
تظاهرة في المغرب ضد اجتماع المنامة وصفقة القرن
“مصدر دبلوماسي”-خاص:
وصف مدير معهد واشنطن روبرت ساتلوف في تقرير له الشهر الماضي خطة مستشار البيت الأبيض حول عملية السلام في الشرق الأوسط جاريد كوشنر بأنها “إقتراح سيخسر فيه الجميع في كل الأحوال”. ومع انطلاق أعمال ” ورشة الإزدهار من أجل السلام “ أو “مؤتمر المنامة” اليوم في البحرين على مدى يومين والذي يقاطعه الفلسطينيون وعدد من الدول منها لبنان وسوريا وليبيا وقطر والكويت وتركيا والجزائر والعراق لا بد من العودة الى تفاصيل هذه الخطة المعروفة بـ”صفقة القرن” أو “الخطة الأميركية لعملية السلام” التي عرضها جاريد كوشنر أمس في لقاء صحافي مختصر ومحدود مع عدد من وسائل الإعلام ونشر البيت الأبيض أمس شقها الإقتصادي.
قسّم فريق كبير المستشارين جاريد كوشنر الذي يشرف على خطة السلام بشقّيها الاقتصادي والسياسي “الرؤية الاقتصادية” إلى 3 ركائز: اقتصاد مزدهر متكامل وتمكين الشعب وازدهاره وحكومة مسؤولة ومرنة.
يرى الفريق الأميركي أن ذلك سيُسهّل ضخ 50 مليار دولار في الأراضي الفلسطينية ودول الجوار (منها الأردن ولبنان) خلال 10 سنوات، فيما تعده واشنطن أكثر خطة دولية طموحاً وتكاملاً لدعم الفلسطينيين. واعتمدت الخطة على مقترحات مستوحاة من القطاع الخاص ووثائق حكومية وتحليلات مستقلة ودراسات سابقة من منظمات مثل البنك الدولي وصندوق النقد واللجنة الرباعية الدولية حول الشرق الأوسط.
ولتحقيق أهدافها، ستستعين الرؤية الاقتصادية بـ”صندوق الازدهار من أجل السلام” الذي سيشرف بدوره على 3 مهام أساسية، هي: تسهيل وصول القطاع الخاص إلى رأس المال المُتاح، وإدارة والموافقة على تسليم الأموال على مراحل تماشياً مع تحقيق الأهداف التنموية، وتحمل مسؤولية الشفافية والمساءلة أمام الجهات المانحة.
وتريد واشنطن من “صندوق الازدهار من أجل السلام” أن يصبح أداة لتمكين شركات القطاع الخاص من تنفيذ مشاريع تنموية.
وقال دبلوماسي أجنبي لموقعنا بأن “الأهم من مقاطعة الدول العربية للمؤتمر في المنامة اليوم يجب مراقبة من هم رجال الأعمال الذين سيحضرون ومن أية جنسيات واية دول، لأن الرؤية الإقتصادية ستقوم على هؤلاء”.
خطة كارثية
بالعودة الى تقرير كتبه روبرت ساتلوف في 10 أيار 2019 بعنوان:” خطة جاريد كوشنر للسلام قد تكون كارثية”، يلخص ساتلوف الخطة بنقاط معينة نوجزها هنا:”
- ستقدم الخطة الأميركية مقترحات مفصّلة للإجابة على جميع القضايا الأساسية المدرجة على الأجندة الإسرائيلية-الفلسطينية، من بينها اقتراحات للحدود النهائية لإسرائيل، والبتّ في مدينة القدس المتنازع عليها، ومستقبل اللاجئين الفلسطينيين، والترتيبات الأمنية التي ستحمي اتفاق السلام، والعلاقة السياسية النهائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولن تكون هذه خطة حول كيفية إنشاء عملية تفاوض جديدة؛ وبدلاً من ذلك أعلَنَ بجرأة أن هدفها هو تقديم “حلول”.
- ستسلط الخطة الأميركية الضوء على معادلة توفير الأمن للإسرائيليين وتحسين نوعية الحياة للفلسطينيين، مع التركيز بشكل أقل على “التطلعات السياسية” للفلسطينيين. وعندما أتيحت له فرصة الإعراب عن تأييده لفكرة الدولة المنزوعة السلاح – “دولة ناقصة” – التي اقترحها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نفسه ذات مرة، قال كوشنر إنه يتجنب مصطلح “الدولة” تماماً، وأوضح قائلاً: “إذا قلتَ “دولتين” فهذا يعني شيئاً للإسرائيليين، وشيئاً آخر للفلسطينيين، دعونا لا نستخدم هذا المصطلح”- وبقي من غير الواضح السبب وراء اقتراحه إجابات على جميع قضايا عملية السلام، ولكن امتناعه عن تقديم تعريف أمريكي لـ”إقامة دولة”. وفي الواقع، كان من الصعب جداً استخلاص تعاطف كوشنر مع التطلعات السياسية الفلسطينية، أياً كان تعريفها. (وفي مرحلة ما، استخدم كلمة “البَلَدان” عند الإشارة إلى إسرائيل والكيان الفلسطيني المستقبلي، ولكن بدا ذلك أقرب إلى زلة لسان من إشارة مثقلة سياسياً.)
- ستصب الخطة الأمريكية تركيزها على جعل المنطقة الفلسطينية مصدر جذب للاستثمار كوسيلة لتحسين حياة الفلسطينيين. ولكن التسلسل هنا أمر بالغ الأهمية: فقد أشار كوشنر (في مقابلة مع ساتلوف) إلى أنّ تحقيق هذا الهدف سيتطلب ترسيماً للحدود على أن يكون متبوعاً بإصلاحات سياسية جوهرية داخل السلطة الفلسطينية، وجهود شاملة لمكافحة الفساد، وإرساء سيادة القانون بشكل فعال، والتي تشمل حقوق المِلكية. وبعبارة أخرى، بالإضافة إلى المال – “أموال الغير”، مما يعني فقط مساهمة أميركية متواضعة – سيستغرق الأمر الكثير من الوقت قبل أن يلمس الفلسطينيون تحسّن في الأحوال المعيشية”.
يعلّق ساتلوف على هذه الخطة بقوله:”عند جمع جميع هذه المعطيات، نرى أنّ كوشنر قدّم نهجاً جديداً في صنع السلام في الشرق الأوسط، وإن لم يكن غير مسبوق تماماً. وقد تكون “خطة كوشنر” – إذا صادق ترامب عليها واقترحها – الأولى منذ خطة ريغان المُجهَضة عام 1982، التي قدّمت فيها الولايات المتحدة أفكارها الخاصة للحل الدائم للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، بعيداً عن محادثات السلام الجارية. ومن خلال القيام بذلك، فقد تتعارض مع السياسة الأميركية القائمة منذ مدة طويلة والمتمثلة في تفضيل المفاوضات المباشرة بين الطرفين باعتبارها أفضل طريقة للتوصل إلى اتفاق يرضي الطرفين. بالإضافة إلى ذلك، فإن استبعاد فكرة إقامة دولة من الصيغة الأميركية سيكون بحد ذاته خطوة كبيرة بعيدة عن توافق الآراء بين الحزبين الأمريكيين والذي ظهر بعد تأييد الرئيس جورج دبليو بوش هدف إقامة دولة فلسطينية في عام 2002.
ومن المفارقات أنّ تركيز كوشنر على تحديد نتيجة نهائية ومن ثم العمل مع الأطراف على أفضل الطرق لتحقيقها يعكس من الناحية الشكلية النهج العربي التقليدي في صنع السلام. ويتجلى ذلك على أفضل وجه في “مبادرة السلام العربية”، وهي فكرة طرحتها المملكة العربية السعودية في عام 2002 ودعت إلى انسحاب إسرائيل الكامل من جميع الأراضي التي احتلتها عام 1967 مقابل الاعتراف الكامل [بها] من جانب جميع الدول العربية. لكن إسرائيل انتقدت مبادرة السلام العربية – وكانت محقة في ذلك – لأنها لم توفر مجالاً للتفاوض، بل كانت مجرد مناقشة حول التنفيذ. ومع ذلك، يبدو أن اقتراح كوشنر، من حيث الجوهر، يهدف إلى تجنب حقول الألغام السياسية التي يمكن أن تعقّد حياة نتنياهو، مثل شرعية المستوطنات الإسرائيلية في عمق الضفة الغربية، للتنصّل من المطالب الفلسطينية الطويلة الأمد مثل إقامة دولة، وإدماج أفكار تتمحور حول إسرائيل فيما يخص الترتيبات الأمنية. والنتيجة هي حالة من التنافر المعرفي الدبلوماسي – وهو اقتراح يجب على الحكومة الإسرائيلية الحالية أن ترفضه في شكله ولكن من المرجح أن ترحّب به من حيث الجوهر”. يخلص ساتلوف الى القول: “إنّ أي شخص على معرفة بالشرق الأوسط يدرك أن التشابه بين عملية السلام والصفقات العقارية في نيويورك ينهار بسرعة. وإذا كان الماضي مقدّمة لما سيحصل، فإن معظم الفلسطينيين – وبالتأكيد قادتهم – يفضلون الانتظار إلى أن يُنهي المطوّرون [أعمالهم] بدلاً من قبول عرض منخفض القيمة؛ ففي نهاية المطاف رفضوا عروضاً أكثر إغراءاً من قبل، وهذا ما قصده أبا إيبان بقوله المتهكم إنهم “لا يفوتون فرصة لتفويت فرصة”. وفي النهاية، يعلم الفلسطينيون أنهم يملكون رصيداً قيماً جداً يقدمونه لإسرائيل – القبول النفسي والسياسي – وهم واثقون من أنّ الإسرائيليين سيقدّمون في النهاية أكثر مما تتوخاه “خطة كوشنر” على ما يبدو، من أجل التوصل إلى حل نهائي لصراعهم المستمر منذ قرن”.
إنّ أي اقتراح أمريكي للسلام يجب أن يبدأ بكيفية البناء على الأساسات الحالية، مع بذل جهد شاق لضمان عدم القيام بأي شيء للمخاطرة بالوضع الهشّ الراهن. أمّا ملاحظات كوشنير فقد افتقرت لأيّ تقدير لهذا الواقع الكئيب؛ وفي مرحلة من مراحل النقاش، استَخدم استعارة من مجال الطبّ ليؤكّد بجرأة أن خطتّه “ستعالج المرض” الذي يؤجّج الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، ولكن التحدّي الحقيقي الذي سيواجهه هو ضمان عدم انتهاك اقتراحه لقَسَم بُقراط الدّاعي إلى عدم الأذى.
وهذه اللامبالاة بالآثار المحتملة للفشل هي السبب وراء اعتقادي أن خطته تشكل خطراً على المصالح الأميركية وأنّه لأمر متهور أن تحاول الإدارة الأمريكية حتى تجربتها. وفي حين يجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة بالتأكيد لتقديم أفكارها الخاصة لمساعدة الطرفين على سد الفجوة النهائية في المفاوضات – تماماً كما فعل جيمي كارتر في “كامب ديفيد” عام 1979، بعد أن قضى كلّ من مناحيم بيغن وأنور السّادات وفرقهم 17 شهراً من المساومة المكثفة – تبقى اليوم الهوة بين الإسرائيليّين والفلسطينيّين أوسع من أيّ صيغة يمكن تصوّرها أو اعتمادها لسدّها. ومن هذا المنطلق، لا أهميّة تذكر للتفاصيل التي يستعد كلّ من كوشنر وشركائه إلى وضعها على طاولة النقاش بسبب انعدام التداخل المحتمل بين أكثر ما يمكن لإسرائيل تقديمه وأقل ما تستعد فلسطين لقبوله (والعكس بالعكس).(…).
تقرير ساتلوف كاملا على هذا الرابط:
https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/jared-kushners-peace-plan-would-be-a-disaster