“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
روى الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند الذي حلّ ضيفا على لبنان أخيرا للجمهور اللبناني تفاصيل من حقبات تاريخية مهمة تتعلق بالمنطقة إبان حكمه كرئيس للجمهورية الفرنسية بين عامي 2012 و2017، راويا كيف بدّل الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما رأيه عام 2013 متراجعا عن قراره توجيه ضربة لسوريا بعد استخدام أسلحة كيميائية ضد مدنيين، وكيف تركت أميركا فرنسا لوحدها، واعتبر بأن قرار الرئيس الأميركيدونالد ترامب سحب قواته من سوريا أخيرا سيكون له تداعيات “سنشهدها سريعا ولن تكون جيدة للمنطقة”، معبّرا عن ارتياح فرنسا لإبقاء عدد من الجنود الأميركيين في الشمال حماية للأكراد من أي هجوم تركي.
وكان الرئيس الفرنسي السابق حلّ يوم الأربعاء الفائت ضيفا على كلية التاريخ والشؤون الدولية في جامعة القديس يوسف، حيث حاوره طلاب الكلية بحضور رسمي وسياسي رفيع تقدمه رئيس الجامعة الأب سليم دكاش وليد جنبلاط وزوجته والرئيس السابق ميشال سليمان وسفراء ونواب ووزراء وشخصيات. في ما يأتي أبرز ما ورد في كلام هولاند عن سياسة فرنسا تجاه سوريا وقضية اللجوء والهجمات الإرهابية التي تعرضت لها فرنسا مرارا إبان عهده.
سئل هولاند من قبل الطلاب عن تقييمه “للإعادة الدبلوماسية” للرئيس السوري بشار الأسد الى اللعبة الدولية؟ فقال:” إن اللعبة الدولية تخضع لموازين القوى وليس لاعتبارات انسانية أو متعلقة بحقوق الإنسان. وبالتالي فإن المشاعر لا تستطيع مقاومة المصالح. أنا ألاحظ كما أنتم أنه يوجد اليوم شكل من القبول للنظام السوري لبشار الأسد، وهو أعيد الى جامعة الدول العربية بشكل من الأشكال ولو أن الأمر لم يصبح رسميا بعد، وبشكل أن العلاقات أعيدت وقرأت أن بعض الدول العربية تحاول التقرب منه وأنا أعتبر أن لا شيء في هذا النظام يستحق أي نوع من المسامحة”. وأشار الى أنه “يجب ارغام الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين على الذهاب الى حل سياسي”.
وتحدث عن محاربة فرنسا لـ”داعش” قائلا بأنه “في الأيام الأخيرة تعمل فرنسا من أجل مكافحة “داعش” وانهاء آخر معقل لها حيث يلتجئ عدد من الإرهابيين ويوجد بينهم فرنسيين”. وقال أنه مع وحدة سوريا وسيادتها لكن دعم الأكراد كان نوعا من الإمتنان لما قاموا به في مواجهة داعش في سوريا والعراق وليس لتشجيعهم على نيل استقلال ما.
في مسألة اللجوء قال بأن ثمة ندم لديه لأن أوروبا أثبتت أنها لم تكن على مستوى وضع قواعد لمعالجة أفضل وللتضامن مع هذه القضية. واشار الى أن أوروبا تأخرت بإبرام اتفاق مع تركيا، وكان على أوروبا أن تموّل أكثر البلدان التي استقبلت اللاجئين على أراضيها ومنها لبنان، متوجها الى اللبنانيين بقوله:” انتم تعرضتم لابتزاز وكانت تهديدات ولو لم تستقبلوا هؤلاء بظروف صعبة جدا لكانوا انتقلوا الى اوروبا من هنا ضرورة التضامن مع البلدان المجاورة لمناطق الصراع (…)”.
وعن قراءته للضربات الإرهابية التي طالت فرنسا خلال عهده روى هولاند تفاصيل ما حذث وردود الفعل وكيفية معالجة فرنسا لآثار هذه الهجومات التي ضربت أراضيها في فترات مختلفة وبأشكال مختلفة أيضا وقال: قبل انتخابي رئيسا للجمهورية كنت مواطنا ومسؤولا سياسيا وشهدت ضربات ارهابية سببت مآس في بلدي، وأعود الى الثمانينيات وما حصل في فرنسا، ثم عامي 1995 و1996 وحتى خلال الحملة الإنتخابية الرئاسية حصل عمل ارهابي رهيب ضد الجنود…وبالتالي أنا أعرف جيدا ان الارهاب قد يعود وينطلق ويضرب فرنسا. ولكنني لم أكن أعرف أي شكل يتخذه، والشدة التي سيكون فيها، وفي خلال ولايتي شهدت فرنسا عمليات ارهابية هي الأكبر لم تشهدها سابقا، الهجوم على شارلي إبدو وقبلها عمليات عدة لم يكن لها التأثير ذاته، ومع هذه الحادثة كنا نشهد هجوما ضد الحريات وكانت شارلي إبدو قد تمّت مهاجمتها سابقا، وكانت ردود فعل قوية في بلدي وفي العالم، وتظاهرات جمعت ملاين الأشخاص، وتظاهرة في باريس وهذا كان أمرا نادرا ان يشارك فيها رؤساء دول ووزراء من العالم، رئيس الوزراء الإسرائيلي والفلسطيني حضرا، لأن فرنسا تمت مهاجمتها كنت مجروحا وفخورا بهذا الموقف (…)، ثم جاءت هجومات 13 تشرين الثاني 2015، وهنا انتقلنا الى مستوى آخر ليس بأعداد الضحايا، بل على مستوى آخر من التنظيم للهجومات الإرهابية. اليوم لدينا معطيات لفك شيفرة ما حصل، فقد تم تنظيم هذه الهجومات من سوريا والعراق عبر شبكة لديها تشعباتها في أوروبا ومن خلال إرهابيين أتوا شخصيا من سوريا والعراق، بعدد منهم. وبالتالي كنا في مواجهة عمل حربي. وكانت فرنسا امام تحديات التفتيت وقيام معارضة لا تفهم ما يحدث وتقوية المتطرفين الذين سيتذرعون بهذه الأعمال …لكن فرنسا وقفت سدا منيعا تجاه هذه التحديات.
ثم كان هجوم آخر ورهيب لأنه صادف في 14 تموز ، وكنت كرئيس جمهورية أقوم بمقابلة تلفزيونية، وكانت الصحافية تسألني متى سأرفع حالة الطوارئ، وكان البرلمان أقر حالة الطوارئ في فرنسا منذ قرابة العشرة أشهر، قلت لها سنقوم بذلك عندما نتأكد بأننا قادرين على ذلك ومواجهة كل القضايا الطارئة، وفي المساء ذاته حصل الهجوم في نيس عبر شاحنة وانتم للأسف تعرفون النتائج.
في ذاك المساء كنت في مهرجان ليون، في المسرح (…) انتهت الحفلة بإطلاق رشقات كلاشينكوف وهذا يبرهن أن البربرية يمكن أن تظهر في أي مكان، وما ان نظن انها انتهت مع التاريخ حتى تعود، بأشكال جدية ومع لاعبين جدا ومع العنف ذاته. وبعد شهر كنت في اجتماع في الإيليزيه، وكنت في زمن تحضير الميزانية، وتم اخباري عن حصول عملية اخذ رهائن في احدى الكنائس (…)، ولم أكن اعرف ما ستكون النتيجة، وهي ذبح الكاهن. وذهبت الى الموقع وكان الإرهابيون يريديون مواجهة المجموعات الدينية ببعضها، وفورا كان للكنيسة الكاثوليكية التي تنتمي اليها هذه الكنيسة الكلمة الفصل وهي غطّت المسلمين كنسيا وان المدينة مفتوحة ليس فقط للمسيحيين بل للجميع. وكان ثمة طريقتان لمواجهة حوادث مماثلة اما الانتقام وردة الفعل الغاضبة والسريعة او احتواء الأمر في وجه نوايا الإرهابيين وهذا ما فعلناه في غضون 5 اعوام”.