“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
ما هي أسباب الصعود السريع للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وسيطرته على الحلبة الرئاسية في فرنسا بينما كان مصرفيا مغمورا لم يخض يوما إنتخابات محلية؟ ما كانت نقاط قوته ونقاط ضعفه؟ كيف امتطى وسائل التواصل الإجتماعي وكيف انقلبت عليه اليوم لتلعب دورا في سقوط وهمه؟ ماذا كانت تكتيكاته للوصول الى رئاسة فرنسا؟ كيف تلاعب بالميديا؟ وكيف يسقط تدريجيا؟ وهل سيسقط فعليا في انتخابات 2022؟ وماذا عن أدواره في أوروبا على أبواب الإنتخابات الأوروبية؟ هذه الأسئلة وسواها أجاب عنها خبيران فرنسيان حاضرا في إطار محاضرات “معهد العلوم السياسية” في جامعة القديس يوسف وهما البروفسور ريمي لوفيفر متخصص بالأحزاب السياسية وبالتعبئة الإنتخابية، وأنطوان دو تارل، صحافي ومدير سابق في “تي أف 1” ويكتب في صحيفة
Ouest France
وقدّم المحاضرين البروفسور باسكال مونان، وكان عنوان المحاضرة التي حضرها أيضا مدير “معهد العلوم السياسية” البروفسور كريم إميل بيطار: إيمانويل ماكرون: من الصعود الى تلاشي الوهم؟
لعلّ أبرز النقاط التي يمكن التوقف عندها في ظاهرة صعود ماكرون فنّدها ريمي لوفيفر الذي سيصدر بعد شهر كتابه بعنوان:” مشروع ماكرون”. يقول المحلل الفرنسي بأن ماكرون أثار ذهول الطبقة السياسية الفرنسية التي لم تتوقع البتة أنه سينتخب بسبب عدم تجربته السياسية ومقارنة بتجارب سواه مثل فرانسوا بايرو (وسواه) الذي لم يستطع الوصول الى خواتيم الإنتخابات الرئاسية.
لكن بعد اسابيع من شباط 2017 وقعت فضيحة المرشح الرئاسي فرانسوا فيون فتصدر ماكرون الإستفتاءات وانتخب في الدورة الثانية من الإنتخابات الرئاسية بنسبة 66 في المئة من المقترعين بعمر 39 عاما رئيسا لفرنسا التي لم يشارك يوما بأي من انتخاباتها المحلية. هذا الصعود الصاعق اعتبره لوفيفر بأنه زعزع تفكير الفرنسيين (…).
فما هي أسباب صعود ماكرون؟ ولماذا يشهد اليوم تناقصا سريعا جدا في شرعيته؟
نجح ماكرون بحسب لوفيفر بسبب هزال المؤسسات الفرنسية، لكن هذه المؤسسات عادت للعمل بشكل اعتيادي فظهرت الأزمة مجددا على حقيقيتها فتآكلت شرعيته بشكل سريع.
تضافرت أسباب عدّة في إحداث نجاح “الماكرونية”: فقد فجّر ماكرون نظاما بائدا بالإضافة الى الأخطاء العرضية غير المتوقعة في 2017 منها قضية المرشح فرانسوا فيون التي فضحتها
Le Canard Enchaine
فاختار ناخبو الأخير ومعظمهم من أتباع آلان جوبي المرشح ماكرون.
كذلك لا يمكن اغفال قدرة ماكرون على الإغراء وتصوير نفسه رجلا طيبا يأتي في الوقت المناسب، وكان لهذا الخطاب الإغرائي وقعه عند اليمين واليسار معا. ويتابع لوفيفر بأن ماكرون اعتمد تكتيكا ذكيا كي لا يحرق أوراقه، إذ كشف عن برنامجه الإنتخابي بشكل متأخر جدّا، (قبل اسبوعين فحسب من الدورة الثانية) فتجنب الغرق في المعركة معتمدا “استراتيجية الغموض” ولم يكشف عن أوراقه اللبيرالية القصوى إلا بعد أن تصدر استطلاعات الرأي.
الى ذلك، إتكأ ماكرون على حزب سياسي على عكس ما يظن البعض، هو حزب “الجمهورية الى الأمام”. وهو حزب عمل على شبكات التواصل الرقمية متمكنا من الحصول على تمويل طائل بفضل التبرعات الخاصة والتي لولاها لما تمكّن من إكمال حملته الإنتخابية”. كيف عمل ماكرون؟ يقول لوفيفر أن ماكرون اختار 60 في المئة من أعضاء المجتمع المدني في حكومته، وكان 70 في المئة من النواب في البرلمان الفرنسي من المبتدئين.
ماكرون ينتمي شخصيا الى النخب الفرنسية، هو موظف لامع، تبوّأ المناصب الرفيعة ولديه شهادات عالية جدا، وبالتالي هو منتج نظام فرنسي نخبوي، وعلى شاكلته جاء انتخابه نخبويا من قبل أقرانه. والنخبوية هي جزء من المشكلة لأنها أتت بطبقة بورجوازية .
بالرغم من تلاشي وهم ماكرون، توقع لوفيفر انه بالرغم من الهشاشة التي وصل اليها عند قاعدته الإنتخابية، فإن إمكانية صعوده مجددا واردة بسبب صعود اليمني المتطرف المتنامي في أوروبا. لذا تبقى القاعدة الإجتماعية لماكرون ثابتة وهي ضد التطرف اليميني، وبالتالي سوف تستمر الماكرونية وسط هذا المناخ وهذه الظاهرة ستصمد اجتماعيا ان لم يكن سياسيا، وتظهر الإستفتاءات الأخيرة الى أن حركة “السترات الصفر” التي ترفض تأطيرها أعادت الحياة الى قاعدة ماكرون الشعبية لذا تحسن وضعه أخيرا (25 في المئة في استفتاءات الرأي). إن معارضة ماكرون في مأزق وهو قوي جدا بسبب هزال خصومه.
أنطوان دو تارل: علاقة ملتبسة بالميديا
من جهته، تحدث الصحافي أنطوان دو تارل عن علاقة الميديا بانتخاب ماكرون، فقال بأنّ الإعلام الرقمي لعب دورا رئيسيا في وصوله الى سدّة الرئاسة، فقد اتسعت ظاهرة الإعلام الرقمي منذ 2011 وهذا ما أضعف بقية وسائل الإعلام التقليدية بشكل ملموس. تزعزع الإعلام التقليدي عامي 2011 و2012 ولم يعد وسيطا قويا عند الرأي العام. توجه القراء الى الإنترنت وكانوا حساسين تجاه رسائل معظم المرشحين وكان ماكرون يعرف جيدا كيفية استخدام اللغة الملائمة لمخاطبتهم وهذا أحد أسباب نجاحه.
والمدهش، بحسب لو تارل أن سبب سقوط ظاهرة ماكرون اليوم تتمثل بأزمة “السترات الصفر” التي ترفض الأحزاب والنقابات ولا توافق إلا على شبكات التواصل الإجتماعي. هذه الوسائل ذاتها التي أسهمت بصعوده هي التي تدمّره اليوم، أما وسائل الإعلام التقليدية فلا سلاح لديها (…).