“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
يصل وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو الى لبنان في الأيام القليلة المقبلة ترافقه “زوبعة لبنانية” من الأخبار المزيفة عن أجندته السياسية والخطط والرسائل التي يحملها الى لبنان، علما بأن جولته ستشمل ايضا إسرائيل والكويت. وحظي ملف الغاز والنفط أخيرا بالجزء الأكبر من الأخبار والتقارير والتسريبات على خلفيات سياسية متضاربة، ما أضاع جوهر الموضوع الطارئ المطروح حاليا ألا وهو استقدام شركة “إيرنجيان” اليونانية الحفاّرة وبدء العمل والتنقيب في حقل “كاريش” الإسرائيلي المحاذي للرقعة رقم 9 في المنطقة الإقتصادية الخالصة الخاصة بلبنان ما يعني إحتمالا كبيرا لشفط الموارد اللبنانية، في حين لم تحرّك الحكومة اللبنانية ساكنا. وتضيء مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا لوري هيتايان على نقاط شديدة الأهمية في هذه المقابلة مع موقع “مصدر دبلوماسي” أبرزها: أن إسرائيل تحرّك المنطقة برمتها لتصدير غازها الى أوروبا، وتستغرب هايتايان بشدّة الرسالة التي وجهها أخيرا وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل الى قبرص واليونان وإيطاليا والى الأمم المتحدة والمفوضية الأوروبية لكي لا يمرّ أنبوب غاز شرقي المتوسط في الأراضي اللبنانية واصفة إياها بأنها
Out of context
اي خارج سياق الموضوع المطروح، فكلّ “التحاليل تفيد بأن هذا الانبوب لن ينشأ في الوقت القريب وبما خص لبنان، وهو لن يمر عبر لبنان، وبالتالي فإن التحذير لم يكن في مكانه” بحسب هايتايان، التي تشرح: ” كان من الاجدى بالوزير جبران باسيل ان يبعث برسالة الى المعنيين من الاميركيين والاوروبيين والامم المتحدة واليونان يطالب الشركة اليونانية “انيرجيان” العاملة في حقل كاريش القريب من لبنان بتوضيحات حول جيولوجيا الحقل واذا ما كان يوجد احتمال لمكمن مشترك بين كاريش والبلوك رقم 9. الحفّارة البريطانية التي تستخدمها انيرجيان موجودة منذ اسبوع على الحدود وهي تحفر في بئر شمال الحقل القريب، والانتاج من الحقل سوف يبدأ في 2021. وهذا التطور يحتم على لبنان ان يسأل ويطالب بتوضيحات للحفاظ على حقوقه. لكن السؤال لماذا الصمت؟
ومن النقاط التي تثيرها هايتايان في هذه المقابلة أن بومبيو لن يعرض حلا جديدا للنزاع البحري الحدودي مع لبنان باستثناء مبادرة فريديريك هوف عام 2013، لكنّ سيعرض قلق بلاده من التغلغل الروسي في قطاع الطاقة في لبنان.
هنا نصّ الحوار:
*قرأنا الاسبوع الفائت بأن الوزير جبران باسيل بعث برسالة الى الامم المتحدة والمفوضية الاوروبية والى وزراء خارجية قبرص واليونان وايطاليا يطالبهم بالا يقطع انوب شرقي المتوسط عبر الحدود البحرية اللبنانية المعتدى عليها من قبل اسرائيل، ما هي جدوى مراسلة مماثلة من وزير الخارجية اللبناني؟
-بالمبدأ من الجيد دوما حماية حقوقنا ضدّ اسرائيل. انما لا جدوى من هذه الرسالة اليوم. اولاً هذا الانبوب الذي يسمى “انبوب شرقي المتوسط” مخطط له ان ينبع من اسرائيل ويمر عبر قبرص اليونانية واليونان وأن يصب في ايطاليا. يبلغ طول الانبوب 2000 كلم، ومن المرجح أن تبلغ كلفته ما يقارب الـ 7 مليار دولار.
تحاول اسرائيل التسويق لهذا الانبوب كخيار من عدة خيارات لايصال غازها الى اوروبا. وقد توافقت مع حكومات قبرص واليونان على الضغط على الاتحاد الاوروبي لاعتبار هذا الانبوب “مشروع ذو منفعة مشتركة” لاوروبا – اي يساعد على تـأمين الامن الطاقي للقارة.
منذ 2016، قررت اسرائيل وقبرص واليونان عقد لقاءات دورية من اجل انشاء الانبوب. ولكن هذه اللقاءات لم تتعدّ كونها لقاءات سياسية لا اكثر، وحتى اليوم لم يحدث اي خرق او تتطور. لم نسمع اي شركة او مصرف يعلنون نيتهم تمويل الانبوب. والمشكلة ليست فقط التمويل ولكن حتى تقنيًا هناك مشاكل كبيرة في انشاء الانبوب. والاهم ان انشاء الانبوب هو شأن الشركات العاملة في المنطقة وليست شأن الحكومات. وكل التحاليل تفيد بأن هذا الانبوب لن ينشأ في الوقت القريب. وبما خص لبنان، هذا الانبوب لن يمر عبر لبنان وبالتالي التحذير لم يكن في مكانه.
*جاء هذا التحذير قبيل زيارة متوقعة لوزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو الى لبنان رافقها الكثير من الجلبة الإعلامية والتقارير الصحافية حول هذا الموضوع وخصوصا وأن بومبيو سيزور إسرائيل، ما تعليقك؟
-نعم، لكن تحذير الوزير باسيل جاء على خلفية ان وزير خارجية الولايات المتحدة الاميركية مايك بومبيو سيحضر الاجتماع الثلاثي بين اسرائيل وقبرص واليونان في القدس في 20 آذار الجاري وأنه يأتي داعمًا المشروع. ولكن هذا الدعم لا يعني شيئًا وهو فقط يدخل في خانة المباركة السياسية وكرسالة لروسيا ان اميركا موجودة في المنطقة.
*منذ مدّة وأنت كخبيرة في شؤون الغاز والنفط تحذرين من بدء إسرائيل التنقيب في حقل “كاريش” المحاذي للبلوك رقم 9 من المنطقة الإقتصادية الخالصة للبنان، ما الجديد في هذا الشأن؟
-هنا بيت القصيد الذي أودّ الوصول اليه، قبل التكلم عن الامتعاض الاميركي من الوجود الروسي في قطاع الطاقة في شرقي المتوسط، علينا ان نذكر انه كان من الاجدى بالوزير جبران باسيل ان يبعث برسالة الى المعنيين من الاميركيين والاوروبيين والامم المتحدة واليونان يطالب الشركة اليونانية “انيرجيان” العاملة في حقل كاريش القريب من لبنان بتوضيحات حول جيولوجيا الحقل واذا ما كان يوجد احتمال لمكمن مشترك بين كاريش والبلوك رقم 9. الحفّارة البريطانية التي تستخدمها انيرجيان موجودة منذ اسبوع على الحدود وهي تحفر في بئر شمال الحقل القريب، والانتاج من الحقل سوف يبدأ في 2021. وهذا التطور يحتم على لبنان ان يسأل ويطالب توضيحات للحفاظ على حقوقه. لكن السؤال لماذا الصمت؟
*تردد ان بومبيو آت الى بيروت لعرض حل جديد للحدود البحرية المعتدى عليها من قبل اسرائيل، وكثرت الاقوال حول هذه الموضوع. لكن ماذا يمكن ان يأتي به بومبيو؟
-لا أعتقد أنه سيأتي بجديد، ليست هنالك اية مؤشرات ان هنالك حلول جديدة. الحل على الطاوله هو مبادرة فريدريك هوف الذي عرض على اللبنانيين في 2013 ان يأخذوا 620 كلم مقابل 240 كلم لاسرائيل الذي قوبل بالرفض من الحكومة اللبنانية انذاك. وقد يحذر الامريكي اللبنانيين وحزب الله من استهداف المنشأت الاسرائلية القريبة من الحدود لان ذلك سيؤدي الى حرب شاملة.
لكن مشكلة الحدود ليست هي المشكلة التي تشغل بال بومبيو كما يعتقدون هنا في لبنان. بومبيو يريد ان يعرض قلق بلاده من التغلغل الروسي في قطاع الطاقة في لبنان.
للتذكير فإن “نوفاتيك” الشركة الروسية شريكة في بلوك 4 و9 وهي وقّعت العقدين مع شركائها توتال وايني لمدة 30 سنة، وأخيرا وقعت الحكومة اللبنانية عقدًا مع شركة روسنيفت الروسية لمدة 20 سنة لاعادة تأهيل منشآت التخزين في الشمال. وهذا الامر يقلق الاميركيين كثيرًا لان هذا التعاون قد يؤدي الى تحالف سياسي يتضمن كل من ايران والعراق وسوريا والى حد ما تركيا بمباركة روسية. وهذا الخطر الاكبر للاميركيين وهذا ما قد يحذر منه بومبيو ويطالب بتفسير من الحكومة اللبنانية.
لبنان والمحاور الطاقية
*لكن هل ممكن للبنان ان يدخل الحلف الروسي الايراني التركي؟
-إنّه سؤال كبير وعلينا ان نراقب الامر. في كانون الثاني 2019، تمّ الاعلان عن انشاء “منتدى شرقي المتوسط للغاز” ومقره القاهرة وهو يضم كل من اسرائيل، الاردن، السلطة الفلسطينية، قبرص، اليونان وايطاليا. وهدف المنتدى التعاون في وضع السياسات الطاقية في المنطقة والتشارك بالبنى التحتية وبناء البنى التحتية المشتركة والعمل على تسويق الغاز بين هذه البلدان. لبنان، سوريا وتركيا بقوا خارج المنتدى. هذا التحالف الجديد يضع لبنان في وضع صعب ويجعله يفكر بخياراته للاستفادة القصوى من نفطه وغازه من هنا قد يكون المنتدى المبارك من روسيا (والذي يضم ايران، العراق، لبنان، سوريا وتركيا) المواجه لمنتدى القاهرة مغريًا للبنان ولكن هذا سوف يأتي بتحديات سياسية كبيرة في البلاد. من هنا قد يكون حل الانسب للبنان ان يعتمد على الغاز الطبيعي المسال ليتم ارساله عبر البواخر الى اوروبا لتفادي المشاكل السياسية والامنية التي قد تواجهه اذا اراد الانضمام الى اي من هذين الحلفين.