“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
يعيد موقع “مصدر دبلوماسي” نشر هذه المقابلة مع سفيرة سويسرا في لبنان مونيكا شمودت كيرغوز التي نشرتها مجلة “الأمن العام” في عددها لشهر تشرين الأول الحالي. لقراءة المزيد من مواضيع المجلّة الضغط على الرابط الآتي:
http://www.general-security.gov.lb/ar/magazines
طالما حمل لبنان لقب “سويسرا الشرق”، ولعلّ الكلام الذي اطلقه رئيس الاتحاد السويسري آلان برسيه اثناء زيارته الاخيرة الى لبنان انعش هذه المقولة مبرّزا التشابه الذي يجمع بين البلدين من حيث الطبيعة الخلابة والموقع الجيوستراتيجي والتنوع الخلاق والاغتراب الغني للادمغة.
تؤكد سفيرة سويسرا في لبنان مونيكا شمودت كيرغوز على عمق الصداقة التي تجمع بين البلدين وعلى غنى مجتمعاتهما والقيم المشتركة. وتقول السفيرة التي عيّنت في بيروت منذ قرابة العام بأنها معجبة كثيرا بهذا البلد، مشيرة:” أجرؤ على القول بأنه بلد يستحق الاعجاب، فهو يتميز بتنوّع عميق جدا وهذا ما اجده محفّزا فكريا وامرا في غاية الجمال”.
تعترف السفيرة شمودت كيرغوز بأنه لم يتم استقبالها بحرارة مماثلة أثناء مهامها الدبلوماسية كما في لبنان الذي يتميز شعبه بالكرم وحسن الضيافة(…)
يبلغ عدد المواطنين السويسريين الذين يعيشون في لبنان قرابة الـ1500 مواطن في مقابل الـ10 آلاف لبناني يقيمون في سويسرا. وتشير السفيرة شمودت كيرغوز الى ان الحيادية التي طوّرتها سويسرا لا يمكن ان تنسحب على لبنان بسبب الصراع مع اسرائيل، لكن الحيادية لا تعني الانسحاب او اللامبالاة بل الإلتزام الانساني لسويسرا. تتحدث شمودت كيرغوز عن تبنّي سويسرا لمفهوم “الامن الإنساني” وتعدّد في حوارها مع “الامن العام” بضعة اسهامات لسويسرا تصب في خدمة الإنسان منها تخصيصها منذ اندلاع الازمة السورية مبلغ 20 مليون فرانك سويسري سنويا للمجتمعات المحلية اللبنانية، الى بلورتها وتمويلها لمشاريع تتعلق بمكافحة الارهاب العنيف بالتنسيق مع رئاسة الحكومة اللبنانية، وهي تموّل لجنة الحوار اللبنانية الفلسطينية ولديها نشاط ثقافي واسع جدا وتعمل على اعادة توطين نازحين سوريين في سويسرا بلغ عددهم لغاية اليوم 20 ألفا.
السفيرة شمودت كيرغوز متخصصة بالعلوم الاجتماعية وحائزة على الدكتوراه من الجامعة الفيديرالية في زوريخ حيث تخصصت بمقاربة اوضاع البلدان في طور النمو وعملت في مجال التنمية، ومن مهامها الميدانية واحدة في سهول اندونيسيا الشاسعة، وبعدها عملت في التجارة في اوروبا، ثم انطلقت في العمل الدبلوماسي مع اهتمام خاص بدول الشرق الاوسط وهي تسلّمت مهاما دبلوماسية في في تركيا وايطاليا وفي الاراضي المحتلّة.
في ما يأتي نص الحوار معها:
*ما هو تقييمك لزيارة الرئيس آلان برسيه الى لبنان وهي الاولى لرئيس سويسري منذ 10 أعوام؟
– انه لشرف كبير ان يلبّي الرئيس برسيه دعوة من الرئيس العماد ميشال عون وهو قبل هذه الدعوة بكثير من السرور. استمرت الزيارة 3 ايام متواصلة وكانت ممتازة. هنالك امور مشتركة كثيرة تجمع بين سويسرا ولبنان، وانا أقصد ما اقول. قد يطلق البعض شعار ان لبنان كان “سويسرا الشرق”، وهذا صحيح وليس شعارا فحسب، فنحن بلدين صغيرين وقريبين جدّا، ومحاطين بجيران اكبر منّا بكثير –لكي نقول الامور بطريقة دبلوماسية-. ونحن بلدان يتمتعان بجمال طبيعي خلاب لا سيما في الجبال وبقطاع مالي مهم جدا ايضا. لكنّ الامر الاكثر تميزا بنظري هو اننا نمتلك القليل من الموارد الطبيعية. في المقابل لدينا عبقرية مميزة سواء في سويسرا أو في لبنان، وهنا نتحدث عن سلطة العقول التي يتمتع بها الناس. ولذا اردد بان التعليم والادمغة النيّرة هي السلطات الحقيقية لبلدينا. اذا نظرنا حول العالم سوف نجد سويسريين ولبنانيين اينما كان، انهم رجال اعمال ونساء اعمال خلاقين، وهذا امر لا يتحدث عنه كثر لكنه يبرز الشبه العميق بين بلدينا.
من جهة ثانية، ان سويسرا هي من اوائل البلدان التي ساعدت لبنان في الازمة السورية، وذلك مع اسهام كبير بلغ 20 مليون فرانك سويسري سنويا. ان مقاربتنا لهذه الازمة مميزة، فاسهاماتنا لا تقتصر على المنظمات الدولية فحسب، بل لدينا مشاريعنا الخاصة التي تهدف الى تقوية المجتمعات المضيفة، وهذا امر يطلبه اللبنانيون ايضا اذ يرون انه لا يجوز تمويل النازحين فحسب ونسيانهم وهم يتحملون العبء الاكبر. وبالتالي فان خطواتنا كسويسريين طالما اعطت الاولية للمجتمعات المضيفة.
*صرّح الرئيس برسيه في مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس ميشال عون بأنه بلا دعم قوي من المجتمع الدولي لن يكون متاحا انجاز وضع مستقر لعودة النازحين السوريين، هل من الممكن ان تعطي اضاءة وافية حول موقفكم؟
– هذا هو موقف المجتمع الدولي والامم المتّحدة ولا يمكنني الاضاءة اكثر على هذا الموقف لانه مشترك وواضح. ان عودة النازحين يجب ان تكون آمنة وطوعية وبكرامة بالاضافة الى شرط مسبق للمجتمع الدّولي يتعلق بالحل السياسي، واعطاء ضمانات لهؤلاء النازحين.
*يرفض لبنان ربط عودة النازحين بالحل السياسي؟ فما هو المخرج لهذه العقدة برأيك؟
-اعتقد بأن المبادرة الروسية تشكل مخرجا جيدا، حتى الرئيس سعد الحريري الذي طالما فهم موقف المجتمع الدّولي يقول اليوم بأنه موافق تماما للتعاطي مع الروس. واعتقد بأنه على المجتمع الدولي ان يصبّ اهتمامه اكثر على هذه المبادرة الروسية وتقييمها لفهمها بشكل جيد.
*يعتقد البعض بأن المبادرة الروسية تواجه صعوبة في التمويل بسبب امتناع الدول الأوروبية عن تمويل اعادة الاعمار والعودة السريعة، ما هو رأيك؟
– اذا نظرنا الى كل المبالغ التي دفعناها لغاية اليوم بسبب الازمة السورية، فإنه سيكون مدهشا جدا لي عدم ايجاد المبالغ اللازمة لتمويل المبادرة الروسية اذا اثبتت انها ستكون جيدة.
*نظّم الامن العام اللبناني لغاية اليوم دفعات عدة للعودة الآمنة للآلاف من النازحين السوريين، كيف ترين الى هذه الخطوة؟
– لا أعتقد انه يتعيّن علي ابداء رأي في هذا الموضوع، فالأمن العام هو مؤسسة من مؤسسات الدولة اللبنانية ونحن نتعاون معه في مجالات مختلفة. وهنا اشير الى التقدير الكبير الذي نحمله لمدير عام الأمن العام اللواء عبّاس ابراهيم نظرا الى مهنيته العالية وفاعلية عمله، ولدي شخصيا الكثير من التقدير والاعجاب لشخصه، لذا لا اعتقد انه يترتب على سويسرا التعليق على عمل الأمن العام فهو يدرك ماذا يفعل.
*ماذا عن تعاونكم في المؤتمرات الثلاثة التي انعقدت من اجل لبنان: روما (2)، “سيدر”، وبروكسل (2)؟
– حضرت سويسرا المؤتمرات الثلاثة. اشير الى أن سياستنا الخارجية مختلفة الى حدّ ما عن بقية البلدان، فنحن نربط بين قطاع الأمن وبين حقوق الانسان. قدمنا مداخلة في هذا الشأن في مؤتمر روما (2). في بروكسل (2) كانت لنا تعهدات مالية ايضا، لكننا تعهدنا باستضافة المزيد من النازحين، ولدينا لغاية اليوم 20 الف سوري يعيشون على الاراضي السويسرية ضمن برنامج إعادة التوطين، وهذا عدد ليس بقليل قياسا لبلدان اخرى ومقارنة بعدد السكان في سويسرا.
في مؤتمر “سيدر” وبما اننا من كبار المساهمين، فاننا لم نضف مبالغ الى تلك التي ندفعها اساسا وهي مبالغ تزيد عن 20 مليون فرانك سويسري سنويا.
*ماذا عن التعاون مع الأمن العام اللبناني؟
-لدينا تعاون وثيق في شؤون الهجرة مع الأمن العام وكذلك فإن المكتب الإنساني التابع للسفارة يقيم تعاونا مع الأمن العام اللبناني.
*هل من تعاون معين مع الجيش اللبناني؟
-لا، لأنه من الصعب علينا كدولة محايدة الدخول في شراكات عسكرية مع جيوش.
*هل من اسهام سويسري في “اليونيفيل”؟
-نعم لدينا بضعة جنود في “اليونيفيل” لكنهم من كبار الخبراء المتخصصين، وهؤلاء من الاهم عالميا في رسم الخرائط، وهو امر رئيسي في “اليونيفيل”.
*كيف يمكن تفعيل العلاقات بين البلدين بصورة اكبر وهو امر تحدث عنه الرئيس برسيه؟
– ان العلاقات ناشطة ولدينا زيارات متبادلة تتم شهريا سواء من قبل برلمانيين او مسؤولين سويسريين آخرين، وهي بكثافة لا يمكن تصديقها. لدينا مشاريع وتظاهرات ثقافية دائمة في لبنان كل اسبوعين.
وقريبا ستزور لبنان سكرتيرة الدولة باسكال بيريسفيل في نهاية تشرين الأول الجاري، ونأمل أن يزور وزير خارجيتنا إغناسيو كاسيس لبنان في بداية العام الجديد، وبالتالي نأمل بأن تتوطد هذه الكثافة في العلاقات بين بلدينا.
*تطرّق الرئيس برسيه الى اهمية الاستقرار التشريعي والى اهمية حماية الملكية الفكرية مضيفا بأنهما عاملين مهمين لتقوية التبادل الاقتصادي ولتشجيع الاستثمارات، فهل ستكون مشاريع سويسرية جديدة في لبنان؟
– لقد تطرّق الرئيس الى هذا الموضوع بسبب وجود مشكلة اقتصادية خطيرة منذ زمن طويل مع لبنان لها علاقة بالملكية الفكرية، من هنا شدّد الرئيس برسيه على اهمية احترام الملكية الفكرية. وهنا اود اغتنام الفرصة للقول بأن سويسرا كلّها تريد حل هذه المشكلة، واذا لم يتم حلّ هذه المشكلة فلن تأتي اية بعثات اقتصادية للعمل في لبنان او للتعاون في اية مشاريع مستقبلية. هذا امر قاس، لكنّه موقف سويسرا الفعلي. واتمنى على الدولة اللبنانية المبادرة في هذا الموضوع واحترام الاتفاقيات الدولية الموقعة في هذا الخصوص.
*كيف سيتم تفعيل اتفاقية التبادل الحرّ بين البلدين؟
-هذا الامر يتعلق ايضا بكيفية حل المسألة التي سبق وذكرتها والتي تتعلق بالملكية الفكرية والتي اطلع عليها كبار المسؤولين اللبنانيين.
*كان توقيع لاتفاقية بين سويسرا ولبنان لاعفاء حاملي الجوازات الدبلوماسية من تأشيرات الدخول الى سويسرا والى لبنان، هل سينسحب هذا الامر على بقية المواطنين؟
-لا اعتقد ذلك، فإن الامر ينحصر بالجسم الدبلوماسي للبلدين فحسب.
*لماذا اثار الرئيس برسيه مسألة نأي لبنان بنفسه؟ وهل تعتقدين انه يمكن ان يكون لبنان بلدا محايدا على غرار سويسرا؟
– نحن نعتبر بأن مفهوم النأي بالنفس هو المفهوم الصحيح والملائم للبنان، لأن اعتماد الحياد امر صعب بالنسبة الى لبنان وخصوصا وانه رسميا لا يزال في حالة حرب مع جاره الجنوبي. حتى الحياد السويسري وهو حياد عسكري، يبدو صعبا احيانا فكيف الامر بالنسبة الى لبنان في الواقع الراهن.
إن مفهوم النأي بالنفس يعجبنا كثيرا، وقد نوّه به رئيسنا كدعم سويسري للبنان وليقول بأن سويسرا موجودة وجاهزة من أجل التعريف بهذا المفهوم ومن أجل تطبيقه. نحن اصدقاء للبنان، واذا كان لبنان بحاجة الينا في تطبيق مفهوم النأي بالنفس، فنحن معه وسنقوم بهذا الامر بكل سرور.
*النأي بالنفس بخصوص ماذا تحديدا؟
– هو كما شرحه رئيس الحكومة اللبنانية اتخاذ المسافة ذاتها حيال القوى الموجودة في المنطقة.
*اطلقت سويسرا حوارات عدة بين اللبنانيين لا سيما ابان الحرب اللبنانية، نذكر منها على سبيل المثال اجتماع الحوار الوطني في جنيف عام 1983 واجتماع الحوار في لوزان عام 1984، هل من مبادرة سويسرية معيّنة حاليا وسط الفراغ الحكومي؟
-لا، لكن ثمة عرض من سويسرا فإذا اراد الافرقاء مساعدة ما فنحن جاهزون، وهذا امر يعرفه الجميع. ويوجد اليوم المفهوم الذي اطلقه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لتصنيف لبنان على انه مركز عالمي للحوار بين الثقافات والاديان، ونحن ايضا في مرحلة تفكير دائمة مع اللبنانيين حول هذا الموضوع ونفكر كيف نقوم بالأمر بأفضل السبل.
*ماذا عن الموقف السويسري من وقف الاميركيين لتمويل “الاونروا”؟
– اود التذكير ان سويسرا هي من اهم الدول المانحة لـ”الاونروا” بمبلغ يصل الى 27 مليون فرانك سويسري سنويا، وان المفوض العام لـ”الاونروا” هو سويسري الجنسية. طرح وزير الخارجية السويسري مجموعة من الاسئلة الرئيسية بالنسبة لـ”الاونروا” ولعودة 5 ملايين لاجئ فلسطيني وهو امر مشروع قانونيا. ولكن لا يوجد اي تغيير في تقاليدنا في العمل الانساني وفي دعمنا لمنظمة “الاونروا”.
*قرأنا عن وساطة تقوم بها سويسرا بين الرياض وطهران، ماذا عنها؟
– ما استطيع قوله هو ان الامر صحيح، وهي تجربة من تجاربنا في السياسة الخارجية… لكنني لا استطيع اعطاء المزيد من التفاصيل عنها، فسويسرا تقوم بالكثير من الامور لكن بصمت وسرية، لا نقوم بشيء ونتحدث عنه، من هنا نعتبر لاعبا جيدا والناس يقصدوننا ويستشيروننا لأننا نقوم بكل ما يمكن عمله خلف الكواليس وبطريقة سرّية ومن دون اعلان.