مصدر دبلوماسي: مارلين خليفة:
شكّلت زيارة السفير الفرنسي المسؤول عن متابعة مؤتمر “سيدر” بيار دوكين أخيرا الى لبنان والتصريحات التي أدلى بها محور اهتمام دبلوماسي عربي وغربي على حدّ سواء، وهي نجحت في تحريك المياه الراكدة في ما خص ملفات حيوية تتعلق بالإصلاحات المطلوبة من لبنان وبخطة الإستثمار والمشاريع التي قدّمتها الحكومة اللبنانية الى مؤتمر “سيدر” الذي انعقد نيسان 2018 بدعوة من فرنسا وجمع أكثر من 40 دولة ومنظمة دولية بهدف انتشال لبنان من أزمته الإقتصادية.
وعلى هامش أعمال ندوة “كارنيغي للشرق الأوسط” بعنوان “من الإنقسام الى الوحدة: كيف يمكن تقاسم السلطة في الشرق الأوسط ومناطق أخرى؟” المنعقدة في فندق “الفينيسيا إنرتكونتيننتال”، سأل موقع “مصدر دبلوماسي” الباحث في شؤون الشرق الأوسط في مركز كارنيغي للأبحاث الدكتور جوزف باحوط المقيم في فرنسا عن أبعاد كلام دوكين، ومواقف فرنسا الحالية تجاه لبنان والزيارة العتيدة للرئيس إيمانويل ماكرون، فأكد بأن “سياسة فرنسا المتشبثة بإستقرار لبنان وبدعمه على المستويات كافة لم تتغير في جوهرها، بل تبدّلت اللهجة لتصبح اكثر صرامة، وهذا سواء صدق البعض أم لم يصدّق يعود الى محبة فرنسا للبنان وخوفها على مصلحته ومستقبله”.
*زار السفير بيار دوكين المسؤول عن متابعة مؤتمر “سيدر” بيروت أخيرا، وبدا من خلال تصريحاته أنه غير راض عن مسار الدولة اللبنانية في ما يخص هذا المؤتمر الذي دعت اليه فرنسا في نيسان 2018 ، لم كان السفير دوكين قلقا؟
-بالفعل، لم يكن السفير دوكين راضيا، ولا فرنسا راضية، لأن “سيدر” شكل محاولة لإنقاذ لبنان وانتشاله من الأزمة، وبسبب مماطلة اللبنانيين بتشكيل الحكومة وممارستهم سياسة التأجيل المستمر أظهروا عدم جدّيتهم. أرسل الفرنسيون رسائل عدّة الى لبنان بإسم مجموعة “سيدر” الدولية في مراحل عدّة بعد الإنتخابات النيابية وإبان فترة تشكيل الحكومة وآخرها كان بشكل قوي في قمة يريفان أثناء لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع الرئيس ميشال عون محذرين من أن مهل التعهّدات ليست مفتوحة في “سيدر” وأن الأموال ليست موضوعة على الطاولة الى أبد الآبدين، ليس رغبة بمعاقبة لبنان-أبدا-بل لأنها تعهدات من غير الممكن تركها على الطاولة الى أجل غير مسمى. وبعد تشكيل الحكومة، جاء السفير دوكين الى بيروت، واللهجة العالية التي سمعناها هي للقول بأن تشكيل الحكومة لا يعني اجتياز “القطوع” والخلود الى النوم، لذا أطلق السفير دوكين إنذارا -وهو أمر غير إعتيادي- لشهرين أو ثلاثة. ما أود قوله أن اللبنانيين إذا أرادوا أن يساعدهم أحد يجب التعامل معهم بهذا الحزم، وذلك إن كانوا جديين فعليا بإنقاذ أنفسهم وبلدهم. أشبّه الأمر بالولد الذي يؤجل فروضه، فإذا لم يضع له أهله مهلة معينة لا يقوم بواجباته. لا يمكن تفسير الأمر كما سمعنا من البعض بأنها عودة الى الإنتداب والكولونيالية، ليس الأمر كذلك، بل لأخذ الأمور على محمل الجدية.
*ما هي الأولويات المطلوبة فرنسيا من لبنان؟
-هي 4 أمور قالها السفير دوكين بوضوح: أولا إقرار الميزانية، فلم يعد بإمكان لبنان الدخول بمطالبة مالية بلا ميزانية واضحة وواقعية، وليس ميزانية خيالية ليس لها علاقة بالواقع. ثانيا، تنظيم وتعيين الهيئات الناظمة المشرفة، ثالثا، حل ملف الكهرباء وهو قطاع أساسي يؤثر على قطاعات أخرى لأنه يغذي مشاريع عدة وله علاقة بالحياة اليومية للناس، ورابعا، تعهّد بموضوع مكافحة الفساد والتسرّب. تقنيا المطلوب ميزانية منذ اليوم ولغاية أيار المقبل، وتعيين رؤساء الهيئات الناظمة في غضون شهرين ووضع خطة واقعية لحل موضوع الكهرباء الذي تندرج تحته كل القطاعات الأخرى التي لها علاقة بالمكننة والبيئة والنفط وكل شيء وهي على تماس مباشر مع حياة الناس.
*كان لافتا رفض فرنسا القاطع تصنيف الجناح السياسي لـ”حزب الله” في خانة المنظمات الإرهابية على غرار بريطانيا، ماذا يعني ذلك؟
-هذا موقف فرنسي ثابت، وهو موقف أوروبي أيضا.
*ولكن أوروبا أيضا تحت الضغوط الأميركية للقيام بهذا التصنيف…
-إن الضغط الأميركي الموجود لا يختلف عن الأعوام السابقة، هذا موقف أوروبي الى حين يحدث أمر كبير جدا، كأن تعمد إيران- لا سمح الله- و”حزب الله” للإنزلاق بعملية ما في أوروبا خارج المتوقع، وبالتالي فإن هذا الموقف ثابت ولن يتغير.
*ماذا عن زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان المتوقعة للبنان؟
-ستكون تحضيرية لزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
*لم تأخرت زيارة الرئيس الفرنسي الى لبنان؟
-الامر بسيط، لا يمكن لرئيس جمهورية أن يزور بلدا ليست فيه حكومة. فلا يمكن الجلوس مع وزراء تصريف أعمال. الآن عدنا بعد تشكيل الحكومة الى مجرى الحياة السياسية الطبيعية، وسيأتي الرئيس ماكرون قبيل الصيف، إذا لم يستجد شيء ما لأنه لا يمكن التغاضي عن وجود أولويات في فرنسا حيث تواجه تحديات ليست سهلة منها حركة السترات الصفر وموضوع الجزائر الخ، وبالتالي فإن برمجة الزيارة تتعلق بكل ذلك، لكنّها قائمة لا محالة.