“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
يعيد موقع “مصدر دبلوماسي” نشر هذه المقابلة التي نشرتها مجلة “الأمن العام” في عددها الرقم 65 الصادر في شباط الجاري. لقراءة المزيد من مواضيع المجلّة الضغط على الرابط الآتي:
http://www.general-security.gov.lb/ar/magazines
ستضطلع تونس بأدوار دبلوماسية اساسية منذ 2019 ، بدءا من استضافتها القمة العربية الشهر المقبل الى دخولها عضوا غير دائم في مجلس الامن لعامين متتاليين فضلا عن وساطاتها الافريقية من مبادرتها في ليبيا الى افتتاحها سفارات جديدة في القارة السوداء، مرورا باستضافتها القمة الفرنكوفونية.
ترتبط تونس بلبنان بصلات تاريخية تعود الى زمن قرطاجة الفينيقية، ويتباهى الدبلوماسيون التونسيون واللبنانيون على مرّ التاريخ بحركة التحرّر التي قادها البلدان ضدّ الفرنسيين. يقول السفير اللبناني الاول في تونس نزيه لحود في اثناء تقديمه اوراق اعتماده عام 1958 :” نحن في مرحلة السيادة والاستقلال، يزداد التشابه بين مصيرينا واذا تونس ولبنان متماثلان بالعروبة والتضامن العربي الى منتهى التضامن واذا هما يسيران في اتجاه سياسي واحد، يحرصان على صداقاتهما العربية، وعلى توثيق العلاقة الطيبة بجميع الشعوب الصديقة ويشتركان بازدواج في الثقافة وحب السلام تتعلق بميثاق الامم المتحدة”.
لا يشذّ السفير التونسي في لبنان كريم بودالي عن هذا الخطاب اللبناني التونسي المشترك، بل ينادي به، وقد جمع الارشيف الدبلوماسي للبلدين من مراسلات وصور وعرض جزءا منها في مكتبه.
في حواره مع “الأمن العام” يتطرّق السفير بودالي الى مواضيع الساعة وآخرها القمة الاقتصادية التي استضافها لبنان، والى القمة العربية التي ستستضيفها تونس في 31 آذار المقبل والقضايا المطروحة ومنها امكان عودة سوريا الى مقعدها في الجامعة العربية، وتفعيل عمل سفارة تونس في سوريا، والمثابرة على تفعيل اللجنة العليا المشتركة اللبنانية- التونسية المجمدة منذ العام 2001، الى ادوار تونس في فضاءاتها الثلاثة: العربية والافريقية والمتوسطية، وكيفية اسهام الاغتراب اللبناني في افريقيا في توطيد العمل مع القارة السوداء.
بودالي دبلوماسي ينتمي الى ملاك وزارة الخارجية التونسية، وهو مرّ بتجارب دبلوماسية مختلفة من تمثيله لبلاده في البرتغال ثمّ في ليبيا وصولا الى لبنان.
*ما هو انطباعك عن لبنان وقد عيّنت فيه منذ العام 2016 وخصوصا بعد أزمات عدّة شهدتها في ربوعه منذ ذلك الحين؟
– اعتبر ان لبنان تجربة جديدة وثرية في مساري المهني كسفير، ولا يمكن أي دبلوماسي يعمل فيه الا ان يحبّه ويتعلّق به وبشعبه. يتميّز لبنان بتاريخ حضاري قديم وبانفتاحه وثقافته. بالتأكيد البلدان كلّها تمرّ في ازمات، لكن لبنان يبقى ذاك البلد المميز بثرائه وتنوّعه.
*حضرت تونس فاعليات القمّة التنموية الإقتصادية والاجتماعية التي انعقدت في لبنان في 20 كانون الثاني الفائت بشخص وزير خارجيتها خميّس الجهيناوي، ما هو تقييمكم لمقررات هذه القمّة؟
– التقييم ايجابي، وهذا ما اقوله بموضوعية. كان التنظيم الاجرائي والبروتوكولي مميزا بشهادة الوفود المشاركة كلّها. اغتنم هذه الفرصة لاتقدّم بالتهنئة للبنان، ولكل من اسهم في انجاح هذا الموعد العربي في لبنان. في المضمون، حضرت غالبية الدوّل العربية ما يعدّ نجاحا في ذاته، كذلك تطرقت القمّة الى مواضيع تهمّ العالم العربي تنمويا واقتصاديا واجتماعيا، ونأمل في أن يتم العمل بما ورد في “اعلان بيروت”.
*ما هي المواضيع التي اهتمت لها تونس بشكل خاص والتي سوّقتها لدى المؤتمرين؟
– ليس هناك من مواضيع خاصّة سعت تونس الى تسويقها. نحن في قمم مماثلة نشدّد على العمل العربي المشترك لدعم البعدين التنموي والاقتصادي وايضا موضوع التنمية المستدامة المشترك بين العرب اجمعين، باعتباره مسارا دوليا وليس عربيا فحسب.
*هل من جديد أسفرت عنه لقاءات وزير الخارجية مع المسؤولين اللبنانيين على صعيد الاتفاقيات المشتركة والتبادل الثنائي؟
–اودّ التذكير اولا بإيجاز بالعلاقات التاريخية بين بلدينا وبين شعبينا والتي تعود الى 3 آلاف سنة خلت. اما دبلوماسيا، فقد احتفلنا عام 2017 بمرور ستين عاما على بدء التبادل الدبلوماسي بين تونس ولبنان في العام 1957، وهي جزء بسيط من العلاقات التاريخية والحضارية بين بلدينا. منذ العام 1957، انطلق مسار التعاون بما فيه خير الشعبين عبر آليات نسعى الى تفعيلها.
شكّل اللقاء بين وزير خارجيتنا ووزير الخارجية اللبناني جبران باسيل فرصة للتباحث في الفرص المتاحة للتعاون، ومن بينها تفعيل اللجنة العليا المشتركة التي تأسست في العام 2001 والتي لم تجتمع بعد، وتشجيع الزيارات المتبادلة وتوقيع عدد من الاتفاقيات الجاهزة في المجالات السياحية والتربوية والصناعية والاعلامية.
*لماذا لم تجتمع اللجنة العليا المشتركة منذ العام 2001؟
– لأسباب يطول شرحها تخص الاوضاع في البلدين، ومن المتوقع ان تجتمع في النصف الاول من هذه السنة برئاسة رئيسي الوزراء في البلدين. نسعى الآن الى تفعيل هذه اللجنة بعد دعوة وجهها رئيس الحكومة التونسي يوسف الشاهد الى نظيره اللبناني سعد الحريري لزيارة تونس، وستكون هذه الزيارة مناسبة لعقد الدورة الاولى للجنة المشتركة، ومناسبة للتوقيع على الاتفاقيات التي ذكرتها.
*ماذا على العلاقات الثقافية والسياحية مع لبنان؟
-هناك تبادل ثقافي قوي جدّا بين تونس ولبنان على مستوى المبادرات الخاصة اولا، بالاضافة الى التبادل الفنّي. كان لبنان عام 2017 ضيف شرف في معرض الكتاب الدّولي في تونس، وننتظر ان يكون لبنان هذه السنة ضيف شرف على الدّورة القادمة في مهرجان قرطاج السينمائي. وهنالك مشاريع تعاون عدّة في المجالات الثقافية وخصوصا لجهة تنظيم ايام سينمائية في لبنان قريبا. تجاريا، هنالك فرص حقيقية لكن المنجز منها يبقى دون المأمول، لذا نسعى الى تعزيز هذا التعاون بربط الشراكات وبالتعاون بين السفارتين في البلدين. سياحيا هنالك تطور مطرد ومستمر في عدد السيّاح في الجهتين بفضل شركة الخطوط الجوية التونسية في لبنان والتي تؤمّن ثلاث رحلات اسبوعيا تصبح 4 صيفا وبفضل مكاتب السفر الموجودة بين البلدين ونسعى لأن يكون التبادل السياحي اكبر.
*تنعقد القمّة العربية في تونس في 31 آذار المقبل، ماذا عن التحضيرات الجارية وماذا تتوسّم تونس من هذه القمّة؟
-هي القمة العربية الثانية التي تستضيفها تونس بعد قمّة 2004. يندرج استقبال تونس لهذه القمّة في سياق عودتها الى اشعاعها الدبلوماسي وحضورها على المستويين الاقليمي والدّولي. انطلقت هذه العودة منذ عام 2014، اثر وصول الحكومة الحالية، وقد آلت وزارة الخارجية التونسية على نفسها اعادة مرتكزات السياسة الخارجية التونسية. تنتمي تونس الى فضاءات متعدّدة: العربي والافريقي والمتوسّطي. لقد سعينا الى تفعيل هذه الانتماءات الثلاثة وتعزيز حضورنا فيها، وكانت النتيجة اعترافا دوليا بعودة بلدنا الى اشعاعه الدولي.
لذلك سيكون عضوا غير دائم في مجلس الأمن الدولي على مدى عامي 2020 و2022، وسيكون لها دور في الدفاع عن قضايا السّلم والامن من منطلق سياستنا الخارجية التونسية. علما أنه سيكون بطبيعة الحال صوتا للعرب ودول المنطقة في الدفاع عن قضاياها لا سيّما القضية الفلسطينية حيث موقفنا ثابت. اضافة الى هذا الحضور في مجلس الامن، تحتضن تونس عام 2020 القمّة الفرنكوفونيّة وهو اشعاع إضافي لها في مجالها الفرنكوفوني. وستكون القمّة العربية تأكيدا على حضورها في فضائها العربي المشترك، وهذا الخيار هو عنوان ثقة من الاخوة العرب بتونس باعتبارها دولة جامعة لكلّ العرب.
*تشخص الانظار الى القمّة العربية في تونس التي ستكون استراتيجية في ظل طرح ملفات متفجرّة ابرزها الملفّ السوري، وامكانية عودة سوريا الى مقعدها في جامعة الدّول العربية، ما هو موقف تونس حيال هذا الموضوع؟
-يعلم الجميع ان هذا الموضوع مطروح على الساحتين السياسية والاعلاميّة، وهنالك اهتمام عالي المستوى به في اللقاءات والنقاشات. موقف تونس واضح من هذه المسألة، اذ تعتبرها قضية مركزية، وتؤمن بضرورة النظر في هذا الموضوع وايجاد مخرج له في اطار العمل العربي المشترك، وضرورة التوافق لايجاد مخرج او صيغة لتجاوز هذا الاشكال المتعلق بعودة سوريا الى الحاضنة العربية. لا يمكن ان يكون هذا الموضوع مدعاة لتفرقة اخرى او الى تجاذبات، بل ينبعي ان يكون موضع حوار بين الدول العربية لايجاد صيغة توافقية بينها.
*هل ستعيد تونس تفعيل عمل سفارتها في دمشق؟
-لدينا في دمشق قنصلية وفيها قنصل يقوم بأعماله. بالنسبة الى السفارة،نحن نؤمن بضرورة معالجة هذا الموضوع جماعيا على المستوى العربي. وفي اعتقادنا ان هذا الامر لم يتم حسمه عربيا بعد. لذا سيكون موضوعا للحوار في اطار جامعة الدول العربية.
*ما هي ابرز الملفات المطروحة على قمّة تونس؟
-هنالك العديد من الملفات التي ستطرح وفي طليعتها القضية الفلسطينية، وهي قضية مركزية بالنسبة الى العالم العربي.
*تونس جارة الجزائر وليبيا، وهي معنية بمحاربة الإرهاب وتهتم بالقضية الفلسطينية كيف تتعامل تونس مع كل هذه التشعبات هي المنتمية الى فضاءات مختلفة؟
-بالتأكيد القضية الفلسطينية هي رئيسية، وتونس تدعم الشعب الفلسطيني لاسترداده حقوقه المشروعة وبناء دولته وعاصمتها القدس الشرقية. هذا موقف تونسي ثابت نكرره في المناسبات كلّها، واحد مرتكزات سياستنا الخارجية. وتونس يهمها الاستقرار في البلدان العربية كلّها، لكن للملف الليبي اهتمام خاص في تونس باعتبار ليبيا دولة مجاورة ونظرا للعلاقات التاريخية والاجتماعية والعائلية بين البلدين وللروابط الاقتصادية القويّة جدّا، ولا ننسى بأن الاستقرار في تونس مرتبط في جزء منه بالاستقرار في ليبيا على المستويين السياسي والامني وعودة الحياة الاقتصادية الى سابق عهدها. لذلك تحضر تونس كل الاجتماعات المتعلقة بليبيا ومنها اجتماعات دول الجوار، وفي لقاء باريس اخيرا الذي طرح الازمة الليبية، هنالك مبادرة تونسية متواصلة تمّ طرحها مع الإخوة في الجزائر ومصر، تقول بضرورة ان يكون الحلّ داخليا بين المكوّنات السياسية الليبية، وضرورة الحفاظ على وحدة ليبيا وان تكون مصلحة ليبيا فوق اي اعتبار. وقد أطلق المبادرة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ووجدت اصداء إيجابية في محافل دولية عدّة ونحن حريصون على تفعيلها.
*هل تقترب تونس اكثر فأكثر من سياسة المحاور العربية؟
-لا ندخل في اية محاور، من ثوابت السياسة الخارجية التونسية الدفاع عن الشرعية الدولية وعدم التدخّل في شؤون الدّول وعدم السماح للدول الاخرى بالتدخّل في شؤوننا. لذلك تحرص تونس على ان تكون علاقاتها متمايزة مع الدّول العربية جميعها، وهذا من ثوابت سياستها الخارجية منذ الاستقلال لغاية اليوم.
*كيف تأثرت تونس بالارهاب في ضوء ما يجري في سوريا وليبيا، وهل من تعاون مع لبنان وخصوصا إثر مشاركة تونس في مؤتمر الامن العام عن الارهاب المتسلّل الى افريقيا؟
-استغل هذه الفرصة لتوجيه التحية للاجهزة الامنية اللبنانية للجهود التي تقوم بها وللنجاحات التي حققتها على المستوى اللبناني. بالتأكيد ان ثمّة تعاونا بين تونس ولبنان ومع الامن العام اللبناني تحديدا في المجال الامني وهو مستمر، ونحن نثمّن هذا التعاون ونسعى الى تفعيله اكثر. بالنسبة الى موضوع الارهاب فقد عاشت تونس فترة صعبة لا سيما بين عامي 2011 و2012 حيث سجّلت اعتداءات عدّة. لكن الاستقرار الامني عاد منذ العام 2015 وتمّ ضبط الامن والحدود مع ليبيا، اذ تسلل منها العديد من العناصر وقاموا بعمليات ارهابية في تونس. تمت استعادة المؤسسة الامنية عافيتها وتفعيل التعاون الامني، وقد حققنا خطوة مهمّة جدّا في اتّجاه تثبيت الاستقرار الامني الذي كانت له تداعيات ايجابية على مستوى الاقتصاد وعودة الحركة السياحية.
أشير هنا الى اهمية حصول تعاون دولي على مستوى مكافحة الارهاب لأن هذه الظاهرة لا تتعلّق بدولة معيّنة، لكنّها تضرب الدول كلّها، لذلك فإن تونس حريصة جدّا على التعاون مع جميع الاشقاء والاصدقاء في هذا المجال.
*كيف تتعاونون تونس مع الفضاء الافريقي وخصوصا مع افريقيا السوداء؟
– افريقيا هي احد الفضاءات التي ينتمي إليها بلدنا كما سبق وقلت. وقد وضعت تونس خطة لتعزيز حضورها وتعاونها مع افريقيا على مستويات عدّة بدأتها بفتح سفارات جديدة في بلدان افريقية، منها في كينيا وبوركينا فاسو الى سفارات اخرى ستفتح لاحقا لتعزيز حضورنا الدّبوماسي، بالاضافة الى فتح مكاتب تجاريّة في 5 دول افريقية منذ قرابة السنة. وهنالك توجّه الى تعزيز الحضور الدبلوماسي والانتشار التجاري مع هذه البلدان لايماننا بأن إفريقيا تظلّ فضاء ننتمي اليه، وبوجود فرص حقيقة للتعاون. واشير في هذا السياق الى وجود فرص للتعاون مع لبنان ايضا باعتبار أن للبنان حضور قويّ جدّا عبر مغتربيه في افريقيا، وكذلك له علاقات متطورة جدّا مع افريقيا، لقد طرحنا ونطرح صياغة رؤية للتعاون الثلاثي بين تونس ولبنان والدول الافريقية، وهذا ما ستتناوله ايضا اجتماعات اللجنة العليا المشتركة اللبنانية التونسية لاحقا.
*قد تكون تونس هي الدّولة العربية الوحيدة التي أثمر فيها ما اسمي بـ”الربيع العربي” ثمارا ديموقراطية، ما سرّ ذلك؟
-هنالك خصوصية تونسية في هذا الاطار. الثورة التي حصلت في تونس عام 2011 اعادت احياء نفس اصلاحي متواجد في تونس منذ القرن الثامن عشر، وهي وجدت مجتمعا متناسقا ومنسجما وامرأة تونسيّة تقوم بدرو فعّال جدّا، وهي اسهمت بدور كبير في نجاح هذه التجربة، ووجدت طبقة سياسية تتميز ببعد النّظر وبوضوح الرؤيا ومؤمنة بالخيار الديموقراطي، ووجدت مجتمعا مدنيا قويا ومتحرّرا يعي متطلّبات المرحلة، وكانت كلمتا السّر التوافق والحوار، ولذلك نعتبر بأننا في المسار الصحيح. لا نقول بأننا نجحنا مئة في المئة لكنّنا حققنا انجازات كبرى منها اصدار دستور جديد يعدّ من افضل الدساتير في العالم بشهادة المختصين، وأجرينا انتخابات حرّة ونزيهة وقمنا بتدعيم المكتسبات على مستوى الحرّيات بتركيز مؤسسات دستورية مستقلّة، كل ذلك مسار متواصل، وتثبيت هذه التجربة هو خيار استراتيجي لا رجوع عنه.
واذكر بأن 4 مكونات من المجتمع المدني التونسي التي اسهمت في المسار الديموقراطي والحوار السياسي حازت عام 2018 على جائزة نوبل للسلام، وشكّل ذلك اعترافا دوليا بتجربة تونس المميّزة.