“مصدر دبلوماسي”: مارلين خليفة:
يعيد موقع “مصدر دبلوماسي” نشر هذا التقرير الذي نشرته مجلّة “الأمن العام” في عددها الرقم 73 الصادر في تشرين الأول 2019. لقراءة المزيد من مواضيع المجلّة الضغط على الرابط الآتي:
http://www.general-security.gov.lb/ar/magazines
يتخذ قسم رعاية المصالح الذي تديره دولة ثالثة لصالح دولتين متنازعتين قطعتا علاقاتهما الديبلوماسية حيزا رئيسيا اليوم في العلاقات الدولية، فنرى مثلا ان سويسرا تدير مصالح الولايات المتحدة الاميركية في ايران، وتشيكيا تدير مصالحها في سوريا. فمتى نشأت اقسام حماية المصالح؟ ما دورها وما هي صلاحياتها القانونية؟
تعتبر بعثات رعاية المصالح حديثة العهد في تاريخ العلاقات الديبلوماسية، تعينها دولة مرسلة لدى دولة قطعت معها العلاقات الديبلوماسية فتعمل عبر دولة ثالثة لرعاية مصالحها وتيسير شؤون رعاياها الى حين اعادة استئناف العلاقات الديبلوماسية.
تسمى هذه البعثة “البعثة المستفيدة” وتعمل تحت راية البعثة الديبلوماسية الدائمة، اي السفارة التابعة للدولة القائمة برعاية المصالح، وتستخدم اسم هذه البعثة في مخاطبة السلطات الرسمية للدولة المستقبلة.
تعيين دولة قائمة لرعاية المصالح ينشئ علاقة ثلاثية الضلع بين ثلاثة اطراف هي: الدولة القائمة برعاية المصالح والدولة المستفيدة (المرسلة) التي تطلب رعاية مصالحها واخيرا الدولة المضيفة اي المستقبلة والتي تمارس رعاية المصالح على اراضيها او على اراض تابعة لها.
يتم تعيين الدولة القائمة بموجب اتفاق بين الدولة المرسلة والدولة القائمة التي تختارها والتي يتوجب قبولها من الدولة المضيفة.
تختلف وضعية هذه الدولة عن مفهوم “الدولة الحامية” التقليدي في زمن الحروب، على الرغم من وجود قواسم مشتركة، لكنها لا تتمتع بسيادة او امرة على الدولة المرسلة او المستضيفة بل تهتم وديا بمصالح الاولى.
يخبر التاريخ الديبلوماسي بأن “الدولة الحامية” لعبت دورا منذ القرن التاسع عشر وتبلور دورها في الحربين العالميتين، اذ اضطلعت بحماية مدنيي الحرب والاسرى وضمان حد ادنى من العلاقات بين الاطراف المتحاربين. قامت سويسرا في الحرب العالمية الاولى بحماية مصالح 25 دولة، وارتفع العدد في الحرب العالمية الثانية الى 35 دولة.
للدولة الحامية دورها في زمن السلم ايضا، فقد لجأت اليها في ستينات القرن الفائت دول عدة نالت استقلالها حديثا، بسبب قطعها لعلاقات ديبلوماسية او تأميمها للاموال الاجنبية، فرعت الدولة الحامية مصالح الاطراف وساعدتهم على الاتفاق على تعويضات عادلة. توسع عمل الدول الحامية في حقبة الحروب، بسبب وجود مصالح للدولة المرسلة لها فشمل مقار البعثات والاموال والمحفوظات والرعايا واموالهم.
كذلك فهي ليست دولة تقوم بمساع حميدة، اي بالعمل الودي الذي تقوم به دولة ثالثة صديقة للطرفين بقصد التخفيف من حدة الخلاف بين الدولتين المتنازعتين، وايجاد جو اكثر ملاءمة لاستئناف المفاوضات والوصول الى تفاهم بينهما وليس لها شأن في العمل على تفادي نشوب نزاع مسلح او حل النزاع سلميا او الى وضع حد لحرب مندلعة.
تمثل البعثة الديبلوماسية التي تشكلها الدولة المرسلة لرعاية مصالحها في الدولة التي قطعت معها العلاقات وضعا مؤقتا، لكن في وسعها القيام باتصالات رسمية مستخدمة اسم الدولة القائمة برعاية مصالحها في مخاطبة السلطات الرسمية في الدولة المستقبلة.
يحق لرئيس بعثة الدولة الاتصال بالمسؤولين في وزارة الخارجية في الدولة المضيفة، ما لم تتفق الدولتان المعنيتان على خلاف ذلك. لا يجوز لهذه البعثات ان ترفع علم دولتها او شعارها على دار البعثة او منزل رئيسها او وسائل نقلها، اما حصانات البعثة وحصانات ممتلكاتها ووسائل اتصالاتها ومواصلاتها فقد جرى احترامها في العرف.
دخل مفهوم الدولة القائمة برعاية المصالح الى القانون الدولي العرفي ثم الى معاهدات القانون الدولي الانساني. وتم تضمينها في اتفاق فيينا للعلاقات الديبلوماسية عام 1961، اذ نصت في المادة 45 على انه: “تراعى في حالة قطع العلاقات الديبلوماسية بين دولتين او الاستدعاء المؤقت او الدائم لاحدى البعثات، الاحكام الاتية:
– يجب على الدولة المعتمد لديها، حتى في حالة وجود نزاع مسلح احترام وحماية دار البعثة وكذلك اموالها ومحفوظاتها.
– يجوز للدولة المعتمدة ان تعهد بحراسة دار البعثة وكذلك اموالها ومحفوظاتها الى دولة ثالثة تقبل بها الدولة المعتمد لديها.
– يجوز للدولة المعتمدة ان تعهد بحماية مصالحها ومصالح مواطنيها الى دولة ثالثة تقبل بها الدولة المعتمد لديها”.
اما المادة 47 فنصت على الاتي:
“يجوز لاية دولة معتمدة تطلب اليها ذلك اية دولة ثالثة غير ممثلة في الدولة المعتمد لديها، ان تتولى مؤقتا وبعد موافقة هذه الاخيرة حماية مصالح تلك الدولة الثالثة ومصالح موكلها”.
يقول الدكتور هادي المالكي من جامعة بغداد في دراسة عن الموضوع انه “اذا كان من الثابت انه في كل نظام قانوني يتصرف كل شخص باسمه ولحسابه الخاص، فانه في بعض الاحوال (كما في حال قطع العلاقات الديبلوماسية)، من الممكن ان يقوم شخص قانوني بالتصرف باسم ولحساب شخص اخر وبحيث تنسب اثار العمل القانوني الذي تم اتخاذه مباشرة الى الشخص الذي اتخذ العمل لحسابه، وهذه الظاهرة تعرف باسم التمثيل او النيابة، وهي ظاهرة مقبولة حاليا في كل الانظمة القانونية بما في ذلك النظام القانوني الدولي”.
وبحسب الباحثين الديبلوماسيين، تقوم الدولتان المرسلة والمستقبلة بعد قطع العلاقات الديبلوماسية بينهما بفتح قسم او شعبة لرعاية مصالح كل واحدة منهما في الدولة الاخرى يسمى قسم رعاية المصالح، او قسم الدفاع عن المصالح، او قسم المصالح Interest Section. يضم هذا القسم بعثة تابعة للدولة المرسلة تعينها من موظفيها (في المبدأ، لكن ليس ما يمنع ان تختار الدولة القائمة ديبلوماسيين من عندها لادارة المصالح)، والذين يكون من بينهم ديبلوماسيون واداريون بالعدد الذي تقتضيه رعاية مصالح كل دولة في الدولة الاخرى بعد الاتفاق معها على ذلك وعلى اساس المعاملة بالمثل وتعمل هذه البعثة (البعثة المستفيدة)، تحت راية البعثة الديبلوماسية الدائمة (اي السفارة) التابعة للدولة الحامية، اي التي تقوم برعاية مصالح الدولتين وتستخدم اسم البعثة في مخاطبة السلطات الرسمية للدولة المستقبلة.
كيف يتم تعيين الدولة الحامية او الراعية للمصالح؟
يتم تعيين الدولة القائمة برعاية المصالح بموجب اتفاق بين الدولة المستفيدة والدولة القائمة برعاية المصالح والتي يجب ان يتم قبولها من الدولة المضيفة بحسب كتاب “قطع العلاقات الديبلوماسية” لاحمد ابو الوفا، الصادر عن دار النهضة العربية عام 1991. الدولة المرسلة ليست ملزمة بحسب اتفاق فيينا والمادة 45، تعيين دولة ثالثة لرعاية مصالحها، وهي نصت على انه “يجوز للدولة المعتمدة ان تعهد … الى دولة ثالثة”. في هذا الاطار، يذكر ابو الوفا في كتابه انه “قد يحدث قطع العلاقات الديبلوماسية بين دولتين ولا يجري تعيين دولة قائمة برعاية المصالح لاحداهما او لكلتيهما. وهكذا منذ قطع العلاقات الديبلوماسية بين بريطانيا والبانيا عام 1946، لم تعين دولة تمثل بريطانيا لدى البانيا، وبعد قطع العلاقات بين مصر واتحاد جنوب افريقيا لم يتم الاتفاق على دولة ثالثة ترعى مصالح كل منها لدى الاخرى”.
كذلك فان صلاحيات الدولة المضيفة ليست واسعة في التأثير على عمل الدولة الثالثة الراعية لمصالح الدولة المرسلة. “فاذا كانت الدولة المستفيدة (اي المرسلة) هي التي تختار دولة ثالثة للقيام بهذه المهمة، (بموافقة هذه الدولة الثالثة بالطبع)، فان هذه الدولة الثالثة يجب ان تقبل بها الدولة المضيفة اي المستقبلة. لكن الاخيرة، لا تتمتع بسلطة مطلقة في هذا المجال، بل يترتب عليها ان تتصرف بطريقة معقولة وخصوصا في ظروف تنم عن وجود ازمة في العلاقات بينها وبين الدولة المرسلة. وعليها ان لا تمنع حسن سير عملية تعيين الدولة القائمة برعاية المصالح بأن تعلن عدم استعدادها لقبول اية دولة لرعاية مصالح الدولة المرسلة”.
في هذا الاطار تم انتقاد موقف اندونيسيا اثر قطعها العلاقات الديبلوماسية مع هولندا عام 1964 بسبب طلبها من السفارة البريطانية التي كانت مكلفة رعاية المصالح الهولندية ان تعتبر مهمتها منتهية، مع اعلانها في الوقت عينه انها ترفض رعاية هذه المصالح من اية دولة اخرى. (المصدر السابق – احمد ابو الوفا).
بالنسبة الى تعيين رئيس قسم رعاية المصالح، فهو لا يحتاج قانونيا الى موافقة من دولة المقر. لكن من الافضل سياسيا ان يتم التداول في شأنه بين الدولتين المستفيدة والدولة القائمة برعاية المصالح وبين الدولة المضيفة من جهة اخرى، لان هذه الاخيرة يمكنها الاعتراض على تعيينه، وقد جرى العمل على انه لا يزود اوراق اعتماد كما يتم نقله وفقا للقواعد المتبعة في الدولة المرسلة والخاصة بتنقلات اعضاء البعثة. وقد يتم ابعاد اعضاء بعثات الدولة المستفيدة بمعرفة الدولة المضيفة، ولكن من خلال الدولة القائمة برعاية المصالح.
تجدر الاشارة، الى ان وضع الدولة القائمة برعاية المصالح يختلف عن وضع المحميات سواء في ظل الحماية الدولية كالحماية الفرنسية على امارة موناكو او الحماية الايطالية على جمهورية سان مارينو، او الحماية الاستعمارية كالحماية التي اعلنتها بريطانيا على مصر بين عامي 1914 و1922، حيث يكون تمثيل الدولة الحامية عاما في ادارة العلاقات الخارجية للدول المحمية.
اخيرا، ما لم تعبّر احدى الدولتين صراحة عند القطع او بعده وقبل فتح هذه الاقسام عن نيتها في عدم فتح هذه الاقسام، وهذا قد يحصل في حال كان سبب القطع هو رغبة الدولة القاطعة في التخلص من وجود البعثة الديبلوماسية الدائمة للدولة الاخرى لديها لاشتراكها او اضطلاعها باعمال التجسس او تدبير مؤامرة انقلابية ضد حكومة الدولة المستقبلة او ما شابه، مع ذلك، وحتى فتح هذه الاقسام، فان الدولة المستقبلة ستبقى محتفظة بحقها في طلب سحب الاشخاص الذين تراهم غير مرغوب فيهم. وذلك بحسب المادة 12 من اتفاق البعثات الخاصة لعام 1969 والخاصة بالاشخاص المعلنين غير مرغوب فيهم او غير مقبولين.
كادر
سفارة فرنسا – قسم رعاية
المصالح اللبنانية في القاهرة
كلف لبنان فرنسا رعاية مصالحه لدى مصر اثر قطعه العلاقات الديبلوماسية مع القاهرة عقب اتفاق كامب ديفيد عام 1978. لكن المثير للاهتمام بحسب رواية احد السفراء الذين خدموا فترة طويلة في اثناء تلك الحقبة، ان لبنان قرر الاحتفاظ بمقر سفارته في القاهرة، لكنه كلف فرنسا رعاية مصالحه وتيسير شؤون اللبنانيين في مصر، فعمد الى نزع علمه عن مقر السفارة ووضع العلم الفرنسي مع تغيير اسم البعثة الى الآتي: سفارة فرنسا – قسم رعاية المصالح اللبنانية في القاهرة.
وكان السفير زهير حمدان هو المعتمد لبنانيا، ثم تلاه السفير عبد الرحمن الصلح الذي بقي لغاية عودة العلاقات الديبلوماسية وقدم اوراق اعتماده الى الرئيس المصري السابق حسني مبارك. وفي فترة ادارة فرنسا للمصالح اللبنانية درج ان يزور السفارة الفرنسية، كل ديبلوماسي فرنسي يشرف على وصول الحقائب الديبلوماسية اللبنانية الاتية من وزارة الخارجية في بيروت الى القاهرة ويحتسي القهوة – للشكل فحسب – وفق ما يروي الديبلوماسي اللبناني.
الى ذلك، تم نزع كل مظاهر سفارة لبنان عن المقر وكذلك عن الاختام والاوراق الديبلوماسية برمتها، حتى ان جواز سفر الديبلوماسيين دوّن عليه: سفارة فرنسا – قسم رعاية المصالح اللبنانية في القاهرة! وبقي لبنان يعمل تحت راية العلم الفرنسي حتى عودة العلاقات الديبلوماسية مع مصر.