*تسييس الحراك ضد سلاح المقاومة مقتل له إذ يطيح الإنجازات المطلبية ويقسم المتظاهرين
“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
لا توجد فجوة بين مطالب الحراك الشعبي اللبناني الذي انطلق في 17 الجاري وبين “حزب الله”، ويتبنّى “الحزب” مطالب الجمهور اللبناني من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب وسيشكل رافعة لها داخل مجلس الوزراء. أبعد من ذلك، يرى “حزب الله” أن حراك اللبنانيين جاء مساعدا له في ترويج أفكار طالما طرحها على شركائه في مجلس الوزراء وقوبل بالرفض أبرزها الإمتناع كليا عن فرض ضرائب أو فرض زيادة أكبر على ضريبة القيمة المضافة أو ضرائب تطال الهاتف وسواها من القطاعات اتي تطال الفقراء وذوي الدخل المحدود، واستبدال ما ستجنيه بمعالجة مكامن الهدر مثل التهرب الضريبي والأملاك البحرية والمصارف. وبالتالي، فإن أبرز ما حققه الحراك الشعبي على سبيل المثال لا الحصر هو سقوط “الخط الأحمر” عن المصارف.
تشير أوساط عليمة بمناخ “حزب الله” لموقع “مصدر دبلوماسي”، بأن “الحزب” يترقب حاليا ردّة فعل المحتجين على الورقة الإصلاحية التي سيعرضها رئيس الحكومة سعد الحريري عليهم اليوم وهي تشكل خلاصة توافق بين القوى السياسية كلّها باستثناء “القوات اللبنانية”. وتقول الأوساط أن هذه الورقة ستشكل إدانة إضافية للطبقة السياسية لأنها تأتي متأخرة، لكن بعرف “الحزب” “أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا”.
يطالب “حزب الله” منذ أشهر عبر وزرائه ونوابه وخصوصا عند بدء نقاش موازنة 2019 بإلحاح بعدم فرض ضرائب جديدة على اللبنانيين لأنه لم تعد لديهم قدرة على الإحتمال، لكنه لم يلق آذانا صاغية. اليوم، تأتي التظاهرات الشعبية غير المسبوقة في تاريخ لبنان لترغم المعترضين على القبول بمطالب واصلاحات، وهو ما يعتبره الحزب انجازا، إذ لم يحدث منذ عام 1992 أن تغيرت فكرة العلاج من الضريبة لتمويل الإنفاق العام الى اصلاحات أكثر جدية.
برأي “حزب الله” أن ولادة هذه الورقة شكل انجازا حقيقيا لأن تظاهرات الناس هي التي سمحت بالضغط على المعنيين ومنهم رئيس الحكومة سعد الحريري الذي “سلّفه” “حزب الله” رفضا لاستقالته، فقبل مطالب الناس بعقل منفتح واستجاب أمام الضغوط التي مارسها المتظاهرون. وبالتالي، يقف المتظاهرون اليوم أمام خيارين بحسب قراءة الأوساط العليمة بمناخ “حزب الله”: إما الرفض أو القبول. إذا قبل المتظاهرون الورقة فسيعدّ الأمر انجازا غير مسبوق لهم، على أن يبقوا مستنفرين في حال التلكؤ عن تنفيذها. أما إذا رفضوها فسيكونون قد ضيّعوا فرصة حقيقية لن تتكرر. يرى “الحزب” أن لا أفق حقيقيا للتظاهر في الشارع، له تجربة خاصة في هذا الشأن عندما بقي في الشارع عاما ونصف العام من دون أن يتمّكن من اسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. وبالتالي إذا كان الهدف هو استقالة حكومة سعد الحريري فهي لن تستقيل، أما الإطاحة برئيس الجمهورية فهي غير واردة اطلاقا. وهذا ما سيجعل الحراك أمام مأزق حقيقي، عاجزا عن تحقيق نتائج، وهو ولو بقي لفترة طويلة فلن يغير شيئا.
وتنبه الأوساط، الى أن الوضع الإقتصادي سيء جدا فيما الحكومة موجودة بكامل قدرتها على العمل، وفي ظل حكومة تصريف أعمال قد يقفز الدولار قفزات إضافية ستطيح بما تم الحصول عليه من مطالب بفارق العملة.
الى ذلك، من المحتمل أن تحصل توترات اجتماعية وضرب للإستقرار الأمني، فضلا عن أن الجيش سيكون عاجزا عن ضبط الأمن بسبب غياب القرار السياسي إذا استقالت الحكومة. لذا تستخلص الأوساط أنه من الأفضل القبول بالورقة الإصلاحية العتيدة، على أن تضاف إليها مطالب أخرى لتتحقق والكرة هي في ملعب المتظاهرين. يكمن التحدي حاليا في تمكن الرئيس الحريري من شرح هذه الورقة مع رئيس الجمهورية للمتظاهرين الذين قد يبقى بعضهم في الشارع الى حين. والامور غير واضحة تماما وسط حراك لا يزال لغاية الآن تقوده شخصيات “معقولة” بحسب معلومات “حزب الله”، الذي رصد في اليومين الأخيرين محاولات بعض وسائل الإعلام ومنها “سكاي نيوز عربية” وال “أم تي في” محاولة لتسييس الحراك وحرفه عن هدفه من مطالب معيشية لتحميل المسؤولية الى سلاح “حزب الله”. وتشير الأوساط العليمة بمناخ “حزب الله” الى أن تسييس الحراك الشعبي وتحويله ضد “حزب الله” سيشكل مقتلا له، لأن هذا التسييس سيجعله ينقسم الى قسمين أو أكثر ولن يعود فعّالا مطلبيا، فالحزب لغاية اليوم يتبنى وجهة نظر المتظاهرين في مجلس الوزراء أما إذا حاول البعض حرفه فسيكون للحزب كلام آخر. من جهة ثانية، يبدو أي تعديل وزاري صعبا حاليا، مع أن “حزب الله” كان يتمناه فعليا لكن العقبة تكمن في التوازنات الطائفية وتوزيع الحقائب وهو غير ممكن، أما الإطاحة بوزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل فهو أمر غير مطروح.