيم زيارات رفيعة المستوى من الجانبين لتعزيز التجارة والاستثمار.
* ما هو حجم اليد العاملة الباكستانية في لبنان، ولماذا تتركز غالبيتها في قطاعي البناء والزارعة؟
– في الوقت الحاضر، حجم المجتمع الباكستاني في لبنان صغير جدا اي حوالى 950 شخصا. لا يعملون في قطاعي الزراعة والبناء فحسب، لأن الكثير من الباكستانيين المؤهلين يعملون في الجامعات الرائدة ومنظمات الامم المتحدة في لبنان.
* هل تشارك باكستان في قوات حفظ السلام في جنوب لبنان؟
– باكستان هي رابع اكبر مساهم في بعثات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة في الخارج. لكن على الرغم من ذلك لسنا جزءا من اليونيفيل. في حال طلبت الامم المتحدة منا المشاركة فيها، فاننا سنكون سعداء بهذه المساهمة مع احترام السلامة الاقليمية للبنان.
* هل بدأ تعاون منظم مع لبنان في مجال مكافحة الارهاب؟ وماذا عن تعاونكم مع سوريا والعراق؟ والشرق الاوسط ككل؟
– باكستان مستعدة للتعاون مع لبنان في مكافحة الارهاب من خلال المنتديات الثنائية والمتعددة الطرف. نحن نتمتع بخبرة فريدة من نوعها في مكافحة الارهاب، وعلى استعداد للمساهمة بشكل بناء في اي مشروع في هذا الصدد.
* علمنا ان وفدا باكستانيا امنيا وآخر من وزارة الدفاع الباكستانية زار لبنان العام الماضي مفتتحا خطة للتعاون الثنائي بين البلدين؟ ما هي هذه الخطة؟
– بما ان البلدين هما ضحيتا الارهاب، وافق الوفدان على الاستفادة من خبرة بعضهما البعض في هذا الصدد. ناقش الطرفان الابعاد المختلفة للتعاون الجاري، وناقشا مختلف السبل والوسائل لتوسيع العلاقات الثنائية وتعميقها. شكر الجانب اللبناني باكستان على توسيع مرافق التدريب التي تقدمها بسخاء الى افراد الجيش اللبناني، واتفق الطرفان على تفعيل محادثات الموظفين الثنائية والتبادلات العسكرية.
* 3 ملايين لاجئ يعيشون على الاراضي الباكستانية منذ العام 1979 اي منذ بداية الازمة الافغانية، وكون لبنان يستقبل عددا كبيرا من اللاجئين يمكنكم فهم التأثير الذي يحدثه هؤلاء على مفاصل الحياة كلها. هل من مبادرة تنصحون بها لبنان الذي يستقبل مليونا ونصف مليون نازح سوري على اراضيه؟
– سنكون سعداء لمشاركة خبرتنا مع السلطات المعنية، ونحن نعتبر ان الخيار الافضل هو العودة الآمنة والمستدامة للنازحين السوريين. لكن دمج اللاجئين يتطلب تكلفة مرتفعة من كل جوانب المجتمع ويعتبر مهمة شاقة.
* ابقيتم على سفارتكم في سوريا، هل تطورت العلاقات مع سوريا وماذا عن مشاركة باكستان في مشاريع اعادة الاعمار هناك؟
– ابقت باكستان على سفارتها في سوريا على الرغم من اندلاع الحرب. اضافة الى ذلك، ابقت السفارة على المدرسة الدولية التي تديرها في دمشق مفتوحة، الامر الذي كان موضع تقدير كبير من الحكومة السورية. منذ اندلاع الحرب الاهلية في سوريا، اعتمدت باكستان سياسة الحياد وحضت الولايات المتحدة والقوى الغربية على تجنب استعمال القوات العسكرية في سوريا للحفاظ على سيادة سوريا وحماية اراضيها. تحاول باكستان تعزيز علاقاتها في سوريا في مختلف المجالات. وفقا لقدراتنا، نرغب في اعادة اعمار سوريا التي مزقتها الحرب، الا ان العقوبات الدولية المفروضة عليها تشكل عقبة امام المشاركة في مثل هذه النشاطات.
* كيف اثرت الانتخابات التشريعية التي حصلت منذ سنة على الوضعين السياسي والاقتصادي في باكستان؟ المرة الثانية في تاريخ باكستان وتحديدا منذ العام 1974 التي يتمم فيها البرلمان الباكستاني ولايته حتى نهايتها وهي 5 اعوام؟
– تتمتع الحكومة الجديدة التي تولت السلطة نتيجة للانتخابات التشريعية في العام 2018 بدعم شعبي واسع. اكملت الحكومة سنواتها الخمس وتعمل جاهدة على تحقيق رؤيتها. نتوقع ان يؤثر ذلك بشكل ايجابي على الظروف السياسية والاقتصادية في البلاد في السنوات المقبلة.
* ما تأثير ازمة كشمير التي اندلعت في آب الفائت على الوضعين السياسي والاقتصادي مع باكستان؟
– اثرت ازمة كشمير بشكل كبير على البلاد منذ سنوات عدة، وتسعى باكستان بفاعلية الى الحصول على دعم سياسي اوسع لقضية كشمير. كما قطعت باكستان علاقاتها التجارية مع الهند واستدعت مفوضها العالي منها منذ اندلاع الازمة الحالية في كشمير.
* كانت تهديدات من رئيس الحكومة الباكستانية عمران خان باللجوء الى حرب نووية مع الهند اذا لم تفك حصارها عن كشمير؟ هل لا يزال هذا الطرح ساريا بعد ان وعد الرئيس دونالد ترامب بالتدخل في اثناء انعقاد الجمعية العامة للامم المتحدة اخيرا؟
– حاول رئيس الوزراء لفت انتباه العالم الى كشمير التي تعد نقطة اشتعال نووية حقيقية بحيث انها ادت الى اندلاع ثلاث حروب بين باكستان والهند. في حال استمرت التوترات في الاشتعال، فان فرص التصعيد مرتفعة، ما قد يؤدي الى نشوء نزاع نووي بما ان كلا البلدين يملكان اسلحة نووية وانظمة ايصالها. في مناسبات عدة، عرض الرئيس ترامب التوسط بين باكستان والهند، الامر الذي رحب به رئيس وزرائنا. لكن على الرغم من ذلك، رفضت الهند قبول عرضه. يزيد الموقف الهندي الهجومي من التوترات، وفي حال بقي المجتمع الدولي غير مبال بالوضع في المنطقة، قد يؤدي ذلك الى حرب شاملة.
* هل ازمة كشمير واصطفاف معظم الدول العربية مع الهند له علاقة بتدهور العلاقات مع الرياض بعد ان رفضت اسلام اباد عام 2015 ارسال قوات عسكرية للمشاركة في حرب اليمن؟ وبعد ان آثرت الحياد في التحالف السعودي- الاماراتي- المصري ضد قطر واثر تحسين تعاونها مع ايران عبر الحدود المشتركة؟
– اعتقد ان هذا ليس هو الحال. لا تزال اسلام اباد تتمتع بعلاقات اخوية وثيقة مع الرياض، وموقفها واضح. نحن نلعب دور الوسيط في كلا الحالين. بدلا من ذلك، طلبنا من الولايات المتحدة ان تعمل كميسر بينها وبين ايران ايضا. لا تزال المملكة العربية السعودية تعتبر شريكا دائما، وقد تحسنت العلاقات بشكل ملحوظ بعد الزيارات الاخيرة التي قام بها كبار القادة من كلا الجانبين. دخلت باكستان والمملكة العربية السعودية حقبة جديدة من العلاقات الاستراتيجية والاقتصادية، بحيث اعلن سمو الامير محمد بن سلمان عن خطة استثمار تاريخية لتعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية. وعلى الرغم من علاقات الهند المتنامية مع دول الخليج، الا انها لا توفر بديلا من العلاقة التاريخية بين باكستان ودول الخليج.
* غالبا ما يشبّه الباكستانيون كشمير بوضع فلسطين المحتلة. ما القاسم المشترك بين هاتين القضيتين اي كشمير وفلسطين؟
– القاسم المشترك هو الحرمان من حق تقرير المصير والانتماء الى دولة. لقد ظل الكشميريون والفلسطينيون تحت وطأة القمع الوحشي لعقود. وتعتبر الابادة الجماعية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان في هاتين القضيتين ظاهرة شائعة. تؤكد باكستان ان نيودلهي تحاول تقليد النموذج الذي تمارسه اسرائيل في اراضي جامو وكشمير المتنازع عليهما.
* كيف صارت العلاقات مع الولايات المتحدة بعد فرض قيود متبادلة على ديبلوماسيين باكستانيين والعكس صحيح على ضوء ازمة افغانستان المستمرة؟
– كانت هذه القيود مؤقتة وتمت ازالتها في آب 2018. اعتقد ان الولايات المتحدة تدرك اهمية دور باكستان وجهودها في عملية السلام الافغانية. مهدت باكستان اخيرا الطريق لاجراء محادثات السلام بين الولايات المتحدة وطالبان في اسلام اباد، والتي من دونها تبدو عملية السلام الافغانية وسحب القوات الاميركية من افغانستان مستحيلة.
* تبدو علاقاتكم افضل بكثير مع الصين وروسيا. بماذا تتعاونون مع هاتين الدولتين وفي اي ملفات؟
– لطالما كانت علاقات باكستان مع الصين استراتيجية ومتعددة البعد، بينما تتحسن مع روسيا تدريجا. تعمل باكستان على تنويع خيارات سياستها الخارجية بالنظر الى الاعتبارات الاستراتيجية العالمية والتقاربات الناشئة في مختلف المجالات. باكستان الى جانب الصين وروسيا، هي عضو في منظمة شنغهاي للتعاون حيث نتداول في شأن امكانات توسيع التعاون المتبادل. روسيا مستعدة للمشاركة في الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني الذي اعتقد انه سيساعد بشكل كبير في تحسين العلاقات الثلاثية.
* ماذا عن الوساطة التي تقوم بها باكستان بين ايران والسعودية؟
– التقى رئيس الوزراء عمران خان في ايران مع المرشد الاعلى علي خامنئي والرئيس حسن روحاني، وقام بجهد يهدف الى كسر حدة التوترات المتصاعدة في الخليج في سياق وساطة بين الخصوم في المنطقة، اي ايران والسعودية. واكد ان الزيارة الى البلدين كانت بمبادرة باكستانية، وقال رئيس الوزراء عمران خان: “نحن نعترف بأنه شأن معقد، لكننا نشعر انه يمكن حله عبر الحوار. ما لا يجب ان يحصل هو حرب بين السعودية وايران”. من جهته، كرر الرئيس روحاني الموقف الايراني الرسمي بأن تعود الولايات المتحدة الى التزام الاتفاق النووي وان ترفع العقوبات قبل بدء اي محادثات. وعبّر الرئيس الايراني ايضا عن قلقه من الحوادث التي طاولت ناقلات نفط وخصوصا ناقلة النفط الايرانية في البحر الاحمر. وقد اجتمع الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان مع رئيس الوزراء حيث عبّر خان عن استعداد باكستان لتسهيل الجهود من اجل خفض التوترات وبغية حل الاختلافات والنزاعات عبر السبل السلمية. وشدد رئيس وزراء باكستان على اهمية تجنب اي صراع عسكري ومتابعة الالتزامات البناءة لجميع الافرقاء. للتذكير، تمنى الرئيس الاميركي دونالد ترامب ان يقوم رئيس وزراء باكستان كميسر بعمل ما بين الولايات المتحدة الاميركية وايران.
*نشرت هذه المقابلة في العدد 74 من مجلة “الأمن العام” عن شهر تشرين الثاني 2019