مصدر دبلوماسي: مارلين خليفة
يعيد موقع “مصدر دبلوماسي” نشر هذا التقرير الذي نشرته مجلة “الأمن العام” في عددها الرقم 72 الصادر في ايلول 2019. لقراءة لمزيد من مواضيع المجلة الضغط على الرابط الآتي لموقع “مصدر دبلوماسي”:
http://www.general-security.gov.lb/ar/magazines
تعتبر التشريفات والمراسم من ابرز الادارات المعنية بتظهير صورة رئاسة الجمهورية، وتصح تسميتها بمنارة الرئاسة اللبنانية التي يجب ان تطل على العالم بابهى حلة كونها وجه لبنان. اليوم، تخضع المراسم والتشريفات الى ورشة تحديث لم يسبق لها مثيل منذ 19 عاما
يحكم التشريفات والمراسم المرسوم الرقم 4081 الصادر عام 1944 والمعدل مرتين: الاولى عام 1959 في عهد الرئيس فؤاد شهاب، والثانية عام 2000 في عهد الرئيس اميل لحود الذي لاحظ انه لا توجد اصول موحدة للمراسم والتشريفات في الدولة اللبنانية، فطلب من مدير المراسم الرئاسية في القصر الجمهوري انذاك السفير الراحل مارون حيمري توحيدها. تم ذلك عام 2000 بالتعاون مع مراسم مجلسي الوزراء والنواب ووزارة الخارجية.
يخضع المرسوم المعدل اليوم الى ورشة تحديثات جذرية ستطاول مراسم الدولة اللبنانية وتشريفاتها، يقوم بها المدير العام لفرع المراسم والعلاقات العامة في القصر الجمهوري الدكتور نبيل شديد، عبر اعداده مرسوما جديدا للتشريفات بالتعاون مع الرئاستين الثانية والثالثة ومع وزارة الخارجية والمغتربين. ويتم الاجتماع والتنسيق مع الجهات المعنية المختلفة سواء الامنية او القضائية او حتى النقابية والهيئات الاقتصادية المختلفة. سيصدر المرسوم الجديد (او التعديلات على المرسوم 4081) سنة 2020 بحسب تقديرات المطلعين، وسيرتكز على الاسس التي حددها السفيران جورج حيمري ونجله مارون اللذان وضعا اللبنة الاولى للمراسم والتشريفات اللبنانية، والتي يتم اليوم الركون اليها وتطويرها بحسب الظروف المتغيرة.
ميزة المراسم والتشريفات الجديدة تكمن في توغلها في تفاصيل دقيقة لم يتم التطرق اليها في “الكتاب الابيض” الصادر عام 2000. علما ان هذا الغموض البناء منح هامشا مقصودا لرئيس الجمهورية لايجاد مخارج في بعض المناسبات، وهذا ما يحرص عليه القيمون على هذه الورشة التحديثية حاليا.
يستوحي لبنان المبادئ العامة للمراسم والتشريفات من فرنسا، لكن اللمسات الخاصة بلبنان بقيت حاضرة بقوة وستستمر كذلك. نذكر من الجوانب التي تميز المراسم والتشريفات اللبنانية مسألة منح الرعاية الرئاسية لاحتفال او لمهرجان. فالبروتوكول اللبناني الذي يستوحي اسسه من المراسم الفرنسية يوجد تمايزا ملحوظا في مسألة التصنيف والتقدم بين الاشخاص بما يتلاءم مع النظام السياسي في البلد. في فرنسا مثلا يحل المحافظ في مكان متقدم نظرا الى اللامركزية الادارية الموجودة وكونه شخصية منتخبة.
يتشابه لبنان مع فرنسا في مبدأ التمثيل في نظام التشريفات، حيث في امكان الرئيس الفرنسي مثلا ارسال ممثل عنه، لكن الفرنسيين لا يأخذون في الاعتبار المعايير التي يعتمدها لبنان على صعيد المنطقة او الطائفة او سواها. في لبنان يجب ان يكون ممثل رئيس الجمهورية احد الوزراء انطلاقا من مبدأ فصل السلطات. وفي حال تعذر الامر في الامكان ايفاد نائب او محافظ او مدير عام وفقا لطبيعة الاحتفال، وهذا قرار يعود الى رئيس الجمهورية الذي يمكنه تكليف اي شخص لتمثيله، وهو امر غير موجود في نظام التشريفات الفرنسي.
ثمة تشابه ايضا في وضع الاختام على براءات السفراء واوراق الاعتماد والقناصل.
توجد ثغر عدة ستتم معالجتها في النظام المستقبلي للتشريفات والمراسم. اهم ما ينقص المراسم الحالية هو الدخول في التفاصيل. يروي خبراء معنيون لـ”الامن العام” ان هذا الامر مقصود بغية ترك هامش لقرار رئيس الجمهورية. في مسألة التقدم بين الشخصيات وتصنيفها مثلا، يتقدم رئيس الجمهورية ويليه رئيس المجلس النيابي ورئيس مجلس الوزراء. في هذه الحالة لا يمكن المس بهذه المبادئ الثوابت اذ يتم اجلاس 58 شخصية وفقا للترتيب المعتمد. لكن في منح الرعاية الرئاسية، ينص البند الاول على انه “تمنح رعاية الرئيس الى الاحتفالات التي تنظمها ادارات الدولة والمؤسسات والجمعيات الخيرية والانسانية والاجتماعية والاقتصادية والسياحية والتربوية والعلمية والثقافية والفنية والرياضية والدينية والادبية وغيرها من المؤسسات الجديرة بالرعاية من حيث المستوى وكذلك المؤتمرات اللبنانية والاقليمية والدولية التي تقام في لبنان، بعد استكمال الاجراءات”. هذه المادة تغطي التفاصيل كلها، وهنا يعود قرار منح الرعاية الى الرئيس، اذ تتلقى الدوائر المختصة طلب الرعاية ويدرس من المراسم ان كان على المستوى اللائق من الحضور والفائدة منه والتوصيات التي سيصدرها، ثم يرفع الى الرئيس وهو من يقرر. رئيس الجمهورية الحالي العماد ميشال عون قرر من جهته منح رعايته لكل ما يعود بالمنفعة العامة على صعيد لبنان برمته من دون تمييز بين منطقة ومنطقة وبين طائفة واخرى او بين جهة وجهة اخرى، وهو يعطي رعايته ايضا للمهرجانات الدولية وليس للبلدات والقرى او لناد رياضي، من هنا ترك هامش حرية ليضع رئيس الجمهورية المعايير التي يراها مناسبة. علما ان بعض التفاصيل والشكليات تخلق التباسات لدى الرأي العام اللبناني.
لا يرفع علم دولة اجنبية الى جانب علم الدولة اللبنانية الا بوجود رئيس الدولة. في هذا الاطار، لم يتم رفع العلم الاميركي في اثناء زيارات وزيري خارجية الولايات المتحدة السابق ريكس تيلرسون والحالي مايك بومبيو. كذلك، لا تمييز البتة بين الدول في اثناء استقبال رئيس الجمهورية ممثلين رفيعي المستوى لدولة ما كوزير الخارجية الاميركي على سبيل المثال لا الحصر، فالاخير لا يتلقى معاملة مميزة لانه ينتمي الى دولة عظمى، بل ان المراسم تبقى ذاتها ويعتمد مبدأ المعاملة بالمثل، كذلك فان وزير الخارجية مهما علا شأن دولته هو الذي ينتظر رئيس الجمهورية وليس العكس.
يطبق لبنان المرسوم 4081 لنظام التشريفات في الجمهورية اللبنانية، وهو بدأ العمل به عام 1944 ثم جرى تجديده عام 1959، ثم عدّل ثانية عام 2000. يحدد المرسوم مبدأ التقدم بين اصحاب المناصب مجتمعين او منفردين، وهو يحوي ثغرا تخلق اشكاليات في كثير من الاحيان.
من الثغر، ان هذا المرسوم نص على اسمي الرئيس الحالي والرئيس السابق لمجلس الوزراء، وذكر نائب الرئيس الحالي ونائب الرئيس السابق لدولتي الرئيس، وفي التعديل المقبل سيتم الغاء نائب الرئيس السابق. فمن يأتي الى وظيفة يقدم خدمة للوطن ومن رحل تكون انتهت خدمته ويفترض ان يكون تقييمه من الشعب وليس من البروتوكول، وبالتالي ليس من ضرورة لتكريمه بشكل مبالغ فيه اذا ترك الخدمة وهو لن يذكر كشخص بل في الامكان الاستعاضة عن ذلك بذكر رئيس هذا التجمع لنواب سابقين مثلا او سواه وليس جميع النواب السابقين، بحسب مصادر معنية.
الى ذلك، ستتم اضافة اسماء لشخصيات من القضاء ومراكز معينة في الادارات لم يؤت على ذكرها، فضلا عن تعديل في اسماء بعض الهيئات.
بالنسبة الى تقدم رؤساء الاحزاب اللبنانيين في الاحتفالات والمآدب الرسمية على وزراء ونواب، تشير المراجع المختصة الى انه يؤخذ في الاعتبار الوزن السياسي الموجود لهؤلاء في لبنان. لكن العارفين في اصول البروتوكول يدركون جيدا ان هذه الشخصيات الحزبية لا تجلس فعليا في المواقع المخصصة للنواب والوزراء، هذا ما يتعذر رؤيته في العين المجردة في اثناء النقل المباشر. لكنه واضح للعيان في مكان الاحتفال وللمعنيين بالبروتوكول الرئاسي. على سبيل المثال، في اثناء مأتم البطريرك الراحل الكاردينال مارنصرالله بطرس صفير، تم انشاء رقعة صغيرة في الصفوف الامامية خصصت للعائلة والفاعليات الموجودة، حيث جلس رئيس تيار المردة سليمان فرنجيه ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع الى جانب بعضهما البعض ضمن هذه الرقعة المؤلفة من صف مستقل، ثم جرى الانتقال الى صف للعائلة فحسب، ثم الى الوزراء السابقين، اي ان هذين الصفين موضوعان في خانة العائلة.
لا يلحظ البروتوكول الخلافات السياسية بين شخصيات رسمية، بل هي التي تخضع له، ويتم التصرف دوما وفقا للاصول. من هنا تنشأ اعتراضات لدى البعض، اذ ان كل فرد من الشعب اللبناني يعتبر ان له حق الصدارة، لكن ذلك لا يفترض تجاوز الاصول.
بالنسبة الى سفراء الدول فلهم ترتيب بروتوكولي خاص بهم مع وزارة الخارجية اللبنانية وفقا للاقدمية، وهي تبدأ ممن يقدم اوراق اعتماده قبل الاخر وصولا الى اي سفير تطأ قدمه ارض المطار في بيروت قبل الاخر. فمن ينزل على درج الطائرة قبل الاخر تحتسب الاقدمية له، فيتقدم في الجلوس في الاحتفالات كلها وفق مراسم وزارة الخارجية.
لن يتم تعديل اي امر في مراسم وزارة الخارجية، بل سيتم فقط توحيد المراسم التي تجمع الكل.
من الجوانب التي سيتم تعديلها تصنيف الزيارات. تم عقد جلسات عمل مع رئاسة مجلس النواب والوزراء والخارجية لوضع الاسس التي سيتم البناء عليها من اجل تصنيف الزيارات بين خاصة وللعمل، ومن يوضع له سجاد احمر ومن تقام له تشريفات ومن يستثنى منها، وهي تفاصيل غير مذكورة في “الكتاب الابيض”. على سبيل المثال، عند زيارة خاصة تقوم بها ملكة لرئيس الجمهورية يوضع لها السجاد الاحمر لانها ملكة، لكن لا يرفع لها العلم ولا تقام لها مراسم تشريفات. اذا قدمت شخصية بزيارة عمل لامر يخدم لبنان فتحظى بسجاد احمر وتشريفات في القصر للحفاظ على الاصول، لكن بلا رفع علم ونشيد وطني ولا مواكبة من لواء الحرس الجمهوري ولا حجز غرف فنادق على حساب لبنان. كذلك سيتم الاتفاق على عدد الزيارات الرسمية التي يمكن للبنان ان يقبل بها سنويا تبعا لامكاناته المادية، اي ان زيارات الدولة الرسمية صارت مرتبطة مباشرة بالموازنة لانها زيارات مكلفة، فلا يمكن للبنان طلب زيارات دولة او قبول طلبات بزيارات دولة بشكل عشوائي بل يجب تحديدها بالارقام وتعدل سنويا وفقا للموازنة.
بالنسبة الى المقامات الامنية فهي مذكورة في المرسوم 4081، وتوجد اشكالية ستتم ازالتها تتعلق بعدم ذكر المدير العام للجمارك الذي لديه عسكر يأتمرون به، وهو مذكور في المرسوم القديم كمدير عام بينما يتم ذكر رئيس المجلس الاعلى للجمارك الذي لا يتمتع بسلطة الامرة على العسكر، بالتالي سيذكر المدير العام للجمارك من بعد المدراء العامين للقوى الامنية، علما ان قائد الجيش ينفصل كليا عن هؤلاء وهو متقدم على جميع الاجهزة الامنية الاخرى.
من التعديلات التي ستحصل على سبيل المثال لا الحصر:
* الغاء فقرة اللباس الابيض واللباس القاتم لان اللون الابيض لم يعد معتمدا من كثير من الشخصيات.
* العلم اللبناني يوضع في مكاتب الوزراء والنواب ورئيسي مجلس النواب والوزراء ومكتب رئيس الجمهورية، وتخضع قياسات العلم لاصول محددة بحسب المقار والشخصيات.
* للصورة الرسمية ايضا اصول، فهي توضع فقط خلف مكاتب النواب والوزراء والمدراء العامين، ولا توضع وراء مكتب رئيس دائرة على سبيل المثال لا الحصر.
* لا يجب استخدام العلم اللبناني لغايات تجميلية لانه رمز البلاد، فلا يمكن استخدامه مثلا لازاحته كستارة عن نصب تذكاري فهو من مقدسات الوطن.
يؤثر اي خطأ في البروتوكول على صورة مقام رئاسة الجمهورية، والقاعدة الاساسية التي يخضع اليها مدير المراسم هي ممنوع الخطأ، لانه مكلف جدا. عادة ما يعمد رؤساء المراسم الى اعداد دراسة شاملة حيث يوجد تشابك كبير بين المراسم والامن والاعلام، ويجب ان يضع مدير المراسم خطة او اكثر كي لا يقع في المحظور، وهذا ما تم تجنبه في اثناء انعقاد القمة الاقتصادية العربية مطلع السنة الحالية. اذ كانت اللجنة المختصة قد وضعت خطتها بادارة تنفيذية لمدير المراسم والعلاقات العامة في القصر الجمهوري الدكتور نبيل شديد، وبعد تأكيد رؤساء دول حضورهم عادوا والغوا مجيئهم قبل ساعات من انعقاد القمة، ولولا وضع المراسم خطة بديلة كما تجري العادة لما ظهر لبنان كدولة في جهوزية تامة بعد ان عاد بعض الرؤساء والقادة وقرروا المشاركة في اخر لحظة ايضا.
اخيرا، يحرص المعنيون العارفون باصول المراسم والتشريفات في الدولة على التفريق بين 3 مفاهيم تثير التباسات لدى الرأي العام وحتى لدى شخصيات عامة رفيعة اساسها التفريق بين البروتوكول والاتيكيت وحسن التصرف. البروتوكول يعني المراسم التي يجب ان تتبع خلال كل حدث رسمي وهو اصول التعاطي الرسمي فحسب. اما الاتيكيت وحسن التصرف فهما من المفاهيم التي ترتبط بالمجتمع.