“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
تستمر العملية العسكرية التركية ضد المجموعات الكردية التي تسيطر على الشمال الشرقي السوري منذ ثلاثة ايام بعد تخلي الولايات المتحدة الاميركية عن حلفائها الاكراد وعودة هؤلاء الى السيادة السورية، في شكل يوحي بأن واشنطن تريد ان تسيطر تركيا على شمالي شرقي سوريا ومناطق شرق الفرات لكي تعمل على اعادة ما يقارب الـ4 ملايين لاجئ سوري الى هذه المناطق بعدما تحولوا الى عبء اقتصادي حقيقي على تركيا وبات وجودهم يؤثر على المستقبل السياسي لحزب العدالة والتنمية والرئيس رجب طيب اردوغان.
ويبدو ان التوغل التركي مدروس بـ32 كيلومتر مربعا بحسب المعلومات، التي تشير ايضا الى خطر تحرير الاكراد لـ12 الف داعشي موجودين في المناطق الكردية، حيث فرّ عدد كبير من ارهابيي تنظيم “داعش” من السجون منهم معتقلين في سجن “نفكور” الواقع عند الاطراف الغربية لمدينة القامشلي ذات الغالبية الكردية. واكدت تقارير اعلامية ان “مخيم الهول” الذي يضم الآلاف من عائلات الدواعش شهد محاولات هروب نفذتها نساء. لكن، كيف تنظر تركيا الى وجودها في سوريا؟ لماذا الضوءين الروسي والاميركي لها؟ وكيف تطورت سياستها الخارجية في الأعوام الأخيرة؟ وماذا عن وطأة ملف اللاجئين؟
تبدل جذري
تبدل السياسة التركية نحو شرق المتوسط كان عنوان ندوة دعا اليها أخيرا “معهد الدراسات المستقبلية” ومديره إيلي شلهوب حيث التقى الأستاذ الجامعي والباحث الإستراتيجي التركي في جامعة اسطنبول الدكتور كيفانك أولوسوي عددا من الباحثين والإعلاميين وتحدث في ندوة عن “السياسة الخارجية التركية في شرق المتوسط” بتمهيد من الباحث الزميل ميشال أبي نجم.
تتبدل السياسة الخارجية التركية بشكل جذري، فقد تحولت من الإهتمام بمسألتي قبرص واليونان حيث كان شرق المتوسط جزءا هامشيا من المسألة القبرصية، ومع نهاية الحرب الباردة في تسعينيات القرن الفائت، بدأ التفكير ضمن المؤسسة العسكرية التركية بمسألتي الشرق الأوسط والقوقاز.
يشير أولوسوي الى أن تركيا توجهت بعد هذه الحقبة نحو الإتحاد الأوروبي الذي فتح باب العضوية لها في قمة هلسنكي وتعززت العلاقات التركية الأوروبية وسط شعور أوروبي بأن تركيا قادرة على أن تلعب دورا في دمقرطة البلدان. وإثر تبدل المزاج الاوروبي والغربي ضد تركيا عام 2011 بسبب تآكل النفوذ الأوروبي في تركيا بشكل كبير وبسبب الإكتشافات النفطية والغازية في اسرائيل حصل صعود للحالة الكردية في الإتحاد الأوروبي بسبب فشل المحادثات في شأن قبرص التركية. فقد بدأت المفاوضات مع الإتحاد الأوروبي عام 2006، لكن معظم الترتيبات بانت مشلولة ولم يحصل تقدم. وبالتالي كان الموقف الأوروبي واضحا عام 2011.
حتى عامي 2004 و2005، وفي كل الصراع مع قبرص لم يكن النقاش حول الغاز مطروحا بل كان الصراع حول ملفات مختلفة.
في عامي 2005 و2006 اندلعت خلافات حول عضوية تركيا في الإتحاد الأوروبي، وتبدّل ملف العلاقات وساد التوتر الذي زاد مع اكتشاف الغاز، وبدأت تركيا ترسل سفنا حربية للإشراف على استخراج الغاز.
2010 عودة الطموحات الاقليمية لتركيا
عام 2010 سقط الرهان على الإتحاد الأوروبي، وعادت طموحات تركيا الإقليمية التي بدأت تتناقض مع طموحات دول أوروبية وازنة في طليعتها فرنسا التي كانت تطمح أيضا الى توسيع نفوذها في الشرق الأوسط. وحصل أن الولايات المتحدة طلبت مصالحة تركيا مع اسرائيل في حين رفضت تركيا ذلك.
وحصل تغيير في السلطة، فقد عيّن أحمد داوود أوغلو وزيرا للخارجية ودخلت فكرة العثمنة. طرحت فكرة العثمنة عامي 1997 و1998 أي قبل أوغلو من باب ايجاد هوية جديدة، لكن طرحها بعد 2010 أريد من خلاله من السلطة أن تتحول تركيا الى “الأخ الأكبر” لدول القوقاز والمنطقة.
كانت لدى السلطة وسيلتين اثنتين، أولا القوة الناعمة اي الإقتصاد، فأبرمت تركيا اتفاقيات مع سوريا ، والأداة الثانية تمثلت بالإخوان المسلمين، واستخدمت تركيا ذلك في القوقاز وفي الشرق الأوسط والبلقان. إستمرّ هذا المنهج 5 أعوام وانتهى مع المحاولة الإنقلابية عام 2016.
أزمة اللاجئين
تتبدل السياسة التركية اليوم بشكل جذري، وخصوصا وأن رجب طيب اردوغان مطالب اليوم بعودة ما يزيد عن المليون لاجئ سوري كمرحلة اولى سواء الى جوار إدلب أو الى المناطق العازلة المحيطة. توجد اليوم 3 مقاربات للسياسة الخارجية التركية تحاول تركيا انجازها وبالتالي توجد اليوم 3 مرتكزات جديدة للسياسة التركية في المنطقة بحسب أولوسوي:
أولا، إعادة وصل العلاقات مع أوروبا، وهذا مهم جدا لأن تركيا وأوروبا وقّعتا معاهدة حول اللاجئين وبالتالي من المجدي أيضا استئناف المحادثات مع الإتحاد الأوروبي حيث توجد ملفات مشتركة أبرزها الغاز في الشرق الأوسط واللاجئين وانتخابات قبرص.
ثانيا، تحسين العلاقات مع مصر واسرائيل لأن شرق المتوسط هو أرض استراتيجية لتركيا لأسباب اقتصادية، ولكنها لا تستطيع التحرّك فيها بحسب اولوسوي لأن تركيا عاجزة حاليا عن التفاهم مع حكومتي بنيامين نتنياهو وعبد الفتاح السيسي.
ثالثا، يتعلق بملف ادلب واللاجئين. يوجد 4 ملايين لاجئ في تركيا، تريد اعادتهم الى سوريا. وهي تقف أمام خيارين: إما الإنسحاب أو التورّط، وهذا يتطلّب تدخّل الجيش التركي للقيام بذلك. هل يجب الدخول في الوحل السوري؟ وقضية الغاز في الشرق الأوسط مسألة استراتيجية؟ إن تركيا أمام مأزق لأن مصالحها ترغمها على مزيد من التورط في الشرق الأوسط، لكنّ الشعب التركي يرفض هذا التورط ويبحث عن خيارات أخرى لمشاكل اللاجئين وهو خائف من الهجومات الإرهابية، وهذه المشكلة بين القيادة والشعب كانت السبب الرئيسي لخسارة حزب العدالة والتنمية في الإنتخابات الماضية مجموعة من المواقع الأساسية وذلك بسبب ردّة فعل الشارع حيال ملف اللاجئين.
تنسيق تام مع روسيا
يبدو التنسيق بين تركيا وروسيا قويا، وخصوصا وان روسيا شريك تجاري مهم لتركيا، وبحسب اولوسوي انه في الإجتماع الأخير بين الرئيسين رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين ظهر بأن الحكومة السورية كانت راضية بسيطرتها على طرق بين حلب واللاذقية توصل الى دمشق. وبالتالي فإن الأمر كاف من الناحية الإستراتيجية للحكومة السورية التي استعادت الى سلطتها 3 مدن رئيسية، ولديها الآن قاعدة اقتصادية رئيسية للدولة، لأنه بلا هذه الطرق السريعة لم تكن الدولة السورية قابلة للحياة وبالتالي كان الأمر مهما لسوريا.
ازاء هذا الواقع باتت المناطق العازلة هي طريقة لكي ترسل تركيا اللاجئين اليها فترضي الأوروبيين وتنال المال الذي تريده، وتتخلص في الوقت ذاته من عبء اللاجئين الذين باتوا يؤثرون عليها سياسيا كما سبق؟ يجيب اولوسوي بصوابية هذا التحليل، مشيرا الى:” إن الأوروبيين ليسوا معنيين لغاية الآن بمنح دعمهم لخطة أردوغان، وبعض أعضاء الإتحاد الأوروبي كما فرنسا، هي في حالة صدام حقيقية مع اردوغان وتركيا في الحسابات الخاصة بهذا الموضوع، لذلك هدد أردوغان الأوروبيين بأنه سيرسل جميع السوريين اليهم. وهذا كان طريقا محليا.
لا يتعلق الأمر بتركيا فحسب بل يحتاج الى دعم أوروبي لهذه الخطة، وللإقرار بخطة أردوغان السورية، أما إذا وجد أردوغان المال، فهو سينفذ خطته بنفسه” بحسب اولوسوي.
فيتو أميركي روسي مشترك
في 10 الجاري، أي عند بدء العملية التركية أحبطت الولايات المتحدة، وروسيا، مشروع بيان يدين عملية “نبع السلام” التركية في شمال شرق سوريا.
وجاء رفض الولايات المتحدة وروسيا، المقترح الذي تقدمت به 5 دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، خلال جلسة مغلقة لمجلس الأمن الدولي.
وطالبت الدول الخمس مناقشة المستجدات شمال شرقي سوريا، وعملية نبع السلام التركية شرق الفرات، في اجتماع مغلق.
وفيما أدانت ألمانيا العملية “بشدة”، اقترحت بعض الدول إدانة مجلس الأمن الدولي لعملية نبع السلام، بحسب مصادر دبلوماسية تركية للأناضول.
غير أن الولايات المتحدة وروسيا لم توافقا على المقترح، ولم يستخدم كلي البلدين عبارة “إدانة” في تصريحهما بمجلس الأمن الدولي.
وبعد انتهاء الاجتماع أدلت الممثلة الأمريكية الدائمة لدى الأمم المتحدة، كيلي كرافت، بتصريح للصحفيين، قالت فيه إن بلادها لا تدعم العملية التركية.
وقالت إن تركيا مسؤولة عن حماية الأقليات في سوريا بمن فيهم المسيحيين والأكراد وعدم وقوع أزمة إنسانية في سوريا.
وأضافت كرافت أن “تركيا مسؤولة الآن عن عدم هروب أي مقاتل من داعش محتجز، وعدم إعادة نشاطه بأي شكل من الأشكال”.
وبعد الاجتماع، أدلت بريطانيا وألمانيا وفرنسا وبلجيكا وبولندا، ببيان مشترك، أعربت فيه عن “القلق العميق” من العملية العسكرية التركية في سوريا.
وطالبت تركيا “بإنهاء العملية الأحادية الجانب”، وبينت أن خطة تركيا في إقامة منطقة آمنة في سوريا لتأمين عودة اللاجئين إليها “قد لا تفي بالمعايير الدولية التي حددتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”.
والأربعاء، أطلق الجيش التركي بالتعاون مع الجيش الوطني السوري، عملية “نبع السلام” في منطقة شرق نهر الفرات شمالي سوريا، لتطهيرها من إرهابيي “بي كا كا/ ي ب ك” و”داعش”، وإنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
وتسعى العملية العسكرية إلى القضاء على الممر الإرهابي الذي تُبذل جهود لإنشائه على الحدود الجنوبية لتركيا، وإحلال السلام والاستقرار في المنطقة، وضمان عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم. (وكالات)