“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
يعيد موقع “مصدر دبلوماسي” نشر هذه المقابلة التي نشرتها مجلّة “الأمن العام” في عددها الرقم 69 الصادر عن شهر حزيران 2019. لقراءة المزيد من مواد المجلة زيارة الرابط الآتي:
http://www.general-security.gov.lb/ar/magazines
تتولى المانيا ادوارا اكثر عمقا في منطقة الشرق الاوسط، وخصوصا منذ اندلاع الازمة السورية في العام 2011، وتنشط في لبنان في ملفات حيوية ابرزها ما يتعلق باللاجئين السوريين والفلسطينيين وتطوير القدرات البحرية اللبنانية
تدخل المانيا الى صلب السياسة الشرق اوسطية من ابواب واسعة، وخصوصا التنمية. تكفي معرفة ان قيمة الاموال التي صرفتها على برامج مختلفة في لبنان منذ عام 2012 بلغت 1,7 مليار دولار، منها 400 مليون دولار في العام الفائت. تركز على البنى التحتية والمدارس، وكذلك على اعادة بناء مخيم نهر البارد، ومساعدة اللاجئين الفلسطينيين عبر الاونروا، وكذلك اعادة توطين اللاجئين السوريين، بحيث كشف سفير المانيا في لبنان الدكتور جورج بيرغيلين ان 1200 سوري في لبنان سيتم توطينهم حاليا في المانيا.
تلعب المانيا دورا في تطوير القدرات البحرية اللبنانية من خلال مشاركتها في قوات اليونيفيل. ويقول السفير بيرغيلين ان بلاده تقوم بتقديم المعدات وتساهم في تدريب القوات البحرية اللبنانية التي من شأنها تولي مهمات اليونيفيل في حفظ الامن البحري في المستقبل. وكانت الخطوة الاولى بناء نظام رادار يمكن لبنان من مراقبة مياهه الساحلية. لذلك تم تحديث سفن الجيش اللبناني وتدريب طاقمها.
الا ان بيرغيلين، كما غالبية السفراء الاوروبيين، يضعون علامات استفهام على سلامة عودة اللاجئين السوريين الى ديارهم، انطلاقا من موقف سياسي اوروبي معروف، من دون اغفال ان عودة هؤلاء ضرورية، ومن دون استبعاد ضرورة التعاون مع روسيا.
يشرح السفير بيرغيلين حيثيات سياسة بلاده الخارجية في هذه المقابلة مع “الامن العام”، علما ان انه يتولى في لبنان اول منصب ديبلوماسي له في بلد عربي، وذلك منذ ايلول 2018. سبق له وعمل قنصلا عاما في اسطنبول بين عامي 2015 و2018، وكان قبلها ممثلا دائما لبلاده في موسكو، وتبوأ مراكز عدة في وزارة الخارجية الالمانية. كان ممثلا دائما لبلاده في اوتاوا وبروكسل وجاكرتا، وهو يحمل دكتوراه في ادارة الاعمال.
* ما هو انطباعكم عن الوضع السياسي في لبنان بعد مرور السنة الاولى في بيروت؟
– بعد قدومي من تركيا حيث كنت القنصل العام الالماني في اسطنبول بين عامي 2015 و2018، تعرفت الى لبنان كبلد يتميز اولا بتعدديته وتنوعه الديني، ما يشكل تحديا كبيرا للمؤسسات الديموقراطية في البلد. اتسمت المرحلة الاولى من تسلمي المهمات كسفير المانيا في لبنان بصعوبة تشكيل الحكومة. الامر الذي وضعني امام دورة مكثفة في السياسة الداخلية اللبنانية. تكمن مصلحة المانيا في بقاء البلد، عبر المحافظة على ديموقراطيته وامنه واستقراره، نموذجا للتعايش السلمي بين الجماعات الدينية المختلفة، وفي ان تتحسن احوال جميع الناس فيه. فكل ما نقوم به يندرج ضمن هذا السياق.
* في موضوع عضوية المانيا في مجلس الامن في الامم المتحدة بين عامي 2019 و2020، ما هو جدول الاعمال الالماني في الشرق الاوسط؟
– تتميز عضوية المانيا في مجلس الامن كعضو غير دائم لفترة بين عامي 2019 و2020 بالرغبة في المساهمة في تشكيل وتعزيز نظام عالمي قائم على الانظمة والقوانين ويتميز بالتعاون الدولي. بالاضافة الى المواضيع الحالية التي يتعين على مجلس الامن التعامل معها، نعمل حاليا في مجالات عدة لمواجهة تحديات عالمية شاملة: حماية البيئة والمناخ، تعزيز السياسة الخارجية والامنية الوقائية، حماية المرأة في الصراعات وتعزيز دورها في مفاوضات السلام. هنا اود تسليط الضوء على التعاون الوطيد بين المانيا وفرنسا، علما انه في آذار ونيسان 2019، تولى البلدان رئاسة مجلس الامن معا.
* كيف انعكست زيارة المستشارة انجيلا ميركل الى لبنان على العلاقات الثنائية بين البلدين؟
– عكست زيارة المستشارة الالمانية في حزيران 2018، وكذلك زيارة الرئيس الفيديرالي فرانك فالتر شتاينماير في كانون الثاني 2018، الدعم السياسي الالماني للبنان. يستطيع البلد الحفاظ على استقراره في بيئة صعبة جدا، لاسيما في ما يتعلق بتحديات الازمة السورية وقضية اللاجئين الناتجة منها. تقدر المانيا الانجازات العظيمة التي حققها لبنان ومواطنوه. في الوقت نفسه، وبغض النظر عما سبق، تحتاج البلاد بشكل عاجل الى اصلاحات جذرية، وتقف المانيا الى جانب لبنان في ذلك ايضا. المانيا هي ثاني اكبر جهة مانحة في لبنان، الامر الذي يدل على مدى جدية دعمنا. اننا نستثمر في البنية التحتية اللبنانية، ونساعد بذلك الدولة اللبنانية في خلق افاق مستقبلية افضل لكل الناس. على سبيل المثال، تمول المانيا اكثر من 100 كيلومتر من شبكات الصرف الصحي الجديدة في جميع انحاء بيروت، فيستفيد من خلال هذا الاستثمار اكثر من مليون شخص، من التخلص من مياه الصرف الصحي ضمن معايير النظافة والصحة، ويتم تخفيف العبء عن البحر المتوسط. اضافة الى ذلك، نقوم ببناء وتأهيل المدارس الابتدائية والمهنية. اعيد تأهيل اكثر من 150 مدرسة حكومية حتى يتسنى للطلاب الدراسة في بيئة امنة تلائم الاطفال. تهدف استثماراتنا في البنية التحتية بشكل خاص الى دعم المجتمعات المضيفة التي استقبلت اعدادا كبيرة من اللاجئين، وقد استفادت اكثر من 150 بلدية لبنانية من هذا الدعم حتى الان.
* ما هو دور المانيا في اليونيفيل ومجموعة الدعم الدولية للبنان؟
– تعتبر اليونيفيل واحدة من اكبر المهمات التابعة للامم المتحدة لحفظ السلام عالميا، وهي تتسم بالنجاح. تساهم المانيا فيها من خلال دعمها لقوة اليونيفيل البحرية. فالكورفيت (الفرقاطة) الالمانية اولدنبورغ تساهم مع طاقمها المؤلف من حوالى 60 جنديا في حماية المياه الساحلية من تهريب الاسلحة. الى ذلك، تقوم المانيا بتقديم المعدات وتساهم في تدريب القوات البحرية اللبنانية التي من شأنها تولي مهمات اليونيفيل في حفظ الامن البحري في المستقبل. كانت الخطوة الاولى بناء نظام رادار يسمح للبنان بمراقبة مياهه الساحلية، لذلك تم تحديث سفن الجيش اللبناني وتدريب طاقمها. الى جانب الاعضاء الدائمين في مجلس الامن التابع للامم المتحدة، الاتحاد الاوروبي، جامعة الدول العربية وايطاليا، فان المانيا ايضا عضو ناشط في مجموعة الدعم الدولية (ISG) القائمة منذ العام 2008.
* ما هو دور المانيا في الحرب الدولية ضد الارهاب؟
– المانيا عضو في جميع الهيئات الاساسية المتعددة الطرف التي تعمل على مكافحة الارهاب. لا تعتبر مسألة مكافحة تنظيم الدولة الاسلامية وحدها في المقدمة، انما ايضا التغلب على كل اشكال التطرف المسلح. نهج التطرف بين الشباب في كل بلداننا، بما في ذلك في اوروبا، يشكل تحديا وسؤالا لا نزال نبحث عن اجابات مقنعة له. احد هذه الاجوبة هو بالتأكيد التعليم، لكن تدفق المقاتلين الاجانب الى سوريا والهجمات الاخيرة على سري لانكا تثبت ان علينا التدقيق بشكل مفصل في العوامل التي تدفع الشباب الى احضان الايديولوجيات الارهابية.
* ماذا حول التعاون مع المديرية العامة للامن العام اللبناني؟
– تدعم الشرطة الالمانية لبنان منذ العام 2006 من خلال تقديم مساعدات في مجال التدريب والمعدات. يتمثل هذا التعاون الوطيد من خلال دورات تدريبية دورية ورحلات دراسة واستطلاع. اضافة الى ذلك، فان التبادل المباشر والنشيط يوضح رغبة توثيق هذا التعاون في المستقبل.
* ماذا عن مشاريعكم في اعادة تأهيل مخيم نهر البارد؟
– يتشارك لبنان والمانيا الرأي حول اهمية اعادة اعمار مخيم نهر البارد الفلسطيني من اجل تحسين وضع اللاجئين الفلسطينيين، والاسهام في الاستقرار في شمال لبنان. لهذا السبب، تعهدت الحكومة الاتحادية حتى الان دفع مبلغ 52 مليون دولار لاعادة الاعمار، ولا تستخدم الاموال فقط لاعادة بناء المساكن لاكثر من 5 الاف شخص، ولكن ايضا لتمويل اعادة تأهيل المتاجر في المخيم. من دون اقتصاد محلي قوي، لا يمكن التوصل الى تحسن مستدام في الوضع المعيشي.
* ماذا عن دعمكم للاونروا؟
– الاونروا عامل استقرار اساسي للمنطقة ولا غنى عنها، علما ان المانيا واحدة من اقدم الجهات المانحة لها واكبرها. في عام 2018، قدمت المانيا للاونروا حوالى 100 مليون اورو. كونها عضوا في اللجنة الاستشارية للاونروا، تشجع المانحين الاخرين على تثبيت وتوسيع التزاماتهم النقدية، من اجل انشاء قاعدة مستدامة لعمل الاونروا.
* ماذا عن السياسة الالمانية بازاء اللاجئين داخل المانيا؟ وما جديدكم في برامج اعادة التوطين خاصة لبنان والبلدان المجاورة؟
– تواظب المانيا في مشاركتها في مجال اعادة التوطين لتخفيف العبء عن لبنان بهذه الطريقة ايضا. في اطار برنامج اعادة التوطين الالماني وفي مرحلة جديدة تجري حاليا، سيتم استقبال حتى 1200 شخص من الفئات المستضعفة من لبنان، معظمهم من اللاجئين السوريين الذين يعيشون في لبنان. عليهم ان يكونوا مسجلين بصفة لاجئين لدى المفوضية السامية للامم المتحدة لشؤون اللاجئين. كذلك سيبقى جمع شمل افراد الاسرة المباشرين للاشخاص المعترف بهم كلاجئين في المانيا ممكنا.
* كيف تنظرون الى مستقبل اللاجئين السوريين في لبنان؟ وهل من اتفاق مشترك مع فرنسا؟
– لا يريد اللاجئون السوريون انفسهم اي شيء اكثر من العودة الى وطنهم الام. اننا نعمل بالتعاون مع شركاء الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي من اجل خلق الظروف المؤاتية لذلك، والمانيا وفرنسا متفقتان تماما على هذه المسألة. من حيث المبدأ، ترغب الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين في العودة، لكن الخوف من الاضطهاد والتعسف يمنع معظمهم حاليا من ذلك. لسوء الحظ، ما زلنا نتلقى تقارير عن حملات اعتقال وتعذيب واعدامات خارجة عن نطاق القضاء. لا يزال مصير ما لا يقل عن 70 الف شخص بين المعتقلين من النظام والمفقودين غير واضح. يضاف الى ذلك الهجوم العسكري الحالي وحملة القصف التي يشنها النظام في شمال غرب سوريا، الامر الذي ادى الى نزوح ما لا يقل عن 300 الف شخص اضافي داخل سوريا.
* هل تدعم المانيا المبادرة الروسية؟
– هنا نحتاج الى نقاش مشترك وصادق حول الحقائق الميدانية. للبنان والمانيا وكل المجتمع الدولي مصلحة مشتركة في المطالبة المتحدة باحراز تقدم ملموس، ما يعني احترام حق جميع اللاجئين في العودة، وانهاء الاعتقالات والاضطهادات التعسفية بشكل صادق ونهائي، وكذلك ضمان اليقين القانوني، مثل حق الملكية بشكل عام وحق الملكية السكنية. على دمشق ايضا، منح المفوضية السامية للامم المتحدة لشؤون اللاجئين امكان الوصول الفوري، غير المقيد والدائم الى جميع المناطق التي يعود اليها اللاجئون للتأكد من التزام الضمانات وحماية العائدين. يجب العمل على ذلك بالتعاون مع روسيا لتأمين عودة اللاجئين السوريين الآمنة والكريمة من لبنان. في اثناء عملنا المشترك لتحقيق هذا الهدف، ستستمر المانيا في دعم لبنان منذ عام 2012. ساندت المانيا لبنان ببرامج دعم بقيمة 1,7 مليار دولار، منها 400 مليون دولار تقريبا في العام الماضي وحده. يعود جزء كبير من هذا الدعم بالمنفعة على البنى التحتية للمجتمعات اللبنانية، كما نساعد بالتوازي، الشعب المحتاج داخل سوريا. نقوم بتوجيه مساعداتنا بشكل حازم بحسب الحاجات، بغض النظر عن مكان وجود المستفيدين، ونضمن ان لا يحدث الدعم الدولي عوامل جذب او دفع غير مرغوب فيها.
* كيف تقيمون الوضع الحالي للصراع السوري واين ترون الحل المستقبلي؟
– بعد ثماني سنوات دامية نتوق جميعا الى السلام، وخصوصا السوريين انفسهم. لكن علينا التحلي بالصدق حيال امرين: الحرب لم تنته بعد، وحتى لو انتهت، فهذا لا يعني ان السلام عمّ في سوريا. نواصل عملنا لايجاد حل سياسي للصراع، خاصة كجزء مما يسمى المجموعة المصغرة حول سوريا. لا تزال المانيا ترى ان السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والسلام على المدى الطويل في سوريا، هو من خلال عملية سياسية صادقة لانهاء الصراع. اي تسوية سياسية تقدم رؤية لمستقبل مشترك لجميع السوريين. اما الخطوة الاولى في هذا السياق، فيجب ان تكون من خلال تشكيل لجنة دستورية.