“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
إنعقد في بيروت ملتقى حوكمة إدارة الموارد الطبيعية لتدريب 27 من كوادر المجتمع المدني والصحافيين قدموا من لبنان وتونس وليبيا والجزائر واليمن ومصر والعراق وذلك في فندق “الكومودور” بين 28 تشرين الثاني الفائت و7 كانون الأول الجاري.
هذا الملتقى هو الخامس يجمع نخبة من المجتمع المدني والإعلامي لتدريبها على مقاربة موضوع حوكمة قطاع النفط والغاز وللتشبيك بين المشاركين من المجتمع المدني والإعلاميين، وهو من تنظيم “معهد إدارة الموارد الطبيعية” (أن آر جي آي)، والمركز اللبناني للدراسات (أل سي بي أس).
أجندة الملتقى
تناول عدد من الخبراء جوانب مختلفة من الحوكمة الرشيدة للقطاع، يمكن تلخيص أجزائها بالعناوين الآتية:
أسس القطاع كصناعة، أي العرض والطلب ومحاولة للإجابة على أسئلة على غرار: ماذا يعني استخراج النفط والغاز؟ من اية مصادر أتقصى المعلومات؟ الخ…، الأنظمة المختلفة لمنح العقود؟ وكيف تمنح العقود للشركات؟ وما هي الفروق بين البلدان في منح العقود؟. القوانين الضريبية والإدارة المالية: كيف تستوفي الدول أموالا من أرباح الشركات؟ ما هي الإدارة المالية التي تعود اليها الدول لكي تقدّر ما تستحقه الشركات؟ ما هي الأدوات التي تستخدمها الدول وكيفية التفاعل معها؟.
إدارة العائدات: أين يتمّ استثمار الأموال؟ وكيف تمكن إدارتها من أجل إضافة الأرباح وتحسين مستوى الحياة في البلد؟. ومؤشر حوكمة الموارد، عبر دراسة أصدرها “معهد إدارة الموارد الطبيعية” شملت 81 بلدا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتتناول بشكل خاص موضوع الفساد في قطاع الغاز والنفط ومكامن هذا الفساد وكيف يقع؟. الشفافيّة وآلياتها العالميّة، المناصرة في السياسات العامة من قبل المجتمع المدني للضغط من أجل التوصل الى اصلاحات لإدارة جيّدة، التحديات البيئة لاستخراج النفط والغاز.
وتناول الملتقى المحتوى المحلّي بمعنى كيفية إفادة الإقتصاد في بلداننا من الخدمات والشركات المحلية؟ ما هي أفضل الممارسات في المحتوى المحلّي؟ كذلك التنوّع الإقتصادي” أي عدم الإتكال على قطاع واعد بل تنويع العائدات والموارد لكي لا يكون البلد رهينة للنفط.
وتضمن الملتقى حضور مؤتمر متخصص بالنفط والغاز انعقد في الجامعة الأميركية من تنظيم “الإسكوا” وتناول موضوع “ديناميكيات أسعار النفط وتحوّلات الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: الآثار الإقتصادية والإصلاحات الهيكلية”. شاركت في هذا المؤتمر شخصيات دولية وبحث المستجدات الحالية والإنتقال للطاقة البديلة وتداعياته الإجتماعية والسياسية وخصوصا للبلدان التي تركّز اقتصاداتها على موضوع النفط. وكانت أيضا جلسة استضافت ممثلين عن أحزاب سياسية للبحث في صناعة السياسات، وتمّ توزيع كتاب أصدرته “أن آر جي آي” يساعد الأحزاب اللبنانية على بلورة سياساتها في موضوع النّفط والغاز، لكي تكون مقارباتها واضحة للدفاع عنها في البرلمان والحكومة.
نقدّم في هذا التقرير الذي أعده موقع “مصدر دبلوماسي” 3 جوانب من هذه المواضيع المتشعبة، يتعلق الأول بأهم المفاهيم الضرورية لمقاربة مواضيع الفساد في قطاع النفط والغاز قدّمته مديرة منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، إدارة الموارد الطبيعية لوري هايتايان، وأهمية توزيع موارد هذا القطاع وقدّم الموضوع المدير التنفيذي لمركز الدراسات اللبنانية سامي عطاالله، وآليات الشفافية بحسب المدير التنفيذي للمبادرة اللبنانية للنفط والغاز ديانا القيسي.
رصد الفساد في القطاع
بدأت مديرة منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا لوري هايتايان حديثها عن مخاطر الفساد في قطاع النفط والغاز والتعدين بتعريف الفساد بأنّه “إستغلال المنصب للمنفعة الشخصية”، مشيرة الى أنه مع التطور صار الفساد “خلاقا” أكثر ليصبح استغلالا للمناصب لمكاسب شخصية، وما نراه من الإستيلاء على الحكم
State Capture
حيث يضع المسؤول تشريعات تساعده مع جماعته من خلال آليات المؤسسات.
ونبّهت هايتايان الى أن ليس كل فساد غير قانوني، وشرحت: يمكن “خصخصة” السياسات العامّة حيث يتمّ الإستيلاء على المؤسسات، فيتم سنّ قوانين على قياس المنتفعين لتفيد قلّة قليلة من السياسيين والذين يحومون حولهم فتتكون منظومة فساد يجب تغييرها”.
وكشفت من خلال الدراسات الى أن الفساد يفقد العالم سنويا ما بين 1.5 الى 2 ترليون دولار.
ماذا يعني الفساد في قطاع النفط والغاز؟ تقول هايتايان بأن
مرحلة منح التراخيص هي الأشد عرضة لأساليب الغش، تشرح:
“الفساد يكون في تخصيص التراخيص والعقود، في المراسيم التنظيمية، في تحصيل الضرائب والإتاوات والرسوم، الفساد المتعلق بصناديق الموارد الطبيعية، في إعادة توزيع إيرادات الموارد، الفساد في الإنفاق العام،
التعاقد من أجل الخدمات ومبيعات النفط والغاز والمعادن”. وعدّدت هايتايان مجموعة من العلامات المحذّرة في هذا السياق والتي يجدر بكلّ من يرغب بمقاربة مواضيع النفط والغاز التنبّه لها وعددها 12 هي الآتية:
-تسمح الحكومة لشركات قد تبدو غير مؤهلة بالتنافس على الفوز بالرخص.
-هناك شركات أو أفراد من ذوي السجلات المشكوك فيها أو من ذوي السلوكيات الإجرامية يتنافسون على الفوز بالرخص.
-هناك شركات متنافسة أو فائزة بالرخص لديها شركاء أو علاقات تجارية مع اشخاص مقرّبين من المسؤولين السياسيين أو شركات يتمتع فيها كبار المسوؤلين والمقربين منهم بمصالح.
-هناك شركات متنافسة أو فائزة بالرخص تظهر علامات بأن لها مالكين منتفعين من كبار المسؤولين والمقربين منهم.
-هناك مسؤولين متدخلين في مسار الرخص وهو ما ينجم عنه تحقيق بعض الشركات لفوائد.
-هناك شركات تقدّم مدفوعات وهدايا وخدمات لفائدة كبار المسؤولين والمقربين منهم من أجل التأثير على مسار الإختيار ومنح الرخص.
-هناك مسؤولين ذوي تأثير على مسار الإختيار ومنح الرخص ومعرضون لتضارب في المصالح.
-عرقلة التنافس بتعمّد في مسار منح الرخص.
-تحويل مدفوعات من قبل الشركة الفائزة الى حساب غير حساب الحكومة المعنية.
-انحراف الشروط المتفق عليها بشكل كبير عن معايير الصناعة أو السوق.
-حصول الشركة الفائزة أو مالكيها على فوائد كبيرة دون انجاز عمل فعلي.
توزيع العائدات
ولعلّ توزيع العائدات هو من أبرز المواضيع التي سيواجهها لبنان في المستقبل والذي سيطرح موضوعي الفساد والشفافية على بساط البحث بشكل واسع. قدّم موضوع “توزيع الإيرادات على السلطات المحلية” المدير التنفيذي في المركز اللبناني للدراسات سامي عطاالله
طرح عطاالله السؤالين الآتيين: كيف يتم توزيع عائدات الموارد النفطية على النطاق الواسع الى المواطنين والبلديات والإدارات المحلية؟ وكيف يتمّ تحويل الموارد من موازنة الحكومة الوطنية الى المناطق والإدارات المحلية. أثار عطاالله جوانب مختلفة في هذا الموضوع منها 3 أمور:
* هل ينبغي أن تكون الإيرادات النفطية مركزية؟
– يقول عطاالله أن الإيرادات النفطية غير مستقرة على مرّ السنوات ومؤقتة، هي تتقلّب، ويمكن للحكومة المركزية استيعاب هذا التقلب والصدمات لأن لديها ضرائب وطرق وأساليب أكثر فاعلية من الإدارات المحلية التي يكون عدد ضرائبها محدّدا. مشيرا الى أنّ القاعدة الضريبية للحكومة المركزية أوسع، وكذلك يمكن للحكومة إعادة توزيع الإيرادات النفطية بين المناطق الغنية بالموارد والمناطق الفقيرة بالموارد.
*لم ينبغي تقاسم الإيرادات النّفطية؟
– يقول عطاالله لأنه ينبغي التعويض لمناطق الإنتاج عن تكاليف الإنتاج (الأضرار البيئية، خسارة فرص العمل الخ)، ولتوفير التساوي بين المناطق الأثرى والأفقر وبغية تخفيف النزاعات أو الوقاية منها وتحقيق المساءلة اللامركزية للمواطنين وتحسين كفاءة الإنفاق.
*أنواع التقاسم:
-مركزية كاملة ونظام تحويل، وصولا الى لامركزية كاملة (مثال الإمارات حيث يتمّ جمع الإيرادات النفطية من قبل الحكومات المحلية وتحويل جزء من الإيرادات الى الحكومة المركزية). وتقسيم الإيرادات تقوم الحكومة بتوزيع الإيرادات وإعادة توزيعها على كل أو بعض مستويات الحكومة (…).
آليّات الشفافية
من جهتها، شرحت المديرة التنفيذية للمبادرة اللبنانية للنفط والغاز ديانا القيسي آليات الشفافية مشيرة الى أن الشفافية هي أحد أركان الحوكمة الرشيدة وثمة أخطاء تقع فيها البلدان المنتجة للنفط بالنسبة للشفافية. الخطأ الفادح هو الكلام عن الشفافية والسعي لها كغاية وليس كوسيلة لأنها أداة ولكنها لا يمكنها أن تمنع كل الأخطاء. وروت الى أن بدء العمل بالشفافية والمساءلة كان من مجموعة صحافيين استقصائيين توجهوا عام 1999 من بريطانيا الى أنغولا
وأعد هؤلاء تقريرا دعا الشركات الأجنبية ومنها الشركة البريطانية، الى نشر كل ما تدفعه للدولة المعنيّة التي تعاني من الفقر بالرغم من غزارة انتاج النفط والغاز لديها، وبدأوا بتنظيم حملة بعنوان: “أنشر ما تدفع”.
وحصل ضغط من 6 منظمات أخرى في بريطانيا، وبسبب الضغط أفرجت الشركة عن بعض المدفوعات التي دفعتها للحكومة، وكانت ثورة. وبدأت حملة دولية كبرى بعنوان “أنشر ما تدفع”، وكانت أكبر تحالف للمجتمع المدني حول العالم تعمل على الشفافية والمساءلة على الغاز والنفط، ترعاها سكرتاريا دولية ومن ضمنها “أن آر جي آي” ومهمتها مساعدة المجتمع المدني على المساءلة بهدف الغصلاح الحقيقي ضمن البلد. نتج عن الحملة، أن أنغولا اعلنت انها ستنشر ارقامها الحكومية.
وتم الإتفاق بين الشركات لتنظيم عمليات الشفافية لنشر معلومات الشركات والحكومات والنظر في كيفية الإفصاح مع مراقبة المجتمع المدني من الداخل فنشأت
مبادرة الشفافية.
EITI
وذلك عام 2003.
وتوجد أيضا آليات أخرى للإفصاحات الإلزامية في الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد الأوروبي وكندا وسويسرا. واشارت القيسي الى أنه ينبغي على الشركات الإعلان عن كل أمر تدفعه طالما هي موجودة على جدول الإتحاد الأوروبي مثلا.
ولخصت مبادرة الشفافية بأنها مبادرة طوعية متعددة الأطراف، تضم الحكومة والشركات وهيئات الرقابة انطلقت عام 2003 بمباركة عدة حكومات وشركات ومستثمرين وهيئات رقابية ومنظمات. مقرها أوسلو-النروج، ومجلس امناء يضم الحكومات الشركات والمنظمات الرقابية الدولية ودورها التأكد من امتثال المبادرات المحلية لشروط المبادرة العلمية. تطبقها 51 بلدا.
كل عامين ونصف تحصل مصادقة لكيفية تطبيق المبادرة في هذا البلد. المبادرة معلقة في العراق وهو بدأ يطبقها في 2011.
أول بلد طبق المبادرة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هو اليمن عام 2008، ولكن بسبب الاوضاع الأمنية علقت العضوية ثم فسخت العضوية بسبب عدم القدرة على اصدار قرارات. أول 2017 اعلن لبنان انه سينضم الى المبادرة، وعين وزير الطاقة هيئة ادارة البترول لادارة المبادرة.