“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
تمضي إيران في اتباع سياسات التحدي للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية عليها مجددا والتي دخلت حيّز التنفيذ في 5 الجاري بعد أن أعلن الرئيس دونالد ترامب عنها إثر خروجه من الإتفاق النووي المبرم بين إيران والدول الخمسة زائد واحد في عام 2015.
وبحسب المطلعين على المناخ الإيراني فإن سياسة التحدي التي تحدّث عنها الرئيس الإيراني حسن روحاني منذ اليوم الأول لفرض العقوبات وما رافقها من تهويل قاده وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ترتكز أولا وأخيرا الى استراتيجية تحصين الداخل الإيراني، ولا سيما وأن الإيرانيين يدركون بأن الخطّة الأميركية تقضي بتشديد الضغوط من الخارج لتفجير الدّاخل الإيراني، بذرائع عدّة منها البرنامج النووي والقدرات الصاروخية ودعم إيران لخيارات معينة في اليمن والعراق وسوريا وغزّة ولبنان.
الإلتفاف الإقتصادي على العقوبات
في التحصين الإقتصادي، تعتمد طهران ما تسميه “إقتصاد المقاومة” الذي جعل الظروف الإقتصادية مستقرّة في إيران بالرغم من تدهور عملتها وتشديد القيود عليها، فهي عملت منذ العقوبات السابقة على إنشاء قدرات للإكتفاء الذاتي كي لا تعود مرتهنة للعلاقة التجارية مع الخارج. ووصلت إيران –على سبيل المثال لا الحصر- حدّا متقدّما في تصنيع السيارات على أراضيها، وهنا لا نقصد السيارات الإيرانية، بل أهم أنواع السيارات الأوروبية التي تصنع بكاملها في المصانع الإيرانية ومنها “بيجو 504″ و”برايد” وعدد كبير من أنواع سيارات “رينو” و”مرسيدس” و”فولسفاغن”. ويشير أحد القاطنين في إيران اليوم الى أنّ كلفة الكهرباء بالرغم من “الإنهيار” الذي يتاجر به خصوم إيران لا تتعدّى الـ3 دولار شهريا والأمر سيّان بالنسبة الى فواتير المياه والإنترنت!
أما بالنسبة الى المواد الغذائية فلا مشكلة فيها البتّة، علما بأن الولايات المتحدة الأميركية لم تشملها بالعقوبات الجديدة إذ سمحت لثماني بلدان باستيراد مقيّد للنفط الإيراني لسدّ الحاجات الغذائية.
ولعلّ الإستمرار بتدشين المشاريع الكبرى هو دليل إضافي الى روح التحدّي التي تواجه فيها إيران العقوبات الأميركية. فقبل أيام تمّ تدشين مشروع سكّة الحديد من منطقة على تخوم بحر قزوين الى منطقة “رشد”. وبالرغم من الصعوبات المالية، فإن الحكومة الإيرانية قامت بزيادة مساعداتها الإقتصادية والإجتماعية للطبقات الفقيرة، ويستمر بيع النفط لأفغانستان وكذلك تستمر شركات عدّة دول بالعمل على الأراضي الإيرانية بشكل طبيعي ولا سيما الشركات الصينية.
التحويلات المصرفية الى ايران تلاقي صعوبات، فالبلدان والمصارف تخشى من التحويل الى ايران حتى قبل اخفاق الإتفاق النووي، وكانت فرنسا وبريطانيا من أولى البلدان التي ترددت في استمرار التعامل الصناعي والمصرفي مع إيران. وتحاول إيران إيجاد آليات روسية وصينية بديلة لنظام التحويل “السويفت”، وتوطد تعاملها مع شركائها التجاريين الأوفياء لها.
تفكيك قنبلة اللعب على القوميات
أما الحراك الشعبي، فيبدو بأنهّ خمد راهنا، وبحسب ضالعين بالشأن الإيراني فإن شعب إيران بات واعيا الى ان التدخّل الأجنبي في شؤونه سيسفر عن خضات وقلاقل وانهيارات اجتماعية كما هي الحال في العراق وأفغانستان وباكستان وهو يرى أمثلة حيّة عدّة أمامه.
ويرى موالون للنظام الحالي تحدثوا الى موقع “مصدر دبلوماسي” الى “أن الشعب الإيراني يرى أن لا بديل للنظام الإسلامي وهو يرفض كل الرموز البديلة والتنظيمات التي تخلقها أميركا للنيل من الحكم في إيران وخصوصا وأن معظمها مطرود من الشعب الإيراني نفسه في فترات سابقة من تاريخه”.
وعن تحريك ملفات الأقليات في الأهواز مثلا يشير هؤلاء الى أن الأخبار التي يتمّ بثّها عن هذه المناطق هي مزيّفة، في الأصل الأهواز وهي عاصمة محافظة خوزستان ليست عربية بل فيها عرب، وتذكّر الأوساط الى أنه إبان الحرب مع العراق، عمد الرئيس العراقي (الراحل) صدّام حسين الى مهاجمة إيران من حدود كردستان وخوزستان وكرمنشاه والأهواز فتوجّه الإيرانيون الى الأهواز وانطلقوا بحملة تحرير واسعة لخوزستان والى كرمنشاه لتحرير الأكراد الإيرانيين”. وتردف الأوساط ذاتها: “هنالك قومية إيرانية متأصّلة وموجودة في المناطق كلها تحاول بعض الأيدي الخارجية العبث بها لكن دون جدوى”.
سنّة بلوشستان
وتذكر الأوساط سنّة بلوشستان على الحدود مع باكستان، “حيث رصد السنّة الإيرانيون هنالك تدخلات من الخارج لتحريكهم ضدّ دولتهم، وتحديدا من المملكة العربية السعودية، لكنّ هؤلاء وبحسب الأوساط يدركون تماما بـأن مستوى التنمية في مناطقهم أعلى بكثير منه في المناطق السنية الأخرى في أفغانستان وباكستان وسواهما، علما بأن عدد السنّة في إيران كلها يبلغ 6 ملايين سنّي بينهم قرابة المليون ونصف يعيشون في بلوشستان”.
وتخلص الأوساط الى أنّ “خطّة تفكيك إيران التي تقودها بعض الدول الإقليمية لا تشعر الحكم الإيراني بالقلق لأن حقوق الشعب الإيراني محفوظة بلا تفريق بين المذاهب والأديان ولأن القومية الإيرانية متأصلة في النفوس والعقول وهي أقوى من أيّ تدخّل خارجي”.
وبالتالي فإن الضغط الخارجي لتفجير الداخل الإيراني عبر الضغط الإقتصادي وتحريض القوميات “غير مجديين” بنظر الإيرانيين “لأن إيران محصنة من الداخل”. وتقول أوساط قريبة من المناخ الرسمي الإيراني بأن “الخلافات الإيرانية الموجودة حول المستقبل الايراني وتعامل إيران مع ملفات خارجية والخلافات بين المحافظين والإصلاحيين والتي تصل حدّا متقدما من النقد باتت مجمعة على القول بأن النظام هو صمام الأمان بقيادته الحالية”.
لا تغيير في السياسة الخارجية لإيران
من المؤكد بأن الخلاف بين إيران وأميركا هو فكري وأميركا ترفض الرؤية الأيرانية وتريد فرض الليبيرالية اللامحدودة بحسب القراءة الإيرانية، لكن لا يبدو بأن الضغوط الأميركية المتجددة سوف تغيّر قيد أنملة من استمرار إيران ببرامجها النووية لأهداف سلمية ولا بالتفاوض حول برامجها الصاروخية، ولا يبدو أيضا بأن سياستها الخارجية المتبعة حيال ملفات خارجية أساسية سوف تتغيّر. يقول الإيرانيون بأن دولا عدة وخصوصا في الاقليم لم تتقبل فكرة نجاح الإتفاق النووي الإيراني عام 2015 فعملت على نسفه، ولهذا فإن إيران متشبثة بثوابتها ومنها في السياسة الخارجية بدءا من اليمن حيث يشدد الإيرانيون على أن لا حلّ إلا سياسيا وعلى طرفي النزاع الجلوس الى الطاولة للتفاوض.
في سوريا تأكيد على استقرار المنطقة وأمنها وأن لا خلافات مع روسيا إلا بعض التباينات التكيتية البسيطة وهنالك من يعمل -بحسب الإيرانيين- على زرع الخلاف بين طهران وموسكو، لكنّ الأمر غير متاح وخصوصا وأن الدولتين عملتا سويا لمحاربة الإرهاب ولا يزال الملف السوري مفتوحا لغاية اليوم ومكافحة الأرهاب مستمرة وملاحقة خلاياها لم تنته في مناطق عدة وخصوصا في إدلب التي باتت تأوي معظم الإرهابيين بحسب الأوساط المذكورة. ويشير الإيرانيون الى أن العلاقة مع الحكومة السورية هي التي تحكم دور إيران في سوريا.
وفي لبنان يتنحّى الإيرانيون عن ابداء أي رأي بالملفات الداخلية ، يشيرون الى أن البعض يحاول زجّهم في ملف تشكيل الحكومة اللبنانية لكنهم يرفضون ذلك، مع توقعات بأن تعود الزيارات الرسمية الإيرانية لتتكثف بعد تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة.
أمّا في العراق فتعمل طهران على تقوية العلاقات مع الحكومة العراقية الجديدة، وبعد زيارة الرئيس العراقي الجديد برهم صالح لطهران يبدو بأن العلاقة الإستراتيجية مستمرة مع الحكومة الجديدة وثمة إرادة مشتركة إيرانية عراقية بتوطيد العلاقات التجارية بين البلدين بالرغم من الضغوط التي تمارس على العراق في هذا المجال.