“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
يعيد موقع “مصدر دبلوماسي” نشر هذا التحقيق عن الحقيبة الدبلوماسية الذي نشرته مجلة “الأمن العام” في عددها لشهر أيلول الجاري. لقراءة المزيد من مواضيع المجلة الضغط على الرابط الآتي:
http://www.general-security.gov.lb/ar/magazines
فرضت اتفاقية فيينا حرمة خاصة تتعلّق بالاتصالات والمراسلات الدبلوماسية التي تقوم بها البعثة الدبلوماسية في بلد معيّن، وحسمت الحصانة المطلقة لسرية هذه المراسلات بما فيها “الحقيبة الدبلوماسية” تسهيلا لعمل البعثة وتحقيقا لاغراضها الرسمية.
تمثّل “الحقيبة الدبلوماسية” وسيلة تواصل بين وزارة الخارجية وسفاراتها في الخارج. بدأ تنظيم هذا التواصل في ستينيات القرن الفائت عند سريان العمل باتفاقيتي فيينا للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية، حينها لم تكن وسائل الاتصال الحديثة رائجة، فاستندت المراسلات والاتصالات حصرا الى التحرير الكتابي والشيفرة والاتصالات السلكية واللاسلكية. ويصف السفير المتقاعد وعضو “منتدى سفراء لبنان” قزحيا الخوري “الحقيبة الدبلوماسية” بأنها “الوعاء” الذي توضع فيه المراسلات الرسمية للدولة”.
تنص اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية الصادرة في 18\4\1961 (انضمّ اليها لبنان بقانون رقم 17 صدر بتاريخ 26\12\1970) في المادّة 27 على الآتي:” تجيز الدّولة المعتمد لديها حرية الاتصال لجميع الاغراض الرسمية وتصون هذه الحرية ويجوز للبعثة عند اتصالها بحكومة الدولة المعتمدة وبعثاتها وقنصلياتها الاخرى اينما وجدت ان تستخدم جميع الوسائل المناسبة بما في ذلك الرسل الدبلوماسيون والرسائل المرسلة بالرموز او بالشيفرة. ولا يجوز مع ذلك، للبعثة تركيب واستخدام جهاز ارسال لاسلكي لا يرضي الدولة المعتمدة لديها”.
ما يميّز “الحقيبة الدبلوماسية” هي الحصانة التي تتمتّع بها والتي يشرحها السفير الخوري بـ”حفظ حق الدّولة بالقيام بمهامها عبر ممثليها السياسيين اي الدبلوماسيين في الخارج من دون معوّقات”.
يلخص السفير الخوري لـ”الامن العام” ابرز القواعد التي تحكم الحقيبة الدبلوماسية:
*ليس من حجم معين للحقيبة الدبلوماسية، صحيح انها تسمّى “حقيبة” لكنها قد تتخذ اشكالا واحجاما متباينة (قد تكون مثلا “كروتونة” تحوي كتبا) ولا شيء يحدّ عدد الطرود التي تحويها.
الشرط الوحيد هو ان يحمل كل طرد ما يشير الى انه “حقيبة دبلوماسية”، فتكون عليه اشارة ” لايبل”، بأنه “حقيبة دبلوماسية” موجّهة من وزارة الخارجية اللبنانية الى السفارة اللبنانية في بلد ما. في لبنان توضع الحقائب في “شادر” يربط بخيط مشدود بشكل محكم وتوضع الاشارة المكتوبة عليه والتي تحدد هويته كحقيبة دبلوماسية، ويوضع خيطان لتثبيت الشمع الاحمر على الاشارة المذكورة وتغلق بشريط “مرصرص” ويتمّ كبسها.
تنجز هذا العمل عادة “مديرية الديوان” في وزارة الخارجية اللبنانية وتحديدا في “دائرة الحقيبة الدبلوماسية” التي تختص مع “دائرة البريد” بالمراسلات.
*يشترط ان تكون المراسلات الرسمية مصونة ويقصد بالمراسلات الرسمية جميع المراسلات المتعلقة بالبعثة وبوظائفها. حصانة الحقيبة التي تنقل هذه المراسلات مطلقة، فلا يجوز فتح “الحقيبة الدبلوماسية” او حجزها.
*يجوز ان يعهد بالحقيبة الدبلوماسية الى ربّان إحدى الطائرات التجارية المقرر هبوطها في أحد موانئ الدخول المباحة ويجب تزويد هذا الربّان بوثيقة رسمية تبيّن عدد الطرود التي تتألف منها “الحقيبة الدبلوماسية”، لكنّه لا يعتبر رسولا دبلوماسيا بل خاصا. ويجوز للبعثة ايضا ايفاد احد افرادها لتسلّم الحقيبة من ربّان الطائرة بصورة حرة ومباشرة.
وهل بالإمكان أن تمرّ “الحقيبة الدبلوماسية” عبر آلات التفتيش “السكانر”؟ يقول السفير الخوري:” لكي تتجنب الدولة هذا الامر، واذا كانت الرسالة ذي اهمية استثنائية، يحقّ لها تسليمها لربّان الطائرة باليد على ان يتسلّمها في المطار مندوب معيّن ومفوّض من السفارة اللبنانية، كي لا تمر على عنبر “السكانر”.
ويشدد السفير الخوري على ضرورة ” أن تحمل الطرود التي تتألف منها “الحقيبة الدبلوماسية” علامات خارجية ظاهرة تبيّن طبيعتها، ولا يجوز ان تحتوي الا الوثائق الدبلوماسية والمواد المعدّة للاستعمال الرسمي”.
تقوم الدولة بحماية “الرسول الدبلوماسي” أثناء قيامه بوظيفته على ان يكون مزوّدا بوثيقة رسميّة تبيّن مركزه وعدد الطرود التي تتألف منها “الحقيبة الدبلوماسية”، ويتمتّع شخصه بالحصانة ولا يجوز اخضاعه لاية صورة من صور القبض والاعتقال.
يجوز للدولة المعتمدة او للبعثة تعيين “رسول دبلوماسي” خاص، وتسري في هذه الحالة ايضا احكام الفقرة 5 من المادة 27 المذكورة في اتفاقية فيينا، وينتهي سريان الحصانات المذكورة فيها بقيام مثل هذا الرسول بتسليم “الحقيبة الدبلوماسية” الموجودة في عهدته الى المرسل إليه.
من جهتها، ذكرت اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية الصادرة في 24\4\1974 جملة قواعد تحكم “الحقيبة القنصلية” ابرزها أنه:
*لا يجوز فتح “الحقيبة القنصلية” ولا احتجازها، اما إذا كان لدى السلطات المختصّة في الدّولة المضيفة اسبابا جدّية تدعو للاعتقاد بأن “الحقيبة القنصلية” تحتوي على غير المراسلات والوثائق والموادّ المشار اليها في الفقرة 4 من هذه المادة، فإنه يحق لها ن تطلب فتح الحقيبة بحضورها من قبل ممثل مفوّض عن الدولة الموفدة (من المستحسن ان يكون دبلوماسيا)، واذا رفضت سلطات الدولة الموفدة اجازة مثل هذا الطلب فيحقّ للدولة المضيفة اعادة الحقيبة الى محلّ مصدرها.
هذا اقصى ما يمكن ان تفعله الدولة المضيفة لكن لا يمكنها فتح الحقيبة من دون رضى المندوب الدبلوماسي.
هل شهد تاريخ وزارة الخارجية اللبنانية مشاكل معيّنة تتعلق بالحقيبة الدبلوماسية؟
يروي السفير قزحيا الخوري بضع وقائع من خلال خبرته كمدير لدائرة الشؤون الإدارية والمالية بين عامي (2003 و2007) وكانت الدائرة مولجة آنذاك بإدارة شؤون “الحقيبة الدبلوماسية”. يقول السفير الخوري: “لا اذكر حدوث مشاكل مهمة بسبب الانضباط والحزم الكاملين. في احدى المرات قصدت شخصية لبنانية معروفة رئيسة الدائرة طالبة ارسال طرود خاصة لليابان، فرفضت ولما راجتعني رفضت بدوري بحزم. فقصدت الشخصية الوزير فسمعت الجواب ذاته، وتمّ افهامها بأن “الحقيبة الدبلوماسية” لا تستخدم لشؤون شخصية”.
هل أثرت وسائل الاتصال الحديثة على دور الحقيبة الدبلوماسية؟
يقول السفير الخوري:”ما يحدث ان وسائل التواصل الحديثة أثّرت على العمل الدبلوماسي برمّته وليس على “الحقيبة الدبلوماسية” فحسب، فهي أدّت الى تواصل مباشر بين المسؤولين يستغني احيانا عن المرور عبر السفارات. يعتمد البعض اليوم مثلا ارسال رسائل نصية عبر الهاتف ومراسلة دول ووزارات خارجية عبر “الإيميل” بشرط الا تحوي اسرارا. لكن “الايميل” ليس معتمدا اليوم كوثيقة رسمية لان لا إمكانية للتوقيع. هذه الوسائل تؤثر الى حدّ ما، في السابق كان السفير هو من يتسلّم المراسلات ويودعها الى وزارة الخارجية او الى الإدارة المختصة، فكان يعرف ماهيّة العلاقات وتفاصيلها بين دولته والدولة التي يمثل فيها بلده، وكان يناقش نظراءه في وزارات الخارجية عبر تواصل شخصي دائم. في حين ان اليوم يمكن لوزارة الخارجية عبر “الايميل” الا ترسل نسخة لسفارتها في البلد الذي تراسله في تجاوز لدور للسفارات، وهذا امر ممكن ان يحدث”.
وسائل تجسس حديثة تكشف اسرار “الحقيبة الدبلوماسية”
يروي وزير الخارجية السابق الدكتور علي الشامي في كتابه “الدّبلوماسيّة، نشأتها وتطوّرها وقواعدها ونظام الحصانات الامتيازات الدبلوماسية” ان
” الاتحاد السوفياتي السابق قطع علاقاته الدبلوماسية مع كوبا عام 1952 بسبب اصرار السلطات الكوبية على منع حاملي “الحقيبة الدبلوماسية” من دخول هافانا قبل فتحها وتفتيشها”.
ويقول الشامي في معرض الحديث عن تفتيش الحقيبة وعدم جواز المسّ بحصانتها بأن:” اخضاع الحقيبة لتصوير الكتروني خارجي هو نوع من التفتيش الذي تحظره المادة 27، ولكن هذا التصوير الالكتروني لا يمكن له ان يؤدي الى كشف اسرار الحقيبة والاطلاع عليها، بل للتأكد من ان المواد التي تحويها الحقيبة هي مواد معدّة للاستعمال الرسمي وليس لغير ذلك. فاذا حصل وتأكد امر احتوائها على مثل هذه المواد لا يحق فتح او حجز “الحقيبة الدبلوماسية” بل الطلب بسحبها واعادتها الى مصدرها”. يضيف الشامي:” اما من جهة اخرى فيمكن ان تلجأ السلطات المحلية الى مراقبة “الحقيبة الدبلوماسية” وفتحها بالطرق السرية اي طريقة الاستخبارات المتطورة جدا، وذلك على الرغم من ان بعض السفارات تستعمل وسائل متطورة جدا في تغليف وتحضير “الحقيبة الدبلوماسية” لمواجهة عمليات التجسس ووسائلها الحديثة، وذلك لمنع الحصول على الاسرار والاغراض داخل الحقيبة”. ويوصي الدكتور الشامي بمراجعة ” ملف مجلة “النهار العربي والدولي” تاريخ 18\11\1985 صفحة 36، وهو يعرض لاعترافات الكولونيل لوروا فانفيل، المسؤول الاول السابق لجهاز الاستخبارات الفرنسية في عهد الجنرال شارل ديغول، والذي عرض كيف يتمّ كشف اسرار الحقائب الدبلوماسية بوسائل التجسس الحديثة.