“مصدر دبلوماسي”:
حذّر رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري من ازدياد اثر أزمة النازحين السوريين على لبنان، ما يفاقم على المدى القصير التحديات الاقتصادية والاجتماعية ويؤدي الى وضع العلاقة بين المجتمعات المضيفة واللاجئين في أجواء توتر شديد ويهدد استقرار لبنان، داعيا المجتمع الدولي للعمل الى جانب لبنان وتكثيف الجهود لتقديم المساعدة الانسانية الحيوية للنازحين.
واكد الحريري –بحسب خبر وزّعه مكتبه الإعلامي- ان الحلّ الوحيد لازمة النازحين السوريين هو العودة الآمنة الى وطنهم الأم وفق القوانين والمعاهدات الدولية، مجددا إلتزام الحكومة العمل مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على اي مبادرة عملية تضمن العودة الامنة لهم بما في ذلك المبادرة الروسية.
كلام الرئيس الحريري جاء خلال القائه كلمة لبنان في مؤتمر “دعم مستقبل سوريا والمنطقة” –بروكسيل-3 الذي انعقد صباح اليوم في مقر المفوضية الاوروبية في بروكسيل وفيما يلي نص الكلمة:
حضرة السيدة فيديريكا موغيريني
حضرة السيد مارك لوكوك
ايها السيدات والسادة
تستمر مأساه الشعب السوري ومعاناته للعام التاسع على التوالي. وخلال العام الماضي ، وعلى الرغم من التحديات الهائلة التي ما زلنا نواجهها ، وفي الوقت الذي اصبحت فيه قدرات المجتمعات المضيفة والبنى التحتية وخدمات الدولة مثقله ومنهكة ، إستمر لبنان بالتزاماته التي تعهد بها في مؤتمر بروكسل -2. وقد كان ذلك ممكنا بفضل الجهود الإستثنائية المشتركة التي بذلها المجتمع الدولي والمؤسسات العامة اللبنانية والمجتمع المدني و الضيافة الاستثنائية وكرم الشعب اللبناني.وقد حققنا ذلك في الوقت الذي نواصل فيه حماية الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي الدقيق في لبنان.
ايها السيدات والسادة
إن حكومة لبنان ممتنة لكل من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة على عقد مؤتمر بروكسل الثالث ، للتأكيد على أنه لا ينبغي نسيان الدول المضيفة في خضم الصراع السوري الذي طال أمده.
ولا يزال لبنان يواجه تحديات اقتصادية واجتماعية متزايدة. ولا يزال النمو ضعيفا وبالكاد يصل الى نسبه 1 في المائة ، ولا تزال مستويات البطالة والفقر مرتفعة ، ويرزح التمويل العام تحت ضغوط شديدة.
وفي مؤتمر “سيدر” ، قدمت الحكومة اللبنانية رؤية متوسطة وطويلة الأمد للتعامل مع هذه التحديات، إستجاب معها المجتمع الدولي بشكل إيجابي وحشد موارد كبيرة للمساعدة في وضع هذه الرؤية على الطريق الصحيح للتنفيذ. ان حكومتي تدرك تماما الحاجة إلى المضي قدما في الإصلاحات المالية والهيكلية والقطاعية لتحريك الاقتصاد وخلق فرص العمل وتحسين نسب العجز والدين. وفي الواقع ، سيتعين على حكومتي اتخاذ قرارات صعبة في الأسابيع المقبلة لخفض الانفاق. ولذلك ، فإنه من الواضح والصريح جدا، انه لن يكون هناك تمويل اضافي في موازنة عام 2019 ولا في الموازنات اللاحقة ، لتلبيه الاحتياجات الانسانيه للنازحين.
وفي الوقت نفسه ، فان أثر أزمه النازحين على لبنان يزداد حدة ما يفاقم على المدى القصير التحديات الاقتصادية والاجتماعية القائمة.
ولا تزال الاحتياجات كبيرة وقد أدى التنافس على الموارد الشحيحة والوظائف إلى وضع العلاقة بين المجتمعات المضيفة واللاجئين في اجواء توتر شديد، ويمكن ان تؤدي هذه الظروف إلى إستياء واسع النطاق والى زيادة مخاطر العنف ، ما يهدد استقرار لبنان ويعطي حافزا للنازحين للذهاب إلى أماكن أخرى. فلا مجال هنا للاستكانة او لتعب المانحين. وينبغي لنا بدلا من ذلك ان نعمل معا وان نكثف جهودنا لضمان تقديم المساعدة الانسانيه الحيوية فضلا عن تمويل مشاريع تنموية لتحسين مستويات معيشة اللاجئين والمجتمعات المضيفة على حدّ سواء.
ولتحقيق ذلك ، يتعين علينا جميعا أن نركز على الأولويات التالية :
أولا ، تامين التمويل الكافي لخطة لبنان للاستجابة للازمة. طالب لبنان عام 2019 ب2,6 مليار دولار أمريكي. وفي العام 2018 بلغت مساهمات المانحين لخطتنا 1,2 مليار دولار أمريكي، تمثل حوالي 45% من اساس مبلغ 2,7 مليار دولار.
ثانيا ، ينبغي تأمين التزامات لسنوات عدة من أجل ضمان إستمرارية المشاريع التي تستمر عدة سنوات كتأمين وصول التعليم إلى الجميع ، فضلا عن التخفيف من أثر العوامل السلبية. وفي الواقع ، شهد لبنان هذا الشتاء ظروفا مناخية قاسيه وعواصف متكررة، أدت إلى تفاقم أوضاع أكثر من 540,000 نازح سوري وعشرات الآلاف من اللبنانيين في المجتمعات المضيفة. لبنان ملتزم بالحدّ من ضعف المجتمعات المضيفة والنازحين على السواء واليوم ، أكثر من اي وقت مضى ، هناك حاجه ماسة إلى تحويل تركيزنا من ادارة الكوارث وألازمات الى الاستثمارات الطويلة الامد في الحدّ من مخاطر الكوارث والازمات لحماية الأرواح وتعزيز القدرة على الصمود والتنمية.
ثالثا ، زيادة الدعم المقدم إلى المجتمعات المضيفة بما لا يقل عن 100 مليون دولار سنويا لتمويل المشاريع الصغيرة في البني التحتية ، ولا سيما في مجال إدارة المياه والنفايات الصلبة ، لان لها تأثير مباشر على البيئة والصحة العامة . ومن المهم بنفس القدر الدعم المقدم إلى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم ، ولا سيما في القطاعات الانتاجيه ، فضلا عن تمكين المرأة وتنفيذ مشاريع التنمية البلدية.
رابعا ، دعم وتطوير نظم الحماية الاجتماعية في لبنان ، ولا سيما توسيع نطاق البرنامج الوطني لدعم الاسر الاكثر فقرا. وفي هذا الصدد ، نثمّن عاليا إستمرار إلتزام البنك الدولي وبرنامج الاغذيه العالمي لهذا البرنامج.
ونحن ممتنون أيضا للحكومة الألمانيه والإتحاد الأوروبي لاستجابتهما لما طالب به لبنان في مؤتمر بروكسل -2 من خلال تعهدهما تقديم مساهمات لبرنامج دعم أفقر الأسر اللبنانية التي تستضيف النازحين. وهدفنا النهائي هو تأمين الغذاء لجميع الأسر التي تعيش تحت خط الفقر المدقع والذي يقدر بنحو 44,000 أسرة لبنانية ، فضلا عن زيادة الدعم لعنصرالخروج التدريجي من الفقر ، الذي يسمح لهذه الأسر تأمين إحتياجاتها من خلال التدريب المهني والتقني وفرص العمل. ولتحقيق ذلك ، نحتاج إلى تأمين منح ومساهمات بقيمة 100 مليون دولار سنويا.
خامسا: دعم الإطار الاستراتيجي الوطني للتعليم والتدريب المهني والتقني الذي طورته الحكومة اللبنانية بدعم من منظمة اليونيسيف ومنظمه العمل الدولية لتعزيز مهارات العمال اللبنانيين .
السيدات والسادة
وفي خضم جميع التحديات التي تواجه لبنان والمنطقة ، ينبغي الا ننسى أن الحل الوحيد لأزمه النازحين السوريين هو العودة الامنة إلى وطنهم وفقا للقوانين والمعاهدات الدولية.
وفي هذا الصدد ، أود ان أكرر التأكيد ان حكومتي ستظل ملتزمة بالعمل مع المفوضية السامية للامم المتحدة لشؤون اللاجئين على اي مبادرة عملية تضمن العودة الآمنة للنازحين السوريين بما في ذلك المبادرة الروسية. ليس لدينا خيار آخر سوى توحيد الجهود والعمل معا لمعالجة العقبات والتحديات التي تواجه عودة النازحين. انها مهمة شاقة ومسؤولية جماعية وعلينا جميعا ان نكون مبتكرين في إيجاد الحلول. اذ لا يمكن للبنان ان يستمر في تحمل الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المترتبة على استضافة مليون ونصف مليون نازح.
وأخيرا ، أود ان أنتهز هذه الفرصة لأكرر تقديري العميق وتقدير الحكومة اللبنانية لجميع الشركاء الدوليين والحكومات وممثلي المجتمع المدني على شراكتهم القوية ودعمهم المستمر لمساعدة لبنان على التعامل مع التحديات المرتبطة بأزمة النازحين السوريين الحادة والطويلة وغير المسبوقة.
المؤتمر
وكان المؤتمر إستهلّ بكلمة للممثلة العليا للاتحاد الاوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الامنية فيديريكا موغيريني كما تحدث كل من الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس ونائب الامين العام للشؤون الانسانية ،منسق شؤون الاغاثة في حالات الطوارئ مارك لوكوك ووزير خارجية تركيا مولود جاويش اغلو ووزير خارجية الاردن ايمن الصفدي .
تصريح إستباقي للحريري
وكان رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري أعرب عن أمله في إيجاد حلول ونهاية لمأساة النزوح السوري وتأمين عودة النازحين إلى بلادهم، داعيا الأصدقاء والحلفاء لممارسة الضغط على النظام في سوريا لكي يعود النازحون.
وسئل لدى وصوله إلى مقر مؤتمر “دعم مستقبل سوريا والمنطقة” قبل ظهر اليوم في بروكسيل، حيث يترأس الوفد اللبناني: لماذا لا تستغلون سياسيا أنكم من الدول التي تستضيف أكبر عدد من النازحين السوريين للحصول على الأموال الكافية؟
أجاب: لبنان يقوم بواجبه الإنساني المحتم عليه. نحن نود أن نرى نهاية لموضوع النازحين في لبنان، لأنه يشكل عبء كبيرا على لبنان واللبنانيين جميعا. ونتمنى لو أننا نأتي إلى الاتحاد الأوروبي لكي نناقش موضوع نهاية النزوح السوري في كل من لبنان والأردن وتركيا والعراق. المشكلة قائمة، ولا بد من إيجاد حلول لعودة النازحين بإذن الله.
سئل: كيف تنظرون إلى إعادة العلاقات مع النظام السوري وعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية؟
أجاب: هذا قرار تتخذه الجامعة العربية، ولبنان سيكون مرافقا لهذا القرار. بالنسبة إلينا، هذا القرار لا يتعلق بلبنان بل بالجامعة العربية.
سئل: قيل أن التعهدات التي قُدمت في العام 2018 لم تصل كلها إلى لبنان، فهل هناك من التزام لدى المجتمع الدولي لدفع المبالغ المتوجبة؟
أجاب: المجتمع الدولي يجب أن يعرف أن لبنان لم يعد بمقدوره أن يستمر بالطريقة السابقة، وعليه أن يدفع الأموال التي طلبناها، لأنها ليست ترفا، بل لنزوح سوري كبير في بلدنا، وهو مليون ونصف مليون نازح سوري، ويجب التعامل مع هذا الموضوع بكل مسؤولية.
سئل: هل تعتقدون أنه سيكون هناك “بروكسيل 3 و4″؟
أجاب: نحن نتمنى ألا يكون هناك بروكسيل 4 و5 و6، نتمنى أن تنتهي الأمور في سوريا وأن يعود كل النازحين. ونحن نرى أن أهم حل للنزوح هو العودة، ولذلك يجب الضغط على النظام في سوريا من قبل كل الأصدقاء والحلفاء، لكي يعود النازحون إلى سوريا. ليس من الطبيعي أن يكون هناك 10 مليون نازح خارج سوريا. هذا أمر غير طبيعي.
سئل: ماذا عن المبادرة الروسية؟ هل ما زالت قائمة؟
أجاب: نحن مستمرون بها إن شاء الله.
الوزير شهيب
من جهته، رد وزير التربية أكرم شهيب على أسئلة الصحافيين، فقال: “نحن هنا نشارك في الوفد مع الرئيس الحريري في هذا المؤتمر، والبيئة الحاضنة للنزوح في لبنان كبيرة وتحتاج إلى دعم. هناك خطة لثلاث سنوات، ونحن نسعى إلى تحسين الإنتاجية على كل المستويات، وهي تحتاج إلى الدعم، ونأمل من الدول المانحة أن تساعد لبنان، الذي عانى ويعاني من النزوح، وبالتالي يستحق كل الدعم في هذا الظرف الذي يمر به.
وعليه، هناك 215 ألف طالب سوري يدرسون في لبنان بالتعليم الرسمي، و60 ألف في التعليم الخاص، وهناك برامج خاصة للذين لم يلتحقوا حتى الساعة بالمدارس من أجل احتواء كل الأطفال والأولاد الذين هم دون الـ18 سنة من عمرهم. الأمل كبير بهذا الدعم، ونأمل أن نصل إلى نتائج في المستقبل القريب.
سئل: كم من المبالغ تحتاجون؟
أجاب: هناك فجوة من السنة الماضية بقيمة 28 مليون دولار، وللمستقبل نأمل بدعم أكبر، حتى نستمر بتعليم جيد، لأن المجتمع الحاضن يُستهلك أيضا، كمدارس وإنشاءات ومعلمين، وهناك مواليد بنسبة عالية في لبنان من النازحين السوريين، وهم يحتاجون إلى تعليم خاص. هناك عائلات أولادهم بوضع نفسي خاص في المدارس، وهم يحتاجون إلى رعاية، وهناك ذوي الحاجات الخاصة أيضا، وبالتالي البيئة الحاضنة تحتاج إلى دعم وكذلك النازحون.
سئل: كيف تقيم اللقاءات التي عقدتها؟
أجاب: هناك وعود، على الأقل بأن يستمر ما قُدِّم في الماضي، نأمل أن تزداد قيمة الدعم لكي نستمر بإمكانية دعم هذا الطالب، ومن حق كل الأولاد الذين نزحوا إلى لبنان بدخول المدارس.
سئل: بعض الدول تاجرت بموضوع اللاجئين واستطاعت أن تحصل على مبالغ طائلة، فهل يحق للبنان فعل الأمر نفسه؟
أجاب: لبنان لم يتاجر بهذا الموضوع، وهو قدم أكثر مما يمكنه، ويحتاج إلى دعم أكبر حتى يستمر في السنوات المقبلة.