
مروان المعشر: رهان الأميركيين على تسويق "صفقة القرن" مع العرب والخليجيين دون الفلسطينيين أثبت فشله.
“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب “صفقة القرن” كحجر زاوية لسياسته الشرق أوسطية وسلّم “إعدادها وإخراجها” لمستشاره وصهره جاريد كوشنر، الذي تعاون فيها مع “أصدقائه” العرب والخليجيين مثيرا الكثير من من النقاش والتكهنات، وسط معارضة من السلطة الفلسطينية وحركة حماس، وقد رفض الفلسطينيون حضور مؤتمر البحرين في حزيران الفائت والذي أراد إطلاق الشق الإقتصادي لهذه الصفقة.
بدا في تلك المرحلة بأن الولايات المتحدة الأميركية ضمنت دعم دول الخليج العربية وقد سكتت هذه الدّول عن انتقال سفارة الولايات المتحدة إلى القدس وتجنّبت الخوض في الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان وسواها من المقدمات التي سبقت “صفقة القرن” التي لا تزال لغاية اليوم غير معلنة بشقها السياسي.
فكيف أعادت الإدارة الأميركية الحالية تحديد أركان عملية السلام المستمرة منذ ثلاثة عقود؟ لماذا توقف الحديث عن حلّ الدولتين؟ ماذا تبقى من الوساطة الأميركية في عملية السلام بالنظر إلى الجمود الحالي مع الفلسطينيين الذين رفضوا “تسليمهم” حلا اقتصاديا منقوصا ومعلّبا يقضي على أركان الحل المنتظر تاريخيا؟ للإجابة على هذه الأسئلة وسواها، نظم مركز “كارنيغي الشرق الأوسط” في بيروت نقاشا اليوم الثلاثاء حول هذه الصفقة التي لم تكتمل فصولها بعد، وذلك مع نائب الرئيس للدراسات في المركز وزير الخارجية الأردني السابق مروان المعشر.
قدّم المعشر مجموعة أفكار للنقاش معتبرا بأن القسم السياسي لما اسمي “صفقة القرن” غير معلن بعد بل تم نشر الشق الإقتصادي، أما ما عرف من الشق السياسي فأمكن استنتاجه من تصريحات المسؤولين الأميركيين المعنيين واجتماعاتهم مع القادة العرب والفلسطينيين ما رسم صورة معينة ولو غير مكتملة بعد عن هذه الصفقة.
ولعلّ الجزء السياسي بحسب مروان المعشر يمكن رصده من خلال بعض التطورات التي حصلت ومنها نقل الولايات المتحدة الأميركية لسفارتها الى القدس ووقف تمويل منظمة “الأونروا” والإعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري، كذلك الإعلان بأن نشوء دولتين فلسطينية وإسرائيلية لم يعد الحل المنشود.
واستنتج المعشر بأن الولايات المتحدة الأميركية تريد حلا بلا القدس الشرقية وبلا عودة اللاجئين الفلسطينيين، وهاتان مسألتان يجب وضعهما من وجهة النظر الأميركية خارج إطار اي تفاوض، والأمر سيّان بالنسبة الى وادي الأردن وتفكيك المستوطنات الإسرائيلية.
فرضيات أميركية خاطئة
تبنّى الأميركيون في خطة جاريد كوشنير مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في صفقة القرن التي أعدّوها فرضيات تقع خارج السياق الجغرافي والسياسي الموجود في المنطقة منها كما عددها مروان المعشر: *إعتبرت الصفقة اقتصادية كأنها شبيهة بإتفاق عقاري ولم يتوقع الأميركيون أن يرفضها الفلسطينيون.
*الفرضية الخاطئة الثانية تمثلت باعتقاد الأميركيين أنه يمكنهم عقد اتفاق يستبعد موافقة الفلسطينيين وذلك بالتفاوض المباشر مع الدول الخليجية والعربية في مقابل أن تقوم هذه الدول بـ”تسليم” الفلسطينيين الحل.
*إعتقاد الإدارة الأميركية بأن صداقة دول الخليج مع الولايات المتحدة الأميركية وتعاملها مع إسرائيل يمكن أن ينسحب بسلاسة على عملية السلام.
لكن، تبين لاحقا بحسب مروان المعشر بأن هذه الفرضيات الأميركية غير صحيحة لسبب يتمثل بأنه :” لا يوجد زعيم عربي يمكنه أن يخبر شعبه اليوم أنه سيقبل صفقة ليس فيها القدس الشرقية وتمّ رفضها من قبل الفلسطينيين”.
صفقة غير مجدية اقتصاديا
وتطرق المعشر بالتفصيل الى الشق الإقتصادي بحسب ما تمّ تسويقه معتبرا بأنه لا يمكن اعتبار عملية السلام “بيانا ماليا” بل هي حل سياسي يتعلق بالسيادة الفلسطينية، كما أن التفاصيل الإقتصادية والمالية التي تمّ الكشف عنها أظهرت بأنها دون التوقعات الممكنة بكثير.
تقترح الصفقة دفع مبلغ 50 مليار دولار أميركي يوزّع على 10 أعوام أي 5 مليارات دولار سنويا للفلسطينيين وللدول التي تتحمل تداعيات القضية الفلسطينية.
وتبين بأن 60 في المئة من هذه المبالغ هي قروض وليست هبات.
وفقا لحسابات الفلسطينيين، فإن المدفوعات السنوية وهي بمجملها قروض لن تتعدّى الـ850 مليون دولار أي أقل بكثير من المساعدات التي يتلقاها الفلسطينيون من الدول الغربية. الأمر سيّان بالنسبة الى الأردن، حيث لن تزيد المبالغ المرصودة سنويا عن الـ 300 مليون دولار أي اقل بكثير من المساعدات التي تقدّمها له الولايات المتحدة الأميركية.
يشير المعشر الى أن الحسابات والتقسيمات كلها تؤدي الى نتيجة واحدة وهي أن الصفقة ليست مجدية ماليا، فضلا عن وجود سؤال لم يجب عليه أحد وهو: من سيموّل هذه الصفقة؟ ويعتبر المعشر بأن الدول الخليجية غير قادرة لا اقتصاديا ولا سياسيا على الدفع.
بروز شبح الترانسفير
يحذّر مروان المعشر بأن المشكلة الأبرز تتمثل بقضاء الصفقة على حلّ الدولتين وهذا سيؤدي الى مشاكل عدة. يقول:” بالتحليل قد يكون حل الدولتين صعب التحقيق لكن سياسيا فإن إبرام الأمر سيؤدي الى وضع احتمالات عدة منها أن اسرائيل لا تريد البتة وجود 6،6 مليون فلسطيني في الضفة الغربية في مقابل وجود 6،5 مليون إسرائيلي هناك، وكلّما مرّ يوم سوف يزيد عدد الاكثرية الفلسطينية، فكم ستتقبل اسرائيل التعايش مع هذا الواقع؟ (…). ورأى المعشر بأن أحد الحلول الماثلة ربما يكون نقل السكان بالقوة (الترانسفير الجماعي) من الضفة الغربية، وقد يحصل ذلك قسرا أو كنتيجة حرب مثلا وهذا الأمر لم يعد من الحلول المستحيلة وله تداعيات خطرة جدا وخصوصا على الأردن”.
صفقة غير قابلة للإعلان
وأعرب مروان المعشر بأن شكوكا باتت تساوره من إمكانية إعلان “صفقة القرن”، متوقعا تأجيلها بعد لأن اسرائيل ليست راضية عن هذه الصفقة أيضا وبسبب الإنتخابات الإسرائيلية في أيلول المقبل.
وسأل: الى متى الإنتظار؟ فالإنتخابات الإسرائيلية تقع في أيلول المقبل ويحتاج تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة الى قرابة الشهر وبعدها تدخل الولايات المتحدة الأميركية في طور الإعداد للإنتخابات الرئاسية، فهل سيحتفظ الرئيس الأميركي بنفس الزخم في تسويق هذه الصفقة التي تلقى معارضة واسعة في المنطقة ومن الفلسطينيين أنفسهم؟”.
وخلص مروان المعشر الى القول بأنه “مع تأجيل صفقة القرن توجد شكوك حقيقية بأنها ستعلن، لكن خطورتها تكمن في ما تحقق على أرض الواقع من خلال الأنشطة التي قامت بها إسرائيل وموافقة الولايات المتحدة الأميركية عليها وهنا يكمن مصدر القلق، أما إعلان صفقة القرن برأيي فقد صار وراءنا”.
وأشار في ختام مداخلته الى أن أي “حلّ مستدام للقضية الفلسطينية لن يتم بلا موافقة الفلسطينيين أنفسهم وبقاء هؤلاء متشبثين بأرضهم هو الحل الوحيد الآمن لقضيتهم”.