“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
إنتقلت “سرديّة ” المجتمع الدولي الممثل افضل تمثيل في لبنان عبر الجمعيات التي تعنى بشؤون النزوح السوري بغطاء أممي توفره المفوضية العليا للأمم المتحدة، والممثل ايضا من قبل اكاديميين وخبراء لبنانيين رفيعي المستوى ينتمون الى أعرق الجامعات اللبنانية كجامعة القديس يوسف والجامعة الأميركية بغية الإحاطة بعقول الشباب اللبنانيين الذين يبدو أن عليهم التعايش مع النزوح السوري لأعوام طويلة أقله لغاية عام 2021 عام الإنتخابات الرئاسية السورية… ما يحتاج الى عملية تطبيع ممنهجة…
إنتقلت هذه “السردية” من اتهام المجتمع اللبناني والدولة اللبنانية بعدم التجاوب مع خطط إبقاء النازحين ودمجهم بطرق غير مباشرة، والتي نجحت على صعيد بعض المؤسسات الرسمية والخاصة اللبنانية وفشلت على الصعيد الشعبي، الى اتهام النظام السوري أو الحكومة السورية بأنها هي التي تعرقل عودة النازحين عبر اخافتهم بالتجنيد الإجباري وعدم تسهيل اثبات ملكيتهم للمنازل ومحاولة ترهيب الرجال منهم… واضعة الكرة بملعب هذه الحكومة مع حليفتها روسيا التي “عليها أن تقدم ضمانات لعودة طوعية وآمنة وكريمة”.
بعد مؤتمر بروكسيل 3 الذي لم يعرف اللبنانيون لغاية اليوم شيئا عن تفاصيله باستثناء وجود 7 مليارات دولار من هبات موزعة على دول الجوار السوري، وأن لبنان طلب قرابة الـ2 مليار دولار ونيّف، ولا ندري إذا كانت ستتم الإستجابة له، فضلا عن التزامه بمشاريع مرتبطة بقروض جديدة لا أحد يعرف أو سيعرف تفاصيلها… تمّ إغراق البلد عبر سياسييه بالخطاب الشعبوي (وهذه نقطة صحيحة تثيرها المنظمات الدولية وممثلو المجتمع المدني)، فيما غاب الإعلام اللبناني عن التمحيص في تفاصيل هذا المؤتمر الخامس من نوعه بعد الكويت ولندن ومؤتمرين سابقين في بروكسيل.
سرديات جديدة بعضها مبني على أساطير
وجدت المنظمات الدولية أن معركتها الشعبية خاسرة حيث التوتر يزيد بين اللبنانيين والسوريين، فنفضت يديها من تهمة عدم تشجيع العودة الطوعية، مبتعدة عن المشاكسة المباشرة مع السلطات اللبنانية لتصوب على نظام الأسد، حيث يعتمد خبراء المجتمع الدولي سردية جديدة وتصويبات واتهامات في جميع الإتجاهات، وهذا ما كان واضحا في مؤتمر “لبنان والنازحون من سوريا: الحقوق والهواجس ودبلوماسية العودة”، الذي نظمه أمس في فندق “راديسون بلو” الحزب التقدمي الإشتراكي برعاية وحضور زعيمه وليد جنبلاط.
لم يبق وليد بك ليشهد كل الندوات التي امتدت ليوم كامل، لكن بلا شك أنه سيوافق على مجمل ما قيل وخصوصا لجهة وضع المسؤولية على عاتق “نظام الأسد”. فقد اعتمد المشاركون في الندوات سرديات إنسانية وقانونية وفلسفية وحقوقية تصبّ كلها في ضرورة أن يرضخ لبنان لواقع مرير هو أن الأميركيين والأوروبيين لن يعيدوا النازحين السوريين الى سوريا قبل اتضاح عملية الإنتقال السياسي وشكل النظام الجديد، وهم لن يموّلوا اعادة اعمار بلد دمّره الإيرانيون والروس.
بعد 9 أعوام من اندلاع الحرب السورية، وبدء أزمة النزوح السوري شكل ما قاله الخبير والأستاذ الجامعي الدكتور خليل جبارة جرس إنذار للبنانيين، مذكرا بأنهم لا يزالون يتناقشون لغويا في الفارق بين مصطلحي النازح واللاجئ في حين أن 11 ايار القادم يصادف الذكرى التاسعة لأول عملية نزوح من سوريا الى لبنان حصلت عبر تل كلخ، واهتمت بها الهيئة العليا للإغاثة قبل أن يسحب منها الملف “شفهيا” بحسب جبارة، ليعطى الى وزارة الشؤون الإجتماعية، وبعد هذه الفترة تعددت المرجعيات التي تتعاطى بملف النزوح السوري ما أضاع الحوكمة ومنع أية استراتيجية لبنانية موحدة.
هذه “اللغة الموحدة” كشف الدكتور ناصر ياسين وهو مدير الأبحاث في معهد عصام فارس للسياسات العامّة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية غابت عن الخطاب اللبناني الرسمي في بروكسيل، حيث كان خطاب رئيس الحكومة مختلفا عمّا يعبر عنه بعض الوزراء.
ينطلق المجتمع الدولي وممثلوه اللبنانيون من هذه “النقطة المقتل” لدى لبنان، ليبني “سردياته” الخاصة مقوضا ما يسميها “اساطير لبنانية” بدءا من “الأرقام المضخمة والمسيسة” التي تعطيها المؤسسات الرسمية اللبنانية كما لم تتوان عن الإتهام ربى محيسن وهي استاذة في الجامعة الأميركية شاركت في مؤتمر بروكسيل بإسم المجتمع المدني، وهي اتهمت بكل ثقة كل الجهات الرسمية اللبنانية بعدم الدقة في الأرقام من دون أن تقدّم رقما بديلا واحدا، رافضة الإدلاء بأية تفاصيل عما فعله المجتمع المدني اللبناني في بروكسيل، فهربت من الإجابة سريعا، تاركة الجواب في بيان للمجتمع المدني أرسله لنا جورج غالي من جمعية “ألف” لحقوق الإنسان.
لكنّ محيسن، لا تشكك لحظة واحدة بكل تأكيد برقم قدمه زميلها في الجامعة الأميركية الدكتور ناصر ياسين يفيد بأن اللاجئ السوري في لبنان، يتقاضى 200 دولار أميركي سنويا فقط من المنظمات الإنسانية! مردفا بأن هذا سبب يفسر ان 70 في المئة من اللاجئين السوريين (بحسب تعبير ياسين) يعيشون تحت خط الفقر.
الحديث عن اختفاء سوريين يبقى بلا دليل دامغ
إنطلاقا من هنا، فإن “سرديات” جديدة و”اساطير” محدثة ستطرأ على الجدال السائد في لبنان في ما يخص اللاجئين، سرديات لا مرتكز صلبا لها، ولا دلائل ولا إشارات. وإذا كان دحضها متعذرا لعدم توافر الأدلة فإن الموافقة عليها بلا دليل أيضا يعدّ صبيانية.
فقضية إختفاء سوريين عادوا الى سوريا لم تجد برهانا دامغا واحدة بعد، حيث لا توجد لوائح ولا اسماء فقط أخبارا وسمعيات لا سند لها إلا عبارة “سمعنا” من الأوروبيين وسمعنا من فلان…وحين تدقق بهذه السردية أوروبيا وروسيا يأتيك الجواب المندهش لروايات مماثلة.
بأي حال، أبرز مؤتمر الحزب التقدمي الإشتراكي أمس، الكثير من الأفكار الجديدة التي “ترمى” في الشارع اللبناني وفي الإعلام ولدى طلاب الجامعات وعند الرأي العام، لإضاعته أكثر مما هو ضائع.
التشاركية في الأعباء وفلسفات القانون وحقوق الإنسان
أما ما يمكن التوقف عنده فهو ما ذكّرت به ممثلة المفوضية في لبنان ميراي جيرار عن إعلان مراكش أو وثيقة اللجوء التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بموافقة لبنان في نهاية سنة 2018، والتي تتحدث عن الأعباء التشاركية وتقاسم المسؤولية. وهذه عبارات تحمل الكثير من الألغام حين تفكيكها.
ويمكن التوقف أيضا عند كلام للدكتورة ماري كلود نجم مديرة مركز الدراسات الحقوقية للعالم العربي التي طرحت أفكارا عدة مثيرة للجدل منها على سبيل المثال لا الحصر أن استبدال مصطلح اللاجئ بالنازح لا يغير شيئا بالنسبة الى الإلتزامات القانونية للبنان التي تبقى هي ذاتها، لأن النازح يستفيد من جميع الحقوق بصفته إنسانا قبل ان يكون نازحا.
– تقول نجم: بأن الحماية الدولية للاجئين واجبة على الدولة المضيفة لأنها فتحت حدودها واستضافتهم ما يحظر طرد هؤلاء، ودور المفوضية رقابي ومساند لا أكثر(…).
نقطة خطرة جدا اثارتها ربى محيسن التي كشفت عن نزوح رجعي يحصل، وهو خطر. أشارت الى أنه عندما يعود النازح الى سوريا يرى الظروف الصعبة والتهديدات فيعود الى لبنان من خلال الجبال وعبر مهربين (…).
وطرح جورج غالي فكرة سديدة قائلا بأن إن نموذج نزع الجنسية عن عائلات بعض من حاربوا في سوريا من قبل دول غربية يعطي النظام السوري حجة لمنع أشخاص من العودة بحجة أنهم ارهابيين أو حملوا السلاح ضده.
الدكتور أنطوان حداد وهو خبير واستاذ جامعي طرح سؤالا مهما جدا قائلا بأن المبادرة الروسية تصطدم بعقبة: أي سوريا ستنشأ بعد الحرب والعودة الشاملة تنتظر الاجابة على هذا السؤال.
واضاف حداد متسائلا:” هل يمكن للعودة الآمنة أن تتم بالإكراه؟ و”تحميل” النازحين الى أماكن يقال انها آمنة؟ وقال أن العودة الآمنة لا يمكن إلا أن تكون طوعية.
واثار الدكتور خليل جبارة من جهته مسألة عدم وجود قاعدة بيانات واضحة عن النازحين.
وحدّد ناصر ياسين 7 نقاط رئيسية تشجع على العودة هي:
تحسن الوضع الأمني، الحفاظ وتسهيل التأكد من ملكية المنازل والعقارات، اعادة احياء الدورة الاقتصادية وتأمين فرص العيش، تأمين الخدمات الأساسية، اقامات واوراق ثبوتية صالحة في بلدان اللجوء، الحكم الصالح في البلدان الأم، ابقاء العلاقة مع الوطن والأقارب.
واثار زياد الصائغ وهو خبير في السياسات العامة واللاجئين مسألة تحوير كلام سرّب عن الدوائر الفاتيكانية قائلا:” أنه تم تحوير هذا الكلام عمدا لأن الفاتيكان تحدث عن فرز طائفي يحصل في سوريا وسمّى من قبل من. حوّرت الحقائق في لبنان ولو قالها رجال دين مسيحيين استرسلوا في سياسة شعبوية مدمّرة بحسب تعبير الصائغ، مشيرا الى أن والفاتيكان تحدث عن بقاء اللاجئين الى أجل غير معلوم لأن المجتمع الدولي لا يقبل إلا أن يعيدهم إلا بضمانات”.
بالطبع فإن هذه المقتطفات التي نوردها هي أجزاء من حوارات وندوات طويلة تخللتها نقاشات مسهبة وتلاوة توصيات من قبل المسؤول الإعلامي في الحزب التقدمي الإشتراكي رامي الريس، لكنها عيّنة معبّرة عمّا آل اليه النقاش حول النزوح في الآونة الأخيرة.