
كشميريون يحتجون في 7 آب الفائت على تغيير الهند للوضع الخاص لكشمير ومحاصرتها وضمها عنوة اليها
“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
في أوج الأزمة حول كشمير وعقب حصار تفرضه الحكومة الهندية على ولاية جامو كشمير وتوتر كبير يسود العلاقة بين باكستان والهند، اختارت 3 دول خليجية رئيسية تقديم أوسمة رفيعة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي هي الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمملكة العربية السعودية.
وكانت الحكومة الهندية أعلنت منذ 3 أسابيع أنها ستلغي المادة 370 من الدستور، التي تمنح الحكم الذاتي لما تسمى ولاية جامو وكشمير (الشطر الهندي من الإقليم) مما دفع باكستان لطرد السفير الهندي لديها وتعليق الاتفاقات التجارية الثنائية.
وأعربت دول خليجية في مقدمتها الإمارات العربية المتحدة عن تأييدها قرار الهند إلغاء الحكم الذاتي لكشمير معتبرة أنها خطوة تشجع على “الاستقرار والسلام” وتحسين ظروف السكان، كذلك منح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رئيس الوزراء الهندي وسام القديس الرسول أندراوس الأول “لخدماته المميزة” في تطوير الشراكة الإستراتيجية بين البلدين.
هذه المواقف العربية والخليجية خصوصا، جعلت باكستان تفكر بأن هذه الدول موالية للهند على حساب مصالحها وشعبها.
تقول أوساط دبلوماسية باكستانية لموقع “مصدر دبلوماسي” بأن شعب جامو كشمير يتعرض “لحصار وإغلاق هندي لا مثيل له، حيث يعيش 8 ملايين شخصا في قفص ضخم”.
وتشير الأوساط الى أن “العلاقة مع المملكة العربية السعودية من المفترض أن تكون ممتازة، وخصوصا وأن باكستان وقعت معها معاهدة دفاع مشترك، وهي مستعّدة لتنفيذها في حال تعرضت المملكة لأي خطر، إلا أن الحكام السعوديين طلبوا من باكستان المشاركة في التحالف ضد اليمن، وباكستان ترفض قطعا استثمار معاهدة الدفاع والعلاقات المميزة لضرب بلد ثالث”.
هذا التباعد، بين باكستان ودول خليجية رئيسية، يؤثر فعليا على موقعها كدولة إسلامية ، وتبدي الأوساط الباكستانية تعجّبها الكبير من دعم الدول الخليجية لرئيس وزراء الهند واصفة اياه:” باليميني المتطرف الذي يقتل المسيحيين والمسلمين لصالح المتطرفين الهنود”.
ويبدو بأن هذا التباين بات يؤثر على إمكانية اعتماد باكستان على مواقف مؤيدة لها في منظمة العمل الإسلامي، ومن المعروف تاريخيا أن هذه المنظمة طالما شكلت منصّة مؤيدة لمواقف باكستان ضدّ الهند التي تحالفت تاريخيا مع الإتحاد السوفياتي ضد الغرب. هذا التبدل جاء نتيجة مصالح أكبر لهذه الدول مع الهند، من هنا تعوّل باكستان بحسب الأوساط الدبلوماسية على دعم ولو معنوي لدول عربية أخرى منها لبنان، الذي قد يكون صوته مفيدا في منظمة العمل الإسلامي.
تجدر الإشارة الى أن باكستان لا تقيم اية علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وتعتبرها دولة غير شرعية، وهي ترفض افتتاح سفارة لها مع الكيان الإسرائيلي.
تدعم باكستان القضية الفلسطينية لكن -لسخرية القدر- أن رئيس الوزراء الهندي مودي ناريندرا زار فلسطين من اشهر ولاقى استقبالا حارا من قبل السلطة الفلسطينية ممثلة برئيسها محمود عبّاس.
ليس من دولة عربية دعمت باكستان في قضيتها مع الهند على ضمها لكشمير، أما لبنان فموقفه مقدّر من الحكومة الباكستانية بالرغم من أن دعمه بقي كلاميا، ولا يسعه فعل اي شيء إلا في خضم اجتماعات منظمة العمل الإسلامي كما سبق وذكرنا. في حين لم يصدر أي بيان رسمي عن اية دولة عربية، وهذا كان محط استغراب من السلطات الباكستانية.
دوليا تؤيد الصين وإيران باكستان، وكذلك الإتحاد الأوروبي الذي أصدر بيانا عبّر فيه عن قلقه من ضمّ الهند لكشمير، وكذلك كان الموقف البريطاني متمايزا عن الولايات المتحدة الأميركية حيث تعيش جالية باسكتانية كبرى في بريطانيا حشدت تظاهرات مليونية دفاعا عن كشمير.
تتهم أوساط دبلوماسية باكستانية تحدثت الى موقعنا رئيس الوزراء الهندي بالتطرف، وبأنه يريد القضاء عمليا على المسيحيين والمسلمين في الهند لصالح من يدافعون عن السياسة النباتية التي تحافظ على الأبقار المقدسة في الهند.
طريق الحرير
هذا الصراع السياسي التاريخي في ظاهره، له خلفيات اقتصادية تتعلق بممر طريق الحرير الباكستاني المتمثل بطريق إقتصادي يجمع بين الصين وباكستان، وهذا ما يسبب قلقا كبيرا للولايات المتحدة الأميركية. الطريق هي الأقصر التي تربط بين باكستان والصين وتنطلق من غربي الصين مرورا بباكستان وصولا الى الخليج العربي الى إيران.
بهذه الطريقة ستكون للصين آلاف الكيلومترات من شانغهاي للوصول الى الشرق الأوسط.
هذه الطريق لا تمر عبر كشمير، بل الى جانبها. أما ضمّ كشمير عنوة ( ضمتها الهند للمرة الأولى عام 1947 والآن غيّرت عنوة الوضع القانوني الخاص لها، (لجامو وكشمير وضع قانوني خاص يشبه وضع دولة فلسطين) فتمّ ضمها عنوة للهند، بلا أي مسوّغ قانوني دولي وخلافا حتى للدستور الهندي الذي تمّ تعديله فجأة.
أسباب الإنقلاب الهندي
قررت الهند تغيير الوضع القانوني لكشمير فجأة، فحزب الهندوس القومي هو الذي يحكم الهند الآن ، ويرأسه رئيس الحكومة وهو –بحسب الأوساط المذكورة- يميني شعبوي، وشبّهه رئيس وزراء باكستان عمران خان بأنه “نازي”، ويريد ناريندرا أن يقضي على أية أقلية تعيش في الهند، لتوفير الهيمنة الهندوية المطلقة. وما يريده الحكم في الهند الذي يؤمن بالقومية هو أن يسحق جميع الأقليات ليس فقط الكشميريين، بل المسلمين والمسيحيين في داخل الهند بحسب الأوساط الباكستانية التي تحدثت الى موقعنا.
الوضع الحالي…مأسوي إنسانيا
نفّذ الجيش الهندي عملية أمنية في كشمير منذ 5 آب الفائت تحسبا لوقوع اضطرابات في وقت ألغت نيودلهي الاستقلال الذاتي الذي كانت تتمتع به منطقة جامو كشمير، ولا تزال شبكات الهواتف النقالة والإنترنت مقطوعة في جميع مناطق الإقليم تقريبا، في حين تروي الأوساط أن الوضع الإنساني مأسوي على مختلف الصعد.
وتسبب النزاع في كشمير، المقسّمة بين الهند وباكستان منذ عام 1974 بحربين كبريين وبعدد لا يحصى من الاشتباكات بين البلدين الجارين المسلحين نوويا.
عمران خان يهدد بحرب نووية
والمخيف أن التهديد بحرب نووية جديدة أمر لا يخبئه البلدان، وقد جاهر به علانية رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان في مقالة نشرها أخيرا في صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية.
وأشار خان الى أنه “إذا لم يفعل العالم شيئا لوقف الهجوم الهندي على كشمير وشعبها، فإن دولتين نوويتين ستقتربان من المواجهة العسكرية المباشرة”.
وكشف “أنه كتب في الشهر ذاته رسالته الأولى من أصل ثلاث رسائل إلى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يدعوه فيها إلى الحوار والسلام، غير أن الهند رفضت كل جهوده لبدء أي حوار من أجل السلام”.
ورأى خان أن “مواقف مودي المتشددة بشكل متزايد بما فيها خطابه ضد باكستان كانت تهدف إلى إثارة النعرة القومية بين الناخبين الهنود مع التركيز على الانتخابات الهندية في شهر ايار الماضي”.
مضيفا ” أنه يبدو من الواضح أن مودي قد أخطأ في تفسير رغبة باكستان في السلام واعتبرها شكلا من أشكال الاسترضاء”.
وقال خان أن “بلاده لا تواجه ببساطة حكومة هندية معادية، ولكنها تواجه الهند الجديدة التي يقودها قادة وحزب يمثلان نتاج المنظمة القومية الهندوسية “راشتريا سواياميسفاك سانغ”، التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها المنظمة الأم لحزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه مودي”
وقال خان أن “رئيس الوزراء الهندي والعديد من وزراء حكومته لا يزالون أعضاء في هذه المنظمة القومية التي كان يعرب آباؤها المؤسسون عن إعجابهم بكل من بينيتو موسوليني وأدولف هتلر”.
وقال خان أنه “كان يأمل أن يؤدي انتخاب مودي رئيسا للوزراء في الهند إلى التخلي عن طرقه القديمة عندما كان رئيس حكومة ولاية كوجرات، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة رفضت منحه تأشيرة زيارة لمسؤوليته عن مذبحة 2002 ضد المسلمين المحليين”.
ويلفت إلى أن ولاية مودي رئيسا للوزراء تميزت بالإعدام ضد المسلمين والمسيحيين والداليت “على أيدي الغوغاء الهندوس المتطرفين، إضافة إلى العنف المتزايد في كشمير المحتلة”.
ويقول خان “إن أكثر خطوات الهند وقاحة وفظاعة ما تمثل في تغيير حكومة مودي وضع كشمير التي تحتلها الهند من خلال إلغاء المادتين 370 و”35 أيه” من الدستور الهندي.
ويضيف أن هذه الخطوة تعتبر غير قانونية بموجب دستور الهند نفسه وأنها تشكل انتهاكا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن كشمير واتفاق شيملا بين الهند وباكستان.
ويؤكد رئيس الوزراء الباكستاني -في مقاله- أن حكومة مودي تفرض حظر تجول عسكري في كشمير وتقوم باعتقال سكانها من منازلهم وبقطع هواتفهم وحرمانهم من شبكة الإنترنت والتلفزيون، محذرا من حدوث حمام دم في كشمير عندما يرفع حظر التجول.
ويرى خان أنه إذا لم يفعل العالم شيئا لوقف الهجوم الهندي على كشمير وشعبها، فستكون هناك عواقب على العالم بأسره حيث تقترب دولتان مسلحتان بالأسلحة النووية من مواجهة عسكرية مباشرة، وسط تهديدات متبادلة.
ويشير إلى أن وزير الدفاع الهندي راجناث سينغ قال إن بلاده تحتفظ لنفسها بحق تغيير سياستها بخصوص “الضربة الأولى” الخاصة باستخدام الأسلحة النووية، وبأن مستقبل تلك السياسة مرهون بالظروف.
ويؤكد خان أنه من خلال الحوار والمفاوضات، يمكن التوصل إلى حل ناجع لإنهاء عقود من معاناة الشعب الكشميري والتحرك نحو سلام مستقر وعادل في المنطقة، لكن الحوار لا يمكن أن يبدأ إلا عندما تتراجع الهند عن ضمها غير الشرعي لكشمير، وتنهي حظر التجول والإغلاقات، وتسحب قواتها إلى الثكنات.
وقال رئيس وزراء باكستان أنه “من الضروري أن يفكر المجتمع الدولي فيما وراء مزايا التجارة والأعمال”، مشددا على أن الحرب العالمية الثانية اندلعت بسبب التهدئة في ميونيخ، وأن تهديدا عالميا مماثلا يلوح في الأفق مرة أخرى لكن هذه المرة في ظل الأسلحة النووية”.
وزير الخارجية الباكستاني
من جهته، طالب وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قرشي الثلاثاء الفائت الأمم المتحدة بفتح تحقيق بشأن الوضع في كشمير الهندية، محذرا من احتمال حصول “إبادة” في المنطقة التي يشكل المسلمون غالبية سكانها.
وقال الوزير أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف إن “سكان (ولاية) جامو وكشمير المحتلة من الهند يخشون الأسوأ”، مضيفا “أتخوف من فكرة ذكر كلمة إبادة هنا، لكن عليّ ذلك”.
واضاف قرشي “على مدى الأسابيع الستة الماضية، حوّلت الهند جامو وكشمير المحتلة إلى أكبر سجن في العالم“.
وتابع “تذكر المدن والجبال والسهول والاودية المهجورة في جامو وكشمير برواندا وسربرنيتسا والروهينغا ومذبحة غوجارات. ان كارثة على وشك الوقوع”.
وحضّ الوزير المجلس على الاستجابة لتوصيات مفوضة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة ميشيل باشليه وسلفها زيد رعد الحسين وفتح تحقيق دولي في الوضع في كشمير الهندية.
وطالب مفوضا حقوق الإنسان في عدة تقارير بتشكيل لجنة تحقيق، تعد بين عمليات تحقيق الأمم المتحدة الأعلى مستوى والمخصصة عادة للأزمات الكبرى على غرار النزاع في سوريا.
وقال قرشي إن على المجلس “اتّخاذ خطوات لتقديم مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان في كشمير إلى العدالة، وتشكيل لجنة تحقيق في هذا السياق”.
وأضاف “إذا لم يكن هناك لدى الهند ما تخفيه، فعليها السماح للجنة التحقيق بالوصول بدون أي عراقيل” إلى المنطقة والمعلومات، مؤكداً أن إسلام أباد مستعدة للسماح لأي لجنة أممية بالوصول إلى الجانب الباكستاني مما يطلق عليه “خط السيطرة” الفاصل بين الطرفين.
وتستمر دورة مجلس حقوق الانسان حتى 27 ايلول الحالي ودعا الوزير الباكستاني الدبلوماسيين الى بحث قضية كشمير الهندية، موضحا ان الامر لا يتصل بشؤون هندية “داخلية” ومبديا خشيته ان “تهاجم” الهند باكستان تحت شعار مكافحة “الارهاب”.
ومنذ وقت طويل، تتهم نيودلهي ومثلها واشنطن باكستان بدعم المتمردين في كشمير الهندية وتسليح المجموعات الجهادية.
وفي افتتاح دورة المجلس الاثنين، أعربت باشليه مجدداً عن “قلقها الكبير حيال الخطوات الاخيرة للحكومة الهندية على صعيد حقوق سكان كشمير، وخصوصا في ما يتعلق بالقيود على الانترنت وحق التجمع السلمي واعتقال قادة سياسيين وناشطين محليين”.
وقالت إنها حضت “الهند خصوصًا على تخفيف الحظر وعمليات الحصار لضمان وصول الناس إلى الخدمات الأساسية و(ضمان) احترام جميع الحقوق المتعلقة بمراعاة الأصول القانونية بالنسبة للمعتقلين”.
وقال وزير الخارجية الباكستاني “منذ ستة أسابيع، وضع قادة سياسيون في كشمير من كل التوجهات قيد الاقامة الجبرية وداخل السجن”، لافتا الى أنه تم “اعتقال اكثر من ستة آلاف شخص من دون أي شكل من أشكال المحاكمة”.
لمحة تاريخية
في لمحة تاريخية عن الصراع، كتب محمد السماك في 4 ايلول الفائت مقالة في صحيفة “اللواء” اللبنانية بعنوان: كشمير من مشكلة الى حلّ؟ عاد فيها الى خلفيات النزاع التاريخي بين الهند وباكستان حول كشمير. يقول السماك بأن ثمة دور قد تقوم به منظمة التعاون الإسلامي قد تؤدي ” في حال نجاحها الى ما هو أكثر من تجنيب الهند وباكستان الوقوع في مازق حرب جديدة، ولكنّها يمكن أن توقف الإندفاعة الهندية نحو اسرائيل والتي انطلقت اساسا كردّ فعل على الموقف العربي من الصراع الهندي-الباكستاني”.
وقال:”منذ تقسيم الهند بعد استقلالها عن بريطانيا في عام 1947 الى دولتين، والصراع حول كشمير لم يتوقف. فقد نشبت بينهما ثلاثة حروب مدمرة، واستمرت المشكلة. وقد تقع حرب جديدة –لا سمح الله- من دون ان يعني ذلك التوصل الى حلّ بالقوة. بل من المرجح ان تزداد القضية تعقيداً في ضوء التجارب السابقة.
لقد تحولت الدولتان الى قوتين نوويتين، والصراع بينهما يزداد سخونة. حصلت كشمير على «حكم ذاتي» ولكنه انسحق تحت عجلات الصراع الهندي – الباكستاني. ادى هذا الصراع الى تدهور مستمر في العلاقات الثنائية، ليس سياسياً فقط، ولكن اقتصاديا واجتماعياً أيضاً. وانعكس سلباً ايضاً على أوضاع المسلمين في الهند الذين يبلغ عددهم حوالى 200 مليون انسان. وتزداد خطورة هذا الأمر في ضوء تمكن الحزب الهندوسي (بهاراتيا جاناتا) الذي يتزعّمه الرئيس مودي من الفوز بالسلطة لدورة ثانية وبأكثرية مطلقة في الانتخابات النيابية الأخيرة. وهذا يعني ان «الهندوسية السياسية» في تصاعد واستقواء وانه لا مصلحة لا لباكستان ولا لكشمير في تجاهل الواقع الجديد.
من هنا فان مبادرة توفيقية تقوم بها منظمة التعاون الاسلامي قد تؤدي في حال نجاحها الى ما هو أكثر من تجنيب الهند والباكستان الوقوع في مأزق حرب جديدة، ولكنها يمكن ان توقف الاندفاعة الهندية نحو اسرائيل والتي انطلقت اساساً كردّ فعل على الموقف العربي من الصراع الهندي – الباكستاني.
ثم ان نجاح التسوية في كشمير يحرر الدولتين التوأم من أعباء الاستعداد العبثي الدائم للحرب، ويطوي صفحة الصدام والاستعداء التي سممت العلاقات بين الهندوس والمسلمين، ويوفر لكشمير فرصة لالتقاط الانفاس والدخول في عالم القرن الواحد والعشرين.
لقد حاولت الولايات المتحدة مراراً التوسط لتسوية القضية الكشميرية انطلاقاً من الاعتراف بقرارات الأمم المتحدة التي تعطي الشعب الكشميري حقوقاً في تقرير مصيره. ولكن بعد أن قرر الرئيس السابق جورج بوش الابن الحرب على الارهاب، وعندما ربط بين الارهاب والاسلام، ضمّ المقاومة الكشميرية الى لائحة المنظمات الارهابية، ونقل «بندقية» التضامن من «كتف» الباكستان الى «كتف» الهند، في عملية انقلابية على دبلوماسية أميركية استمرت حوالي أربعة عقود.
وقد تمثل هذا الانقلاب في اتفاقية التعاون النووي التي عقدتها واشنطن مع دلهي، علماً بأن الهند ليست عضواً في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (شأنها في ذلك شأن الباكستان).
حصلت كشمير على اسمها من الشعوب الاولى التي سكنتها وهم قبائل الكاسا والناغا (الثعبان). وتقول الاساطير انها كانت بحيرة قام بتجفيفها بمعجزة المعلم كاسيا ابن ماريشي ابن براهما (…).
عام 1947 استقلت شبه القارة الهندية عن بريطانيا وعندها وقع الانقسام الاسلامي – الهندوسي ممثلاً بقيام دولتي باكستان والهند. وظلت كشمير موضع صراع بينهما. وقد حدث اول اشتباك في تشرين اول – اكتوبر 1947 (اي بعد شهرين فقط من الانقسام) عندما دخلت الى كشمير من جهة اولى قبائل هندوسية من الشمال الغربي وصلت حتى العاصمة سرينغار، ودخلت من الجهة الثانية القوات العسكرية الهندية معززة بسلاح الطيران.
حدث التقسيم على اساس ان مناطق الاكثرية الاسلامية تتبع باكستان. ومناطق الاكثرية الهندوسية تتبع الهند. كانت كشمير اسلامية بأكثريتها الساحقة. فاستنادا الى احصاء بريطاني للسكان جرى في عام 1941، كان عدد المسلمين فيها 3 ملايين 73 الف و 540 نسمة. اما عدد الهندوس فبلغ 708 الاف و 459 نسمة فقط. اضافة الى 3 الاف 79 مسيحي، 29 الف 374 قبلي وثني 108 الاف و74 من عقائد بدائية مختلفة. بموجب ذلك كان يفترض ان تنضم كشمير تلقائيا الى الباكستان. غير ان حاكمها المهراجا الهندوسي ووريث المهراجا راج بوت الذي اشترى المقاطعة من بريطانيا عارض الانضمام الى باكستان. وعزّز هذا الرفض الطموح الشخصي لرئيس حكومتها المحلية في ذلك الوقت الشيخ محمد عبد الله ورئيس حزب المؤتمر الوطني الذي انضمّ الى المهراجا الهندوسي خلافا لارادة المواطنين المسلمين في طلب الانضمام الى الهند.
ادى ذلك الى وقوع اضطرابات دموية في الشوارع. فتراجع الشيخ عبد الله عن موقفه مما حمل السلطات الهندية على اعتقاله . وفي السادس من كانون الثاني – يناير 1948 رفعت الهند المشكلة الى مجلس الامن الدولي بحجة ان الباكستان تحرّض على الفتنة والانقسام وانها تدعم القبائل التي تهاجم كشمير من الشمال الغربي. وفي العاشر منه اصدر مجلس الامن الدولي قرارا بوقف اطلاق النار دون ان يقدم حلا. فبادرت الهند الى ضمّ كشمير اليها بعد شهرين من الانفصال (الهندي الباكستاني ). ومراعاة للوضع الخاص في كشمير، تضمن الدستور الهندي في المادة 370 منه تعهداً بمنح كشمير حكما ذاتيا ولكن ذلك لم يتحقق.(…).