“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
يعيد موقع “مصدر دبلوماسي” نشر هذه المقابلة التي نشرتها مجلة الأمن العام في عددها لأيار الحالي 2019. لقراءة المزيد من مواضيع المجلة الضغط على الرابط الآتي:
http://www.general-security.gov.lb/ar/magazines
يفتخر قائد قوات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان (اليونيفيل) ستيفانو دل كول بأن الجنوبيين الذين يبلغون 13 عاما نعموا باستقرار جنبهم ما قاسته الاجيال التي سبقتهم. مرد ذلك الى الجهود التي تبذلها “اليونيفيل” لحفظ الاستقرار وتوطيده
تزامن اللقاء مع الجنرال ستيفانو دل كول مع الذكرى 23 لمجزرة قانا عام 1996، والتي راح ضحيتها عشرات اللبنانيين الجنوبيين من ابناء البلدة والجوار، كانوا لجأوا الى مقر القوات الفيجية في البلدة هربا من القصف الاسرائيلي. لكن جيش العدو لم يلتزم المبادئ الانسانية ولا القوانين الدولية التي تمنع قصف المدنيين، فكيف اذا هربوا الى مقر قوة دولية لحفظ السلام؟
يصف الجنرال دل كول المجزرة بالفظيعة، مشيرا في حوار مع “الامن العام” الى انه يفضل ان لا يقوم برد فعل على شيء حصل، بل تجنب ما قد يحدث مجددا، قائلا: “لدينا آلية اللجنة الثلاثية وممثلون عن الجيشين اللبناني والاسرائيلي، ولدينا “اليونيفيل” الممثلة هناك، ونحن نتكلم مع بعضنا البعض، واخر اجتماع حصل في بداية نيسان الفائت. لدينا اجندة تقضي بالاجتماع كل ستة اسابيع، والعمل يتم بشكل جيد”.
بعيدا من الحدث التراجيدي الذي قاسته قانا بحسب توصيفه، يقول الجنرال الذي امضى لغاية الان تسعة اشهر في مهمته الجديدة: “انا مسيحي وتعني لي قانا الكثير وخصوصا مغارة قانا وقد زرتها مرارا”. يضيف:” تتميز البلدة بوجود كنيسة وجامع، ما يجعلها قيمة حقيقية لانها تجمع في ربوعها ديانتين سماويتين هما المسيحية والاسلام”.
* تسلمت قيادة “اليونيفيل” في تموز 2018. كيف تشرح مهمتها كقوة حفظ سلام؟ ومتى تتحول الى قوة عسكرية مقاتلة عند الضرورة؟
– يجدر القول بأن تعييني هنا منحني امتيازا، فهي المرة الثالثة التي اوجد فيها في جنوب لبنان خلال حياتي العسكرية. فقد كنت في المرة الاولى عام 2008 قائد كتيبة، وشغلت بين عامي 2014 و2015 مركز قائد القطاع الغربي، واترأس حاليا قيادة “اليونيفيل” ما يعني انني مررت بمراحل قيادية ثلاث في لبنان. عندما عينني الامين العام للامم المتحدة قائدا لهذه المهمة في العام الماضي، وتسلمت القيادة من زميلي السابق الجنرال مايكل بيري في 7 آب الفائت، نظمنا احتفالا تقليديا في مقابل العلم، شعرت حينها بالاعتزاز الفعلي بسبب العودة الى هذه الربوع قائدا لهذه القوات مع مسؤوليات جديدة مختلفة تماما عن تلك التي اضطلعت بها سابقا. تتضمن هذه المهمة امرين: انا اولا قائد القوات وانا من اقودها، ولدينا الان 10 الاف من قوات حفظ السلام من 43 بلدا مختلفا حول العالم، وانا ايضا رئيس هذه البعثة وهذا يعني انني اترأس الموظفين المحليين وهم قرابة الـ650 موظفا لبنانيا مختلطين بين رجال ونساء، وكذلك موظفي الامم المتحدة، وبالتالي هي مهمة معقدة وفريدة تضم قرابة الـ11 الف شخص. تتميز هذه المهمة بوجود مجموعة بحرية بقيادة ادميرال برازيلي مع 6 سفن، كذلك لديها في داخل مجال عملياتها ارث مصنف من “الاونيسكو” في مدينة صور، حيث يوجد مكانان تاريخيان من العهود الفينيقية والرومانية. لدينا في هذه البقعة انجاز عمره 13 عاما من الاستقرار. وكما قلنا مرارا ان المراهقين الذين يبلغون الـ13 من العمر لم يعانوا البتة من الحرب التي عرفها اسلافهم، وهذا امر فريد ويعود الى وجود “اليونيفيل” التي تمكنت من توطيده. في غضون 13 عاما، عانينا من بعض الامور ولكنها لا تقارن بما كان يحدث في الماضي.
* افهم انكم لم تشعروا يوما بأن عليكم تحويل قوة حفظ السلام الى قوة عسكرية؟
– لا، البتة، انها مهمة حفظ سلام كما نراها تقنيا، وهي تحت اشراف المتحدة في نيويورك المولجة بقوات حفظ السلام في العالم. وهي ليست مهمة سياسية كما انها ليست عسكرية تماما، بل هي قوات تضطلع بعمليات شاملة لحفظ السلام كما نصفها تقنيا. وبالتالي فان نصف هذه المهمة تقودني الى التعامل على المستويين السياسي والديبلوماسي في ان، وانا امثل “اليونيفيل” على المستوى السياسي حين اكون في بيروت. في الوقت عينه، اتعاطى مع الطرف الاخر من الجانب الاخر من جنوب الخط الازرق.
* اطرح هذا السؤال وفي ذهني مجزرة قانا التي وقعت منذ 23 عاما في نيسان 1996، حين قتل القصف الاسرائيلي مئات المدنيين. كيف تصف هذا الحدث، حين اوى مقر الامم المتحدة عددا كبيرا من اللبنانيين الذين لجأوا اليه هربا من القصف الاسرائيلي لكن اسرائيل قصفته، ماذا سيحصل ان تكرر هذا الامر؟
– لقد شكل الامر حدثا تراجيديا فظيعا، وقد كنت مصعوقا حين وقع هذا الامر. بعد مرور فترة على مجيئي الى لبنان زرت رئيس بلدية قانا مرارا، وقانا هي بلدة متعددة الديانة ومن المثير اكتشاف الديناميات الموجودة في داخلها. بالعودة الى الحدث عام 1996، فقد شكل تراجيديا حقيقية، لكن اذا اردنا المقارنة بين الوضع في تسعينات القرن الماضي وما وصلنا اليه اليوم عام 2019، وحتى قبل ذلك عام 2014، نلحظ ان الاوضاع تغيرت بشكل جذري. انا افضل ان لا اقوم برد فعل على شيء حصل، بل التركيز على تجنب ما قد يحدث مجددا. بالتالي لدينا آلية اللجنة الثلاثية، ففي داخل غرفة كالتي نجلس فيها جميعنا الان، لدينا ممثلون عن الجيشين اللبناني والاسرائيلي، ولدينا “اليونيفيل” الممثلة هناك ونحن نتكلم مع بعضنا البعض، واخر اجتماع حصل في بداية نيسان الفائت. لدينا اجندة تقضي بالاجتماع كل ستة اسابيع، والعمل يتم بشكل جيد. بالتالي في غضون 13 عاما بات الاستقرار امرا واقعا يؤكد ما يمكن ان ينعم به جنوب لبنان، ونحن نتمنى ان لا يحدث امر مماثل مرة جديدة لان المدنيين الذين لجأوا الى مقر الامم المتحدة وتمت مهاجمتهم بالمدافع قد استهدفوا وقتل العديد منهم، والامر سيان بالنسبة الى القوات الفيجية التي سقط منها عدد من الجرحى في ذلك الحين. بالطبع الامر لا يقارن بسقوط المئات من اللبنانيين. بالتالي نحن نعمل عبر آلية اللجنة الثلاثية وعبر دعم الجيش اللبناني وهو شريكنا الاستراتيجي، على امل ان لا تتكرر حوادث مماثلة تطاول المواطنين اللبنانيين.
* ما هو تقييمك للوضع العسكري الان؟ وهل من امر مقلق؟
– تقنيا، فان البلدين لا يزالان في حالة حرب وليس لدينا حدود بينهما بعد، بل لدينا الخط الازرق وهو آلية تم وضعها عام 2000 بعد انسحاب القوات الاسرائيلية من الاراضي اللبنانية. الخط الازرق هو نتيجة عمل لجنة من الامم المتحدة، ويستلهم خطا سابقا عام 1949 والحدود بين الفرنسيين والبريطانيين. الوضع مستقر، وكما سبق وذكرت انه بعد مرور 13 عاما من الاستقرار، يمكن لمس ذلك عمليا. اذا اقمنا مقارنة اوضاع المهمة في بداياتها حين اتيت الى لبنان، فهي تبدلت بشكل جذري في الـ13 عاما المنصرمة، حدثت تطورات في مدن عدة اذكر منها صور التي تعد ثاني مدينة سياحية تتم زيارتها في لبنان. بالطبع فان الديناميات الاقليمية قد تتدخل في الوضع من خلال عدد من الدول المحيطة بلبنان، ولكن ينبغي علينا التفكير في المستقبل، وليس العودة دائما الى الماضي وعدم السماح لظروف محيطة بلبنان بالتأثير على الاوضاع فيه.
* هل من الممكن ان تخبرنا عن خطتك المستقبلية لمهمة “اليونيفيل”، وماذا عن التعاون مع الجيش اللبناني؟
– الجيش اللبناني هو شريكنا الاستراتيجي، ولدينا معه تعاون وثيق جدا. نحن نقود الانشطة ونحن نساعده من اجل زيادة قدراته، ونقوم بتدريبه. كذلك لدينا تعاون مهم مع قوى الامن الداخلي وايضا مع الامن العام وهو امر اشدد عليه. بالنسبة الى الجيش اللبناني ثمة آلية تسمى الحوار الاستراتيجي ونحن نسير سويا ومع بقية الدول من اجل زيادة القدرات الكاملة للجيش اللبناني، وايضا للقوات البحرية اللبنانية اي على الارض وفي البحر. زرت اخيرا القوات البحرية التابعة للجيش اللبناني في جونيه، وشاهدت مدى اهمية التدريب الذي نقوم به معهم، وحتى في الجنوب نحن نقود الكثير من الانشطة والمتمثلة بانشاء فوج نموذجي وهو جديد في جنوب لبنان، ويتيح لكثير من الدول الاعضاء زيادة قدراتها كدول مانحة وزيادة مساهمتها في بناء القدرات. وبالتالي نحن نسير بشكل لصيق بالتعاون مع دول اخرى للعمل من اجل ان يكون فوج جديد هنا في الجنوب.
* ما هو نوع القدرات التي تودون ان تتمتع بها البحرية اللبنانية؟ وهل هذا يعني ان “اليونيفيل” ستنسحب تباعا من مهماتها في البحر؟
– اعتقد ان اسئلة مماثلة تتكاثر اخيرا وتعني الحدود البحرية. هنا افيد من هذا السؤال لاقول ان الحدود البحرية هي خارج تفويضنا. انها تخضع لنقاش بين البلدين وعبر وسيط من بلد ثالث، وسنكون قادرين في حال تم الطلب منا من البلدين ان نقوم في المستقبل بمساع حميدة كما تفعل عادة الامم المتحدة.
* يرغب اللبنانيون في ان تلعب الامم المتحدة دورا في هذا الملف. هل يحتاج الامر الى تفويض جديد منها؟
-لا يمكننا فعل ذلك الان لانه خارج نطاق تفويضنا. لكن اذا طلب منا البلدان لعب دور تحت مظلة الامم المتحدة سيكون في وسعنا في المستقبل تقديم المساعدة في مسار الوساطة، كنوع من المساعي الحميدة. اعود الى السؤال عن قدرات البحرية، نعم، توجد اليوم 6 سفن وهو اقل مما كان في السابق ويقل العدد عاما بعد عام، واليوم لدينا 6 سفن تراقب المياه الوطنية اللبنانية، في مقابل المرفأين الرئيسيين اي طرابلس وبيروت، اضافة الى صيدا. طلب منا بحسب اخر قرار ان نقيم خطة لزيادة قدرات البحرية من اجل تخفيض العدد في المستقبل. انه مسار، ونحن نعمل حاليا على زيادة قدرات البحرية قبل تخفيض عدد قواتنا.
* تحدثت عن تعاون وثيق مع الامن العام اللبناني. هل في امكانك اعطاء المزيد من التفاصيل عن هذا التعاون؟
– نحن نتعاون مع الامن العام اللبناني في مجال التدريبات المشتركة عبر نظام يتضمن تدريبات لمكافحة الارهاب، ونحن على تعاون وثيق جدا، ونتمنى ان تكون امكانات تعاون اكبر في المستقبل وانا متحمس لمزيد من التعاون.
* تستمر اسرائيل في اعمال البناء في جنوب الخط الازرق، وهي تدخل ضمن الاراضي اللبنانية المتحفظ عنها في العديسة، وقد طلبت “اليونيفيل” مرارا من الجيش الاسرائيلي تعليق اعمال البناء في الاراضي المتحفظ عليها لبنانيا، هل تم التوصل الى اتفاق جديد بين الافرقاء منذ 10 كانون الثاني الفائت؟
– نعم، حصل ذلك في كانون الثاني الفائت عندما بدأ الاسرائيليون ببناء الجدار في مقابل مستعمرة ميسكفعام. بالنسبة الى الامم المتحدة فان حصول بناء في الجهة الجنوبية من الخط الازرق لا يمثل تقنيا خرقا لهذا الخط، لاننا نعتبر ان الخط الازرق – ليس حدودا رسمية – لان الجزء الجنوبي من الخط هو اسرائيل وشماله هو لبنان. يجب الاخذ في الاعتبار ان تعريف وترسيم الخط الازرق حصل من دون اي انحياز ولمزيد من الاتفاق بين البلدين من حيث حصول وقف دائم لاطلاق النار. بالتالي، في المستقبل، وعلى المستوى السياسي اذا تم الجلوس الى الطاولة والنقاش بوقف دائم لاطلاق النار، فربما تتغير الاوضاع في ما يخص تعريف الحدود. لغاية اليوم نحن نعتبر ان البناء في جنوب الخط الازرق لا يشكل خرقا له. بالتالي نحن نعرف جيدا الموقف حول الاراضي المتحفظ عنها والتي تمت المطالبة بها من الحكومة اللبنانية عام 2006، وهي اجزاء قليلة يعتبرها اللبنانيون ارضهم. نحن نستمر في النقاش في اطار اللجنة الثلاثية وهي الطريقة الفضلى لاقامة اتفاق بين البلدين، لكي يتم تحديد الخط الازرق بطريقة مناسبة.
* هل لديك مخاوف من توترات جديدة قد تنشأ في ما خص هذا الموضوع؟
– امل في ان لا يحدث ذلك. نحن كنا نتناقش في مسألة الانفاق مرات عدة، لانه عندما اطلق الجيش الاسرائيلي عملية بعنوان درع الشمال وهي انتهت الان، كان قد تم العثور على 6 انفاق، وكان في استطاعتنا ان نحقق في 5 انفاق، لان احد هذه الانفاق تم اكتشافه ثم ازيل بعد ايام عدة. لقد حققنا بشكل مستقل في اثنين منها، بطريقة حيادية وشفافة، واكتشفنا انها تجتاز الخط الازرق ما يعني انه كان يوجد خرق لهذا الخط، وهذا كان موضوع نقاش مهم في داخل اللجنة الثلاثية وفي نيويورك ايضا.
* تستمر اسرائيل في خروقها اليومية للاجواء اللبنانية في خرق واضح للقرار 1701، ومنذ 2006 تستمر “اليونيفيل” بالاحتجاج، متى ستتوقف هذه الخروق؟
– نحن قادرون على رصد هذه الخروق ضد سيادة لبنان، ونبلغ الافرقاء عنها دوما وكذلك نيويورك. انا اطلب دوما في خلال اجتماعات اللجنة الثلاثية بوقف الخروق على السيادة الجوية لهذا البلد، وقد ناقشنا هذا الامر ايضا في مجلس الامن الذي طلب وقف خرق الاجواء. كذلك يوجد خرق مستمر في قرية الغجر.
* متى ينتهي ترسيم الخط الازرق؟
– عملية ترسيم الخط الازرق مهمة جدا. عندما اتت لجنة الامم المتحدة الى هنا استخدمت خرائط واستندت الى بعض النقاط. لكن كما سبق وقلت ان اللبنانيين وضعوا بعض التحفظات، وبالتالي علينا ان نحددها من خلال عملية الترسيم. نحن نسأل الطرفين ان يبذلا الجهود لمناقشة كل النقاط التي ينبغي ان يتوافقا عليها، ونحن نساعدهما للتوصل الى اتفاق. عندما يتوصلان الى الاتفاق حول النقاط التي يجب ان تبني الخط الازرق على اساسها عندها نقوم بذلك. انه مسار طويل، ولكنني اخيرا طلبت من الطرفين ان يسيرا قدما في ترسيم الخط الازرق.
* كم يبلغ عدد النقاط التي يجب تحديدها؟
– يوجد عدد كبير من النقاط.
* ما الذي تقومون به لكي تكون لديكم علاقات افضل مع المجتمعات المحلية في جنوب لبنان؟
– لدينا علاقات وثيقة وممتازة في جنوب لبنان كله، وهي على جميع المستويات من الاهالي والمخاتير ورؤساء البلديات والمحافظين. ان جزءا من عملي يتمثل في اقامة حوار معهم. هذا امر اقوم به منذ تولي اولى مهماتي في الجنوب وصولا الى تسلمي قيادة “اليونيفيل”. لدينا مكتب للشؤون المدنية وهو يتعامل يوميا بها. بالنسبة الى الجزء العسكري، اذكر انشطة السيميك وهي كناية عن تعاون بين الدول الاعضاء وبين رؤساء البلديات على مستويات الصحة والتعليم وسواها من القطاعات.