“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
أطلقت المبادرة الروسية لإعادة النازحين السوريين الى ديارهم صفّارة العودة الجدّية للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب السورية عام 2011 وتدفّق النازحين السوريين الى لبنان بأعداد هائلة وصلت الى ما يقارب المليون ونصف المليون سوري.
وتسرّع المبادرة الروسية التي انبثقت بشكل فجائي بعد اجتماع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب في هلسنكي في قطار العودة الطوعيّة من لبنان والأردن وتركيا التي تزورها وفود روسية مختلفة، حطّ أحدها اليوم الخميس في لبنان برئاسة الموفد الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتيف الذي تمكّن من توحيد الصّف اللبناني حيال هذا الملف الإنساني والسياسي في آن، أقلّه في الصورة التي جمعت في قصر بعبدا الرؤساء الثلاثة العماد ميشال عون والرئيس نبيه بري ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري الذي استقبل الموفد الروسي في بيت الوسط قبل التوجه معه الى قصر بعبدا حيث انعقد لقاء موسّع.
لافرنتيف: السوريون يريدون عودة النازحين
وكان لافتا بأن الموفد الروسي أبرز في تصريحه بعد اللقاء الجامع فكرة أن الحكومة السورية مستعدة لإعادة النازحين جميعهم وبأن هذه العودة تحتاج الى تنسيق دولي. وكان لافرنتيف واضحا حين قال: ” نعتقد ان الوضع في سوريا يميل الى الهدوء والحرب على الارهاب وعلى “داعش” وصلت الى نهايتها، بالطبع هناك حاجة لبعض الوقت للتعامل مع ما تبقى من الارهابيين وتحرير الارض السورية منهم ونأمل ان يتم ذلك، ليس فقط على الاراضي السورية بل على اراضي الدول التي يتواجدون فيها”.
وفي إشارة لافتة قال لافرنتيف:”من المهم تهيئة الاجواء الملائمة للنازحين للعودة والحكومة السورية ابلغتنا بالامس من خلال لقائنا مع الرئيس السوري بشار الأسد استعدادها في استقبال كل من يرغب من السوريين في العودة الى أرضه وتوفير كل الشروط اللازمة لهم للعودة الى وضعهم الطبيعي. ونعلم جميعاً انه ليس باستطاعة الحكومة السورية تأمين الاموال اللازمة بسبب الوضع الراهن، ونعتمد على المجتمع الدولي للمساعدة في هذا المجال، فهذا الامر له طابع انساني وليس سياسياً، ومن دون المساعدة الدولية سيكون من الصعب جداً خلق الاجواء الملائمة للسوريين الراغبين في العودة كونهم لا يعلمون كيفية العيش بعد وصولهم الى سوريا”.
المبادرة الروسية قلبت الموازين اللبنانية
ويبدو بأن كرة العودة الطوعية المتدحرجة هذه المرّة بمظلّة روسية وقبول أميركي انتزع ملف اللاجئين من أيدي بعض الدول التي رغبت بتحويله الى أداة ضغط سياسية على نظام الرئيس السوري بشار الأسد الذي بات يسيطر على السواد الأعظم من أراضي سوريا، ويبدو بأن هذه الكرة سوف تنتزع معها أيضا حقّ الدولة اللبنانية المشروع بالتنسيق المؤسساتي في هذا الملف مع الحكومة السورية والتي لم يبق معارضا لها سوى رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري الذي يحاول أن تكون المبادرة الروسية طوق نجاة له لإعادة النازحين بلا التنسيق السياسي المباشر مع الحكومة السورية.
ويبدو بأن هذه المبادرة الروسية الآتية من خارج السياق كانت مفاجئة لفريق رئيس الحكومة الذي قدّم في المؤتمرات الدولية الخاصة باللجوء وآخرها في بروكسيل 2 التزامات طويلة الأمد للمجتمع الدولي لإدماج السوريين في سوق العمل اللبنانية من دون أن يحصل على التزام دولي واضح بالمدّة الزمنية التي سيبقى فيها هؤلاء في لبنان، فجاءت المبادرة الروسية لتضعضع هذا الفريق بشكل ظهر بوضوح في التردد الحاصل في الكلام في هذا الملفّ.
مهّمة اللواء ابراهيم تدخل منعطفا جديدا
في هذا الإطار، يبدو بأن عملية التنسيق اللبنانية السورية والتي اقتصرت لغاية اليوم على جهود بذلها المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم في ملفّات أمنية شائكة ومن ضمنها ملف النزوح السوري وبتكليف من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون دخلت بدورها في منعطف جديد، وقد تحتاج الى تجديد التفويض المعطى للواء ابراهيم وخصوصا مع عرض أساسي قدّمه الموفد الروسي يتعلّق تحديدا بتشكيل لجنة مشتركة لبنانية روسية لوضع خطط العودة اللازمة للتنسيق مع لجنة مماثلة سورية روسية سوف تحدد أطر العودة من بلدان الجوار السوري وستجتمع دوريا بعد تشكيلها على أن يكون لرئيس اللجنة اللبنانية دور أساسي في التعاون والتنسيق معها في ما يخص عودة النازحين من لبنان.
وفي هذا الإطار رشحت أجواء من الوفد الروسي بضرورة التنسيق اللبناني السوري في هذا الملفّ وخصوصا وأن الوفد الروسي أكد بأن السوريين متشجعين على إعادة مواطنيهم بلا شروط وتبديد بعض المشكلات اللوجستية التي ستكون لها آليات تتدارسها اللجان المشتركة المذكورة بشرط وحيد هو أن تكون العودة طوعية.
وإذا كانت كرة العودة تكبر فإن وجوب التنسيق المشترك بات كرة ثلج متدحرجة ايضا، ما يحتاج أيضا الى قرار تنسيق لبناني مشترك في موضوع التعاون مع اللجنة السورية الروسية.
وإذا كان الإسم المعتمد لبنانيا بات معروفا وهو إسم اللواء ابراهيم نظرا الى ضلوعه المباشر بهذا التنسيق منذ أعوام، فإن اللحظة السياسية الدولية الراهنة تفترض بأن ينعكس “لمّ الشمل” السياسي اللبناني حول هذا الملف والذي تمثل اليوم بصورة “الترويكا” الرئاسية في تفويض سياسي جديد للمحاور اللبناني يجمع هذه المرّة الى توقيع رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي توقيع رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري الذي سيجد نفسه ملزما بمنح الغطاء السياسي للحوار مع السوريين في هذا الملفّ الذي بات تحت مظلّة روسية-أميركية مشتركة يصعب الحياد عنها.
فالخطّة الموحدة لإعادة النازحين السوريين والتي جاهر الحريري أمس بأنه اتفق عليها مع الرئيسين عون وبرّي لا يجب أن تبقى في إطار الصورة الجامعة، بل أن تتعدّاها نحو التنفيذ الفعلي لإظهار لبنان دولة موحدة لا مجموعة آراء متناقضة بأجندات مختلفة، فالمرحلة الجديدة في هذا الملفّ تتطلّب إعادة التأكيد بالسياسة وليس بالأمن فحسب على إعادة تكليف متجددة للمحاور اللبناني ممهورة بتوقيع رئيسي الجمهورية والحكومة معا.
يقوم فريق رئيس الحكومة بدراسة هذا الموقف، لكنّ أوساطا سياسية مواكبة للمحادثات تشير لموقع “مصدر دبلوماسي” بأن هذا التنسيق لا مفرّ منه بعد اليوم. أما الحديث عن آليات العودة فتتطلب انتظار تشكيل اللجان الموعودة ومعرفة من سيرأس اللجنة اللبنانية الروسية علما بأن الإسمين باتا معروفين وهما اللواء عباس ابراهيم عن الجانب اللبناني والسفير ألكسندر زاسبيكين عن الجانب الروسي. أما ما هو غير معروف بعد فكيفية التنسيق السياسي مع اللجنة السورية الروسية المشتركة وهل سيقبل المفاوضان ابراهيم وزاسبيكين الذهاب الى تنسيق لا يحظى بغطاء الحريري؟ وهل سيقبل رئيس الجمهورية أن يقوم رئيس الحكومة المكلّف بالتفرّد بقرار حيوي الى هذا الحدّ للبنان ويحظى بغطاء أميركي روسي رافضا التعاون؟
الأيام المقبلة ستحمل الجواب الحتمي.