“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
تصادف الحملة التي شنّت ضدّي أخيرا من قبل أحد الأكاديميين على خلفية التحقيق معه من قبل أحد الأجهزة الأمنية في لبنان لكلام قاله في مؤتمر عن اللاجئين نظمه السيد لقمان سليم في حزيران الفائت مع عمل بحثي أقوم به لغايات التدريب على حماية بيانات الصحافيين الذين يتعرّضون للقمع والتفتيش والمساءلة من قبل حكومات أو أجهزة أمنية أو أحزاب أو ميليشيات أو سواها، ووسائل الحماية والأمان في لبنان واثناء السفر. وهو موضوع شائك جدّا، وخصوصا وأن الصحافي عرضة لإختراق خصوصياته سواء عبر الخداع الإلكتروني أو التحايل الإلكتروني أو عبر التهديد المباشر كما في بعض البلدان. ولمّا عمد الأكاديمي المذكور الى نشر “بوستات” محاولا تشويه الصورة الصحافية التي بنيتها أعواما، ومصوبا بشكل خاص علي بأنني نقلت ما قاله لأحد الأجهزة هاجم فيه شخصيات وطنية ومؤسسة الجيش اللبناني أمام جمهور اجنبي (سوري وفلسطيني) مستخدما خطاب كراهية مقيتا ومحرضا، ولمّا كنت مراسلة دبلوماسية لمجلّة أمنية مرموقة هي “الأمن العام”، فإنني توقفت عند هذا الأمر مليا، لأنه يحدث لي للمرة الأولى منذ بداية عملي الصحافي منذ 23 عاما.
فقد نشأ جيلنا الصحافي على مشاكسة السلطة، في تربية صحافية استقيتها من مدرسة جريدة “النهار” أولا، ومن سلوكيات الراحلين غسان وجبران تويني ثانيا، وتأثرت فيها بصحافيين كبار أبرزهم سمير قصير، لكن لم أتعرض يوما لخصوصية أحد وكنت وأنا المنتمية الى هذه المدرسة المشاغبة لا أمانع في الحصول على وثيقة ممنوعة على الصحافيين متذكرة دوما محضرا سريا “سرقه” غسان تويني مفاخرا بذلك ونشره في “النهار” وألقي به في سجن الرّمل بسبب ذلك.
لكنني طالما كنت متشددة في الإفصاح عن المعلومات التي أستقيها أثناء مقابلاتي ولقاءاتي وما يحصل من أمور حساسة أثناء مؤتمرات وندوات، فأبقيت ولا أزال بعيدة من مقار عديدة بسبب تكتمي وهو أمر لا تحبه السلطات.
ثم، وبعد اغلاق صحيفة “السفير” التي عملت فيها مراسلة دبلوماسية طيلة 10 أعوام، كان لي الحظ بأن أكون مراسلة مستقلة لمجلة أمنية، وهي المرة الأولى التي أكتب فيها في هذا النوع من الصحافة الموجودة في لبنان عبر مؤسسات رسمية للجيش اللبناني، وقوى الأمن الداخلي والأمن العام، فضلا عن وجود مراسلين أمنيين كما في العديد من البلدان.
وبعد الحملة الشرسة من الأكاديمي المذكور ويتردد انه كادر في الحزب التقدمي الإشتراكي، والتي جعلتني مندهشة بل مصدومة من اتهامه لي بأنني أخبرت ما قاله من تحريض في مؤتمر حضرته قراب الستين شخصية، توقفت مليا عند الخلفية. وتبيّن لي أنه أسلوب جديد لقمع الرأي المخالف، وأنه هجوم ليس علي شخصيا بل على الصحافة بشكل عام وعلى الصحافيين الأمنيين بشكل خاص وعلى الصحافيين عموما ممن يكتبون في مجلات أمنية. وتبيّن لي أن “القمع” لا يأتي من السلطات الرسمية فحسب، بل من شخصيات أكاديمية تنتمي الى صروح محترمة مثل الجامعة الأميركية في بيروت، ومن مؤسسات مجتمع مدني، ومن ناشطين قد يقمعون الصحافي بأية وسيلة (تشويه سمعة، ادعاء، دعاية، تنمّر عبر السوشال ميديا، حظر الدعوات عنه، حظر المؤتمرات الخ…)، وتبيّن لي من خلال خبرات عدة صحافيين أن هؤلاء يقومون بردّة فعل دفاعية دوما، مبررين أنفسهم من دون التوغل في خلفية الهجوم عليهم.
ولعّل أكثر ما لفتني في الحادثة الأخيرة، هو تسريب تسجيل صوتي لي، نشره الأكاديمي المذكور على صفحته على فايسبوك وعلى تويتر الخاص به، ليس إلا دفاعي عن مؤسسة الجيش ووزير الخارجية جبران باسيل ورئيس الحكومة سعد الحريري من خطاب الكراهية الذي اعتمده الأكاديمي المذكور. وقد ذيّل الأخير التسجيل (مرفق بفيديو كليب لي وللوزير باسيل!)، ذيّله بعبارة “لكم الحكم”، وكما هي الحال دوما تمطر التعليقات المؤيدة له والشاتمة للصحافية المأجورة ولصحافية البلاط الى ما هنالك من ألفاظ.
ليس الموضوع هنا، بل يكمن في الجهة التي سرّبت التسجيل من المؤتمر الى الأكاديمي المذكور، وهو تسجيل مجتزأ يذكر مداخلتي الدفاعية لكنّه لا يشمل المداخلة التحريضية التي قادها الأكاديمي المذكور، علما بأن المؤتمر كان فيه مصوّر خاص واحد. ويبدو بأن مدير منظمة “أمم” لقمان سليم الذي علّق لصديقه الأكاديمي بأنه معه “ظالما أو مظلوما”، على دراية بالمسرّب، أو أنه هو الذي سرّب هذا التسجيل المجتزأ من غير أن يتجرأ نشر التسجيل الصوتي (الكامل) لمداخلة الأكاديمي مكرم رباح في الندوة، وبالتأكيد فإن التسجيل موجود بحوزتهم لأنه تمّ تسجيل الندوة برمتها، فإن سليم الذي قال في المؤتمر أنه ممول من جهات ألمانية تابعة لوزارة الخارجية الألمانية يكون قد قام بخرق فاضح للنظام الأوروبي لحماية البيانات العامّة
GDPR (General data protection regulation) impact on
The Middle East and North Africa (MENA)
صدر هذا القانون الأوروبي الجديد في 25 أيار 2018، وهو يطال ليس البلدان الأوروبية فحسب بل كل الشركات والمؤسسات التي لها علاقة بالإتحاد الأوروبي أو يصل تأثيرها الى أراضيه، ويشمل الجامعات والأكاديميين والباحثين والشركات والمؤسسات العامة في المنطقة العربية وشمال افريقيا، ويركز على حماية البيانات الشخصية ويضع مبادئ جديدة لهذه الحماية ومفاهيم حديثة للتوثيق والبحوث ويدخل موضوع الشفافية من الشركات. وقد بدأ الضغط على الحكومات لاعتماد هذا القانون الأوروبي في حماية البيانات. وقد تمّ وضع تشريع صدر حول حماية البيانات الشخصية للأشخاص في العشرين سنة الأخيرة وهو ملزم للشركات التي عليها حماية البريد الإلكتروني لموظفيها وكل بياناتهم الخاصة وعدم زجّهم في قوائم الكترونية تجارية او سواها وعقود العمل وحتى أنه وضع قيود على كشف اسماء الأشخاص الذين يشاركون في ورش العمل التي تنظمها الشركات أو المجتمع المدني أو المؤسسات الحكومية، ومنع نشر الصور للمشاركين وليس الأسماء فحسب، وأهمية الحصول على موافقة المعنيين قبل ذلك وإثبات الحصول على موافقة والأمر ينسحب أيضا على صور الأطفال والمرضى في العيادات وسواها وهو فرض غرامات على الخروق.
بناء على ما تقدّم، فإن نشر تسجيل صوتي لي من داخل الندوة هو مجتزأ ولا يتضمن المداخلة التحريضية للأكاديمي المذكور هو تعرّض لسرية البيانات وخرق لها، ويتطلب مساءلة لمنظم الندوة أي لقمان سليم من قبل الجهات الأوروبية المموّلة له. فما حدث معي، ليس سوى تعرّض لحرية الصحافيين في إبداء آراء معارضة داخل مؤتمرات من لون سياسي واحد، وهذا أمر خطر في لبنان، وينبغي الإضاءة عليه، وعلى ضرورة حماية الصحافة الأمنية وسمعة الصحافيين الذين يكتبون فيها من هجومات من يدّعون حماية حرية التعبير وكرامة اللاجئين ويرفضون أية راي مخالف، فيتعرّض صاحبه لأبشع الحملات.