“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
يعيد موقع “مصدر دبلوماسي” نشر هذا الحوار مع سفير روسيا في لبنان ألكسندر زاسبيكين والذي نشرته مجلة “الأمن العام” في عددها لنيسان الجاري. لقراءة المزيد من مواضيع المجلة الضغط على الرابط الآتي:
http://www.general-security.gov.lb/ar/magazines
عاد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اخيرا من لقاء قمّة مع رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين، مثبتا التعاون في ملفات حيوية مختلفة، واتفق الجانبان على تعزيز وتوسيع العلاقات الثنائية في التجارة والاقتصاد والاستثمار والطاقة والثقافة والمضمار الانساني والتربية والرياضة والسياحة وغيرها من مجالات التعاون.
شكلت الزيارة الرئاسية لموسكو انجازا واحتفالية حقيقية تزامنت مع اليوبيل الماسّي (75 عاما) على بدء العلاقات الدبلوماسية بين لبنان وروسيا في آب العام 1944. واكب الزيارة تفعيل مجلس رجال الاعمال بين البلدين، واطلاق الاسبوع الثقافي الروسي، ومن ضمنه اسبوع السينما الروسية الذي شهد حضورا كثيفا من الجمهور اللبناني.
اذا كان السفير الروسي في لبنان الكسندر زاسبيكين يضع الزيارة الرئاسية في اطار التطابق في وجهات النظر، وخصوصا في ملفات التعاون الثنائي وعودة النازحين وقضية العيش المشترك بين الطوائف والاديان في الشرق الاوسط، فإن مجريات الحوادث والتنافس الروسي- الاميركي على الامساك المنطقة يعطيها بعدا اقليميا مؤكدا، عللى الرغم من جهود لبنان الدبلوماسية في البقاء في منطقة وسطية نائية من المحاور كلها.
في حوار مع “الأمن العام” يتطرق سفير روسيا الاتحادية في لبنان الكسندر زاسبيكين الى القضايا الشائكة كلها، بصراحته المعهودة دحض شائعات عن اخفاء نازحين، متهما من يطلقونها بمحاولة زرع الشكوك لعرقلة العودة التي لا يجب ربطها بالحل السياسي.
*ما اهمية الزيارة الرئاسية اللبنانية الى روسيا؟
-شكلت هذه الزيارة محطة مهمة. فهي تتويج للتطور في العلاقات خلال الفترة الاخيرة وحققت بعض الانجازات، واظهرت التفاهم في وجهات النظر حول ما يجري في المنطقة وعلى الصعيد الدولي والتطابق حول ملف عودة النازحين. كذلك أبرزت التفاهم بالنسبة الى قضية العيش المشترك بين الطوائف والاديان في منطقة الشرق الاوسط، وفي ضوء حماية الوجود المسيحي في المنطقة. كل هذه الامور تتعلق بالرؤية المشتركة للوضع السياسي وللعلاقات السياسية.
في الآونة الاخيرة نسجل توقيع عقود كبرى وخصوصا مشاركة شركة “نوفاتيك” في كونسورسيوم في البحر المتوسط، كذلك توقيع شركة “روسنفت” لعقد مع وزارة الطاقة والمياه اللبنانية لادارة خزانات البترول في جوار طرابلس، ونعتبر أنّ هذه الاتفاقيات الاستراتيجية الطويلة الامد امرا مهما للاقتصاد اللبناني. بالتالي، فإن زيارة الرئيس عون هي تتويج لهذه الإنجازات وتحديد افق وتوسيع التعاون المتنوّع بين البلدين في المرحلة المقبلة. نحن ننطلق من وضع انه بعد تشكيل الحكومة اللبنانية وبدء عملها، سيكون تطبيق المشاريع في مجالات عدّة على جدول اعمالها. لذلك، فإن روسيا قادرة على المشاركة في العروض وفي تطبيق هذه المشاريع. امامنا فرص جيدة للمرحلة القادمة.
*هل الاتفاق بين “روسنفت” ووزارة الطاقة اللبنانية ومشاركة “نوفاتيك” في التنقيب عن النفط هي مؤشرات لتنافس مع الولايات المتحدة الأميركية وشركائها على خطّ تصدير الغاز الى اوروبا؟
-نحن شاركنا في العروض على قدم المساواة مع الآخرين، لذلك لا اريد التركيز على الموضوع الاميركي. اجمالا، بالنسبة الى انابيب الغاز، فهنالك عدّة مشاريع كبرى قيد التنفيذ، ونحن لا نستطيع ان نتكهّن بماذا ستكون الصورة الدولية في المستقبل بعد عشرة اعوام مثلا لتصدير الغاز وتوريده واستهلاكه على الصعيد العالمي. ثمة تنوّع يحصل حاليا من روسيا الى الدول الاوروبية من جهة، والى الصين من جانب آخر، وعبر انابيب عدة. كما انه توجد مشاريع الانابيب من الشرق الاوسط او من افريقيا الشمالية الى اوروبا فيما يضغط الأميركيون على الاوروبيين لتوريد الغاز السائل الى القارّة الاوروبية، كبديل للغاز الروسي. هذه هي اجواء المنافسة، ونحن لسنا ضد المنافسة شرط ان تكون عادلة ومن دون ضغوط سياسية او استخدام الغرامات او العقوبات.
*بالنسبة الى ملف النزوح السوري، اين هي مفاعيل المبادرة الروسية؟ علما بأن الاميركيين والاوروبيين يعتبرون انها باتت في الثلاجة؟
-انا أود استبعاد اللعبة التكتيكية حول المبادرة الروسية، بمعنى اين تكون الآن على النار أم في الثلاجة. فهذه العبارات كلها غير صالحة. نحن طرحنا المبادرة على اساس ان الظروف تسمح الآن بتوجيه الدعوة الى عودة النازحين. الامر الآخر يتعلق بقدرة الاطراف الذين يشتغلون من اجل ذلك. اذا كانت هذه القدرات هي سورية وروسية فحسب، مع بعض المتعاونين معنا، هذا شيء. اما اذا انضمت الينا أوروبا والخليج فعندها سيكون شيئا آخر. موقف الاميركيين واضح، فهم يقفون ضدّ المبادرة أصلا، ولكن الربط ما بين التسوية السياسية وعودة النازحين امر يعرقل. نحن لسنا موافقين على هذا المنطق، وبالتالي، كخلاصة لكل ما يحدث، نحن نطوّر مبادراتنا قدر الامكان بجهودنا الذاتية وبالتعاون مع الجانب السوري. هذا هو الأمر، وهذا في رأيي عمل مثمر.
*ماذا عن التعاون مع الأمن العام اللبناني في ما يخص هذه المبادرة؟
– التنسيق جيد ودائم، ونحن نقدّر عاليا جهود الأمن العام اللبناني في هذا المجال، وهو يشتغل بشكل منظم ومتمسّك بكل المعايير المتعلقة بالتنظيم اللوجستي لعودة النازحين، وهنالك وجود المفوضية الاممية لشؤون النازحين، كشرط الزامي. لذلك، لا توجد اية ملاحظات بالنسبة الى عمل الامن العام. وانا لاحظت اخيرا تصريح سيادة اللواء عبّاس ابراهيم، الذي قال انه لم تصل اية معلومات من سوريا حول اشكالات تتعلق بالنازحين، وهذا امر مهم لتوضيح الصورة فعليا. تصدر شائعات كثيرة حول هذا الموضوع، وهذا يؤثر على النازحين، لذلك يجب ان تكون هناك شفافية في هذا المجال.
*تقصد ما تم تداوله اخيرا عبر احد الوزراء عن وجود عمليات اخفاء لبعض النازحين الذين عادوا طوعيا، فأنتم لا تملكون معلومات مماثلة؟
-صحيح، هذا ما اقصده، هناك شائعات كثيرة. نحن كروسيا نتعاون في سوريا مع السلطات السورية في كل ما يحدث هناك، من حيث استقبال النازحين وتوزيعهم وإقامتهم، لذلك لا توجد لدينا اية شكوك حول ما يحدث، لأن التعاون قائم مع الجانب السوري، لذلك من المهم جدا تقديم صورة شفافة للعالم عما يجري فعليا الآن.
* يضع الغرب والمنظمات الدولية اليوم كرة العودة في ملعب الحكومة السورية، طالبين من روسيا ضمانات في مسائل تطمئن الراغبين بالعودة الطوعية والآمنة امنيا وحياتيا؟
-ان الجانب الذي لا يريد العودة اصلا ويعرقلها من خلال عدم التمويل ومن خلال طرح موضوع الربط بالحل السياسي وزرع الشكوك وتخويف النازحين، هذا الجانب الذي يتصرف بهذا الشكل ليس لديه الحق ليطلب شيئا من روسيا او من الحكومة السورية. على هؤلاء الاهتمام بتغيير نهجهم وتعديله، وعدم الخوض في محاولات زرع المزيد من الشكوك حول العملية. يبدو أن موضوع الضمانات مطروح منهم بهذا الهدف، لأن السلطات السورية تتصرف في اطار الحقوق السيادية للدولة السورية. امّا روسيا فهي تساعد السلطات السورية، لذلك فإن موضوع الضمانات ليس مطروحا بهذا الشكل الذين يحاولون تصويره.
نحن نعرف بأن السلطات السورية، تتخذ كل الاجراءات اللازمة وفقا للظروف القائمة في مجال الامن والممتلكات والخدمة العسكرية والعفو الخ…كل هذه الامور تحت المراقبة والتطوير من اجل تسهيل الامور وفقا لمستجدات الاوضاع.
*العلاقات اللبنانية السورية موضوع تجاذب سياسي في لبنان، كيف تنظر الى ذلك؟
-في الاصل فإن العلاقات اللبنانية السورية يجب ان تتطور، وهذا يصب في المصلحة المتبادلة، حيث يستفيد كل طرف من ذلك، ولبنان ايضا بطبيعة الحال لأنه مهتم بعودة النازحين وبالمشاركة في اعادة الاعمار في سوريا. لتطبيق هذه الاهداف لا بدّ من الحوار المباشر، وانا اشارك الرأي في أن اللعبة حول هذا الموضوع، اي زرع الشكوك، لا تفيد المصلحة الوطنية اللبنانية، هناك علاقات دبلوماسية قائمة ويجب تطوير الزيارات والحوارات واللقاءات والتعاون وفقا لما هو مطلوب من الطرفين. مرّة، اخرى، لا يجوز الخضوع لمطالب الاطراف الذين أصلا لا يريدون تطبيع الأوضاع في سوريا، ويعرقلون مجرى الامور.
*بدأت الولايات المتحدة الاميركية حزمة جديدة من العقوبات ضدّ إيران وضدّ “حزب الله”، وهنالك اشتباك قوي جدا حاليا بين الطرفين، ولبنان في الوسط في ظل وجود “حزب الله”، هل ترى خطرا على استقرار لبنان؟
– الحروب الإقتصادية والمالية والعقوبات التي تمارسها الولايات المتحدة الأميركية تؤدي دوما الى مشاكل. فهي تستهدف بصورة مقصودة عدم الإستقرار في الدول، على الرغم من كل التصريحات بأنهم يؤيدون الأمن والإستقرار. لا يمكن التصوّر بأن الهجوم على جزء من المجتمع يصبّ في مصلحة هذا البلد، هذا مستحيل. انا أرى بأن الاحزاب السياسية اللبنانية تدرك وجود خطوط حمر لا يمكن تجاوزها بالرغم من الضغوط الاميركية كلّها، لأن الاغراء المالي او الاعتبارات المادية شيء والعيش المشترك والسلم الاهلي عاملان يجب ان يتفوقا على الاعتبارات الأخرى كلّها، ولا يجوز ان يؤثر اي اجراء في المجال المالي على الأمن والإستقرار في البلد.
*ماذا ستفعل روسيا اذا تكررت الغارات الاسرائيلية على مواقع في سوريا وعبر الاجواء اللبنانية؟
-هذا السؤال لا يمكن للسفير أن يقدّم عنه إجابة كاملة. انا أرى ان المواجهة بين اسرائيل من جهة ومحور المقاومة من جهة اخرى يعود أصلا الى النّزاع العربي الإسرائيلي. لذلك، ينفذ السلاح الجوّي السوري مهمّة دفاع عن أمن البلد ضد اي تدخل من الجانب الخارجي ولا سيما التهديد الاسرائيلي.
*مرّت قضية النزاع في سوريا في مراحل عدة: بيان جنيف والإتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية لكنه فشل، وانتقلتم الى مسار آستانة. تقول دوما نريد تنقية الاجواء في الشرق الاوسط على اساس التعاون مع الجميع، لكن لا يبدو أن ارادة التعاون موجودة لدى الآخرين فكيف ستتطور الامور بالنسبة الى اللجنة الدستورية وعملية الإنتقال السياسي ومؤتمر سوتشي؟
-اعتقد أن هذه المراحل كلها لم تفشل، بل كانت هناك انجازات، لكن مع تطوّر الاحداث كان يجب تطوير التفاهمات والاتفاقيات والآليات للتواصل. لذا يمكن أن نقول أن عملية التسوية السياسية تطوّرت تدريجيا، وكل محطة مثل بيان جنيف أو قرار مجلس الأمن أو الإتفاقات وتشكيل الآليات المناسبة كانت محطة في هذه الطريق. نحن وصلنا الى مسار آستانة من خلال عدّة محاولات لإيجاد قاسم مشترك مع الأميركيين، وقد فشلت. لذلك انتقلنا الى مسار آستانة ونحن نشتغل الآن على هذا الأساس. في الوقت عينه، التنسيق قائم بين روسيا والجيش السوري وحلفائه، كما أن هناك الإجتماعات من حين الى آخر مع الاطراف الخارجيين، وطبعا هنالك الآلية السورية المتمثلة بمؤتمر سوتشي والجهود لتشغيل اللجنة الدستورية. هذه الجزئيات كلّها هي محطات في الطرق الى التسوية السياسية.
*عادت جبهة موضوع ادلب اخيرا الى التسخين، كيف تعالجون هذا الملف مع تركيا بالنسبة الى الممرات الآمنة؟ وكيف تواجهون في الوقت ذاته رفض الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها لأي عمل عسكري هناك؟
-إن اميركا وحلفاءها في الاصل لا يريدون التعامل مع روسيا بشكل جدّي، وهم يعرقلون، لذلك يجب أن لا نأخذ آراءهم في عين الاعتبار بالنسبة الى ما يحدث. أما التعاون في اطار مسار آستانة، فهو مبني خلال الفترة الاخيرة على اشكال عدّة منها مصالحات وتطوير فكرة مناطق خفض التوتّر وتحديدا في ادلب. وفي الوقت نفسه، لا يزال هدف تصفية الارهاب قائما كأولوية، فلذلك، وبحسب تطورات الوضع، يلجأ الأطراف المعنيون اي الجيش السوري وحلفائه بما في ذلك روسيا الى استخدام القوة للقضاء على الارهابيين. ميدانيا، إن العسكريين هم من يتخذون القرار الذي يرونه الافضل في هذه الظروف. اما سياسيا، فهذا يعني القرار حول استمرار التعاون في اطار آستانة كآلية مناسبة اكثر لهذه المرحلة.
*كيف تقرأون الانسحاب الأميركي من شمالي شرقي سوريا ثم قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب الابقاء على 400 جندي اميركي؟ وهل ستكون هنالك طمأنة للاكراد في مقابل تبريد جبهة ادلب؟
– منذ البداية شككنا في تطبيق اعلان الانسحاب وهذا ما حدث، أصلا نحن كنّا نطلب الانسحاب لأننا نعتبر ان هذا الوجود غير شرعي، وثانيا لأن هذا الوجود يعرقل ترتيب الامور بين الاطراف الموجودين هنا وهي ستبقى حتما هنا، انا أقصد اهالي البلد، سواء كانوا اكرادا أو عربا والحكومة المركزية كسلطة في هذه المناطق وتركيا والعراق كدولتين مجاورتين، على هذا الاساس نحن كروس نسعى الى عدم وقوع اية اشكالات ما بين كل الأطراف، والوصول الى اتفاقات آخذين في الإعتبار مصالح الجميع المشروعة وحقوق جميع الموجودين هنا. في هذه المعادلة، إن الأميركيين هم العنصر الخارجي الذي كلما أسرع بالإنسحاب يكون الوضع أفضل للآخرين وخصوصا بأننا نعرف بأن الأميركيين يلعبون هنا دورا سلبيا في السنوات الأخيرة، من خلال التعامل مع الأكراد بمعنى أنهم يلعبون دورا تحريضيا ويشجعون الاكراد على المزيد من المطالب. نحن نظن بأن الدور الكردي في الحوار الوطني السوري هو دور طبيعي ومرغوب، ولكن يجب اتفاق الأكراد مع الحكومة المركزية من دون الضغوط الأميركية أو التأثير الأميركي على هذا الوضع.
*كيف تنظر الى اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية؟
-موضوع مرتفعات الجولان يتمتع بالطابع المبدئي، ويجب استرجاعها الى سوريا كاملة كما نصت عليه قرارات الأمم المتحدة، ويعتبر اي موقف آخر مناقضا للشرعية الدولية. ان تصريحات الاميركيين الاخيرة تؤكد مرّة اخرى انهم يريدون تخريب الشرعية الدولية، وفي هذه الظروف المطلوب منّا الوقوف بصلابة في وجه الاستفزاز الاميركي وان نتضامن مع سوريا.
*ماذا عن فرملة عودة سوريا الى جامعة الدول العربية؟
– لدينا موقفا مبدئيا منذ البداية إذ كنا نعتبر بان هذا القرار لا يصب في مصلحة الحلول والتسويات، بل يزيد في تعقيد الامور والاستنفار العربي ضد سوريا. أكد تطوّر الأوضاع فشل جميع الذين ارادوا اسقاط السلطة في سوريا، لذلك كلما كان تطبيع علاقات العرب مع سوريا اسرع، يكون الوضع افضل. ولا بدّ من اعادة النظر في هذا القرار، لذلك فإن من يدعو الى استمرار هذه الحالة لا يريد الحل في سوريا او تطبيع الاوضاع بشكل كامل في المنطقة.