“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
تحدث عملية تشبيك برعاية دولية بغية كشف مصير 117 ألف مفقود ومعتقل قسرا في سوريا وبين أهالي 17 ألف مفقود ومختف لبناني، وذلك بهدف جمع الخبرات اللبنانية والسورية في ملفّ إنساني شائك للتوجه به نحو منابر العدالة الدولية في وقت لاحق.
وإذا كانت لجنة أهالي المفقودين والمخطوفين اللبنانيين في الحرب اللبنانية قد نجحت في أن تفرض “باللحم الحيّ” على حدّ تعبير رئيستها وداد حلواني (والدة المفقود عدنان حلواني) قانون المفقودين قسرا الذي أقر في البرلمان اللبناني بعد 36 عاما من النضال وهو يضمن مواصلة الكشف عن مصير اللبنانيين المفقودين، ما نقل القضية من شخصية تتعلق بـ17 ألف عائلة الى قضية وطنية بإمتياز مسؤولة عنها الحكومة اللبنانية، فإن ملف المفقودين السوريين لا يزال يعاني من الجمود وعدم القدرة على الخوض به في الداخل السوري (الإخفاء يتم من النظام الرسمي ومن الميليشيات المنتشرة على حدّ سواء) وبفشل ذريع من المجتمع الدولي الذي حوّله من ملف إنساني الى ورقة تفاوض سياسي.
هذه القضية طرحتها حلقة النقاش التي نظّمها “معهد عصام فارس للسياسات العامّة والشؤون الدولية” في الجامعة الأميركية في بيروت أمس الأول مع عدد من الجمعيات المهتمّة: “دولتي”، “النساء الآن” و
Kvinna Till Kvinna
بعنوان “خيالات المختفين السوريين: شهادات قريباتهم عن الخسارة والغموض”. أطلق خلال الندوة تقرير “خيالا ت المختفين” عبر شهادات لقريباتهن. يعطي هذا المشروع صوتا مهمّا للمرأة السورية المقموعة أصلا في مجتمع تقليدي، فكيف إن غاب زوجها؟
وتمّ الإعلان رسميا ايضا عن أرشيف التاريخ الشفوي السوري
Syrian Oral History Archive-Soha
وهو مشروع تجريبي تقوم به مؤسسة “دولتي” بالإشتراك مع منظمة “النساء الآن” من أجل التنمية، بهدف دعم بناء قدرات السوريين والشباب للإنخراط في التحوّل الديموقراطي والعدالة الإنتقالية في سوريا. (…).
ولعلّ العدالة الإنتقالية هي الأساس الذي يتمّ على أساسه “إعداد” تلك النساء من أجل تسليحهنّ بالأدوات اللازمة لمتابعة قضايا من يحببن بالوسائل القانونية وبطرق المناصرة بدعم دولي كبير كما كشفت آنا فلايشر مديرة المناصرة والتواصل في “النساء الآن”.
وإذا كانت السيدات السوريات بدأن ترفعن الصوت عاليا عبر أنشطة منها “الباص” الذي يحمل صور أحبابهنّ ويجوب العواصم الدولية من لندن وبروكسيل وباريس وألمانيا وصولا الى البقاع اللبناني كما روت الناشطة السورية غادة أبو مستو، فإن المجتمع الدولي بشقه السياسي لا يزال مقصرا بشكل كبير كما كشفت الباحثة السورية ديانا سمعان وهي تعمل في “منظمة العفو الدولية”. فقد تبيّن للمنظمة بأن الأوروبيين عاجزين عن الضغط على الروس والإيرانيين والأتراك لتحريك هذا الملف، وعاجزين في الوقت نفسه من نزعه من البازار السياسي، بل إن المبعوث الأممي السابق ستيفان دي ميستورا أسهم في جعله عرضة للتفاوض السياسي عبر زجّ عمليات تبادل المفقودين والمفقودات في اي تحرّك في هذا الشأن.
واللافت أن الناشطات السوريات تربطن قضيتهنّ بعدالة انتقالية تطمح الى محاكمة من أخفوا هؤلاء الأشخاص، هنّ لم تتحدثن في هذا الأمر بشكل مباشر، لكنّ الكتيّب الذي تمّ توزيعه “خيالات المختفين” يشير بوضوح الى أهمية العدالة الإنتقالية في مرحلة السلام السورية المقبلة. وهذا ربّما ما حدا برئيسة لجنة المفقودين والمختفين اللبنانيين وداد حلواني الى التحذير من أن هذا الربط بين الملفين الإنساني والسياسي قد يسيء بشكل كبير الى قضية المفقودين السوريين، مشيرة بشكل واضح الى أنه ليس على أهالي المفقودين تحمّل تبعات الحرب والتفتيش عن معاقبة المعتدين بل هي مسؤولية المجتمع برمته، وهذا ما جعل اللجنة أخيرا تنجح في فرض قانون المفقودين في مجلس النواب اللبناني والذي سيسلك طريقه الى التطبيق فور تشكيل اللجنة الوطنية الخاصة به بعد تشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة.
من جهتها، أوضحت منسّقة برنامج الشؤون العربية والدولية في مركز عصام فارس ردينة البعلبكي في كلمة القتها أن “تقرير خيالات المختفين” هو أول تقرير من نوعه يسّلط الضوء على تأثير اختفاء عشرات الآلاف من السوريين على حياة قريباتهم معتمدا على جهد ميداني مهول يتضمن مقابلات أجريت في سوريا والبلدان المجاورة ضمن برنامج “ارشيف التاريخ الشفوي السوري” المشترك بين منظمتي “دولتي” و”النساء الآن”. ولفتت بعلبكي الى ” السعي في مرحلة ثانية لأن يكون هذا التقرير محفّزا لنقاش أوسع حول آفاق إحقاق العدالة والتوجّهات المستقبلية أملا في أن تحظى قضيّة المعتقلين والمخفيين قسرا بالمكانة التي تستحقها في صلب القضية السورية وسط تصاعد الإهتمام لصالح المسائل الأمنية والعسكرية، لما للكشف عن مصير هؤلاء السوريين والسوريات من أهمية في إحقاق العدالة وتكريس مبدأ عدم الإفلات من العقاب، بما يساعد في الإنتقال نحو سوريا جديدة تشبه تلك التي طالب بها السوريون عام 2011″.
وختمت:” لعلّ إقرار قانون المفقودين قسرا في البرلمان اللبناني أمس بعد نحو 28 عاما من انتهاء الحرب الأهلية ومن ضمنه المادة 37 المتعلقة بمعاقبة المسؤولين عن الإختفاء، يشكّل دافعا لما يمكن أن يحققه النضال الحقيقي والتراكمي مهما طال الوقت (…).