“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
يعيد موقع “مصدر دبلوماسي” نشر هذا التقرير الذي نشرته مجلة “الأمن العام” في عددها الرقم 64 لكانون الثاني الجاري. لتصفّح المزيد من مواضيع المجلة الضغط على الرابط الآتي:
http://www.general-security.gov.lb/ar/magazines
لم يخرج لبنان في سنة 2018 من دوّامة الصراع الاقليمي المستعر في ساحات عدّة ابرزها سوريا واليمن وذلك بفعل تأثره بارتدادات الحروب الدائرة بين دول تؤثر فيه مباشرة او بالواسطة.
شهدت بدايات السنة الفائتة زخما قويا بالاهتمام بلبنان، لكنه في المقابل واجه ضغوطا قوية استمرت حتى نهايتها، خصوصا في ما يتعلق بمحاولات دولية لتوسيع صلاحيات “اليونيفيل” ولدمج النازحين السوريين عبر اساليب عدّة، فضلا عن استمرار الكباش الصامت مع الدول الخليجية، ولعلّ ملفّ الاغتراب شكّل النقطة المضيئة الوحيدة في هذه الاجواء الضاغطة المرشحة للاشتداد بحسب المراقبين.
4 مؤتمرات اساسية في 2018
بلغ اهتمام المجتمع الدولي حدّا غير مسبوق بلبنان في 2018 لناحية المؤتمرات الدولية التي تظللت بشكل خاص بمظلة رئاسة الحكومة اللبنانية وتحديدا الرئيس سعد الحريري في رسالة دولية مباشرة للبنان بدعم الحريري الابن في قيادة الاصلاحات الاقتصادية بعد محنة نهاية عام 2017 التي مرّ بها اثر ازمة الاستقالة من الرياض. كنتيجة لانعقاد مؤتمر المجموعة الدولية من اجل لبنان باريس في كانون الاول 2017، تقرر عقد 3 مؤتمرات في 2018: مؤتمر روما (2) في 28 شباط الفائت الذي خصص للدول المانحة والمنظمات الدولية التي تهتم بكل ما يتعلق بالجيش اللبناني وبالاجهزة الامنية اللبنانية وهو الاجتماع الثاني بعد “روما 1” الذي انعقد في حزيران عام 2014 وادى الى برنامج جديد للتعاون بين الجيش والاجهزة الامنية اللبنانية وخصوصا لناحية التدريب وتبادل الخبرات. في نيسان انعقد في باريس مؤتمر “سيدر” حيث عرض رئيس الحكومة سعد الحريري رؤية حكومته السابقة للاستقرار والنمو وخلق فرص عمل لقيت ترحيبا من جميع المشاركين.
في 10 حزيران 2018، انعقد مؤتمر “دعم مستقبل سوريا والمنطقة” في بروكسيل، وهو ما عرف بمؤتمر “بروكسيل 2″وقد استضافه الاتحاد الاوروبي برئاسة مشتركة مع الامم المتّحدة، وعلى غرار المؤتمرات السابقة في الكويت ولندن جدد المؤتمر التزامه بالدعم السياسي والانساني والمادي للشعب السوري من جهة ولبلدان الجوار وللمجتمعات الاشد تأثرا بالصراع.
وفي 12 كانون الاول الفائت انعقد في لندن “منتدى رجال الاعمال والاستثمار اللبناني البريطاني” وكان كلام بريطاني مهم لوزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الاوسط وشمال افريقيا الستير بيرت اعلن فيه بأن بريطانيا رفعت الحظر عن زيارة مواطنيها لاماكن عدة في لبنان وقد اصبح بامكانهم جميعا زيارة بعلبك والاطلاع على معالمها الاثرية وشدد على ان فرص الاستثمار المتوافرة في لبنان كثيرة ومتعددة وتشمل مجالات متنوعة ما يشجع المستثمرين والقطاع الخاص البريطانيين على الافادة من الفرص المتاحة امامهم والمشاركة في تنفيذ مؤتمر “سيدر” التي توجب على لبنان الشروع بالقيام بإصلاحات ضرورية مطلوبة.
العودة الطوعية تحصل وسط محاولات دمج لا تهدأ
اختتم العام بموافقة لبنان على “الميثاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة للجوء” الذي اقرته الجمعية العامة للامم المتحدة في 19 كانون الاول الفائت. تصنّف هذه الوثيقة في خانة الاعلان وهي ليست معاهدة او اتفاقا وهي تنظم الهجرة الشرعية وتقف حائلا أمام الهجرة غير الشرعية وتندرج –بحسب مناخ وزارة الخارجية اللبنانية- في اطار حماية الأطفال والنساء مما يعرف بالإتجار بالبشر وهي تختلف تماما عن مفهوم اللجوء ومقتضياته الواردة في اتفاقية 1951. لكن لهذه الوثيقة الجديدة محاذير جمّة بحسب المتابعين، اذ تطمح الى استجابة المجتمع الدولي لازمة اللجوء. وثمة تساؤلات حول بعض موادها ومنها المادّة 16 التي تتحدث عن “تقاسم المسؤولية”.
شهد عام 2018 خضات عدّة في ملف النزوح بين الدبلوماسية اللبنانية والسياسات الدولية.
في نيسان 2018، كشف وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل انه “يدرس اجراءات جدية لملاحقة بعض المنظمات الدولية العاملة في لبنان”. وقال باسيل انه يتابع مسألة البيان الختامي الذي صدر عن مؤتمر “دعم مستقبل سوريا والمنطقة” في بروكسيل مع رئيس الحكومة سعد الحريري بشكل جّدي.
قد ظهرت النوايا المبيتة لدى المجتمع الدولي من خلال البيان الذي اصدرته مفوضية شؤون اللاجئين اثناء عودة قرابة الـ500 نازح سوري من بلدة شبعا الحدودية الى بيت جن في سوريا. وقام وزير الخارجية على اثر ذلك بزيارة ميدانية الى مخيمات لجوء في عرسال حيث استقبل بالترحاب، وبعدها مباشرة سافر في 15 حزيران الى جنيف حيث اجتمع مع المفوض السامي للامم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي. شكّل اللقاء خطوة متقدّمة في العلاقة بين لبنان والمفوضية، وازال التباسات عدّة والاهم انه اوجد نقطة تقاطع مشتركة بين الطرفين تمثلت في تبنّي غراندي لفكرة باسيل بضرورة التدقيق والمراجعة لفئات للنازحين الموجودين في لبنان. في 22 حزيران اعلنت وزارة الخارجية والمغتربين انها تلقّت كتابا من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان تضمن جملة امور منها انها مستعدة لعقد سلسلة اجتماعات مع وزارة الخارجية ومع الوزارات والادارات والهيئات المعنية للتشاور بموضوع النازحين وعودتهم الى سوريا، كما انها وافقت على اقتراح وزير الخارجية والمغتربين القاضي بتقسيم النازحين لفئات تمهيدا لتنظيم عودتهم، واكدت على عملها الدائم داخل سوريا لازالة العوائق امام العودة الكريمة والآمنة، وشدّدت على انها ليست بوارد تشجيع العودة الآن ولكنها لن تقف بوجه من يريد العودة الطوعية افرادا او جماعات، كما انها وافقت على مشاركة وزارة الخارجية والمغتربين بداتا المعلومات التي بحوزتها. في 26 تموز الفائت، اطلقت المبادرة الروسية لاعادة النازحين السوريين الى ديارهم صفارة العودة الجدّية للمرة الاولى منذ اندلاع الحرب السورية عام 2011 وتدفّق النازحين السوريين الى لبنان بأعداد هائلة وصلت الى ما يقارب المليون ونصف المليون سوري.
سرّعت المبادرة الروسية التي انبثقت بشكل فجائي بعد اجتماع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والاميركي دونالد ترامب في هلسنكي قطار العودة الطوعيّة من لبنان والاردن وتركيا التي زارتها وفود روسية مختلفة حطّ أحدها في لبنان برئاسة الموفد الرئاسي الروسي الكسندر لافرنتيف الذي تمكّن من توحيد الصّف اللبناني حيال هذا الملف الانساني والسياسي في آن، اقلّه في الصورة التي جمعت في قصر بعبدا الرؤساء الثلاثة العماد ميشال عون والرئيس نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري. وتم تكليف الامن العام اللبناني ومديره اللواء عباس ابراهيم بتنظيم هذه العودة الطوعية، وفي 28 تموز الفائت اكد اللواء ابراهيم اثناء توجهه بشكل فجائي الى شبعا للاشراف على عودة 722 نازحا سوريا بأن ” الفترة المقبلة ستشهد عودة مئات آلاف النازحين من لبنان الى ديارهم بالتنسيق بيننا وبين المبادرة الروسية”. ودعا اللواء ابراهيم النازحين الى “التوجه بكثافة الى مراكز “الامن العام “في المناطق اللبنانية كافّة لتسجيل اسمائهم. قائلا:” من جهتنا نسعى دائما لتسهيل عودة آمنة للجميع كما نعمل على حلّ اية اشكالات تواجههم مع السلطات السورية حتى يعود هؤلاء بكل راحة وطمأنينة”. في 21 آب الفائت، زار وزير الخارجية جبران باسيل موسكو حيث التقى نظيره الروسي سيرغي لافروف واعلنا مجموعة نقاط تتعلق بملف النزوح السوري الذي حاولت الدبلوماسية اللبنانية جاهدة سحبه تدريجيا من التدويل وعدم انتظار حل سياسي شامل في سوريا.
قدّم لافروف في الاجتماع الذي دام 3 ساعات مجموعة آراء تتوافق كليا مع الموقف الرسمي اللبناني الذي يدعو الى عودة آمنة وطوعية وتدريجية ومستدامة وعدم ربطها بالحلّ السياسي. وفي 30 آب زار المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي لبنان والتقى كبار المسؤولين اللبنانيين الذين يتعاطون بمسألة عودة النازحين السوريين، وكانت المبادرة الروسية طبقا رئيسيا على موائد النقاش.
“اليونيفيل” في عين العاصفة في بداية السنة وفي نهايتها
مدّد مجلس الامن الدولي في 30 آب الفائت سنة اضافية لقوات الطوارئ العاملة في جنوب لبنان في اجتماع انعقد في نيويورك، وذلك عبر القرار R.2433
ومن الجدير تسجيله انه في 4 تشرين الثاني الفائت وصل 120 جنديا لحفظ السلام من جمهورية كازاخستان الى جنوب لبنان لينضمّوا الى قوات “اليونيفيل” للعمل على تعزيز السلام، وقد بلغ عديد البعثة الدولية بعد وصول الجنود 10600 من 42 دولة. الا ان اسرائيل والولايات المتحدة الأميركية ومعهما بريطانيا حاولت في نهاية العام اعادة التصويب على توسيع صلاحيات “اليونيفيل” عبر جلسات مغلقة وعلنية شهدها مجلس الامن الدولي، في محاولة تحاكي محاولة عام 2016 التي باءت بالفشل.
ولعلّ من ابرز الضغوط التي شهدها عام 2018، كان خطاب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو اثناء انعقاد الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك، حيث صوّب على لبنان متهما “حزب الله” وايران بانشاء مصانع للاسلحة قريبة من مطار رفيق الحريري الدولي. وهذا ما حدا بوزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في 1 تشرين الاول الفائت الى القيام بخطوة دبلوماسية غير مسبوقة
بدعوته 73 سفيرا وقائما بالاعمال وممثلا لمنظمة دولية الى جولة على 3 مواقع ذكرها نتنياهو في خطابه امام الجمعية العامة في نيويورك في دورتها الـ73.
المغتربون شاركوا في الإنتخابات للمرة الاولى عام 2018
لعبت وزارة الخارجية والمغتربين دورا مهمّا جدّا في اقامة جسر بين المغتربين اللبنانيين المنتشرين في انحاء العالم وبين لبنان، فعدا عن مشاركة المغتربين اللبنانيين للمرة الاولى منذ الاستقلال بالانتخابات النيابية التي جرت في ايار الفائت، فقد نظمت الوزارة مؤتمرات عدّة للطاقة الاغترابية في الخارج وتحديدا في سيدني ومونتريال وابيدجان وباريس ولبنان، ومن المنتظر ان ينعقد مؤتمر الطاقة الإغترابية الجديد في لبنان في حزيران 2019. ينظم مؤتمر الطاقة الاغترابية كل 5 أعوام وهو وضع الدبلوماسية الاغترابية على رأس قائمة الاولويات الوطنية وشجع الاهتمام بالاغتراب ككل مع التركيز على شخصيات لبنانية عالمية كانت قد انقطعت اواصرها بلبنان نهائيا ما أدى الى اعادة التواصل بينها وبين لبنان وأدى ايضا الى اقامة تواصل وتعاون بين قطاعات لبنانية محلية مختلفة ومثيلاتها في الاغتراب وحصلت مشاريع عمل بين رجال اعمال وتبادل خبرات في مختلف المجالات. وقد رفع وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل شعارا للمغتربين يقول: لا نريد منكم شيئا سوى زيارة لبنان مرّة في السنة.
تأرجح العلاقة مع الدول الخليجية
لم تتحسّن العلاقة اللبنانية الخليجية وتحديدا مع المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة اللتان ابقيتا على حظر سفر مواطنيهما الى لبنان، لكنّ بصيص نور دبلوماسيا ظهر من خلال تعيين العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز القائم بالاعمال وليد البخاري سفيرا اصيلا في لبنان ما اعتبره المراقبون مبادرة ايجابية تجاه لبنان. وشهدت روزنامة 2018 استحقاقات عدّة، ابرزها تصنيف المملكة العربية السعودية وحلفائها الخليجيين في “مركز استهداف تمويل الارهاب” قيادات من “حزب الله” بينهم 5 تابعين لـ”مجلس شورى الحزب على قائمة الارهاب وذلك في 16 ايار 2018.
ونشبت أزمة دبلوماسية مع اليمن ايضا، على خلفية التوتر مع الدول الخليجية، بحيث بعث وزير الخارجية اليمني خالد اليماني رسالة احتجاج الى نظيره جبران باسيل شاكيا تدخلات “حزب الله” في اليمن وعمّم الرسالة على اعضاء مجلس الامن الدولي وذلك في 10 تموز الفائت.
ورّدت وزارة الخارجية اللبنانية على رسالة الاحتجاج التي قدمها اليماني، واكد وزير الخارجية جبران باسيل بأن “موقف حكومة بلاده من الازمة اليمنية لا يتطابق بالضرورة مع مواقف جميع القوى السياسية في لبنان وان بلاده تنأى عن النزاعات والحروب وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، بما يتوافق مع مصلحة لبنان”.