
في حواره مع الصحافيين نفى دوكين حديثه عن أن الخصخصة هي الحل الذي يطرحه "سيدر" قائلا بأن هذا الأمر يعود للحكومة اللبنانية مشيرا الى أهمية القطاع العام
“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
قال السفير الفرنسي المسؤول عن تطبيق مندرجات مؤتمر “سيدر” بيار دوكين بأنه لا يوجد إنذار فرنسي للبنان بالقيام الإصلاحات في غضون شهرين، لكنه كان واضحا بأن الحكومة وبحسب بيانها الوزاري لا تمتلك ترف الوقت ويجب القيام بالإصلاحات بأسرع وقت ممكن.
دوكين الذي تحدث الى الصحافيين مختتما جولة على المسؤولين اللبنانيين أفصح بأسلوبه الدبلوماسي الدّمث لكن الهادف عن الكثير من التحفظات الفرنسية من دون أي هجوم مباشر، مصوّبا على إخفاقات لم تكن متوقعة ومنها ارتفاع العجز في الموازنة في السنة المنصرمة. وحرص على توجيه كلمة الى دافعي الضرائب في الدول المانحة قائلا بأن هؤلاء يريدون انفاق أموالهم بشكل جيد. وعن الإصلاح في الكهرباء أشار الى ضرورة الأخذ في الإعتبار الفئات الأشد فقرا عند وضع التعرفة ورفع الإنتاجية، مشيرا الى أن الإستثمارات بشكل عام لا يمكن أن تأتي الى لبنان بلا كهرباء موجودة 24 على 24 ساعة.
ولفت الى أهمية وجود ارادة بعدم السماح بانزلاق الحسابات العامّة وخصوصا وان نسبة العجز قياسا الى الناتج القومي المحلي هي بنسبة 150 في المئة وهو يعني أن لبنان يندرج في المرتبة الثالثة عالميا. وقال بأن الحكومة اللبنانية أعلنت أنها اعتمدت استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد، معلقا: هذا أمر جيد ويجب أن يتم من خلال أمور تقنية أحيانا منها التحوّل نحو الإدارة الإلكترونية التي تشكل الوسيلة لتخفيف الفساد على المستوى الصغير في حين أن مكافحة الفساد على المستوى الأعلى هو موضوع آخر.
ونفى منسق مؤتمر “سيدر” والمكلف من الرئاسة الفرنسية تنفيذ قراراته ما نسب اليه من بعض الإعلام اللبناني بأنّه وجه إنذرا الى لبنان لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة منه في غضون شهرين وإلا فإن الدول المانحة سوف تعمد الى وقف تنفيذ تعهداتها المالية. وقال ردّا على سؤال لموقع “مصدر دبلوماسي” “لا يوجد أي إنذار لبلد سيّد نفسه. أنا لم أوجه أي انذار، لقد قلت بأن الأمور يجب أن تتم بسرعة خلال ثلاثة أو اربعة اشهر اي في أمد قصير وربما قبل بداية الصيف.
وليست هناك من فكرة بأن الأمور ستنهار خلال شهرين، لكن ثمة شعور بأنه بعد مرور 9 أشهر على تشكيل الحكومة اللبنانية، أكرر – وليس أنا من أصف الوضع- بل البيان الوزاري الذي أقره 117 عضوا في البرلمان اللبناني، بأن الحكومة لا تملك ترف الوقت.
كما أنني لم أسمع بأن الولايات المتحدة الأميركية تضغط على الجهات المانحة هنالك نظام عقوبات نطبّقه فحسب”.
وأشار ردّا على سؤال لموقعنا بأن “زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى لبنان قائمة وقال: إن رئيس الجمهورية الفرنسية لا يمكنه المجيء طالما لم تكن توجد حكومة وهذا أمر بديهي، وكان الأمر شرطا رئيسيا وهو ليس كافيا بل يجب التقدم بطريقة تعني ملامسة العمل الذي تم القيام به، وبالتالي إذا كان يعني مجيئه توجيه إنذار كان ليأتي فورا وليست هذه نيته البتة. إن الرئيس سيأتي حتما …وهذا سيتطلب وقتا لأنها زيارة دولة ومعقدة ولن يأتي إلا للتحدث في الإقتصاد (…).
مقاربة فرنسا لمسار “سيدر”
في نهاية جولة واسعة رافقه فيها السفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه عقد المبعوث الفرنسي مؤتمرا صحافيا مساء الجمعة في “قصر الصنوبر” قال في مقدّمته: “نحن على بعد 9 أشهر من انعقاد مؤتمر “سيدر”، لقد تشكلت الحكومة منذ نحو شهر ووضعت بيانها الوزاري منذ أسبوعين. لذا، كان من الضروري أن أعود وأقوم بجولة أفق مع الحكومة اللبنانية ورئيسها سعد الحريري وعدد من الوزراء والجهات المانحة ومنظمات المجتمع المدني وبعض ممثلي الشركات.
لقد استخلصت من هذه الزيارة أن هناك توافق حول عدد من المسائل الرئيسية، فإن ما تم الإتفاق عليه في باريس في 6 نيسان من عام 2018 في “سيدر” لا يزال ساري المفعول وكذلك الخطوات المرافقة المتوقعة من وضع خطة للبنى التحتية اللبنانية هي أيضا سارية المفعول.
كما أن البرنامج الذي قدمته الحكومة اللبنانية في حينه لا يزال صالحا، بالإضافة إلى التمويل المرتبط بهذا البرنامج والذي يبلغ 11،1 مليار دولار كذلك الإصلاحات اللازمة على المستوى القطاعي من اجل الحصول على الاستثمارات، فضلا عن الاصلاحات الاقتصادية الماكرو-اقتصادية تبعا للوضع الاقتصادي في البلد“.
أضاف دوكين: “إن هذا الاتفاق لا يزال ساريا، وترجمته الفعلية نجدها في البيان الوزاري الذي أكد أن “سيدر” يندرج ضمن النقاش العام في لبنان وأن هنالك اتفاق من قبل القوى السياسية اللبنانية للسير قدما في المجالات التالية: المشاريع والتمويل والإصلاحات“.
أوضح بأن “الحكومة لا تملك ترف الانتظار” بحسب الفقرة (4) من البيان الوزاري، وذكّر بأن عنوان البيان الوزاري هو: “الى العمل”، وقال: ” أنه بعد مرور 9 أشهر على الإنتخابات البرلمانية يجب التقدّم بسرعة على الجبهات المختلفة. وكل ما يمكن تقوم به الحكومة في الأسابيع والأشهر المقبلة على مستوى القرارات التي تؤكد ارادة التقدم الى الأمام نافع وضروري”.
وأشار إلى أن “ما يجب القيام به هو تسمية المراكز الشاغرة في الهيئات الناظمة لثلاثة قطاعات هي: الطاقة والاتصالات والطيران المدني”، وقال: “إن المشاورات حول الأسماء أمر طبيعي في كل الديموقراطيات، فمن دون هذه التسميات، لا يمكن لهذه الهيئات والقطاعات أن تعمل، ولن تكون هناك استثمارات فيها. يجب إعطاء مجلس الخصخصة والشراكة بين القطاعين العام والخاص الوسائل اللازمة للقيام بالعمل الذي يمكنهما من تطبيق قانون أيلول 2017 المتعلق بالشراكة بين القطاعين العام والخاص“.
أضاف: “هناك امور بسيطة ليست معقدة جدا من المناسب تطبيقها بسرعة، كما أن هناك امور أكثر تعقيدا، في نهاية العام الفائت تم اقرار موازنة 2018 في نهاية آذار، أي قبل ايام قليلة من انعقاد مؤتمر “سيدر” وبالتالي يجب اقرار موازنة عام 2019 بسرعة لأن البلد لا يمكن أن يعمل بلا موازنة لذا يجب اقرارها في نهاية آذار أو في نيسان وكذلك اقرار موازنة 2020 قبل نهاية السنة الجارية. في هذه الموازنة لا شك هناك قرارات صعبة، وهي واردة في البيان الوزاري، ومنها خفض العجز في الموازنة بمقدار لا يقل عن 1 في المئة، وليس لدينا الأرقام لكن يبدو أن هذا الرقم ارتفع في العام الماضي ما ناقض كل التوقعات، وهناك أيضا عمل يجب القيام به في قطاع الموازنة عبر دمج تخفيض النفقات والعجز العام ليس بطريقة تكسر الإقتصاد لكن بطريقة تؤكد وجود ارادة بعدم السماح بانزلاق الحسابات العامّة وخصوصا وان نسبة العجز قياسا الى الناتج القومي المحلي هي بنسبة 150 في المئة وهو يعني أن لبنان يندرج في المرتبة الثالثة عالميا”. وهنالك نقاش ذكره البيان الوزاري يتعلق بكيفية عمل القطاع العام (…)
وتطرق إلى قطاع الطاقة” مؤكدا “وجوب إصلاح قطاع الكهرباء في لبنان من أجل أن تأتي الكهرباء 24 على 24 ساعة وأن تكون هناك استثمارات، فمن دون كهرباء من الصعب الاستثمار بشكل عام ومن أجل خفض عجز الكهرباء، هناك أمور يجب حلها على المستويين المتوسط والقصير ومن بينها ان تتلاءم التعرفة مع السعر الحقيقي للكهرباء، مع استهداف –كما يقول البيان الوزاري- الأشدّ فقرا فضلا عن رفع الإنتاجية”.
وأشار دوكين إلى أن “هناك عمل يجب القيام به في ما يتعلق بمكافحة الفساد وهو ليس خاصا بلبنان لكنه يشكل مشكلة مهمّة في لبنان، وقد أعلنت الحكومة أنها اعتمدت استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد وهذا أمر جيد ويجب أن يتم من خلال أمور تقنية أحيانا منها التحول نحو الإدارة الإلكترونية التي تشكل الوسيلة لتخفيف الفساد على المستوى الصغير في حين أن مكافحة الفساد على المستوى الأعلى هو موضوع آخر”.
أضاف: “هناك أمور عدة يجب القيام بها مع العلم بأن ما يخص المانحون فلم يعلن أحد منهم أنه ألغى المبالغ المخصصة للبنان وقدرها 11،1 مليار دولار وهي ليست مدرجة كلها على أجندة 2019 وحدها بل موزعة على 4 أو 5 الاعوام المقبلة، ومن المعروف بأن هذا الأمر لا يمكنه أن يطبّق أي أن يحصل التمويل إذا لم تتحرّك الأمور، سواء عبر المشاريع وخطة الإستثمار التي قدمتها الحكومة اللبنانية والتي أقرّها مؤتمر “سيدر” وتتضمن نحو 280 مشروعا، ومن المفيد القول إن هذه المشاريع لن تطلق كلها في الوقت نفسه، فالسلطات اللبنانية ستقرر أولوية المشاريع التي ستطلقها حاليا”.
وتحدث دوكين عن “التوازن الرئيسي في “سيدر” بين تطبيق المشاريع المهمة والمفيدة للاقتصاد اللبناني والإصلاحات القطاعية والماكرو-اقتصادية المرافقة لتنفيذ هذه المشاريع، والتمويل من قبل المجموعة الدولية التي تريد مساعدة لبنان في تمويل نموه في ظروف منطقية وملائمة للجميع ومن ضمنهم بطبيعة الحال-يجب التذكير بذلك- المكلّفين ودافعي الضرائب في البلدان المانحة الذين يريدون أن تنفق المساعدات في المكان المناسب وبطريقة جيدة”.
لا إنذار للبنان
وفي حوار دار مع الصحافيين اللبنانيين والأجانب سئل السفير دوكين: هل وجهتم انذارا بانه إذا لم تحصل الإصلاحات خلال شهرين فإن المانحين سيلغون تعهداتهم؟ وماذا عن الضغوط الأميركية على الجهات المانحة من أجل منعها من تقديم الأموال وهو ما سمعنا أخيرا في سياق الضغوط على لبنان؟
اجاب دوكين: “لا يوجد أي إنذار لبلد سيد نفسه. أنا لم أوجه أي انذار لقد قلت بأن الأمور يجب أن تتم بسرعة خلال ثلاثة أو اربعة اشهر اي في أمد قصير وربما قبل بداية الصيف.
وليست هناك من فكرة بأن الأمور ستنهار خلال شهرين، لكن ثمة شعور بأنه بعد مرور 9 أشهر على تشكيل الحكومة اللبنانية، أكرر – وليس أنا من أصف الوضع- بل البيان الوزاري الذي أقره 117 عضوا في البرلمان اللبناني، بأن الحكومة لا تملك ترف الوقت.
كما أنني لم أسمع بأن الولايات المتحدة الأميركية تضغط على الجهات المانحة هنالك نظام عقوبات نطبّقه فحسب”.
سئل: طلبتم من الحكومة اللبنانية إرسال إشارات عن رغبتها في إجراء الإصلاحات، فماذا تعنون بذلك؟ وهل تشكون بقدرتها أو بنيّتها؟
قال دوكين: “ليس لدي أي سبب للشك عندما أقرأ البيان الوزاري. وعندما أقول ذلك، أكون أتحدث باسم بلدي، لكن عددا من المانحين لديه شك. أعتقد أن هنالك ضرورة للقيام بخطوات ملموسة في المسائل غير المعقدة، فالوزراء الذين التقيتهم من مختلف الأطياف السياسية هم على هذه الطريق وعلى هذا الخط. هنالك ضرورة للاصلاح ليس فقط لإرضاء الجهات المانحة، لكن البلد يعاني ضعفا في النمو والعجز ودينا عاما مرتفعا، ولا يمكنه أن يستمر على هذه الحال“.
واعتبر دوكان في معرض ردّه على أسئلة الصحافيين بأن “الإصلاحات لا تعني اتخاذ اجراءات مؤلمة”، لافتا إلى أن “ثمّة الكثير من الأمور السهلة الموجودة في البيان الوزاري يمكن القيام بها في الأمد القصير، وهي اشارات ايجابية للمجموعة الدولية“.
ولفت في حواره مع الصحافيين نفي دوكين حديثه عن أن الخصخصة هي الحل الذي يطرحه “سيدر” قائلا:” أنا لم ألفظ أبدا بالنسبة لأي قطاع كلمة الخصخصة، قلت لكم أنه كان يوجد خصخصة سابقا، وقد تحدثت خصوصا عن المشاركة في تطبيق الشراكات العامة والخاصة،وبالتالي قرأت اليوم أنني طلبت خصخصة قطاع الإتصالات ويمكن للبعض الإستمرار باختراع الأمور لكنني لم أفعل ذلك. اللبنانيون أنفسهم يقررون في هذا المجال، ولايوجد أي إنذار بل توجد متابعة التعاون لمصلحة تنمية البلد وهي مركزية بالنسبة لبلدي فرنسا.
وبالتالي نحن في نقاشات طبيعية، وبالتالي لا أحد سيكون مرغما على القيام بأي شيء كان، لا لبنان ولا المانحون. وإذا رفض بعض المانحين التعاون فسيكون ذلك خيارهم، ولكن لا يوجد اي إنذار من أحد، توجد اتفاقية وفي الإتفاقية كل طرف يقوم بما عليه.
زيارة دوكين تأتي بعد مرور 4 اشهر على زيارته الأخيرة لبيروت، وهو التقى خلالها رئيس الحكومة سعد الحريري وعدد من الوزراء المعنيين بتطبيق “سيدر”، ووزير المال علي حسن الخليل، ووزير البيئة فادي جريصاتي ووزير الإتصالات محمد شقير، ووزير الإقتصاد والتجارة منصور بطيش.