“مصدر دبلوماسي”
بات مصير الحكومة اللبنانية معلّقا لا محالة على مصير الصراع الأميركي الروسي في المنطقة. هذا ما أثبتته زيارة وكيل وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل لبيروت والتي استمرت 3 أيام أوصل فيها رسائل رئيسه دونالد ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو وملخصها :حكومة من نوعية محددة “تقصص” أجنحة “حزب الله”، التهديد ثم الوعيد بعقوبات على لبنان في حال عدم الإلتزام بحصار “حزب الله”، وترهيب في موضوع المساعدات للبنان إن “اشتمّ” الكونغرس رائحة تعاون مع “حزب الله”. ولم يكد هيل “يطير” من لبنان حتى “غطّ” وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي “تذكّر” الإتصال بوزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل فجأة. هكذا وزّع المكتب الإعلامي لـ”قصر بسترس” البيان الآتي:
“تلقى وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل اتصالا مطولا من نظيره الروسي سيرغي لافروف، تم البحث فيه بموضوع الأمن والأمان في لبنان وأهمية المحافظة على الاستقرار من دون ربطه بمشاكل المنطقة خاصة لجهة تأليف الحكومة، كما تباحثا بملف الأزمة السورية وضرورة السير بالحل السياسي وأهمية إنشاء لجنة وضع الدستور، وعدم ربط عودة النازحين السوريين إلى سوريا بأي أمر آخر خاصة في ظل التقارير التي ترد عن محاولات لثني النازحين عن العودة، رغم توفر ظروف العودة للكثيرين منهم، ووعده بإستمرار دعم روسيا لتسهيل العودة مع جميع الجهات المعنية.
كذلك تم البحث بإعادة اعمار سوريا والدور المهم الذي يمكن أن يقوم به لبنان.
وتم التطرق أيضا الى العلاقات الثنائية بين البلدين خاصة التعاون الاقتصادي بينهما وموضوع الحريات الدينية ، وتم الاتفاق على وجوب متابعة هذه الأمور ووضع الأطر التنفيذية اللازمة لها”.
السفارة الإيرانية في بيروت
كذلك أثارت زيارة هيل حفيظة الإيرانيين فصدر عن السفارة الإيرانية في بيروت البيان الآتي:
“في إطار الزيارات الإستفزازية والتحريضية التي قام بها مؤخراً عدد من المسؤولين الأميركيين في بعض الدول والتي تتقاطع مع مستجدات إقليمية أظهرت أكثر من أي وقت مضى إنتكاسة سياسات الإدارة الأميركية وفشلها وخيباتها المتكررة، أطلق وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل سلسلة من المواقف، والتي لا تندرج إلا في إطار التدخل السافر في شؤون الغير وإملاء القرارات، وبما أن الزائر تناول في تصريحاته المستفزة الجمهورية الإسلامية الإيرانية نود بأن نؤكد على ما يلي:
ان الإستراتيجية الأميركية وخاصة في ظل هذه الإدارة المتعجرفة والمتخبطة والناهبة لثروات شعوب المنطقة والخارجة عن القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية والمبنية على التهويل والترويع والتهديد والتدخل في شؤون الدول، تسعى لتغيير مسار سياسات مصالح الدول حسب مزاجها ومصالحها الإقليمية والعالمية، ولتكريس الإحتلال الإسرائيلي على حساب حقوق الشعب الفلسطيني والمسلمين والمسيحيين في القدس الشريف. وتقوم هذه الإستراتيجية على اختلاق الحروب وإيجاد الفتن بين الدول ومكونات الشعب الواحد.
ويبدو أن المبعوث الأميركي يتجاهل أن بلده كان الحاضن الأكبر والداعم الأساسي للحركات المتطرفة الإرهابية ومنها “داعش” التي أحرقت الأخضر واليابس بدعم مالي ولوجستي إقليمي وأميركي سعياً منها للقضاء على محور المقاومة في المنطقة وتحقيق مآرب البيت الأبيض وربيبته الصهيونية، ولولا حكمة وتدبير وصمود وتضحيات المتحالفين وعلى رأسهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية في وجه أميركا ومن لفّ لفّها لكانت العديد من دول المنطقة تعيش اليوم تحت رحمة الإرهابيين والتكفيريين والفوضى العارمة والدم والدمار المعمم، وعلى الرغم من هزيمة المشروع الأميركي والمتحالفين معه إلا أن أميركا تبحث عمّا يعوض عن هزائمها تحت مسميات جديدة.
وفيما خصّ وجودنا الإستشاري العسكري في سوريا، فهو لا يحتاج إلى إذن من أحد لأنه جاء أساساً بطلب من الحكومة السورية الشرعية، وبتنسيق وتعاون كامل بين البلدين.
وكون المبعوث الأميركي عمل سابقاً في لبنان، لا بد وأنه يعلم جيداً كيف وقفت الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى جانب لبنان، حكومة وشعباً، في مسعاه لتحرير أراضيه عندما كانت ترزح أجزاء كبيرة منها تحت نير الإحتلال الإسرائيلي، في الوقت الذي كانت (تقف) أميركا متفرجة، وداعمة للكيان الصهيوني، فالحرص على الحفاظ على سيادة لبنان واستقلاله وعزّته وكرامته لا يكون من خلال التغاضي عن التهديدات الإسرائيلية المتكرّرة للبنان أرضاً وسماءً ومياهاً والسكوت عن الإنتهاكات التي يرتكبها هذا الكيان بصورة يومية تحت أنظار الإدارات الأميركية المتعاقبة التي كانت ولازالت تقدّم الدعم المطلق والسخي والأعمى لهذا الكيان.
إن لبنان كما نراه أصبح اليوم بفضل قيادته الحكيمة وحكومته وشعبه وجيشه ومقاومته المسؤولة، رقماً صعباً في المعادلات الإقليمية بحيث أصبح حصيناً وعصياً على إملاءات الآخرين وأعدائه، فلا يسمح لأي طرف كان بأن يملي عليه القرارات الخاطئة.
إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية وفي إطار العلاقات الثنائية مع الحكومة اللبنانية والتواصل معها والتعاون المشروع مع كافة الأحزاب والتيارات السياسية والإجتماعية، تواصل دورها البناء في المساعدة على تكريس الإستقرار والأمن في لبنان وإزدهار ورقي هذا البلد الشقيق، وتستمر في العمل في إطار العلاقات الثنائية والإقليمية لترجمة هذا الواقع. كما أن الجمهورية الإسلامية لن تدّخر جهداً لأي تعاون مع الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني الباسل والمقاومة المفتخرة.