“مصدر دبلوماسي”:- مارلين خليفة:
“مستمرّون بشراسة أكبر”، هذه هي العبارة التي يرددها ناشطون ومتظاهرون لبنانيون بعد الهجمة التي نفذتها مجموعة من مناصري بعض التيارات المناوئة للحراك الشعبي وقد دخل يومه الثالث عشر، ويتردد أن هؤلاء المهاجمين هم مناصرين لحركة “أمل” و”لحزب الله” وهم عمدوا الى حرق خيم المحتجين ودمروا كل ما أنشأوه من معالم توفر استمرارية حراكهم، وقد بدأوا هجومهم باعتراض على منع التجول وقطع الطرق في عدد من شوارع بيروت وخصوصا عند “الرينغ”.
قبل “الواقعة”، جلنا في ساحتي الشهداء ورياض الصلح، وكان المشهد جميلا: نساء أعددن فطورا منزليا من مناقيش ومعجنات واتين به تقدمنه للمتطوعين المحتجين، صبايا وسيدات من عائلات بيروتية وجنوبية معروفة كنّ تنظفن الساحات، شابات وشبان يفرزن النفايات بشكل حضاري، ثياب وضعت في ركن خاص للتبرع بها للفقراء، وجوه جامعية شابة مسرورة بأنها تتظاهر من أجل مستقبلها. يقول أحدهم لموقع “مصدر دبلوماسي”: “أخيرا، باتت لدي مساحة في “الداون تاون”، بعد أن جرّد الحريري (الرئيس الراحل رفيق الحريري) بمشروعه في سوليدير والدي من أملاكه في مقابل بضعة أسهم، فكبرت فقيرا فيما يتمتع سواي بأملاكي التي نهبت من أهلي”.
هنا وجع اللبنانيين يتمظهر بشعارات غاضبة، موزعة على الجدران وفي الشوارع، حتى تمثال الشهداء الشهير لونته اياد رسامين لبنانيين رفضوا حتى توقيع اسمائهم وخرجوا من ذواتهم كاتبين الثورة بألوان جميلة، هنا تعرّفنا الى الناشط اللبناني ضياء هوشر، إبن عكار، وطرحنا عليه كل الأسئلة التي تدور في خلدنا وفي ذهن الكثير من اللبنانيين الذين آمنوا بالحراك في أيامه الأولى ثم شككوا فيه بفعل ظواهر أبرزها مشاركة الميليشيات فيه وتسويقه من قبل مغردين واعلاميين تقع على عدد منهم ايضا شبهة الفساد والعمل لأجندات خارجية.
هنا، اكتشفنا، أنه يجب على الطبقة السياسية في لبنان أن تتخفّى وأن تزور هاتين الساحتين لكي تفهم فعليا ما هي مطالب الناس واوجاعهم، ولكي تعي أن هذه الإنتفاضة من الصعب جدا اخمادها، كي لا نقول من المستحيل اطفاءها.
هوشر: الثورة حصان جامح ستوقع من يمتطيها
يقول الناشط اللبناني ضيا هوشر وهو يعالج جرحا كبيرا تحت عينه جراء ضربة نالها اثناء تدافع حصل قبل أيام :” نحن لم نصل الى مرحلة الثورة بعد وهي تعني تغييرا شاملا من القاعدة الى الرأس، نحن اليوم بإنتفاضة وهي مميزة عما سبقها من انتفاضات لأنها عفوية صدمت السلطة كما صدمتنا. لم نصل بعد لمرحلة الثورة، لأن التغيير الشامل يعني الغاء نظام وإقامة نظام جديد. بعض الموجودين هنا يطالبون باسقاط النظام لكن شكل المطالب العام هو اسقاط الحكومة، وقيام حكومة انتقالية من أخصائيين يعدون لإجراء انتخابات برلمانية في غضون 3 أشهر وهي مطالب موحدة وقد صدر بيان بها ربما لم يتم تعميمه بالشكل اللازم.
*هل من الممكن أن تقبلوا بحكومة يعيد تشكيلها سعد الحريري؟
-لا مانع لدينا.
*يبدو أن ثمة شخصيات تحيدونها؟
-لا أحد محيد، بالعكس. سأصف لك الوضع هذه انتفاضة شعبية عفوية هي أشبه بحصان هائج لا احد يمكنه أن يقترب منه أو يمتطيه، أي شخص يقترب منه سوف يدهسه، ومن يحاول أن يطلع عليه سيقع.
*بعض الميليشيات امتطته؟
-لا البتة، هذا الحصان يدخل في الحيطان ونحن الأدرينالين الخاص به. لا أحد يوجهه اليوم إلا السياسيين الذين يستخدمون معنا الإرهاب السياسي، والقمع السياسي والتخويف السياسي، كلما نطق مسؤول بخطاب سواء رئيس الجمهورية او جبران باسيل أو سعد الحريري تمتلئ الناس اصرارا أكبر على ازاحتهم وانهاء الحالة الموجودة.
*لم لم تنظموا أنفسكم بوفد للتفاوض مع السلطات المختصة كما طلب رئيس الجمهورية؟
-لا أحد من داخل الحراك يتجرّأ على تبني هذه الحالة الجماهيرية، نزل الى الشارع يوم الأحد الفائت 800 ألف شخص دفعة واحدة، ووقفوا بساحتي الشهداء ورياض الصلح باستثناء المناطق المتفرقة، ولا أعتقد أنه يمكن لأحد تبني هؤلاء. هنالك 20 في المئة منهم لديهم مطالب شخصية، و20 في المئة مطالبهم خدماتية، ويوجد 60 في المئة من المتظاهرين لديهم مطالب سياسية ويريدون الذهاب في اتجاه عقد اجتماعي جديد. فكل هذه الطبقة الموجودة لا طائل منها. ولا يمكن أن نعيش بعد بحالة عايشناها 80 عاما.
*لكن، من الواضح أن السلطة لن تتجاوب معكم؟
-إن السلطة في لبنان لا تعطي
Pass
للشعب في الشارع.
*لكن هذا الحصان قد يدخل البلد في المجهول؟
-لا، لن يفعل ذلك، لغاية اليوم لا نزال نغني ونرقص، ولست شخصيا مع المشهد الفولكلوري لكنه هزّ البلد واليوم نحن في اليوم الـ13 مما يظهر كم أن هذه الدولة هي “بسكويت” تحتاج الى “نكزة” لكي تهرّ. إن هذا الفولكلور هز البلد، ولا شك أن هذه الإنتفاضة ستعمل انعطافة أساسية، في غضون أيام. ونفاجأ اليوم أن السلطة تمارس كذبا واضحا وعلنيا وتعمد الى زيادة اسعار بعض السلع بشكل غير مفهوم قرابة الخمسين والستين في المئة. هل من أحد يجيبنا لم لا تفتح المصارف، هذا يعني أنه توجد أزمة يحاولون الآن أن يرمونها علينا ونحن نعتصم يوميا أمام مصرف لبنان. وهنا أشير أنه يوجد أمر أكبر من طاقة الإعلام أن يغطيه.
حصلت صدمة تشكلت عندنا كما ضربت السلطة، نحن واكبنا هذه الصدمة بابتسامة لكنها سببت للسلطة خوفا ورعبا، فكل فاسد في هذه الدولة سواء أكان صحافيا أو سياسيا سيخاف.
*ألا تعتقد أن الإعلام الذي يفتح الهواء للإنتفاضة 24 ساعة يقبض من جهات معينة يقال أنها دول؟
-تغير الإعلام، كان بإمكان الإعلام أن يوجه الناس قبل 10 أعوام، اليوم حلّت مكانه السوشال ميديا وهي التي توجه الشباب وجميع الناس. فأي حدث تغطيه السوشال ميديا ويغيب عنه الإعلام يكون فعالا ويحدث تغييرا.
*لكن نوعية التغطية التلفزيونية وأسلوبها يشيران الى وجود دول قد تكون اتخذت من الحراك مطية لأجندتها الخاصة؟
-هذا ممكن، ولكن أقول لك وبتحليل شارع، لو وجدت الدول سبيلا الى الحراك لكانت فكّت ارتباطها مع السلطة وشبّكت معنا، لم تجد الدول سبيلا للدخول الى الحراك. توجد مجموعتين أو ثلاثة من الحراك لديها هذه النيّة، ونحن نعرفها تماما، ولكن اقول لك أن حزب سبعة مثلا لم يحشد في الشارع أكثر من 15 شخصا وهذا ظهر في اعتصام أمام وزارة الشؤون الإجتماعية. وأقصى حشدهم هنا لا يتعدى يوسطتين ويدفعون إيجارها. وهنالك مجموعات أخرى تحاول حرف الحراك لكنها ليست بارزة. وبرأيي واشدد لا احد سيتمكن من امتطاء هذه الفرس ولن يكمش أحد الحبل الخاص بها.
*لكن هذه الفرس قد تدهور لبنان؟!
-لا، لن تدهور لبنان، نحن نغني لغاية الآن، وهم يمارسون علينا اقسى أنواع الترهيب. اقفال الطرقات لا يقوم به سمير جعجع، جعجع إذا نزل بشبابه لا نفتعل معه مشكلا . وطلعت بنت في الزوق ورفعت يافطة ضده ووصفته بأنه صهيوني. احتج في الذوق وجونيه 7000 شخص ونزل 800 قواتي فقط. يجب أن يطمئن الناس، فلا احد يمكنه أن يقترب من هذه الفرس لأنها ستدهسه.
لا مجموعات ولا مسؤولين لا ناشطين ولا حزبيين، وأنا ناشط من 2011 وأدرك جيدا ما أقول.
*بعض المجموعات ومنها من المجتمع المدني ليست نقية وتسبب شكوكا في الحراك؟
-نعم، ونحن نعرف هذا الأمر، وهذا أقصى حد نزّلت فيها إحدى المجموعات 80 شخصا. لا أحد يمكنه أن “يغمر” هذه الناس”. وهنا أشخاص نزلوا فرادى. وقد بدأت الإنتفاضة على مرحلتين المرة الأولى لما نزل رجل عجوز الى الشارع وحكى عن معاناته قبل اسبوع من الإنتفاضة، وحضنه وزير الصحة، ثم نزلنا يوم الخميس مساء (في 17 الجاري) وتفاجأنا بأعداد الذين نزلوا، وأنا يومها نمت في الشارع عفويا ولم أكن أحمل اي زاد أو ثياب،وبقيت في الشارع منذ ذلك اليوم. ثم استقدمنا خيمة.
*هل يوجد تمويل من سفارات معينة؟
-سبق وقلت لك، كل يوم يأتي متطوعون. ولكن بعض السفارات تستغله بالسياسة، كما أن السلطة تمارس علينا كل أنواع الإرهاب النفسي والفكري من خلال التخوين الذي يرمونه علينا. لو وجدت سفارة سبيلا لها الى الحراك لكانت فكّت ارتباطها معهم. قد يتم استثمار الحراك في الخارج بضغط معين، لكن أؤكد لك مهما تم القيام به من استثمارات خارجية وداخلية ومن فوضى بناءة أو عفوية فالسلطة هي التي تتحمّل مسؤوليته.
*ماذا تقول أخيرا؟
-نحن مصممون على الإكمال، وهذا يزرع أملا بكثير من الناس التي لم تنزل بعد.