“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
يعيد موقع “مصدر دبلوماسي” نشر هذا التقرير الذي نشرته مجلّة “الأمن العام” في عددها الصادر في شهر تموز الحالي. لقراءة المزيد من مواضيع المجلة الضغط على الرابط الآتي:
http://www.general-security.gov.lb/ar/magazines
يقول المبدأ بأن السفير يمثّل دولته ورئيسها وهي صفة من المفترض ان يحافظ عليها وان تحترمها دولته والدولة المضيفة. لكن ماذا ان خالف القوانين التي ترعى عمله؟ ومتى يحال الى التفتيش الاداري او الى التفتيش المركزي او الى الهيئة العليا للتأديب؟ ومن يحق له ملاحقته وكيف؟
لا يحبّ الدبلوماسيون والسفراء التحدث عن “عقوبات” تطال المخالفين منهم وهذا امر طبيعي. المعاهدات الدّولية والاعراف الدبلوماسية تحيطهم بحصانات وامتيازات واسعة وهي ليست مجرّد احتفالات ومراسم بروتوكولية، بل لأن القوّة المعنوية للدبلوماسي اهمّ ما يحتاجه لمتابعة مهمّته في الخارج وتشكل حماية لمصالح بلده والدّفاع عن حقوقها. فاذا لم تكن لديه القوّة المعنوية في البلد المعتمد فيه لا يمكنه النجاح في مهمّته، وهذا رأي يشكل محطّ اجماع لدى الدبلوماسيين.
لهذا السبب تحرص الدّول على تعزيز مركز موفديها الى الخارج، من جهتها، تحيطهم الدول المعتمدين لديها بحصانات وامتيازات لكي تحافظ على قوّتهم المعنوية.
تختلف طبيعة العمل الدبلوماسي في وزارات الخارجية عنها في الادارات العامة الاخرى. فالنصوص التي ترعى العمل الدبلوماسي موحّدة عالميا وهي مستمدّة من نصوص عامة وفي طليعتها الاتفاقيات الدولية وبالتحديد معاهدتي فيينا الدبلوماسية والقنصلية، تضاف اليها الاعراف الدبلوماسية الموحّدة لكلّ الدول وهي تعني طريقة التعامل او العادات المعتمدة دوليا.
تحترم الوزارات عادة هذه الاعراف وتضمّنها في ذاكرتها الدبلوماسية لأن بعض السلوكيات غير منصوص عنها بشكل صريح، على سبيل المثال لا الحصر: اللغة الدبلوماسية المستخدمة، استقبال السفراء، التعامل الداخلي في الوزارة الخ….
انطلاقا من هذين المبدأين، يتم الإستنتاج بأن واجب الدولة هي رعاية كرامة الدبلوماسيين ومعنوياتهم. في المقابل يفترض ان يكون هؤلاء على مستوى المسؤولية والامتياز في التعامل.
هذه الطبيعة الخاصة جدّا طبيعة للعمل الدبلوماسي تحكم اي تعاط مع الدبلوماسيين من السكرتير وصولا الى السفير وذلك في حال مخالفة القوانين. نصّ قانون وزارة الخارجية الرقم 1306 على وجود جهاز تفتيش خاص بالبعثات الدبلوماسية، وبالتالي فإن عمل الدبلوماسيين في تلك البعثات لا يخضع لصلاحية التفتيش المركزي الا في الامور الماليّة فحسب. اما عمل هؤلاء في النطاق الاداري او الدبلوماسي في البعثات فيخضع الى جهاز التفتيش الخاص بالوزارة والذي يرأسه عادة سفير برتبة عالية وعلى درجة رفيعة من الخبرة يكون مركزه في وزارة الخارجية كما درجت العادة.
وقد ذكرت المادّة 36 من نظام وزارة الخارجية الرقم 1306 ما يأتي: ” يتولّى أحد السفراء العاملين في الادارة المركزية تفتيش البعثات بصورة دورية وذلك بتكليف من الوزير وفقا لبرنامج تضعه اللجنة الادارية بالاتفاق مع السفير المكلّف ويقترن بموافقة الوزير. ويبقى تفتيش البعثات في الخارج خاضعا لسلطة التفتيش المركزي في الحقل المالي ضمن الحدود المنصوص عليها في القوانين والانظمة النافذة ويحق للتفتيش المالي المركزي وفي معرض القيام بتفتيش البعثات اللبنانية في الخارج ان يحقق في القضايا الادارية المتلازمة او التي من شأنها ان تؤدي الى انعكاسات مالية من اي نوع اكان ذلك بالنسبة للاموال الحكومية او غيرها من الامور التي لها علاقة بموظفي البعثة او الغير”.
يحال الدبلوماسي الى التفتيش الخاص بالوزارة اذا ارتكب مخالفات ادارية ومالية جسيمة، فيستدعى من الخارج الى الادارة المركزية للتحقيق معه. اما العقوبات فهي بحسب قانون الموظفين المعروف والتي تبدأ بالتنبيه والتأنيب وخفض الراتب وصولا الى عقوبات المخالفات الجسيمة التي يحال حينها الدبلوماسي الى المجلس التأديبي وقد يصل الامر الى حدّ فصله من عمله. فالتفتيش هو من صلاحية وزارة الخارجية فحسب حين يكون الدبلوماسي في الخارج وينقل اليها بواسطة مرسوم أو قرار ويعاد للوزارة للتحقيق وقد ينقل نهائيا من مركزه الى الوزارة وهذا أقصى ما يمكن فعله ولا يصل الامر عادة الى الفصل في السلك البلوماسي.
يطبق المرسوم الإشتراعي رقم 112 الخاص بالموظفين إذن على جميع الموظفين بما فيهم الدبلوماسيين حين يكونون في الادارة المركزية.
بحسب مرسوم الموظفين تتدرج العقوبات من تلك التي يفرضها رئيس الوحدة او الامين العام او الوزير وما يتعدى ذلك يحال الى الهيئة العليا للتأديب. ومن العقوبات على سبيل المثال حسم 3 ايام او 10 ايام من الراتب او 15 يوما او تنزيل الرتبة واحالة المعني على التفتيش المركزي الذي بدوره قد يحوله الى الهيئة العليا للتأديب الذي قد يصل الى تجريده من وظيفته.
يعتبر تسريب المعلومات مخالفة كبرى لأن مسألة السرية مقدسة في العمل الدبلوماسي، فالسرية هي من موجبات عمل الوزارة وفي حال خرقها فإن من يحقق بالموضوع هو التفتيش الداخلي المؤلف من مسؤول رفيع في الوزارة او الامين العام او الوزير، لكنه يخضع ايضا لقانون العقوبات الذي لا يعطي امتيازا لموظف او يعفيه من النصوص العامة الموجودة. فالحصانة الوحيدة للموظف هي انه يلاحق بإذن من رئيسه المباشر (اي الوزير) بغية منع التعسّف لكنه لا يعطيه حصانة مطلقة.
يقول أستاذ القانون العام في كليات الحقوق والعلوم السياسية الدكتور عصام مبارك في كتابه:” الوظيفة العامة في لبنان”:” نص قانون العقوبات اللبناني في المادّة 579 على انه:” من كان بحكم حرفته او وظيفته او مهنته على علم بسرّ وافشاه دون سبب شرعي او استعمله لمنفعته الخاصة او لمنفعة آخر، عوقب بالحبس سنة على الاكثر وبغرامة لا تتجاوز الـ400 الف ليرة اذا كان الفعل من شأنه ان يسبب ضررا ولو معنويا
يروي دبلوماسيون انه تاريخيا كان بعض الوزراء “يكافئون” الصحافيين بأن يقدّموا لهم تقارير “كنوع من الضيافة والتكريم”. اما السفراء ولعلمهم بأن التسريب موجود في لبنان وفي الدول كلها، فإنهم كانوا يخبرون الامور الحساسة لوزرائهم شفهيا او بالتشاور الشخصي وتتفاوت نسبة التسريبات بين دولة واخرى وغالبا ما تكون دوافعها سياسية.
طالما كانت التسريبات سابقا قليلة، وهي كثرت في الاعوام الاخيرة بسبب تعدد المرجعيات السياسية. في السابق كانت التقارير تأتي الى مديرية الرموز ثم يسلم المسؤول عنها البرقيات للوزير او للأمين العام بحسب قرار الوزير وترسل التقارير والمراسلات العادية التي ليس لها طابع السرية مباشرة للمديريات، الا ان كافة التقارير من المفترض ان تحال الى الوزير او الى الامين العام اللذان يوزعانها ويبلغانها لرئاسة الجمهورية والحكومة ولمن يرون ان تبليغه ملزم.
اللافت انه يوجد مجلس تأديبي خاص بموظفي السلك الخارجي من اية فئة كانوا، وهذا الامر واضح في المادة 57 التي عدّلت وفقا للقانون رقم 315\94 وتنص على الآتي:
*تأليف مجلس التأديب:
1-مجالس التأديب ثلاثة: مجلس لموظفي الفئة الاولى والثانية وللمفتشين العامّين والمفتشين التابعين لادارة التفتيش المركزي، ومجلس لموظفي السلك الخارجي من اية فئة كانوا، ومجلس للموظفين الآخرين من اي سلك أو اي فئة، باستثناء الحالات التي نصّ فيها القانون على مجلس تأديب خاص. وفي الفقرة الثالثة نقرأ الآتي: يعيّن بمرسوم مجلس تأديبي خاص لمحاكمة موظفي السلك الخارجي.