يعيد موقع “مصدر دبلوماسي” نشر هذا التحقيق الذي نشرته مجلة “الأمن العام” في عددها الـ71 الصادر في آب 2019.
لم تعد ادارة الحدود محصورة بطابع امني فحسب بل ادمج فيها البعد الانساني، نظرا الى الاعداد الهائلة التي تعبرها من المهاجرين او اللاجئين ولا سيما النساء والاطفال والمتقدمين في السن. تبنى لبنان هذه الفكرة عبر الامن العام، وذلك ضمن مشروع دعم الحكومة اللبنانية استجابة التحديات الامنية والمتطلبات الانسانية للادارة الحدودية
يعتبر ضبط الحدود الدولية ركنا اساسيا في احتواء كل موجات الهجرة والتهريب والاعمال غير الشرعية التي تؤدي الى زعزعة الاستقرار والامن في بلد ما. ويصنف معبر المصنع الحدودي نقطة حساسة تحظى باهتمام دولي كونه بوابة مشرعة بين لبنان وسوريا يعبرها يوميا الاف المواطنين السوريين الراغبين في الدخول الى لبنان، ما يحتم اجراءات امنية خاصة مقرونة ببعد انساني يصب في ما يسمى الادارة الحدودية الانسانية التي انخرط فيها الامن العام، وختامها كان في اثناء افتتاح المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم وسفير اليابان في لبنان ماتاهيرو ياماغوتشي والمنسق الخاص للامم المتحدة في لبنان يان كوبيتش والمديرة الاقليمية للمنظمة الدولية للهجرة كارميلا غودو، في الاول من تموز الفائت، مركز اسعاف صحي مجهز بالكامل للمرة الاولى وبتمويل من حكومة اليابان قيمته مليون دولار اميركي، على ان تقوم المديرية العامة للامن العام بادارته. وقد نفذ المشروع بواسطة المنظمة الدولية للهجرة بالتعاون مع وزارتي الداخلية والصحة.
حضر حفل الافتتاح المنسق الخاص للامم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، وسفراء دول سلطنة عمان وسري لانكا وبلجيكا والهند وصربيا، ورؤساء دوائر حكومية، وممثلون عن البعثات الديبلوماسية والمنظمات الدولية، الى ضباط من الامن العام والاجهزة الامنية وشخصيات.
يندرج هذا المركز في سياق استراتيجيا حدودية للامن الانساني المستدام، بدأها الامن العام في ايار 2016 بافتتاح مبنى وصول مجهز في العبودية في شمال لبنان واستكملها اخيرا في المصنع، وذلك في ترجمة لحاجات واولويات تم تحديدها بناء على تقييم الخبراء من الامن العام ومن المنظمة الدولية للهجرة، على انه اولوية لمكافحة الهجرة غير الشرعية والتهريب مع مراعاة الجانب الانساني للادارة الحدودية.
والقى اللواء ابراهيم كلمة قال فيها: “مجددا يحقق الامن العام نقلة نوعية على مستوى تطوير الخدمات عند المعابر والنقاط الحدودية التي تقع ضمن اختصاصه وصلاحيته، وذلك من خلال هبة مشكورة من الحكومة اليابانية في اشراف المنظمة الدولية للهجرة لتمويل اقامة مركز طبي كامل نحتفل اليوم بتدشينه. هذه المنظمة الدولية، المعروفة بمبادراتها الهادفة الى ضمان العمل في المجالات الانسانية والتطويرية، ساهمت في تأمين التجهيزات الطبية المقدمة الى المركز الطبي، ومن بينها سيارة اسعاف، ما سيسمح لفريق الامن العام المتخصص بالقيام باعمال الاسعاف الميداني لاي حالة طبية قد تستجد في مركز امن عام المصنع الحدودي او في محيطه. وقد اتخذت كل الاجراءات العملية بحيث نتمكن من نقل هذه المنشأة الى المكان الذي بدأ العمل فيه لبناء المركز الحدودي الجديد”.
اضاف: “التعاون بين المديرية العامة للامن العام وبين المنظمة الدولية للهجرة والدول الممولة واخص بالذكر الحكومة اليابانية، يستجيب، نوعا ما وقدر الامكان، الازمة المتفاقمة للوافدين الى لبنان عبر معبر المصنع الحدودي من طريق تعزيز امكانات الامن العام الطبية عند هذه النقطة، وبالتالي المساهمة في التخفيف من معاناة العابرين الاشد ضعفا والاكثر حاجة الى الرعاية الطبية.
باسمي، وباسم الامن العام، اشكر الحكومة اليابانية ممثلة بسعادة السفير ومسؤولي المنظمة الدولية للهجرة على المبادرة الانسانية هذه، وادعو كل المنظمات الدولية العاملة في لبنان الى اطلاق مبادرات مماثلة اوسع واشمل، وذلك من ضمن سياساتها الهادفة الى التخفيف من تأثير وجود النازحين السوريين في لبنان الذي عمل بما يفوق امكاناته وقدراته وطاقته، على استقبال النازحين، وتأمين فرص التعليم لهم والعناية الطبية والاقامة، علما ان عديد هؤلاء شكل زهاء نصف عديد اللبنانيين وهذا ما لم تقو دولة في العالم على فعله. وانا اقول هذا لا منة ولا تبرما، انما لاؤشر على وضع كنا نعتقده طارئا وعابرا، واذا به يتحول الى ازمة مستدامة ومزدوجة، داخلية واقليمية تستدعي من المجتمع الدولي وبالتنسيق مع الدولة اللبنانية ايجاد الحلول السريعة لها”.
واشار اللواء ابراهيم الى انه “على المستوى الداخلي ترتفع الحساسية في التعامل مع هذا الامر. اما على المستوى الدولي فان العالم يبدو كمن ادار ظهره لازمة هي اخلاقية وانسانية بدرجة اولى وامنية بدرجة ثانية وصار من المستحيل اهمالها”.
وقال: “لا اكشف سرا انه في ظل وضع كهذا، فان نقاط الضعف لدى لبنان تزداد اتساعا بسبب العوامل العديدة والمتراكمة في شتى المجالات الاقتصادية والمالية والبيئية، كما على مستوى المنافسة التجارية والعمالة المحلية. وهو الامر الذي يستنزف جهود القوى العسكرية والامنية اكثر فاكثر حتى بتنا نقوم بواجباتنا باللحم الحي وذلك لتمسكنا بقيمنا الاخلاقية والانسانية والتزاما بالقوانين والمواثيق الدولية. اننا نؤكد احترامنا اهداف الامم المتحدة، والمنظمات العاملة تحت اشرافها في مساعدة النازحين، لكن نلفت عنايتكم وعناية المجتمع الدولي الى ان لبنان لن يكون بلدا ثانيا او مساحة لتوطين اي لاجىء او نازح والى اي جنسية انتمى وهذا موقف سيادي، دستوري وسياسي، يلقى اجماعا لبنانيا. كما ان لبنان صار يئن من ثقل ملف النازحين على ديموغرافيته ومنظومته الاقتصادية، وصار لزاما على دول العالم ومن منطلق اخلاقي وسياسي وامني المبادرة فورا لمعالجة ملف النازحين وما نتج منه بعد ان طالت تداعياته المجتمع اللبناني بكل اطيافه”.
وختم اللواء ابراهيم: “اكرر شكري الصادق باسمي وباسم المديرية العامة للامن العام للحكومة اليابانية على تمويل هذا المركز الطبي من ضمن المشروعات المختلفة التي تقدمها المنظمة الدولية للهجرة للامن العام، على مستوى تطوير قدرات عسكرييه على الادارة المتكاملة للحدود ومفهوم الادارة الانسانية للحدود والدورات الطبية المتخصصة على امل مزيد من التعاون”.
ثم افتتح اللواء ابراهيم والسفير ياماغوتشي وغودو مركز الاسعاف الطبي وجالوا في اقسامه، كما تم تسليم هبة طبية و6 سيارات قدمتها الدولة اليابانية.
وكشف سفير اليابان “بالاضافة الى تجهيز المعبر الحدودي بمعدات متطورة لتمكين مسؤولي الحدود اللبنانيين من ادارة المعبر بفاعلية كبرى”، انه تم ايضا تنظيم دورات تدريبية في مجالات عدة كالهجرة الحديثة وادارة الحدود الانسانية لبناء قدرات المسؤولين، اما هدف المركز الطبي عند الحدود فهو تقديم الرعاية الصحية الطارئة عند الحاجة”.
وقال لـ”الامن العام”: “اليابان منخرطة ومعنية بعمق بهذا المشروع لانه يتعلق بادارة الحدود الواسعة جدا للبنان، وخصوصا في المرحلة الحالية حيث يعبر هذه النقطة العديد من النازحين من سوريا، ونحن كدولة مانحة تساعد لبنان نعتبر هذا المشروع حيويا بامتياز”.
ولم يستبعد ياماغوتشي انجاز مشاريع اخرى مع الامن العام اللبناني “في حال كانت لدى الامن العام افكار لمشاريع معينة”.
اضاف: “التعاون في تنفيذ المشروع مع الامن العام اللبناني كان ممتازا، لان الامن العام في لبنان هو وكالة ذات فاعلية كبرى بقيادة عظيمة من اللواء عباس ابراهيم ونحن نقدره كثيرا على ذلك”.
عن مقاربة اليابان موضوع النازحين قال: “وفرنا مبالغ طائلة للبنان في هذا الملف تصب في برنامج النزوح، وهذا يعني ان وضع لبنان مختلف تماما عن وضع تركيا او الاردن بسبب استضافة النازحين في داخل مجتمعكم، ما يحتم علينا انجاز مشاريع للنازحين ولكن ايضا للمجتمع اللبناني وهذه نقطة مهمة جدا بالنسبة الينا”.
واعاد التذكير بأن اليابان توفر 200 مليون دولار منذ بدء برنامج اللجوء.
من جهتها، قالت المديرة الاقليمية للمنظمة الدولية للهجرة كارميلا غودو لـ”الامن العام”: “يعتبر تعاوننا كمنظمة دولية للهجرة مع الامن العام اللبناني مفتاحا اساسيا واحد الاولويات التي تعمل عليها الحكومة اللبنانية لتطبيقها فعليا. ان شراكتنا مع الامن العام تطورت منذ اعوام عملنا فيها معا، كذلك تعززت علاقتنا مع جميع اعضاء الحكومة اللبنانية، ونأمل في ان نحقق المزيد في المستقبل اذ لدينا العديد من المانحين الذين يفهمون جيدا اهمية الامن والادارة الانسانية للحدود في لبنان”.
بالنسبة الى تقييمها للتعاون مع الامن العام في لبنان، وكذلك مع الوكالات المماثلة في دول الجوار السوري، قالت غودو: “لدينا علاقة وثيقة جدا مع الامن العام اللبناني في ما يخص حركة العبور عبر الحدود. وهذه المساهمة الثانية بعد مشروعنا على الحدود مع العبودية، ولدينا خطط لاستمرار التعاون على المعابر الحدودية في لبنان بحسب ما يرتئيه الامن العام اللبناني من اولويات. كذلك لدينا تعاون وثيق في هذا الخصوص مع تركيا والاردن ونحن نعمل على تعميق هذا التعاون لان حركة الهجرة واللجوء للناس في هذه المنطقة كبيرة جدا بسبب الوضع”.
عن حضور المنظمة في سوريا قالت غودو: “لدينا حضور في سوريا ونحن سنزيد تعاوننا مع الحكومة السورية في حال طلبت منا ذلك”.
واكد منسق الامين العام للامم المتحدة في لبنان يان كوبيتش لـ”الامن العام”، ان “ادارة الحدود المتكاملة وامن الحدود يجب ان تدار بطريقة تحترم المبادئ الانسانية وحقوق الانسان وهو امر نهتم له كثيرا في الامم المتحدة، وهذا المشروع هو ترجمة للبعد الانساني الذي نهتم له في ادارة الهجرة وستستمر الامم المتحدة دوما بدعم مشاريع مماثلة”.
بالنسبة الى تقييمه للتعاون مع الامن العام، قال: “اود التعبير عن تأثري بمستوى الكفاية التي يعمل فيها الامن العام اللبناني بقيادة مديره العام اللواء عباس ابراهيم وهو شريك وثيق للامم المتحدة. ويسرني التعبير عن هذا الامر ليس بصفتي فحسب كمنسق خاص بل نيابة ايضا عن وكالات اخرى تابعة للامم المتحدة منها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين وسواها من الوكالات التي تنسق ايضا مع اللواء ومع الامن العام اللبناني، وهنالك مشاريع عدة قيد الاعداد لها مع الامن العام اللبناني”.
كادر
ابرز المعدات والآلات
جهز المركز الطبي من الناحية الامنية بكاشف للمتفجرات يتمكن ضمن 16 ثانية من كشف المتفجرات، كواشف ضوئية تعمل على مسافات طويلة تصل الى كيلومتر ونصف كيلومتر، دروع متطورة لحماية الاشخاص، الى آلات لاخذ بصمة الشخص الحرارية. وتوجد ايضا معدات متخصصة للطوارئ تستخدم لمساعدة اي مريض قبل ان يصل الى المستشفى لتلقي العلاج.
وقدم احد المتخصصين شرحا مفصلا للتجهيزات والخدمات الطبية: اي مريض يتعرض الى وعكة في اثناء العبور على الحدود يؤخذ الى المركز الطبي، لتثبيت الحالة وانقاذ حياته ثم نقله الى المستشفى حيث قدمت الحكومة اليابانية 6 سيارات اسعاف.
في المركز 135 عنصرا خضعوا الى دورات تدريبية، كذلك هو مجهز بآلات متخصصة للمنظار والصرع وفقدان الوعي والحرارة وتجهيزات لامراض القلب موجودة في اقسام الطوارئ في المستشفيات.