“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
“إنّ الأسابيع المقبلة –ولا أقول في الأشهر المقبلة- هي حاسمة بالنسبة الى مصير مؤتمر “سيدر”، (…) فالشكوك والقلق وانعدام الصبر لدى الوكلاء الاقتصاديين والمانحين الدوليين وللأسواق تزيد بشكل مطرد”. هذا الكلام الآتي من الدبلوماسي الفرنسي جاك دو لا جوجي بمناسبة مرور عام على انعقاد مؤتمر “سيدر” في باريس في 6 نيسان الفائت، هو جزء بسيط من تحذيرات بالجملة وجهها دو لا جوجي الذي عمل على إعداد مؤتمر “سيدر” مع الموفد الفرنسي الخاص بيار دوكان وذلك اثناء لقاء دعت اليه السفارة الفرنسية والمعهد الفرنسي في لبنان في “صالة مونتين”.
ولم يكتف الدبلوماسي العريق بعمله الإقتصادي والذي يعرف تفاصيل الإقتصاد اللبناني عن ظهر قلب، وهو في فريق السفارة الفرنسية منذ 2011 بهذا التحذير النظري، بل أسنده بتفاصيل مختلفة عن حال الإقتصاد اللبناني والمالية اللبنانية وكيفية نظر الدول المانحة الى لبنان، وذلك بعد تجميد مسار “سيدر” لعشرة اشهر بفعل التأخر في تشكيل الحكومة الثانية للعهد.
إشارات ضرورية
ولفت الدبلوماسي الفرنسي الى أنه “يجب على الحكومة اللبنانية أن ترسل الإشارات الضرورية بأنها تسير فعليا وعمليا على طريق الإصلاحات وأن تعطي ترجمة فعلية للبيان الوزاري”. أضاف:” عليها أن تفعل ذلك بشكل حتمي قبل التوقعات السلبية وتلك التي تتصاعد، وهذه هي الطريقة للخروج من دائرة مفرغة رديئة الى دائرة أفضل”.
وذكر دو لا جوجي 3 إشارات: تتعلق الأولى بتدابير الإدارة السليمة والموضوعة على الطاولة منذ أكثر من سنة ونصف، وهي إشارات رمزية وأكثر من رمزية في آن واحد.
تتعلق الإشارة الثانية بتسليم نسخة صادقة وذي صدقية ومقنعة وسريعة لموضوعين: إصلاح القطاع الكهربائي وميزانية 2019، مشيرا الى أن الميزانية يجب أن تكون مبنية لإعادة الدين العام من المستوى الذي وصل اليه بداية 2018 من 11 في المئة من الناتج القومي المحلي الى 9 في المئة من الناتج القومي المحلي (…).
أما الإشارة الثالثة وهي ليست طارئة كالعنصرين الأولين فتتعلق باعلان المشاريع التي تريد الحكومة انجازها في الهيئة التشريعية في الأعوام الأربعة المقبلة، مثل اصلاح رواتب التقاعد، والقيام “سكرينينغ” لمؤسسات الدولة بمعنى: لمن تدفع الدولة ولماذا؟ فضلا عن محاربة الفساد، حيث الحاجة الى تدابير قد تكون بسيطة لكن قابلة للتطبيق، وأذكر هنا ضرورة بدء مسار انضمام لبنان الى إتفاقية دولية تتعلق بمحاربة الفساد أقرت عام 1990، كذلك التحقيق ومنع صرف أية مبالغ تفوق الـ200 أو الـ300 أو 500 دولار في القطاع العام فضلا عن اصلاحات في العدلية (…). وقال دو لا جوجي في مداخلته أن مؤتمر “سيدر” احتاج الى بذل الكثير من الجهود لتحشيد عدد من البلدان المانحة لتقديم عروض (…). وكان نجاحه أكثر من المتوقع، فقد وصل حجم المبالغ التي تم التعهد بها (كانت أكثر بقليل من 11 مليار دولار)، بينما لم نراهن بيار دوكين وأنا على أكثر من 7 مليارات دولار”.
لا “سنتيم” واحد لدعم الميزانية
ونبّه:” الى إن الأموال التي وضعت في “سيدر” هي فقط من أجل مشاريع ولا يوجد “سنتيم” واحد من المساعدة للميزانية، لسبب أنه ليس سهلا مراقبة المساعدة للميزانية (…). ولفت الى أن خصوصية “سيدر الثانية تتعلق بوضع آلية متابعة على المستويين المحلي والدولي وهو يسمح بأن يتم تفحص احترام التعهدات التي تم اتخاذها”.
وكرر الحديث مرارا عن أبرز الأمور المطلوبة مثل الإصلاحات في قطاع الكهرباء، وبناء موازنة. بالإضافة الى تدابير الإدارة الصالحة، “والتي نصح بيار دوكين الحكومة باتخاذها منذ سنة، من أجل إقناع المانحين (…). وهنا أفكر بأولوية المشاريع التي أدرجت في خطة الحكومة اللبنانية حيث يوجد 280 مشروعا، ومن الواضح أن ليس كلها لديها المستوى ذاته، ومن الأفضل جدولتها وإدراجها بحسب الأولويات وهذا امر لم يتم إنجازه لغاية الآن”.
وتحدث عن ضرورة وضع حيز التنفيذ الهيئات الناظمة التي ذكرت في القانون وذلك في قطاعات الإتصالات والطيران المدني وفي الكهرباء، “لا شي يبرر عدم تدخلها لغاية الآن”.
وتحدث عن ضرورة تفعيل دور المجلس الأعلى للخصخصة ومجلس الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهي ضرورية جدا من إجل إتمام المهمة. وتحدث عن الوضع الإقتصادي الذي تدهور كثيرا منذ عام 2018، لأن هذا المستوى من الأنشطة جعل لبنان ينتقل من مستوى نمو ضعيف ليكون أقل إيجابية وصولا ليكون معدوما، ثم لأن العجز في ميزان المدفوعات ارتفع بشكل ملموس، كما أن المبالغ المتعلقة بالموجودات الخارجية الخاصة بالمصرف المركزي اللبناني انخفضت ايضا بشكل ملموس (…).
الأمور لم تتحسن…
وقال دو لا جوجي بأن الأمور لم تتحسّن منذ بداية السّنة، كما تعلمون بأن نسبة النمو كانت معدومة في نهاية 2018، في نهاية كانون الثاني –وبحسب الأرقام التي نشرها المصرف المركزي- فنحن انتقلنا الى مرحلة أكثر سلبية للمرة الأولى منذ زمن طويل…
وفي حواره مع الجمهور وجّه دو لا جوجي رسائل قوية جدا للدولة اللبنانية في ما يخص الشفافية في إدارة مشاريع “سيدر” وآليات الرقابة والتعاون مع المجتمع المدني ولم يتردد بالتلويح بفسخ أية عقود يلمس فيها المانحون خللا.
وقال:” لقد تمّ تمرير الرسالة الى الحكومة اللبنانية لكي تعرف ما يترتب عليها عمله وكيف. ويبقى عامل الثقة هو الأهم، وفي اية لحظة يمكن لأي طرف في العقد أن يفسخه، ويمكن للطرفين فسخه، وعندها ينتهي التمويل”.
فسخ العقود وارد…
وسئل عن الهيئة التي سوف تعين وتتابع آلية المراقبة فقال بأن” آلية المتابعة المركزية تجمع المانحين من جهة والسلطات اللبنانية من جهة ثانية. من جهة المانحين، لديكم المانحين المتعددي الأطراف مثل البنك الدولي والإتحاد الأوروبي، ووكالات الأمم المتحدة. ولديكم مانحين ثنائيين، منهم فرنسا والمانيا والسعودية والكويت…ومن الجهة اللبنانية فإن الرئاسة ستكون من قبل مكتب رئيس الحكومة، وسيكون متعاونا مع مجلس الإنماء والإعمار، وممثل وزارة المالية. ونحن طلبنا بأن يكون المفتش المركزي (ولا أقول المفتشية المركزية) جزءا من هذه الآلية”.وقال ردا على سؤال:” إذا ظن اللبنانيون بأن المانحين سيقومون بكل ما في وسعهم من أجل إعادة النظر بالاصلاحات المطلوبة فإنهم يقعون في خطأ جسيم. إذا لم تتم الإصلاحات، فأنا أضمن لك بأن الإسهامات التي تمّ الإعلان عنها في إطار “سيدر” لن تصرف البتة بل على العكس سوف يتم تدويرها. ويمكن أخذ أمثلة، إن من يمول ومن يدير المشروع …إذا لاحظ بان عمليات تقديم العروض ليست على ما يرام وأنه يوجد مخادعة أو احتيال في تقييم العروض، فإنه سوف يتم تعليق التمويل …هكذا ببساطة. وأذهب بعيدا، فإن من أطلق استدراج العروض سواء أكنت وزارة أو كيان آخر، سيكون حتما على اللائحة السوداء”.