“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
يعيد موقع “مصدر دبلوماسي” نشر هذا التحقيق الذي نشرته مجلّة “الأمن العام” في عددها الـ61 الصادر في تشرين الأول الجاري. لقراءة المزيد من مواضيع المجلّة الضغط على الرابط الآتي:
http://www.general-security.gov.lb/ar/magazines
يتأرجح مصير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الاونروا” بين الحياة والموت ومعها مصائر اكثر من 5،2 مليون لاجئ فلسطيني تريد الولايات المتحدة الأميركية تقليصهم الى نصف مليون ملغية حقهم بالعودة الى فلسطين المحتلة، ما يفسّر قرار تجميد تمويلها للوكالة الذي يبلغ 360 مليون دولار سنويا من أصل موازنة 1،2 مليار دولار.
شكّل القرار الاميركي خيبة امل كبرى للوكالة التي تأسست من قبل الجمعية العامة للامم المتحدة عام 1949، ووجّه ضربة موجعة للدول المستفيدة من خدمات الوكالة وهي لبنان وسوريا والأردن وغزة والضفة الغربية، وسبّب قلقا يقضّ اللاجئين الفلسطينيين الذين يحلمون بالعودة الى ارضهم السليبة، والتي يعتبر قرار التصويب على “الانروا” احد المؤشرات السلبية لامكانية تحقيق هذه العودة.
في لبنان، يعيش المسؤولون عن “الاونروا” حالة من القلق الشديد، وسط تباطؤ عربي ودولي في توفير سيولة ستكون قد اضمحلت كليا الى حين صدور هذا العدد من “الامن العام” في نهاية ايلول، واذا لم تنجح الاتصالات التي تقوم بها “الاونروا” من اجل ترجمة التعهدات الدولية الى اموال لدفع الاقساط المدرسية وتكاليف الاستشفاء والاعمال العديدة التي تضطلع بها الوكالة في المخيمات الفلسطينية حيث لا وجود للدولة اللبنانية.
جفاف السيولة خطر داهم
قبل الدخول في التفاصيل الصادمة لواقع “الاونروا” اليوم ومخاطر توقف خدماتها وموقف الدول المانحة والخطط البديلة مع مدير شؤون الوكالة كلاوديو كوردوني، من المفيد الاشارة الى ان كوردوني وفريق عمله في المقر الرئيسي في لبنان يتداولون بقلق شكوكا من امكان الغاء حق العودة، لأن المؤشرات التي عكستها التقارير الاميركية في الاشهر الأخيرة لا تبشر بالخير وهي ظهرت في محاولة تغيير تعريف مفهوم اللاجئ كي لا يشمل جميع لاجئي 1948 والمتحدرين منهم وحصره بمن هم على قيد الحياة من لاجئي 1948 ما يقلص عدد اللاجئين من 5،2 مليون لاجئ فلسطيني بحسب سجلات “الاونروا” الى بين الـ400 والـ500 الف لا اكثر. وتشير هذه التقارير ايضا الى محاولة الغاء “الأونروا” ودمج اللاجئين الفلسطينيين تحت راية المفوضية السامية لشؤون للاجئين
ولعلّ الخطر الداهم حاليا يكمن في جفاف السيولة وضرورة سدّ العجز المتبقي لانهاء العام 2018 والذي يبلغ قرابة الـ200 مليون دولار أميركي.
ترامب منع الوكالة من تمويل لبنان وسوريا
كيف نشأت المشكلة؟ في الاساس تتمتع “الاونروا” بتفويض سياسي صلب من الجمعية العامة في الامم المتّحدة وهو تمّ تمديده حتى حزيران لسنة 2020، باكثرية 160 بلدا صوّتوا لاستمرارية هذا التفويض وعارض بلد واحد هو اسرائيل وامتنعت 9 بلدان عن التصويت من ضمنها الولايات المتّحدة الاميركية.
نقطة الضعف الرئيسية في تفويض “الاونروا” هي في التمويل الطوعي، اذ لا يمكن فرض التمويل على أي دولة ما يجعل “الاونروا” مرهونة للاسهامات الدولية.
حتّى كانون الاول الفائت كانت الولايات المتحدة الاميركية المانح الاكبر للوكالة. وهي تعهّدت بدفع 360 مليون دولار اميركي في بداية العام، وبعد ايام قليلة اتخذ الرئيس الاميركي دونالد ترامب قرارا بشأن نقل السفارة الاميركية الى القدس، وكان غاضبا جدّا من ردّة فعل الفلسطينيين بشكل عام وقرّر بشكل فجائي منح الوكالة مبلغ 60 مليون دولار فحسب يمنع صرف مبالغ منها في لبنان وسوريا وهو شرط لم تضعه الولايات المتحدة الاميركية سابقا، ثمّ عمد الى تجميد المبلغ المتبقي تاركا اياه عرضة للنقاش، ليقرّر اخيرا حجب اية اموال اضافية لـ”الاونروا” في الحاضر والمستقبل.
يقول كوردوني بأن التقارير المسرّبة الواردة الى الوكالة تشير الى ان “القرار سياسي بامتياز”. يضيف:” نحن نأسف لان الولايات المتحدة الاميركية اتخذت قرار تجميد تمويلها، ونحن نقبل بأن البلدان حرّة تماما بالاسهام المالي او بالامتناع عنه، ولا يمكننا ارغام الولايات المتحدة الاميركية ولا سواها على دعمنا، لكننا نرفض الطريقة التي تمّ فيها وصف وكالتنا بأن لا أمل منها. لدينا تفويض من الامم المتحدة ولغاية انتهائه لدينا التزام بمتابعة تقديم خدماتنا”.
ازمة الاونروا الاصعب منذ 1949
ويشير كوردوني الى أن الازمة الراهنة هي الاصعب في تاريخ “الاونروا” التي تأسست عام 1949 وبدأت عملها الفعلي عام 1950.
يشرح:”عام 2015 نشأت مصاعب لايجاد المبالغ الكافية لادخال الاطفال الى المدارس، لكنها المرة الاولى التي نعاني فيها من ثغرة كبيرة منذ كانون الاول الفائت، ونحن بحاجة اليوم الى 200 مليون دولار اميركي لانهاء متطلبات اللاجئين لهذه السنة. وبالتالي انها مشكلة فريدة تضاف الى ان تفويض “الاونروا” بات عرضة للشكوك من قبل الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل وهذا مختلف وجديد”.
قدّمت “الاونروا” خدمات عدة للاجئين الفلسطينيين في لبنان وقرابة الـ 29 الف لاجئ فلسطيني اتوا من سوريا، وفي آخر الاحصاءات لعام 2017 شملت خدماتها 204 ألف شخص معظمهم من اللاجئين الفلسطينيين، لكنّ البعض منهم يتحدرون من عائلات مختلطة بمعنى ان تكون الأم لاجئة ومتزوجة من اجنبي مثلا، فيتمتع الزوج بحقّ الافادة من خدمات الوكالة لكنّه لا يحمل صفة لاجئ، والامر سيّان بالنسبة للاولاد لأن المرأة لا يمكنها أن تنقل صفة اللاجئ”.
38 الف طالب في 66 مدرسة قد يصبحون في الشارع
ان وقف خدمات “الاونروا” في لبنان سيرتب نتائج كارثية على اللاجئين الفلسطينيين التي تشكل الوكالة سندهم الوحيد. ويلخّص كوردوني ابرز المخاطر التي قد تنشأ كالآتي:” 38 الف طالب ( بينهم 5 آلاف طالب فلسطيني من سوريا) يصبحون في الشارع اذ تغطي “الاونروا” نفقات 66 مدرسة موزعة في المخيمات وفي ارجاء البلد ككل. وتغطي نفقات آلاف المرضى الذين يستفيدون من خدمات تقدمها 27 عيادة، وتقدّم “الاونروا” مساعدة في المستشفيات تصل الى دفع بين الـ60 والـ90 في المئة من الفاتورة الاستشفائية في المستشفيات اللبنانية وفي العيادات. وستتردى احوال 61 الف لاجئ يعيشون تحت خط الفقر ويقبض كل شخص منهم 10 دولار شهريا كمساعدة، يضاف اليهم 29 الف لاجئ فلسطيني من سوريا يفيدون ايضا من مساعدات “الاونروا” (100 دولار شهريا للعائلة و 27 دولار اضافية للفرد).
وفي حال توقفت خدمات “الاونروا” ستنشأ ايضا مشاكل بيئية وصحية واجتماعية داخل المخيمات حيث تهتم الوكالة بجمع النفايات ومشاكل الصرف الصحي وضخّ المياه الى المنازل وترميم المساكن الآيلة الى السقوط.
تبلغ الميزانية اللبنانية 180 مليون دولار سنويا وهي توفّر فرص عمل لـ3 آلاف لاجئ فلسطيني يعملون في مؤسساتها في لبنان، في حين ان عدد موظفي الوكالة في فروعها (لبنان الاردن الضفة الغربية وغزّة وسوريا) يبلغ 30 الف موظّفا وهي اكبر جهة اممية للتوظيف.
قام المفوّض العام لـ”الاونروا” بيير كرينبول بجولات عدة اخيرا معلنا بأن الوكالة “ليست عبئا ماليا” بل منظمة تستثمر في الناس وتعمل من اجل حقوقهم وكرامتهم، داعيا المجتمع الدولي الى تقديم المزيد من الدعم المالي لسدّ عجز 200 مليون دولار هذا العام واستكمال العام الدراسي الحالي في وكالة “الاونروا”.
زار كرينبول مصر وحضر اجتماعا لجامعة الدول العربية وقصد الرئيس الفلسطيني محمود عباس وهو شارك في 27 ايلول الفائت بحضور اجتماع استثنائي خصّص لازمة تمويل “الاونروا” على هامش اعمال الجمعية العام الـ73 في نيويورك والذي حضره وزراء خارجية الدول المستفيدة من خدمات “الاونروا” ومنها لبنان والدول المانحة وترأسه امين عام الامم المتحدة انطونيو غوتيرس.
يعتبر كوردوني ان هذه التحركات ايجابية “والاونروا” ترحب بالدعم السياسي على امل أن تتم ترجمته الى دعم مالي لسد عجز هذه السنة ولبدء العام الجديد بميزانية قوية، فلا يكون لدينا قلق شهري عمّا ستؤول اليه الاحوال في الشهر المقبل”.
ويصف كوردوني نتيجة الاجتماع في جامعة الدول العربية”بأنه ادى الى دعم قوي، لكن لا توجد بعد مؤشرات محددة لاسهامات مالية”.
يكشف كوردوني ان الوكالة حصلت على دعم لموقفها من الاتحاد الاوروبي والمانيا وبلدان اخرى وبلدان جديدة من آسيا منها ماليزيا اندونيسيا اللتان انضمتا الى اليابان وكوريا الجنوبية في حين قررت الصين زيادة مساهمتها وكذلك تركيا.
الدول تنتظر بعضها البعض قبل الدّفع!
الاوروبيون لم يزيدوا الدعم، لأن لكل بلد دورته المالية، تريد الدول معرفة مدخراتها وكيفية توزيعها على البلدان والمنظمات، يتردد كل بلد بإضافة مبالغ كي لا يدفع الفاتورة الاغلى بعد انسحاب الولايات المتحدة الاميركية من التمويل، وبعض الدول تنتظر كم ستدفع الدول الخليجية لتقرر. وهل من الممكن ان تتعرض الدول الخليجية الاساسية الممولة (السعودية 100 مليون دولار،الامارات العربية المتحدة 50 مليون دولار وقطر 50 مليون دولار) لضغوط اميركية تمنعها من الاستمرار في التمويل؟
يقول كوردوني:” ليست لدينا معلومات عن ان هذه البلدان تخضع للضغوط الاميركية، وفي اجتماع جامعة الدول العربية اعربت الدول ومنها السعودية بأنها ستدعمنا عمليا وستدفع اسهاماتها لهذه السنة وللسنة المقبلة”.
حقّ العمل في لبنان حلّ بديل؟
في الحلول البديلة ستقوم “الاونروا” فور تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان بإتصالات سياسية مع الاحزاب اللبنانية لاعادة إحياء “الرؤية الموحّدة لاوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان” والتي صدرت عن لجنة الحوار اللبنانية الفلسطينية عام 2017.
وفي الخلفية ان 7 احزاب لبنانية وقّعت على هذه الرؤية المشتركة – باستثناء حزب الكتائب الذي تحفّظ – وهي توصي برفع حظر حق العمل وتسهيله للاجئين الفلسطينيين، ومن توصياتها تحسين ظروف العيش في المخيمات وتخفيف القيود على حق العمل للاجئين وحق تشكيل جمعيات وكلها نقاط تخفف وطأة المصاعب على حياة اللاجئ.
وينتعش الكلام عن حق العمل بعد ازمة “الاونروا” المالية بحسب كوردوني الذي يقول:” طالما ركزنا على اهمية هذا الموضوع، ان حصول الفلسطينيين على حق العمل يخفف من اتكالهم على “الاونروا” ويتيح للمجتمع الدولي مساعدة الاكثر هشاشة وفقرا منهم. وهذا ما نزمع نقاشه مع الاحزاب اللبنانية وسنطرحه على الحكومة الجديدة للتوصل الى تطبيق ما تمّ الإتفاق عليه في هذه الرؤية الجديدة للعمل”. ويلفت كوردوني: ” لا يعتبر هذا الامر توطينا، وانا اكرر للاجئين انه ليس عليهم العيش في البؤس لحماية حق العودة، ان حق العودة موجود لانهم موجودين كلاجئين فلسطينيين. حتى لو اختفت “الاونروا” ولو كان اللاجئ غنيا في كندا او فقيرا في لبنان فإنه لن يخسر حق العودة الى بلاده، لكن بما ان الحل السياسي متأخر فمن حقّ اي انسان ان يعيش بكرامة كما يفعل الآخرون، وهذا يعني التمتع بحق العمل وبحق التملّك وهو امر آخر سنثيره لاحقا”.
التنسيق مع الامن العام اللبناني
حول تنسيق “الاونروا” مع الامن العام اللبناني يقول مدير شؤون “الاونروا” كلاوديو كوردوني: ” محاورنا الرئيسي يتمثل في لجنة الحوار الفلسطينية اللبنانية، لكن لدينا تنسيقا جيّدا مع كل المؤسسات، ولدينا علاقات جيدة مع المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، ونعقد اجتماعات متواصلة معه لمناقشة شؤون اللاجئين وخصوصا اوضاع اللاجئين الفلسطينيين من سوريا، ولدينا منقاشات مهمّة جدا حول الاقامات وتصاريح الدخول وثمة تعاون ايجابي دائم”.
يضيف: “منذ بدء عملي في لبنان، أي منذ قرابة عام ونصف عام، تمّ خفض رسوم معيّنة او الغاؤها من قبل “الامن العام”، ما سهّل حياة الفلسطينيين عموما واولئك القادمين من سوريا بشكل خاص”.