“مصدر دبلوماسي”
عقدت جامعة الروح القدس-الكسليك أمس الأول المؤتمر الوطني بعنوان “لبنان والنزوح السوري إدارة الأزمة والعودة نحو سياسة عامة وطنية”، والذي تضمّن مقاربة شاملة لمختلف المستويات السياسية والدينية والأكاديمية والإعلامية للنزوح السوري والعودة، ويأتي تتويجاً للمبادرة الحوارية التي اطلقتها الجامعة على مدار عام كامل.
حضر المؤتمر وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي، النائب علي فياض، البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، ممثلًا بالنائب البطريركي العام المطران رفيق الورشا، النائبان السابقان مصطفى علّوش وإيلي كيروز، سفيرة سويسرا في لبنان السيدة مونيكا شموتز كيرغوز، ممثّلة المفوّضيّة العليا لشؤون اللاجئين في لبنان ميراي جيرار، ممثل وزير الدفاع العميد مروان فاضل، ممثلة وزير الدولة لحقوق الانسان المحامية إليزابيت سيوفي، أمين عام مؤسسة العرفان التوحيدية، وعضو المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز، الشيخ سامي أبي المنى، ممثلا دار الفتوى الإسلامية الشيخ حسن المرعب، والشيخ منير ملحم عن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ورئيس جامعة الروح القدس الكسليك الأب البروفسور جورج حبيقة، وجمع من الفاعليات السياسية والدبلوماسية، وممثلين عن الأحزاب والجمعيات الأهلية ووسائل الإعلام.
ممثّلة المفوّضيّة العليا لشؤون اللاجئين
إفتتح المؤتمر بكلمة ممثّلة المفوّضيّة العليا لشؤون اللاجئين ميراي جيرار، تطرّقت فيها إلى خريطة الطريق المعتمدة من اطار الميثاق العالمي للاجئين، مذكّرةً بضرورة التزام المجتمع الدولي تقديم الدعم اللازم للبلدان المضيفة. كما لفتت جيرار الى دور الدولة والسلطات المحليّة كالبلديات والمؤسسّات الروحية والأكاديميّة والإعلام والمجتمع المدني في إدارة هذه الأزمة والتقليل من تداعياتها.
جيرار قدّمت شرحًا لأسباب الأزمة والعمل المتواصل على الحلول السّريعة اللازمة، وكشفت أن نحو 80 في المئة من النازحين أعربوا عن رغبتهم بالعودة، إلا أنّهم يخافون ويترددون لأسباب عدة أولها الخدمة العسكرية الإجبارية والقانون رقم 10 الذي يهدد اللاجئين بخسارة أملاكهم.
ولفتت جيرار إلى حصول ” 4 اجتماعات في جامعة الروح القدس وضع فيها المشاركون أفكارا جديدة وتبادلوا خبراتهم بغية التوصل إلى طريقة فضلى لإدارة أزمة اللاجئين. ولكن يبقى الحل الأفضل هو أن يتمتع اللاجئون بحق العودة إلى وطنهم بسلامة وكرامة“.
كما نوهت “بالممارسات الجيدة التي اعتُمدت في لبنان والتي تصلح ليُعاد تطبيقها في أزمات أخرى في بلدان أخرى، ومنها: سياسة عدم إقامة المخيمات للاجئين السوريين؛ تأمين خدمات وطنية عامة، وتعزيز المؤسسات المعنية وضمان الجودة والتنسيق من قبل الدولة؛ العمل المبذول على مستوى التوثيق المدني لاسيما لجهة تسجيل البيانات الشخصية للاجئين مثل الزواج والوفاة والولادات ، رفض لبنان مبدأ العودة القسرية واعتماده مبدأ حماية اللاجئين على أراضيه”.
السفيرة السويسرية
من جهتها، كشفت السفيرة مونيكا شموتز كيرغوز إلى أنّ ” السفارة السويسرية عملت منذ آب 2017 مع مختلف الأحزاب السياسية والشخصيات الدينية والخبراء الأكاديميين والصحافيين للبحث في قدرة لبنان على إدارة وجود اللاجئين السوريين في لبنان. وعملت سويسرا على توفير مساحة حوار بين مختلف الجهات الفاعلة. وقد تم عقد سلسلة من اللقاءات والمشاورات في حرم جامعة الروح القدس أدت إلى وضع هذه المسودة وذلك في جو إيجابي عمل خلاله المشاركون على إيجاد أرضية مشتركة لمواضيع عدة”.
وأشادت كيرغوز بقدرة لبنان على إدارة أزمة النازحين على أرضه، وأكّدت على ضرورة ان تبقى المبادرات لبنانيّة. وكشفت انّ الدولة السويسرية دعمت لبنان بنحو 130 مليون دولار كمساعدات في ملفّ النّازحين شملت الحاجات الأساسية كالتعليم والسكن والطبابة، ووعدت بمواصلة التنسيق مع الجهات المعنيّة لتزويدها بالمعطيات اللازمة، والتطلعات لحلّ الأزمة وتسهيل العودة الطوعية والآمنة.
وزير الدولة لشؤون النازحين
بدوره، شدد الوزير معين المرعبي في كلمته على “أننا بأمسّ الحاجة الى الاتفاق على سياسة عامة وطنية جامعة، توازن بين احترام حقوق الإنسان واحترام سيادة لبنان، ونحن في حاجة ماسة الى ديبلوماسية تعمل للعودة بالتعاون مع الأمم المتحدة، وعلى قاعدة الضغط على من يعرقلون العودة وليس التعمية عن الحقائق والوقائع الجلية”.
واضاف: “إنّ إدارة أزمة النزوح السوري تنطلق من ثابتة: إنّ عودة النازحين إلى سوريا حق مقدس، وبالتالي على الحكومة اللبنانية أن تعمل على هذه العودة برعاية أممية بشكل طوعي آمن و كريم، و ليس لعودة “صورية” تتباهى بالأرقام لحسابات معينة لا علاقة لها بجوهر هذا الحقّ. عودة مستدامة الى حيث الجذور والاصل، وليس عودة على اساس خطط التغيير الديمغرافي والمذهبي البغيض الذي يُعمل عليه، من خلال الرسوم الباهظة للحصول على البطاقات الشخصية ،أو من خلال اغتصاب ملكية الشعب السوري (كالقانون رقم 10) او بما يضرب وحدة سوريا وهويتها ونسيج مجتمعها التعددي”.
كما شدّد المرعبي على ضرورة “إبلاغ النظام السوري للمفوضيّة العليا للاجئين بأسماء المناطق التي أصبحت آمنة في سوريا للقيام بزياراتٍ ميدانيّة بغية التخطيط وضمان العودة الآمنة والكريمة للنازحين السوريين”.
رئيس الجامعة الأب حبيقة
ألقى رئيس جامعة الروح القدس- الكسليك الأب البروفسور جورج حبيقة كلمة تحدث فيها عن الاجتماع الذي انعقد منذ أسبوعين في الجامعة بين سلطات دينية وسياسية ووفد مؤسسات العمل الإجتماعي الكاثوليكية ROACO من الفاتيكان، للبحث في قضية اللاجئين السوريين في لبنان.
وأعرب عن تقديره العميق لسفيرة سويسرا في لبنان مونيكا شموتز كيرغوز، “على مبادرتها وحضورها شخصيًا إلى جامعتنا على رأس وفد سويسري رفيع، للبحث معًا في منصة محتملة لإطلاق مشروع يجمع مختلف المكوّنات الدينية والسياسية في لبنان لمعالجة هذه الكارثة التي تثقل كاهل لبنان، المتمثلة بوجود إخواننا النازحين السوريين المكسورين والمجروحين في أجسادهم وأرواحهم”، مؤكدًا أنه “لا عجب في أن تصدر هذه المبادرة من الاتحاد السويسري الذي عانى كثيراً على مر العصور والسنين من حروب داخلية وصراعات دينية ولغوية ومناطقية، ولكنه حرص على الحفاظ على الذاتيات المختلفة واللغات والمذاهب والذاكرة التاريخية الخاصة. فكان هذا الاتحاد السويسري أبهى تجسيد لتآلف الاختلاف. وفي التفتيش العنيد والدؤوب عن أنجع الأنظمة لإدارة تعقيدات هذا التنوع، توصل السويسريون في عام 1959 إلى استنباط ما استنسبوا أن يدعوه الصيغة السحرية، التي تعكس في الواقع نظام التوافق”.
كما شدد الأب حبيقة على أنه “لا يمكننا بناء سعادتنا على تعاسة الآخرين وإذلالهم وتحطيمهم، لأن الآخر المختلف هو طريقي إلى ذاتي وهو الذي يدخل في صياغة هويتي وعندما ألغيه أكون قد ألغيت قسمًا كبيرًا من ذاتي. إذاً، عندما أسعى إلى تهميش الآخر أو إلغائه، فأنا أدمر نفسي. وهكذا تكون سويسرا قد أعطتنا نموذجاً عظيماً في تحقيق الذات من خلال إدارة ذكية وفطنة للتعددية المناطقية واللغوية والدينية عبر هذه الصيغة السحرية. وإذا نظرنا إلى لبنان المتعدد والاتحاد السويسري لوجدناهما يتقاطعان بشكل مذهل ليس لناحية جمال الطبيعة والسرية المصرفية فحسب إنما لجهة إدارة التعددية أيضاً. وفي هذا الإطار، لم يضع البابا القديس يوحنا بولس الثاني لبنان على منصة المرجعية العالمية للدول المتعددة دينياً وثقافياً وحضارياً من دون سبب جوهري. لقد شكّل لبنان، منذ القرن السابع، حضناً فريدا للتعددية بين المسيحيين والمسلمين. هو بالفعل مختبر إنساني راقٍ للالتقاء والتبادل والعيش معاً ومواجهة الأزمات اليومية…”
ثم شكر الاتحاد السويسري لأنّه “حثّ مختلف المكونات الدينية والسياسية في لبنان على العمل مع فريق متخصص من جامعتنا”، معربًا عن سروره “بالتوصل إلى توافق وطني بما خص أزمة النازحين السوريين في لبنان. الأمر الذي عكس قدرة اللبنانيين على مقاربة الأمور الوطنية والإنسانية. وذلك لأننا عشنا في بلد مجروح، تعرّض لاحتلالات عدة على مرّ القرون والسنين، وعلى الرغم من كل ذلك، عرفنا دائماً كيف نولد من جديد من رمادنا مثل طائر الفينيق”.
وأضاف: “نحن نكنّ لإخواننا النازحين السوريين، وهم إخواننا في الإنسانية، كل المحبة والتعاطف والتفهّم والاحترام. ويقول أحد علماء الاجتماع الفرنسيين “الشعوبُ السعيدةُ لا تاريخ لها”، لماذا؟ لأنه عندما يكون الإنسان سعيدًا، يذوب في لحظات الهناء ولا يُدوِّن أيّ شيء. وهنا نتساءل بحق، هل هناك من شعوب لم تكتب تاريخها؟ نجاوب بدون تردد بالنفي. جميع الشعوب كتبت تاريخَها، فإذًا جميع الشعوب تعيسة، لأن التاريخ دائمًا مأساوي”.
وأمل أن تكون الصيغة السحرية السويسرية والميثاق الوطني اللبناني مرجعاً سياسياً لحل مشاكل التعددية في الشرق، في سوريا أو في مصر والعراق وفلسطين أو في أي دولة عربية أخرى. وشكر المرجعيات الدينية والحزبية والسياسية المشاركة “لأنكم حملتم قضية النازحين السوريين في قلوبكم، هذه القضية التي تجسّد الإنسانية المعذَّبة، المشردة والمظلومة”.
وفي الختام شدد الأب حبيقة على أنه “يجب علينا أن نعرف كيف نوفِّق ما بين تشاؤم الفكر وتفاؤل الإرادة. في مقاربتنا لأي حالة إنسانية نتعرّض دومًا لخيبات أمل مريرة، لأن منسوب السلبيات يتجاوز في أكثر الأحيان المعطيات الإيجابية. إلا أننا نتحلى بتفاؤل الإرادة، الذي يمدنا دوما بطاقة دافعة لتغير معادلة الواقع. وعلى مرّ العصور تعلم اللبنانيون كيف يعمقون أواصر الصداقة مع التفاؤل، ويحجمون مساحات اليأس. وعلى الرغم من الظروف العصيبة والرادعة في بعض الأحيان، ما زلنا نزرع الفرح وننثر الرجاء والرجاء لا يخيب”.
جلسات متخصصة
بعدها انطلقت الجلسات المتخصّصة، فشارك في الجلسة الأولى التي أدارها المحامي الدكتور أنطوان صفير تحت عنوان “مقاربات دينية”، المطران يوحنّا رفيق الورشا، الشيخ حسن مرعب، الشيخ منير ملحم، الشيخ سامي أبي المنى، وأمين عام حركة الشبيبة الأرثوذكسية الأستاذ فادي نصر.
وكان لافتاً إجماع الفاعليات الروحية على اعتبار أزمة النزوح قضية إنسانية ،وضرورة التعامل معها انطلاقًا من القيم التي تنادي بها الديانات السماوية في موقف موحّد، يفضي الى إيجاد الحلول التي تسهّل آليات العودة الأمنة، مؤكّدين على دعم موقف الحكومة اللّبنانيّة ورافضين رفضًا قاطعًا ما يتمّ تداوله عن محاولات توطين مقنّع.
أمّا الجلسة الثانية، فخصصّت للمقاربات السياسيّة لـ “النزوح السوري –العودة”، وجمعت ممثلين عن الأحزاب اللّبنانيّة، أدارها الخبير في السياسات العامة واللاجئين الأستاذ زياد الصائغ، وشارك فيها النّائب علي فياض ممثّلاً حزب الله، النّائب السابق مصطفى علوش ممثّلاً تيار المستقبل، والنائب السابق إيلي كيروز ممثّلاً حزب القوات اللّبنانيّة، مستشار الرئيس نبيه بري وممثل حركة أمل علي حمدان، ممثّل التيار الوطني الحرّ خليل دحداح، نائب رئيس حزب الكتائب المحامي رفيق غانم، وممثل الحزب التقدمي الاشتراكي الدكتور بهاء أبو كروم.
وأجمع المشاركون في الجلسة السياسية على أنّ اللقاءات المغلقة التي احتضنتها جامعة الروح القدس الكسليك على مدى نحو السنة، شكّلت مساحة حوار، وتبادل بنّاء ومثمر، يمكن أن يؤسّس لاستراتيجيّة وطنيّة في مقاربة الأزمة. واعتبروا أنّ الأعباء التي تكبّدها لبنان جرّاء استضافة عدد هائل من النازحين، يوازي ثلث سكّان لبنان يرزح تحتها كل اللبنانيين بجميع إنتماءاتهم السياسية، وان انقسمت وجهات النظر بينهم بين مؤيّد ومعارض لإعادة بناء الجسور أو التطبيع مع النظام السوري.
أمّا الجلسة الثالثة، فأدارها مدير المعهد العالي للعلوم السياسية والإدارية في جامعة الروح القدس السفير ناصيف حتّي، تحت عنوان “النزوح السوري – العودة، مقاربات أكاديمية”، شارك فيها الدكتور المحاضر في جامعة سيدة اللويزة إيلي هندي، والقت مديرة التواصل السيدة سوزان حصري كلمة الدكتور ناصر ياسين مدير الأبحاث في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت، والخبير العسكري والاستراتيجي العميد المتقاعد الياس حنّا.
الجلسة الرابعة والأخيرة، أدارتها مسؤولة التواصل والإعلام في وزارة الدولة لشؤون النازحين الإعلامية مي الصايغ ، تحت عنوان “النزوح السوري- العودة، مقاربات إعلامية”، وشارك فيها المدير التنفيذي لـ”بيت المستقبل” سام منسى، ومدير تحرير موقع لبنان 24 الدكتور أحمد الزعبي، ومدير البرامج في إذاعة صوت لبنان – ضبيه شادي معلوف. تركزت الجلسة على دور الإعلام وتأثيره في إدارة الأزمة والمساهمة في معالجاتها.
البيان الختامي
واختتم المؤتمر ببيان ختامي ضمّ سلسلة ثوابت وخلاصات ألقاها السفير الدكتور ناصيف حتي، أبرز ما ورد فيها:
1- التأكيد على احترام لبنان للكرامة الإنسانية وحماية حقوق أبنائه وكلّ المقيمين على أرضه.
2- التأكيد على الرفض القاطع والنهائي لتوطين النازحين حسبما نصّ عليه الدستور.
3- التأكيد على أنّ الحل السياسي هو الحل النهائي لأزمة النزوح بتداعياتها المختلفة، والذي يضمن للنازحين عودة نهائية وشاملة وطوعيّة وكريمة وآمنة. مع التأكيد على تسهيل هذه العودة إلى المناطق المستقرة داخل سوريا، على دفعات ومراحل، والعمل مع الجهات الدولية المعنية لتهيئة ظروف هذه العودة، وتوفير ضماناتها.
4- التأكيد على ضرورة حماية استقرار لبنان وتنسيق الجهود مع المجتمع الدولي، عملاً بمبدأ تقاسم المسؤوليات والأعباء المكرّس في القانون الدولي.
5- مطالبة الدولة السورية بإزالة العقبات تجاه العودة.
6- دعوة المجتمع الدَّولي للضغط باتجاه إنهاء الحرب في سوريا، بما يُسَهّل عودة النازحين بكرامة وأمان.
وتجدر الاشارة إلى أنّ ورقة سياسة عامة ستصدر عن المنتدين في الاسابيع المقبلة، على أن تسلّم رسميّاً الى المرجعيّات الوطنية المعنيّة بملف النزوح.