“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
يعيد موقع “مصدر دبلوماسي” نشر هذه المقابلة التي نشرتها مجلّة “الأمن العام” في عددها الـ71 الصادر في آب 2019.
تنسجم سياسة اليونان مع “المزاج” اللبناني في جوانب عدة، ابرزها الثقافة واسلوب العيش. تتمايز اليونان الاوروبية في ملفات حيوية تخص لبنان كما في ملف النزوح السوري والربط الاقليمي في مشروع منتدى شرق المتوسط الذي يرفض لبنان الانضمام اليه لشموله اسرائيل
تربط لبنان واليونان علاقات صداقة تاريخية، ويفصل بينهما شكلا البحر الابيض المتوسط الذي اطلق عليه الاغريق تسمية البحيرة الفينيقية. توطدت العلاقات بين البلدين منذ مطلع القرن الماضي مع استقرار جالية يونانية نشطة في لبنان يبلغ عددها الف شخص تقريبا، بحسب السفير اليوناني في بيروت فرانسيسكوس فاروس، فضلا عن جالية لبنانية فاعلة في اليونان تعد قرابة 30 الفا يستثمر عدد كبير من ابنائها في القطاعين العقاري والسياحي.
شكلت زيارة الرئيس اليوناني بروكوبيس بافلوبولوس الى لبنان في نيسان الفائت دافعا اضافيا لتوطيد العلاقات. وقد رحب لبنان بفكرة الشراكة الثلاثية الاضلع بينه وبين اليونان وقبرص التي ستستضيف عاصمتها نيقوسيا قمته، غير ان هذه القمة ارجئت من حزيران الفائت الى حين تحديد قبرص موعدا جديدا لها بسبب الانتخابات النيابية اليونانية في بداية تموز الماضي، وتشكيل حكومة جديدة برئاسة زعيم حزب “الديموقراطية الجديدة” كرياكوس ميتسوتاكيس (وزير الخارجية الجديد هو نيكوس زندياس)، وينتظر ان يشكل هذا التعاون مدماكا مهما في المستقبل الاقتصادي للدول الثلاث بمواكبة فعالة من القطاع الخاص.
تجاوزت اليونان بصعوبة ازمتها الاقتصادية الحادة التي بلغت مستوى غير مسبوق عام 2015 بزيادة معدلات البطالة وتدني القدرة الشرائية لليونانيين، وهي اليوم تتعافى بعدما بدأت رحلة الحلول.
يقول السفير اليوناني في لبنان فرانسيسكوس فاروس في حوار مع “الامن العام”: “توجد اليوم سلطة جديدة في اليونان والحزب الحاكم هو “الديموقراطية الجديدة” شكل الحكومة ولديه برنامج اكثر صداقة لرجال الاعمال ولبيئة الاعمال والاستثمار المحلي والخارجي. في هذا الاطار، نعتبر ان الرؤى المستقبلية بالنسبة الى الاقتصاد ستتحسن وستذهب باليونان بعيدا جدا من الازمة التي عصفت بها والتي تتعافى منها تدريجا، ونأمل في ان يكون لدينا نمو اكبر”.
وقدم فاروس نصيحة في شأن الصعوبات الاقتصادية، قائلا: “خفض عجز الموازنة هو امر مهم. لكن التجربة اليونانية اظهرت ان خفض العجز من دون تشجيع القطاع الخاص يمكن ان يؤدي الى ركود في النشاط الاقتصادي. وبالتالي، كصديق انصح بتزامن خفض العجز باستثمارات وحوافز للمستثمرين”.
* عينت في لبنان في آب العام الفائت، ما هي انطباعاتك الشخصية والسياسية عن بلدنا؟
– يتعلق انطباعي الاول بالناحية الانسانية، بحيث ان اي ديبلوماسي نموذجي خدم في بلدان اخرى في انحاء العلم سيصاب بالدهشة حين يأتي الى لبنان. الحياة في لبنان مفرحة باستثناء بعض الصعوبات التكتية مثل زحمة السير. اقصد بالحياة الحلوة، انه في استطاعتنا كاجانب ان نلتقي باشخاص مثقفين يتمتعون بروح المبادرة ومنفتحين ومضيافين جدا. بالتالي يسهل على اي يوناني العثور على ملامح متشابهة مع الثقافة اليونانية، ولعل الضيافة والكرم واللطف مع الاجانب امور مشتركة بيننا.
* ماذا عن جديد التعاون الثنائي بين لبنان واليونان بعد زيارة الرئيس اليوناني بروكوبيس بافلوبولوس الى بيروت؟
– لطالما كانت العلاقة السياسية بين بلدينا ممتازة لاسباب عدة، ابرزها اننا نتمتع بمبادئ مشتركة وندرك تماما انه لا توجد بيننا اختلافات جوهرية لان لدينا عقلية متقاربة. الى ذلك يوجد العديد من اللبنانيين الذين زاروا اليونان في الحرب الاهلية وتلقوا استقبالا ممتازا هناك. اذكر انني في اعوام دراستي الاولى كنت بين مجموعة من اللبنانيين وكانوا يشعرون بكثير من الارتياح في اليونان. كذلك لدينا عدد كبير من اللبنانيين الذين لديهم جنسية يونانية ويصل عددهم الى قرابة 4500 لبناني، وهنالك قرابة العشرة الاف من اصول يونانية، كما يوجد اكثر من الف مواطن يوناني يعيشون في لبنان. هذا على الصعيد السياسي والثقافي، لكن يوجد اكثر من ذلك على الصعيد الاقتصادي ويعد لبنان احد شركائنا الرئيسيين في التجارة. في الفصل السابق، كان لبنان المستورد الرابع للالكترونيات من اليونان، ويتعلق جزء كبير من المشتريات بمنتجات البترول المكرر (البنزين والكيروزين) ويمكننا بذل المزيد من الجهود في ما يخص القطاعات الاخرى، مثل الاغذية والمشروبات ومستحضرات التجميل وسواها.
* هل تهتم الشركات اليونانية بالتنقيب في قطاع الغاز والنفط في لبنان؟
– نحن مهتمون بذلك، لكن يجب بذل المزيد من الجهود في هذا المجال. اغتنم الفرصة لاشير الى ان عمليات التنقيب في جنوب الحدود البحرية مع لبنان تثير قلق اليونان، ولا يمكنها ان تحصل في مساحات حيث وجد اللبنانيون آبارا من ضمن حقوقهم قبل ترسيم خط الحدود البحرية. ترى اليونان انه ينبغي احترام القانون الدولي وخصوصا قانون البحار، وهو جزء من القانون الدولي.
* وسعت اليونان وقبرص تعاونهما ابعد من منطقة شرق المتوسط لتشمل لبنان ثم ارمينيا وقبلهما الاردن ومصر واسرائيل، ما هو الدور الذي ترونه للبنان وسط هذه التجمعات الاقليمية؟
– هذا التعاون الثلاثي هو جزء مهم من سياستنا الخارجية لا سيما الاقليمية في المتوسط، وبالفعل نحن نريد تعزيز تعاوننا في قطاعات مختلفة تشمل المزيد من التعاون مع لبنان. انت ذكرت اسرائيل، وانا لست ارى بأن علاقاتنا الجيدة مع اسرائيل قد تؤثر على آفاق التعاون المستقبلي مع لبنان. لاكون واضحا، ليست اليونان موجودة هنا بالصدفة بل هي ملتزمة سيادة الاراضي اللبنانية واستقلال لبنان. توجد فرقاطة يونانية منذ العام 2006 في المياه اللبنانية، وهي جزء من القطاع البحري لقوات اليونيفيل. لدينا تعاون وثيق مع لبنان في مجال التدريب ونرغب في المزيد من التعاون لان لبنان بلد مهم بالنسبة الينا.
* هل يمكن اعطاؤنا مزيدا من التفاصيل عن التعاون اليوناني مع اليونيفيل؟
– بدأ تعاوننا مع اليونيفيل منذ اليوم الاول لتأسيسها في جنوب لبنان، كان لدينا ضابط في الناقورة ولدينا اليوم سفينة تجوب البحر بدوريات مع 6 سفن اخرى من الجزء البحري لليونيفيل.
* لن يكون لبنان قادرا في المستقبل على اقامة اية علاقات مع اسرائيل، هل يؤثر ذلك على هذه الشراكة؟
– لا اعتقد ان هذا الامر سيؤثر على شراكتنا وذلك بشكل قاطع. بالطبع نحن نريد السلام في الشرق الاوسط، ولكن ليس ضد الحقوق المشروعة للدول العربية وخصوصا للبنان.
* بسبب اجراء الانتخابات النيابية في اليونان، تم تأجيل انعقاد القمة الثلاثية التي كانت مزمعة في نيقوسيا في حزيران، هل جرى تحديد موعد جديد لها؟
– يتعلق هذا الموضوع بالقبارصة، اذ يقع على عاتقهم تحديد الموعد الجديد. بالنسبة الينا نحن نريد انعقاد هذه القمة في اسرع وقت ممكن. اغتنم الفرصة للقول بأن الحكومة اليونانية باكثرية حزب “الديموقراطية الجديدة” ملتزمة كما سابقتها، العلاقات الجيدة مع لبنان.
* هل يؤثر هذا التغيير الحاصل على موضوع الشراكات الاقليمية؟
– يؤثر ايجابيا، لان الحكومة ستكون ملتزمة تطوير العلاقات بشكل اوسع.
* وضعت اليونان اسسا لتعاون اوثق مع لبنان في قطاعات السياحة والتربية والاقتصاد والتجارة، هل من تفاصيل اضافية؟
– في قطاع السياحة، هنالك رؤية متفائلة لان لبنان ليس متطورا كوجهة سياحية كما يستحق، ويمكن زيادة عدد السياح الذين يقصدون المدن والقرى اللبنانية ومنهم السياح اليونان. احد اهدافنا من التعاون السياحي هو جلب المزيد من السياح اليونانيين الى لبنان، وهم سيحبونه حتما بسبب طباع الشعب اللبناني وحسن ضيافته واثاره وكنائسه ومعابده، وايضا بسبب الطبيعة الجميلة وخصوصا الجبال. كذلك يمكن دمج الوجهات السياحية وخصوصا من البلدان الاسيوية وهي يجب ان تكون اسواقا واسعة، وشعوبها تهتم ليس بالشواطئ والشمس فحسب، بل بالاثار والثقافة والمطابخ المحلية اللذيذة وهي نقاط قوة للبنان واليونان ولقبرص ايضا. بالنسبة الى التعليم، للبنان جامعات مميزة كذلك تتحلى قبرص بجامعات مهمة وهي خاصة، اما الجامعات اليونانية الرسمية فهي مهتمة جدا بتبادل الطلاب والاساتذة ويمكن فعل الكثير في هذا المضمار. كذلك يمكن ذكر التعاون مع الاتحاد الاوروبي، حيث توجد رؤية واضحة للتدريب على كيفية الدخول الى الاسواق الاوروبية بمعايير مطلوبة للمنتجات ولتطوير التعاون.
* ماذا عن تدفق اللاجئين الى لبنان والى اليونان ايضا؟
– عانت اليونان لاعوام طويلة من مشكلة اللاجئين من تركيا وبلدان اخرى مثل البلقان، وذلك بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وهؤلاء تم دمجهم في المجتمع اليوناني بعد انقضاء 3 اجيال. لقد خضنا هذه التجربة الرهيبة بأن يكون جزء من السكان يصل اقله الى مليون ونصف مليون لاجئ بلا منازل مجردين من اية مستلزمات للحياة، وكان عدد السكان 6 ملايين وقتها، وما سهل امر اندماجهم لاحقا هو انهم كانوا من اصول يونانية. ثم خضنا اخيرا تجربة دخول لاجئين غير شرعيين ليس من سوريا فحسب بل من بلدان اسيوية ايضا حاولوا المكوث دوما في اليونان او استخدامها ممرا الى بقية اوروبا وطالما شكلوا عبئا كبيرا على السكان. لذلك نحن نتفهم بشكل عميق المشكلة التي يواجهها لبنان مع قرابة المليون ونصف مليون لاجئ، بالاضافة طبعا الى اللاجئين الفلسطينيين الفقراء الموجودين هنا منذ عقود، ونعتبر ان الامر لا يمكنه ان يستمر على هذا المنوال.
* ما هو عدد اللاجئين السوريين في اليونان؟
– لدينا قرابة الـ40 الفا.
* ما هي رؤيتك للحل الذي يمكن ان يتبناه لبنان لمواجهة تدفق اللاجئين في ضوء الخبرة التي اكتسبتها اليونان؟
– يجب ان نعمل جميعنا من اجل تسهيل عودة هؤلاء الاشخاص الى منازلهم، وجزء كبير من هذا الجهد يجب ان ينصب على تحسين الظروف في سوريا نفسها من اجل اعادة استيعابهم. نحن جزء من الاتحاد الاوروبي ولا يمكن القول انه يجب ارغام هؤلاء على العودة لان الامر غير انساني، لكن يجب تشجيعهم من الجميع على العودة.
* يربط الاتحاد الاوروبي عودة هؤلاء اللاجئين بالحل السياسي، هل تتشاركون مع هذه الرؤية؟
– نحن نتشارك الرأي مع الاتحاد الاوروبي لجهة انه لا يمكن عودة الناس اذا كانوا مهددين بظروف الحرب او التمييز او تحت ضغط التوقيف، انها مبادئ الامم المتحدة ايضا وليس الاتحاد الاوروبي فحسب. لكننا في الوقت عينه ندرك ان الامر لا يمكن ان يستمر بهذا الشكل في لبنان، لذا اشدد على انه يجب ان نعمل جميعنا من اجل العودة الامنة والتي تحفظ كرامة اللاجئين.
* ما هو الدور الذي يمكن ان تلعبه اليونان على مستوى الصراع على الغاز والنفط؟ وماذا عن الغضب التركي القائم ضد الشراكة المتوسطية والتنقيب التركي في جوار المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص؟
– كما سبق وقلت، من حيث التنقيب الى جانب المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، من الضروري ان يحترم الجميع القانون الدولي لاسيما قانون البحار، ان اي عمل مخالف للقانون الدولي ليس خطرا فحسب، بل هو مزعزع للاستقرار وهذا امر لا يمكن ان يقبله احد، لذا يجب تطبيق القانون الدولي وليس استخدام منطق القوة.
* يكافح الاقتصاد اللبناني من اجل امتصاص الازمة التي يتسبب بها النازحون السوريون الهاربون من الحرب، هل من تشابه مع اليونان؟
– طالما كانت سوريا شريكا اساسيا مع اليونان لعقود، والحرب اثرت عليها بشكل كبير كما على لبنان، نحن حزينون جدا لاستمرار هذا الوضع غير الطبيعي ونريد ان يعم السلام والعودة الى الاوضاع الطبيعية، ونعتقد انه يمكن ان يكون لبنان قاعدة جيدة من اجل اعادة اعمار سوريا.
* ماذا عن موقف اليونان بالنسبة الى صفقة القرن؟
– موقفنا معروف حيال القضية الفلسطينية منذ العام 1967، وهذا هو موقف الاتحاد الاوروبي. نحن لا نعترف بالقدس كعاصمة لاية دولة، ونحن مع حل الدولتين ونعترف بأن هضبة الجولان هي ارض سورية.