“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
رفع وزير الخارجية والمغتربين ورئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل بطاقة حمراء بوجه من يحاصرون عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون معلنا أمس أنه ذاهب الى سوريا. شكل هذا الإعلان المفاجئ صعقة كهربائية لكل مناوئي عودة العلاقات الرسمية بين الدولتين والتي تراجعت بشكل ملموس منذ اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري عام 2005 وهي شبه منقطعة منذ اندلاع الحرب السورية عام 2011، وتستمر بفعل تواصل رسمي وحيد هو عبر مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم مكلفا من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
لمذا قرر جبران (كما يناديه مناصروه الشباب من العونيين) الذهاب الى سوريا؟ لماذ اختار هذا التوقيت وهو بطبيعة الحال نال رضى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون؟
قبل هذه الفترة، كان جواب باسيل لسائليه عن هذا الموضوع بأنه لن يذهب الى سوريا من دون قرار من الحكومة اللبنانية، لأنه لا يريد انقسامات في البلد، ولم يكن الضغط الأميركي بعيدا من هذا القرار الذي لاقى ايضا تغطية من رئيس الجمهورية.
يعتبر البعض أن لقاء الساعات السبع بين باسيل وأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله منذ ايام كان حاسما في اتخاذ هذا القرار، وهذا لا شك صحيح. فعملية “قلب الطاولة” التي تشن على عهد عون وحلفائه تدريجيا من الداخل والخارج أوصلت الأمور الى نقطة اللاعودة.
ولكن هنالك أسباب أخرى. فقد وصل الوضع الإقتصادي الى الإنهيار، تم تجفيف الأسواق من الدولار الأميركي بطريقة غير متوقعة ومفاجئة بل مشبوهة. فجأة، بدأ اللبنانيون يقطفون ثمار أعوام مديدة من سوء الإدارة والهدر والفساد، وفجأة وهذا الأهم بدأت الدول الإقليمية تعيد حساباتها بعد أن تبين أن الراعي الأميركي لن يدخل في حرب ضد ايران وقد وصلت مسيراتها الى عمق الأراضي السعودية، الى شركة أرامكو ولم تحرك أميركا ساكنا.
بالنتيجة الجميع يعيدون حساباتهم، وقد وصف الصحافي الأميركي توماس فريدمان في مقالة في “النيويورك تايمز” نشرها منذ أيام ما حصل في 14 ايلول في المملكة العربية السعودية بأنه “بيرل هابر حقيقي” قائلا:” وصف بعض الاستراتيجيين الإسرائيليين العملية بأنها “بيرل هاربر” الشرق الأوسط، فـ”أيا كان الشخص الذي جاء بهذه الفكرة فإنه حصل على زيادة في الراتب، ولم يكن هذا العمل الجريء ليحدث بطريقة أفضل من هذه؛ لأنه أدى إلى حالة من الهلع في العواصم العربية وإسرائيل، وأدى إلى ارتفاع الصوت تسمعه دائما عندما تخطئ الطريق من المساعد الآلي (إعادة حساب، إعادة حساب، إعادة حساب)، فكل دولة في الشرق الأوسط تقوم بإعادة النظر في استراتيجيتها الأمنية بدءا من إسرائيل”.
وبالتالي، كان يجب على لبنان الداخلي ايضا إعادة حساباته، ووقف مساعدة مناوئيه بحصاره، فإذا كان الخارج يحاصر عهد عون، فإن البعض في الداخل يساهم بخنق هذا العهد ايضا اقتصاديا وماليا، والخطوة التي قام بها وزير الخارجية بإعلانه انه ذاهب لسوريا هي حاسمة وهي رسالة لبعض الداخل اللبناني بأن يكف عن حصار لبنان واللبنانيين، والى الخارج وحتى الى الأميركيين الذين ينفذون عقوبات قاصمة ضد لبنان بأن يكفوا عن ذ لك وأن هذا الحصار يستطيع اللبنانيون ان يكسروه عبر اعادة تفعيل العلاقات مع سوريا.
علما، بأن باسيل كان ينتظر تفويضا صريحا من مجلس الوزراء وقد طرح موضوع العلاقات اللبنانية السورية على طاولة مجلس الوزراء أخيرا، وشرح وزير الأشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس الأمر بصراحة لرئيس مجلس الوزراء سعد الحريري لجهة ان السوريين لن يقبلوا حلحلة اية امور تتعلق بالترانزيت والرسوم وسواها إلا بقرار من مجلس الوزراء اللبناني، ووعد الحريري بدراسة الموضوع.
وتشير أوساط سياسية سورية متابعة لموقع “مصدر دبلوماسي” بأن “الوزير باسيل مرحب به في سوريا، ومن المرجح ان يلتقي رئيس الجمهورية السورية بشار الأسد كما يفعل جميع وزراء الخارجية”.
ورجحت الأوساط أن يتم اللقاء هذا الأسبوع من دون ان تؤكد ذلك، لكنها لفتت الى أن” الدولة السورية التي باتت تسيطر على مجمل اراضيها لن ترضى بحل أية مسألة مع لبنان إلا بقرار من مجلس الوزراء وحتى لو اضطر لعرض الأمر على التصويت”. لافتة الى أن الوزير باسيل “المرحب به دوما سيكون مضطرا سواء قبل ذهابه الى سوريا او فور عودته منها أن يستحصل على قرار من مجلس الوزراء إزاء اي موضوع مطروح للحل سواء مسألة النازحين السوريين او الرسوم او ضبط الحدود او سواها، ومن المجدي تفعيل لجنة مشتركة لبنانية سورية لحل هذه المسائل كلها”.
في ما يأتي 6 اسباب تؤكد ضرورة زيارة باسيل لسوريا لاعادة تفعيل العلاقات السياسية معها بشكل رسمي علما بأن العلاقات الدبلوماسية تسير بشكل عادي وهنالك سفير لبناني في دمشق وآخر في بيروت، ومن دون أن ننسى الدور الذي تلعبه الأمانة العامة للمجلس الأعلى اللبناني السوري المعنية بتنفيذ بنود معاهدة الاخوة المشتركة والاتفاقيات المنبثقة عنها، والتي لم تتوقف يوما عن متابعة التعاون وتنفيذ المقررات وحل الأمور العالقة بين البلدين:
*تمتد الحدود اللبنانية السورية المشتركة 375 كلم مربع وهي تشكل السواد الاعظم من الحدود المشتركة، هذه الحدود عرضة للخرق وللتسلل من قبل الارهابيين من نقاط عدة وخصوصا اولئك الذين يتفلتون من السجون سواء لدى الاكراد او من مسارب غير شرعية اخرى والتنسيق ضروري بين الدولتين لادارة متكاملة للحدود تحمي لبنان من تسلل المقاتلين الارهابيين.
*لن يقبل السوريون بعودة النازحين الموجودين في لبنان بشكل كثيف إلا عبر آلية رسمية بين الحكومتين تقر خطة شاملة للعودة عبر لجنة مشتركة وبقرار من مجلس الوزراء اللبناني. نجح الأمن العام اللبناني لغاية اليوم بإعادة قرابة الـ365 ألف نازح سوري، لكن أية عودة شاملة لن تكون إلا بخطة شاملة.
*في الأول من الشهر الجاري أعادت دمشق وبغداد فتح معبر القائم – البوكمال على الحدود السورية – العراقية، وهو حيوي لتصدير المنتجات اللبنانية عبر الحدود السورية الى العراق وسواه من دول الخليج، لغاية الآن يفرض السوريون رسوما باهظة على الشاحنات اللبنانية تصعب تصدير منتجات لبنان، والتنسيق بين الدولتين سيكون في صالح المزارعين اللبنانيين.
*تقع بين سوريا ولبنان خمسة معابر جميعها تحت سيطرة الحكومة السورية، وهي: جديدة يابوس – المصنع، والدبوسية – العبودية، وجوسية – القاع وتلكلخ – البقيعة، وطرطوس – العريضة. وتوجد على طول الحدود معابر كثيرة غير شرعية، معظمها في مناطق جبلية وعرة، بحسب تقرير سابق لوكالة الصحافة الفرنسية واي ضبط لها يحتاج لتنسيق بين الدولتين.
*بدأت الدول برمتها ترسم خططها للمشاركة بإعادة اعمار سوريا، الصين روسيا السعودية الإمارات وسواها. شارك في معرض إعادة الإعمار اخيرا في سوريا 40 رجل اعمال اماراتيا، لم يلتفتوا الى اية تحذيرات اميركية بتوجيهات من قيادتهم لان مصلحة بلدهم قبل مصالح اية دولة اخرى تخرج من المنطقة بلحظة واحدة كما فعلت الولايات المتحدة الاميركية، وبالتالي على لبنان ان يعتمد لغة المصالح.
*لبنان بلد سيكون منتجا للغاز والنفط، وهنالك مصلحة بالتعاون مع سوريا لنقل منتجاته، ومن أجل حل المشاكل الموجودة في المنطقة الحدودية الخالصة بين البلدين والتي تحتاج الى جلوس خبراء من البلدين على طاولة واحدة لحلها علانية وليس خلف الكواليس.