“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
يعيد موقع “مصدر دبلوماسي” نشر هذا التقرير الذي نشرته مجلة “الأمن العام” في عددها الـ71 لشهر آب 2019.
لا يوجد نصّ قانوني خاص يرعى سريّة التقارير الدبلوماسية في لبنان، إذ يحتاج الأمر الى ان يقدم احد النواب او الوزير المختص اقتراح قانون او مشروع قانون في هذا الشأن، فيكون سابقة حقيقية وضرورية تحمي سرية هذه التقارير.
تتمثل مهمة السفير الاولى بمراقبة اوضاع البلد المعتمد فيه، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ونقل تقارير عنها للبلد الذي يمثله. تختلف حساسية التقارير من موضوع الى آخر ويؤدي افشاؤها الى مشاكل كبرى للبلدين. فكيف يحافظ لبنان على سرية تقاريره؟
يقول السفير المتقاعد فوزي فوّاز أن مراحل تنقّل التقارير الدبلوماسية تعرضه للتسريب: بدءا ممن يطبعه الى الحاجب والساعي ومن يوصله باليد. هو عرضة للافشاء مرّات وخصوصا عند استخدام آلات “السكانر” الحديثة، فضلا عن وسائل التجسس الدولية التي يمكنها قراءة مضمونه.
عمل السفير فواز سفيرا في ابو ظبي وبروكسيل وسييراليون ويقول بأنه كان يولي اهمية كبرى لأمن التقارير ويعمد الى طبع التقرير شخصيا وليس عبر السكرتيرة او الموظفين الاداريين لأن في ذلك ثغرا اكيدة على سريته.
يضيف:” يجب التنبه مثلا الى أن طباعة السكرتيرة للتقرير قد تؤدي الى خطأ ما، وهذا يوجب تلفه بفرّامة الورق وليس رميه بشكل عادي”.
يتابع:”إذا كان التقرير سريا يجب ان يدوّن عليه السفير عبارة :”تقرير سري” او:” سرّي جدّا”، عندها يصل الى وزير الخارجية مباشرة، أما إذا كان الوزير غائبا فيحوّل عبر الامين العام الى المسؤولين في دائرة الرموز. غالبا ما ينقل مدير الرموز التقارير بنفسه الى الوزير في حال كانت ذات حساسية عالية وبعدها يحوله الوزير الى الرئاسات والمراجع العليا التي يرى انها يجب ان تطّلع عليه”.
يروي السفير فواز انه كان يرسل تقاريره الدبلوماسية بالفاكس الى دائرة الرموز، وانه تعرض لتسريب تقاريره مرتين، اذ كانت تنشر في صحف لبنانية، لكن الامر لم يؤثر عليه لان التقريرين لم يكونا في صلب ما يسمّى اسرار الدّولة.
يشدد السفير فواز على اهمية أن يطبع السفير المعني تقاريره بنفسه على حاسوبه الخاص الذي يتمتع بكل وسائل الحماية. بعد ان يقوم بإرساله، تبدأ مسؤولية وزارة الخارجية حيث تكون التقارير عادة عرضة لوسائل تقنية حديثة أو للقرصنة، وهذا موضوع خارج قدرة السفير”. ويشير الى ان افشاء التقارير من موظفي الوزارة والدبلوماسيين يؤدي الى عقوبات مسلكية وادارية قد تصل الى عقوبات جزائية، لأن إفشاء اسرار الدولة قد يفقد البلد صدقيته لدى الدولة المضيفة.
ويشرح ان لا علاقة لمعاهدة فيينا بهذا الامر، لانها تتعلق بالعلاقات بين الدول واحترام السفير واجباته أكثر مما تتعلق بواجبات السفير تجاه بلده.
يتمّ تصنيف التقارير بحسب تقييم السفير والوزير المعني ونوعية العلاقات بين البلدين ويكتسب التقرير اهميته من الحدث بحدّ ذاته ومن الدولة الموفدة علما ان الدول عادة لا تنشر تقاريرها قبل مرور 50 عاما.
اما احد الحلول المطروحة، فتكمن في “تحديث وسائل الاتصال بين السفارات ولبنان بما يحول دون امكان اي تسريب تقني وتحديثها بشكل مطلق، وجعلها مباشرة بين الوزير ورئيس الجمهورية حين يكون التقرير سريا للغاية”.
يقول السفير فواز بأن “الصدقية هي اصل العمل الدبلوماسي، منذ ان كان الدبلوماسي سكرتيرا او مستشارا حتى سفيرا”، مشيرا الى ان “السفير يجب ان يحضر اي اجتماع يعقده مسؤول لبناني في الخارج، كذلك يترتب على وزارة الخارجية ان تزوّده يوميا او اسبوعيا بتقارير محلية عن اوضاع البلد والتوجهات السائدة والمستجدات القائمة وذلك عبر الدوائر المعنية ليبقى السفير مؤهلا للنقاش بإسم لبنان بكافة المواضيع ولا يكتفي بجهده الشخصي فحسب”.
من خلال السؤال للدبلوماسيين المتخصصين، تبيّن انه لا يوجد نصّ قانوني يرعى سريّة التقارير. الواضح انه لا يمكن نشر اي تقرير دبلوماسي يصل الى وزارة الخارجية إلا بإذن من الوزير، واذا كان التقرير يتضمن معلومات ذي حساسية شديدة تتعلق بالامن القومي، فهذا يحتاج الى موافقة مجلس الوزارء مجتمعا، اذ ان الوزير عندها لا يمكنه تحمّل مسؤولية مماثلة.
كلما زادت اهمية التقارير والمحاضر، تحتاج الى موافقة مجلس الوزراء. واذا كانت اهمية التقرير عادية يمكن للوزير شخصيا اتخاذ قرار نشره. هذه الآراء تبقى اجتهادات شخصية لدبلوماسيين، إذ لا يوجد اي نص خاص بها حتى في المرسوم 1306 الخاص بوزارة الخارجية، إذ أن الاشارة الوحيدة موجودة في قانون الموظفين وفيها أنه لا يمكن لأي موظف نشر اية معلومة بوظيفته إلا بعد إذن مسبق.
في الماضي، كانت التقارير ترسل بالشيفرة عبر استخدام الاحرف اللاتينية. يروي احد الدبلوماسيين انه في الماضي كان يوجد “التيليكس” فكان يتم “صفّ” التقرير ثمّ يطبع على شريط اصفر ويرسل من السفارة المعنية الى وزارة الخارجية اللبنانية، وكانت التقارير تطبع بالاحرف اللاتينية. استمر استخدام “التيليكس” حتى نهاية ثمانينات القرن الفائت، بعدها اخذ “الفاكس” موقعه واستمر حتى نهاية تسعينيات القرن الفائت. في دائرة “الرموز” كان يوجد “فاكس” مشفّر يعود الى عام 1975، وكانت التقارير الدبلوماسية في البعثات اللبنانية حول العالم ترسل عبره، لكنه توقف وانتقل العمل الى الانترنت ولا توجد سرية حقيقية.
انتقلت وزارة الخارجية والمغتربين الى استخدام البريد الالكتروني منذ قرابة الاربعة اعوام وقد كان الامر ممنوعا كليا في السابق.
يقول وزير خارجية سابق لـ”الأمن العام” إنطلاقا من خبرته الوزارية:
“يتسلم مدير الرموز جميع البرقيات ويضعها في مغلّف ويسلمها الى الوزير، والوزير لوحده مخوّل أن يرسلها الى من يراه مناسبا وفي الطليعة رئيسي الجمهورية والحكومة. تصل احيانا برقيات ذي اهمية كبرى كما محاضر الجلسات مع الوزراء فيسلمها مدير الرموز للوزير ثم ترسل الى مدير الدائرة المعنية مثلا دائرة شؤون اميركا او دائرة شؤون اوروبا وسواهما فيحتفظ بها المدير سريا وممنوع ان يفشيها لأحد”.
من المفترض على السفير الذي يرسل التقرير ان يتنبه بشكل كبير لكيفية ارساله وأن يرصد بدقة من اطلع عليه من الموظفين، وكان التقرير في الماضي يخضع للتشفير كما ذكرنا في حين يغيب التشفير كليا في زمننا.
Cryptage
اخيرا استحدثت وزارة الخارجية والمغتربين ما يعرف بـ
E-Mofa
وهي مكننة المعاملات القنصلية للبنانيين في الخارج بطريقة الكترونية و”اونلاين”.
ليس لهذا الامر علاقة بالتقارير الدبلوماسية وفي الخارجية شبكة “إنترانيت” و”في بي أم” ضمن الوزارة،
Virtual Private network
او ما يطلق عليه “الشبكة العنكبوتية الخاصة المصطلحة”، وهذه الشبكة تربط الخارجية بالسفارات في الخارج، واية معلومة يتم تداولها عبر هذه الشبكة لا يمكن لاحد الدخول اليها لانّها مغلقة كليا، لكن هذه الشبكة لم تشمل بعد التقارير التي ترسل من السفارات اللبنانية في الخارج الى الوزارة والتي لا تزال ترسل عبر البريد الإلكتروني، وتحتاج هذه الخطوة لربط التقارير الدبلوماسية بهذه الشبكة الى تمويل غير متوافر حاليا إلا للحماية الأمنية للشبكة الداخلية للوزارة وهي ذات تكلفة باهظة.
التسريبات أدّت الى استقالة سفير بريطانيا في واشنطن
تسبب تسريب وثائق دبلوماسية سرية من السفارة البريطانية في واشنطن اخيرا بأزمة حادّة بين بريطانيا والولايات المتحدة الاميركية أدّت الى استقالة السفير البريطاني كيم داروك.
فقد تداولت وسائل اعلام غربية في تموز الفائت تسريبات لمراسلات سرية للسفير البريطاني انتقد فيها الرئيس الاميركي دونالد ترامب وادارته بشدّة. ونشرت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية هذه التقارير المسرّبة وتمّ تأكيد صحّتها من قبل مسؤولين بريطانيين تحدثوا الى شبكة “سي أن أن”. ويصف السفير داروك الرئيس ترامب في تقاريره بأنه “عديم الكفاءة” و”غير مؤهّل”، متحدثا عن صراعات في داخل البيت الابيض تشبه “القتال بالسكاكين” ومتوقعا “نهاية مخزية للرئيس الاميركي”.
من جهته، وصف ترامب داروك “بالغبي جدا والاحمق”، قائلا: “هذا السفير لم يخدم المملكة المتحدة جيدا وبوسعي تأكيد ذلك لكم. لسنا من المعجبين بهذا الرجل، كان باستطاعتي قول اشياء عنه لكنني لن أتعب نفسي”، وتعهد ترامب انه لن يتعامل مع داروك البتة، وذلك قبل ان يعمد الاخير الى تقديم استقالته على خلفية الفضيحة.
ويبقى تسريب وثائق “ويكيليكس” التي بدأت تنشر ملايين الوثائق الدبلوماسية والعسكرية التي تخص الولايات المتحدة الأميركية ودولا كبرى هي الأشد وقعا عالميا منذ عام 2010، وأدت الى ان تعتقل السلطات البريطانية اخيرا مؤسس “ويكيليكس” الصحافي والناشط الاوسترالي جوليان آسانج في داخل السفارة الاكوادورية التي لجأ إليها.