“مصدر دبلوماسي”
نظّم “معهد الدراسات المستقبلية” طاولة مستديرة عن “توازنات النصف الثاني من العهد: تحديات ورهانات” وشارك فيها صحافيون وناشطون سياسيون من الإتجاهات ووجهات النظر المختلفة، وتناولت الواقع السياسي الحالي وآفاقه، في ظل التجاذب الدائر في البلاد. وفي وقت برز خلاف حول مدى تحقيق إنجازات وطنية وسياسية في عهد الرئيس العماد ميشال عون، كان هناك توافق على ضرورة تطوير النظام السياسي لمنع إعادة إنتاج الأزمات والحد منها تمهيداً للخروج من حال التجاذب الطائفي والتناتش على المواقع، الأمر الذي يعيق بناء الدولة المنشودة.
شارك في الحوار الكاتب السياسي هاني نصولي، الصحافي يوسف دياب، الصحافية مارلين خليفة، الصحافي قاسم قصير، الخبير الدستوري عادل يمين، الصحافي طوني عيسى، عضو المجلس السياسي في التيار الوطني الحر وليد الأشقر، منسق المرصد اللبناني للفساد شارل سابا، الصحافي عامر ملاعب، الصحافي رشيد حاطوم.
في البداية كانت كلمة ترحيبية لمدير المعهد إيلي شلهوب ثم كلمة تقديمية لمنسق الأبحاث ميشال أبو نجم.
الإتجاه المعارض: هذه هي مظاهر فشل العهد
رأى أصحاب الإتجاه المعارض للتيار الوطني الحر أنَّ الازمة الاقتصادية ستتفاقم تصاعدياً وبالتالي فإن الاضطرابات الاجتماعية ستطغى في القسم الثاني من العهد، وأن كل ذلك ناتج عن الإدارة السيئة للطبقة السياسية اللبنانية، حيث ثقافة الفساد أمست متفشية بشكل لا يمكن السيطرة عليها. يضاف إلى ذلك انعكاس سياسة العقوبات التي يمارسها الرئيس الامريكي دونالد ترامب في حصاره الاقتصادي على إيران وتداعياتها على لبنان. ويعتبر هؤلاء أن من مظاهر فشل العهد إقرار رئيس الجمهورية بأن البلد منهوب، لكن لا يوجد حتى الآن سارق واحد من الكبار في السجون على الرغم من مرور نصف مدة العهد. وسألوا: اين هي نظرية شطف الدرج من فوق الذي تغنوا بها لسنوات؟
وأشاروا إلى أن من المظاهر على الفشل الوضع الاقتصادي شبه المنهار، كما أن الكهرباء ما زالت في تراجع مستمر على الرغم من كل الوعود بـ 24/24 منذ سنوات وسنوات. وفي موازاة ذلك فإن الطوائف والمذاهب اللبنانية متوجسة وخائفة من بعضها البعض والكل يبحث عن قوة خارجية للحماية، كما أن القضاء غير عادل في بعض احكامه والرأي العام يفقد ثقته بالقضاء، والحريات مهددة بل هي في أسفل درجاتها.
وقد نصح أصحاب هذه النظرية التيار الوطني الحر بعدم سلوك طريق الرئيس بشير الجميل في الوقت الحاضر، ويشيرون إلى نموذجي تجربة الرئيس الشهيد بشير الجميل، وتجربة الرئيس الراحل فؤاد شهاب التي يدعون للإقتداء بها بدل الطموح لتكرار تجربة بشير، بحسب وجهة نظرهم.
ولفت بعض المشاركين إلى أن البيئة السُنية لم تكن متقبلة للتسوية بين “التيار” ورئيس الحكومة سعد الحريري، لكنها أمِلت بمرحلة جديدة. ويعتبرون أن الإحباط السُني نشأ من سلسلة مواقف واتجاهات للرئيس ميشال عون، منها أنه لم يفك تحالفه مع “حزب الله” للدفاع عن “سيادة الدولة”، مشيرين إلى أن ما قاله على منبر الأمم المتحدة لجهة التمسك بسلاح حزب الله هو تبرير لبقاء هذا السلاح وتشريعه في شكلٍ دائم.
إنجازات العهد الوطنية والسياسية
في المقابل رأى اتجاه آخر من الحاضرين أن عهد الرئيس ميشال عون ناجح، ويعدد أصحاب هذا الإتجاه أبرز إنجازات العهد وهي إعداد قانون انتخاب نسبي عصري، تحييد لبنان عن الصراع في المنطقة في ظل أزمة كبرى، دخول حزب الله في السياسة الداخلية، النجاح في القضاء على الإرهاب التكفيري، إضافةً إلى مجموعة من المسارات التي هي قيد الإستكمال وهي ملف الغاز والنفط وتحويل لبنان مركزاً لحوار الحضارات والأديان وإعادة التوازن بين المسيحيين والمسلمين في شكل حقيقي، ونظراً لأن هناك تقدماً للدور المسيحي نتيجة للتوازن يشعر البعض عن صواب أو عن خطأ بوجود غُبن في الساحة السُنية.
وتشير بعض الأصوات من هذا الإتجاه إلى إنجاز آخر يتمثل في إشراك المغتربين في الإنتخابات في المرة المقبلة، والعمل الحثيث في وزارة الخارجية لتشجيع الإنتاج الإقتصادي ومواجهة الوزير جبران باسيل لملف النزوح الذي يحتاج مقاربة لبنانية موحدة.
إلى ذلك، هناك من أثنى على إعادة التوازن لكنه يشير إلى أن أسلوب التيار الوطني الحر وخطابه يثير حذراً لدى الطوائف المسلمة. وفي مسألة العلاقة بالخارج، تعتبر بعض الأصوات المؤيدة للعهد أن السياسة الخارجية متوازنة على الرغم من أرجحية واضحة في العلاقة مع المحور الإيراني، ويشير أصحاب وجهة النظر هذه إلى أن “حزب الله عامل طمأنة للمسيحيين”.
في موازاة ذلك، رأى حاضرون من المؤيدين للرئيس عون وللتيار الوطني الحر من خبراء دستوريين وناشطين سياسيين من طوائف مختلفة، أنه لا يمكن مقارنة عهد الرئيس عون بأي عهد آخر حتى منذ الإستقلال. ويرى أصحاب هذا الإتجاه أن العهد طرق أبواباً غير مسبوقة وواجه “ديناصورات” النظام اللبناني كما لم يفعل أحد في السابق، كما أن عائلات حاكمة في كل الطوائف اهتزت. كما يؤكدون أن رئيس الجمهورية بادر إلى وضع أسس لتحييد لبنان عن الصراع الدائر في المنطقة بأخذ مسافة آمنة من الجميع، ويذكّرون بأن النقاش في ملف النازحين السوريين في شكلٍ جدي كان ممنوعاً. ويشيرون في العلاقة مع النائب السابق وليد جنبلاط إلى أن هناك تخويفاً دائماً من الرئيس القوي خاصة في البيئة الدرزية وذلك لأسبابٍ سياسية، وإلى أن أسباب انتفاضة جنبلاط ناتجة عن اعتراضه على عودته إلى حجمه الحقيقي، وفي هذا الإطار يعتبرون أن حزب الله منح جنبلاط أربع نواب ولم يكن يريدون كسره.
وأشار أصحاب هذا الرأي إلى أنه على الرئيس عون أن يضع اتفاق الطائف على سكة النقاش والحوار كي لا نبقى في الحلول المفرغة، لكنَّ بعضهم يلفت إلى أن مقولة “شطف الدرج من فوق” تستدعي تعديل الدستور من أجل تعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية، ودعوا لاستكمال البحث في مجلس الشيوخ لحماية الطوائف وانتخاب مجلس نواب على أساس وطني، ويرون أن متابعة الإنجازات هي مستويات محاربة الفساد والموضوع الإقتصادي والملف القضائي، لافتين إلى إقرار قانون الوصول إلى المعلومات وقانون كاشفي الفساد والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التي يجب أن تشكل قريباً.
الآفاق الممكنة
وطرح عدد من المشاركين سلسلة من الإشكالات التي تواجه العهد وأبرزها عدم استكمال مشروع الدولة الفعلية لجهة محاربة الفساد لأن الممارسات لم تكن على قدر الآمال، إضافة إلى المبالغة في الحديث عن الدور المسيحي. وعددوا سلسلة من المسارات والملفات التي يجب استكمالها من قبل العهد:
إعادة النقاش في اتفاق الطائف نصاً وتطبيقاً والحوار حول مجلس الشيوخ
النقاش في الإستراتيجية الدفاعية
وضع رؤية موحدة للنزوح السوري تراعي الحساسيات
تحييد لبنان عن الصراعات الإسلامية وفي الصراع بين السعودية وإيران
الأخذ بالإعتبار هواجس رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط
ويعتبر هؤلاء أنه على جنبلاط أن يدرك في المقابل أنه لم يعد الممر الوحيد للعلاقة مع الدروز، ويؤكدون أن لبنان لا يزال أفضل الدول مقارنة بالجوار على الرغم من كل المصاعب فيه.
وهناك من أشار إلى سلسلة نقاط قوية لا يزال رئيس الجمهورية وفريقه يحتفظان بها وأهمها “المبادرة السيادية” نظراً لأن لديه كتلة من 30 نائباً ومبدئياً “ثلث معطل” في الحكومة، ما يؤهله لطرح مبادرة استراتيجية لحماية لبنان. ويشدد أصحاب وجهة النظر المنتقدة في شكل إيجابي على محاربة تسييس القضاء والمحافظة على البيئة من خلال تطبيق قانون الأثر البيئي ومتابعة ملف النازحين.
تحدي “لبنان الكبير”
كما أن هناك من الإعلاميين من اعتبر ان التحدي الذي يواجهه العهد هو تحدي “لبنان الكبير” أي التأسيس ومغامرة بناء الدولة في العام 2020، ويطرحون أسئلة عن كيفية النجاح في بناء الدولة في ظل التبعية للمحاور الخارجية، معتبرين أن من سوء حظ الرئيس عون أن كرة النار كبيرة. واعتبر هؤلاء أن الأزمة الكبرى تبقى الخلل في النظام وتحديات الشراكة والصراع الإقليمي والنزوح السوري، ويشيرون إلى أن التسوية أرست توازناً شكلياً وإلى انه ستستمر الصفقات والمساومات، نظراً لأن التسوية متينة ولا يريد أركانها نقضها، ما يصعب من مهمة بناء الدولة.