“مصدر دبلوماسي”: خاص
ما هي رؤية الادارة الاميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب لمحاربة الارهاب ومكافحته بوسائل وطرق حديثة بحسب وثيقة الأمن القومي الجديدة التي صدرت؟ ما هي الشراكات التي تبحث عنها الولايات المتحدة الأميركية؟ وما هو التحوّل الذي طرأ على أساليبها في اجتثاث الإرهاب -بحسب المعايير الأميركية-؟ وهل الأساليب المعتمدة من قبل الدّول فعّالة أم لا؟
هذه الأسئلة كانت محور الندوة الإستراتيجية المغلقة التي نظمتها “الاستشارية للدراسات والتواصل الاستراتيجي” وجمعية “افروديت” وحملت عنوان “الرؤية الأميركية لمحاربة الإرهاب وبناء الشراكات: بين الواقع والحقيقة”.
وإذا كانت الورقة الرئيسية هي التي قدّمها العميد الركن المتقاعد ميشال نحّاس وتقدم ملخصا عن أعمال القمة العالمية لجامعة الدفاع الوطني في واشنطن التي انعقدت أخيرا لقاء المغرب 2018 هي محورية، فإن دراسة لا تقلّ أهمية قدمها مستشار وزير الإعلام ملحم الرياشي المحامي إميل جعجع عن تاريخية العلاقات الأميركية اللبنانية وتحوّلاتها مع نقاط حول الوثيقة الأميركية الجديدة لمكافحة الارهاب. أدار الندوة رئيس الاستشارية الدكتور عماد رزق الذي سلّم الرئاسة خلال الندوة الى العميد الركن ميشال نحّاس، وتمّ توزيع دروع تكريمية لبعض المشاركين، وتخللتها مداخلات افتتاحية للدكتورة سلوى الأمين وللدكتور أحمد الزّين.
نحّاس: ملاحقة المتطرفين حتى منابعهم!
يلخص نحّاس ما توصل اليه المجتمعون في المغرب، وهنا نقاط من الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب التي اطلقتها إدارة ترامب في وثيقة جديدة والتي يمكن إيجازها بالنقاط الآتية:
-ملاحقة الإرهابيين الى منابعهم.
-عزل الإرهابيين عن المنابع التي تدعمهم
-حماية البنى التحتية الأميركية وتعزيز القدرة على الصمود والتكيّف.
-مكافحة التطرف الأرهابي والتجنيد
-تقوية قدرات شركاء اميركا الدوليين في مكافحة الإرهاب.
ولعل المفتاح الرئيسي في هذه الإستراتيجية الجديدة يتمثل بملاحقة المتطرّفين “الى منابعهم” وقطع “موارد دعمهم”، وقد بدأ تطبيق هذا الأمر مع إيران الداعمة لجماعات مثل “حزب الله” والمتمرّدين الحوثيين في اليمن.
وقد انتقلت ملاحقة الولايات المتحدة الأميركية في استراتيجيتها الجديدة من العمل العسكري الى العمليات الإستخبارية الى التعاون مع الشركاء والحلفاء من أجل استخدام العقوبات وأدوات مالية اخرى بغية تحقيق هدفها. وبينما كان الرئيس الأميركي السابق يولي بعض أهمية لعناوين مثل الحكم الجيد واحترام حقوق الإنسان وحكم القانون، فإن إدارة الرئيس دونالد ترامب لا تولي الكثير من الأهمية لهذه الأمور.
وكان نحاس شرح بالتفصيل الخطوات والحجج التي قدمتها الولايات المتّحدة الأميركية منذ حرب الخليج الاولى لخوض حروبها، لا سيما بعد 11 ايلول 2001 تحت عنوان مكافحة الارهاب..
وقال:”لقد كانت الولايات المتحدة الآن في حالة حرب في أفغانستان منذ حوالي سبعة عشر عامًا وتقاتل في حرب رئيسية أخرى في العراق منذ خمسة عشر عامًا. وقد نشطت في الصومال لفترة أطول ، وانتشرت عملياتها للتعامل مع التهديدات الإرهابية أو المتطرفة في مجموعة واسعة من الصراعات في شمال وجنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا. انتقلت الولايات المتحدة إلى ما هو أبعد من مكافحة الإرهاب إلى مكافحة التمرد ومن النشر المؤقت لقوات صغيرة لمكافحة الإرهاب إلى وجود عسكري قريب “دائم”. لقد أصبح الخط الفاصل بين مكافحة الإرهاب ومكافحة التمرد غير واضح إلى درجة أنه لا يوجد فرق كبير. أصدر الاتحاد الأكاديمي الوطني لدراسة الإرهاب والاستجابات للإرهاب (ستارت) للتو بيانات اتجاهات جديدة بشأن الإرهاب يتم تحديثها حتى نهاية عام 2017″.
في خطاب عام 2008 ، اعترف وزير الدفاع روبرت غيتس قائلاً: “لقد أصبح الجيش الأمريكي أكثر انخراطًا في مجموعة من الأنشطة التي كان يُنظر إليها في الماضي على أنها المقاطعة الحصرية للوكالات والمنظمات المدنية”. ويمكن العثور على مثال محدد. في العشرات من فرق دعم المعلومات العسكرية للجيش التي تعمل في السفارات الأميركية في جميع أنحاء العالم. ومع تنصيب الرئيس أوباما في عام 2009 ، جاءت دفعة جديدة من أجل “إعادة موازنة” القدرات العسكرية والمدنية، لكن نقص التمويل والقدرات والتطوير المهني ترك الوكالات المدنية غير مؤهلة لاستعادة هذه المسؤوليات من وزارة الدفاع. ”
اما لبنانيا فاشار نحاس الى أن لبنان والجيش اللبناني دفعوا ثمناً باهظاً من الأرواح والإصابات بينما استمرت الحرب في الطحن حيث قرر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن يحارب الارهاب و اعطى اوامره لقائد الجيش العماد جوزيف عون وقواته العسكرية لتقوية القوات والقدرات اللازمة للمقاتلين دعما للأمن اللبناني والعمليات العسكرية والاستراتيجيات الدفاعية في محاولة لحماية المصالح الوطنية الحيوية. لقد تغلبنا على الإرهاب. وخلص نحاس قائلا: “على الرغم من كل هذا فإن قواتنا المسلحة يجب أن تكون على علم دائمًا بالتهديدات فهل يدفع لبنان الثمن اقتصاديًا وسياحيًا وبكل الوسائل؟”.
جعجع: “حزب الله” هزم أميركا في لبنان!
وقدّم المحامي جعجع ورقة بعنوان: ” السياسة الأميركية في لبنان بين الواقع، وأوهام المؤامرة”.
وفي سرد تاريخي لبدء التدخل الأميركي في لبنان قال جعجع
بأن التدخل الأميركي الأول والمباشر في لبنان كان عام 1958 على أثر إندلاع الثورة في لبنان ضد الرئيس كميل شمعون. بالفعل تدخلت القوات العسكرية الأميركية وحصل إنزال للبحرية الأميركية على الشواطئ اللبنانية،مما أدى الى إنهاء النزاع العسكري في لبنان. وهذا التدخل عائد لأسباب إقليمية أكثر منها داخلية، ومنها توقيع حلف بغداد في العام 1955 وحرب السويس في العام 1956، والوحدة بين سوريا ومصر والإنقلاب العسكري في العراق في العام 1958 وخوف السياسة الأميركية من خروج لبنان من المعسكر الغربي.
في مرحلة السبعينات انطلقت عملية معاكسة وأخذ لبنان يفقد موقعه الاستراتيجي في السياسة الأميركية، مع بروز مصر بقيادة أنور السادات التي اتجهت نحو تنبي السياسة الأميركية، ولم يعد ثمة تهديد للمصالح الغربية في لبنان. فالسياسة الأميركية في تلك الفترة وحتى اندلاع الحرب الأهلية عام 1975 اقتصرت على إحتواء الصراعات العسكرية بين العرب واسرائيل من حرب عام 1967 وحرب عام 1973 وعدم تأثيرهما على السلام العالمي والنفوذ الأميركي في المنطقة.
على أثر إندلاع الحرب الأهلية في العام 1975، لم يكن هنالك سياسة أميركية خاصة للبنان بل كان التركيز الأميركي على الصراع العربي الأسرائيلي وتداعيات حرب 1973 وكانت إدارة الرئيس فورد تؤكد دائماً على سيادة ووحدة الأراضي اللبنانية وحاولت التوصل الى وقف لإطلاق النار بإرسال مبعوثه الخاص دين براون الى لبنان .
إلا أن بعض اللبنانيين توهّم وجود مؤامرة شيطانية كونية عليه أدت الى أندلاع الحرب الأهلية ووجهت الأتهامات الى الإدارة الأميركية ووزير خارجيتها هنري كيسنجر بإشعال الحرب في لبنان، وكأنهم لم يميزوا بين واقع الإنهيار الحاصل على الأرض، والحاجة الى مخططات لتحويل لبنان الى ساحة صراعات أقليمية. والسبب في ذلك عائد الى أن موقف واشنطن من المعادلة الاقليمية بعد حرب 1973، ومن توازن القوى داخل لبنان وخارجه، أتخذ شكله النهائي في منتصف السبعينات. والسياسة الأميركية لم تكن إلا ردّة فعل على واقع خلقته الحرب وليس نتيجة تخطيط أميركي ُرسِمت خطوطه الكبرى قبل إندلاع حرب السنتين. فلبنان فقد أهميته الأستراتيجية في المنطقة بالنسبة الى واشنطن والى مصالحها الأقليمية.
وخلص جعجع الى أن اللبنانيين يفتقدون الحسّ الواقعي في تعاملهم مع مشكلاتهم وميلهم الى تحميل الآخرين مسؤولية ما حدث في لبنان. وميلهم اللاعقلاني الى الأعتقاد بوجود الخطط والمؤامرات المحبوكة في الخارج ضد بلدهم.
ولفت الى أن التدخل السياسي والعسكري الأميركي المباشر في لبنان جاء على أثر الإجتياح الإسرائيلي عام 1982 وإطلاق الرئيس الأميركي رونالد ريغان مبادرته الخاصة من أجل وقف الإقتتال. وقد كلف مبعوثاً خاصاً للقدوم الى لبنان هو السفير فيليب حبيب اللبناني الأصل الذي عمل على احتواء الإجتياح الإسرائيلي وعدم تسببه بحرب مع سوريا على أثر أزمة الصواريخ في البقاع والإلتفاف على الإسرائيلين بدعم إنتخاب الرئيس بشير الجميل رئيساً للجمهورية وإعطائه خيارات أخرى غير التي فرضتها عليه أسرائيل.
إلا أن هذه المبادرة لم يكتب لها النجاح مع إغتيال الرئيس بشير الجميل وتفجير مقر المارينز في بيروت في العام 1983 وانسحاب القوات المتعددة الجنسيات منه، وترك هذا البلد الى مصيره وتحكم كل من سوريا وإسرائيل بمستقبله.
وقال المحامي إميل جعجع بأن الحرب إستمرت في لبنان وكان التدخل الإميركي محدود وبسيط ولم يرق الى مستوى المبادرة حتى العام 1988 وإتفاق مورفي – الأسد لإنتخاب مخايل الضاهر رئيساً للجمهورية. إلا أن القوى المحلية أفشلت هذا الإتفاق ولم تحاول الولايات المتحدة بذل أي مجهود لإحيائه. صحيح أن الولايات المتحدة لم تعارض إتفاق الطائف الذي أنهى الحرب في لبنان عام 1990 إلا أنه جاء بناءً على مبادرة عربية من المملكة العربية السعودية وبموافقة سوريا. إلا أن الأهم من كل ذلك السماح لسوريا ببسط نفوذها الكامل على لبنان وتطبيقها لإتفاق الطائف دون أي تدخل من قبل أميركا والاكتفاء بدور المراقب والتأكيد الاعلامي على سيادة واستقلال لبنان ووحدة أراضيه. وهذه السياسة جاءت نتيجة التحالفات والتوازنات التي فرضتها حرب الخليج الأولى على العراق.
أما التحوّل الأساسي والمهم في السياسة الأميركية تجاه لبنان فقد حصل على أثر أحداث 11 أيلول 2001 ووصول الرئيس جورج بوش الابن والمحافظين الجدد الى الحكم في واشنطن، واعتماد هذه الإدارة استراتيجية جديدة لمكافحة الارهاب قائمة على سياسة الحرب الاستباقية والوقائية في التعامل مع الارهاب. وكانت حرب أفغانستان 2001 وحرب الخليج الثانية على العراق في العام 2003 والوعود التي قطعها الرئيس بوش بنشر الديمقراطية ومفاهيم الحرية في الشرق الأوسط.
فكان الاخفاق الكبير للرئيس بوش في حربه ضد العراق وعدم استطاعته تحقيق أهدافه بالحرية والديمقراطية الموعودة للشعب العراق. فتحول بإتجاه لبنان، هذا البلد الصغير الذي يحمل من ضمن بنيته التأسيسية مقومات الديمقراطية والحرية.
جاء اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في شباط 2005 وثورة الأرز والتظاهرات التي رافقتها مطالبة بالحرية والسيادة وخروج الجيش السوري من لبنان الفرصة الذهبية للإدارة الأميركية بالتعاون مع الحكومة الفرنسية لمساعدة الشعب اللبناني على تطبيق القرار 1559 وخاصة لناحية الضغط على سوريا من أجل إنسحابها من لبنان.
مع العلم إن الأسباب الموجبة والخلفية الحقيقية لصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي عائد للضغط على سوريا بعدم تمديد ولاية الرئيس إميل لحود الرئاسية وإجراء إنتخابات رئاسية حقيقية.
فالتدخل الأميركي ونظرة الرئيس بوش الى لبنان بعد إخفاقه في العراق واستشهاد الرئيس الحريري كانتا وراء إنهاء النفوذ السوري على لبنان. والإنتقال الى توازنات سياسية جديدة في لبنان جعلت من “حزب الله “اللاعب الأقوي على الساحة لما يختزنه من فائض للقوة على المستوى السياسي والعسكري، مما أفشل إستمرار النفوذ الأميركي في لبنان.
أميركا أطالت حرب تموز للقضاء على “حزب الله”
يتابع جعجع:” شعرت الإدارة الأميركية أن نفوذ “حزب الله “في لبنان يتمدد ويقوّض سياستها فيه، فجاءت حرب تموز عام 2006 بين حزب الله والعدو الإسرائيلي لتكون فرصة ذهبية لإدارة بوش ووزيرة خارجيته كوندوليزا رايس للإطباق على “حزب الله” والإنتهاء من نفوذه اللبناني والأقليمي. ورسم سياسة شرق أوسطية جديدة قائمة على مفهوم الفوضى البناءة.
ويقول جعجع: بأن العدو الاسرائيلي لم يكن ليرغب باستمرار الحرب 33 يوماً نظراً للخسائر الكبيرة التي تكبدها، انما إصرار واشنطن لمتابعة الحرب حتى القضاء على “حزب الله” كان وراء إطالة أمد الحرب. إلا أن حزب الله أستطاع الصمود والمقاومة وفرض نفسه كلاعب كبير في لبنان والمنطقة وأفشل مرة جديدة السياسة الأميركية في لبنان.
إنكفأت مرة جديدة واشنطن عن التدخل في لبنان على أثر وصول الرئيس باراك أوباما الى البيت الأبيض وما زالت حتى يومنا هذا مع إدارة الرئيس دونالد ترامب وسياستاته التي تبدو للوهلة الأولى أرتجالية ولكنها في مضمونها سياسة واعية ومدركة لما تفعله في العالم وفي المنطقة.
وعن جديد الإستراتيجية الأميركية لمكافحة الإرهاب والتي نشرت وكالات جزءا منها، قال جعجع بانه يمكن تلخيصها كالآتي: تتضمن أن يتحمل حلفاء الولايات المتحدة مزيدا من العبء في مكافحة الارهابيين مع الإقرار بأن تهديد الإرهاب لن يتم القضاء عليه نهائيا. كما وتتضمن الوثيقة الحاجة إلى تكثيف العمليات ضد الجماعات الجهادية العالمية وفي الوقت نفسه خفض تكاليف الدماء والثروة الأميركية في سعيها لتحقيق أهدافها لمكافحة الإرهاب. وتقول الوثيقة التي قال جعجع أنها تشكل الإستراتيجية الأميركية الجديدة لمكافحة الإرهاب بأن واشنطن ستسعى إلى تجنب التدخلات العسكرية الأميركية المكلفة واسعة النطاق لتحقيق أهداف مكافحة الإرهاب وستتطلع بشكل متزايد إلى الشركاء لتقاسم مسؤولية التصدي للجماعات الإرهابية. لكنها تعترف بأن الإرهاب لا يمكن هزيمته نهائيا بأي شكل من الأشكال.
دروع تكريمية وتسلّم وتسليم
وختم اللقاء الامير نعمان الثامن والذي يقوم بدور الحوار وتخفيف التصادم عبر طرحه لوسائل مبتكرة في مواجهة التطرف.
بأن الفاتورة التي تم دفعها لمكافحة الارهاب حتى 2015 هي 1،3 ترليون دولار أما ميزانية الولايات المتحدة الأميركية للشؤون العسكرية فهي حوالي 600 مليار دولار، وقد زادها الرئيس ترامب قليلا في الآونة الأخيرة. وهذا يعني أنه لو استثمرت الولايات المتحدة الأميركية كل ميزانيتها، فإن الفاتورة التي سيتم دفعها لمحاربة الإرهاب تشبه “الثقب الأسود”. واقترح فهم جذور المشكلة، ولغاية الآن لا نفهم اسباب المشكلة بل نعرف عوارضها فحسب، واقتح ايضا ارساء حوار مع قادة المسلمين في العالم سواء السياسيين أو الدينيين.