“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
أعلنت وزارة الخارجية والمغتربين اليوم وإستناداً إلى مبدأ “المعاملة بالمثل” الذي يقع في صلب الاتفاقيات الدولية حول الحصانات والامتيازات الممنوحة لممثلي الدول، أنها قد أبلغت سائر السفارات الأجنبية المعتمدة في لبنان عن مباشرتها التطبيق الدقيق لهذا المبدأ لدى فتحها لصالون الشرف في مطار رفيق الحريري الدولي أمام الوفود الرسمية الأجنبية ورؤساء البعثات المعتمدين في لبنان، بحيث لا يمنح هذا الإمتياز إلاّ لفئات محددة من رسميي الدول التي تبادل نفس الفئات الرسمية اللبنانية المعاملة ذاتها لدى زيارة بلادها.
أما الشخصيات الرسمية التي لا تبادل دولها لبنان المجاملة نفسها، فسيتعين على سفارات بلادها إتباع الإجراءات الخاصة بفتح صالون الشرف لقاء بدل مالي.
في هذا الإطار، يعيد موقع “مصدر دبلوماسي” نشر هذا التحقيق عن مفهوم الحصانات والإمتيازات الدبلوماسية الذي نشرته مجلة “الأمن العام” في عددها لشهر حزيران الحالي. ولقراءة العدد يمكن الضغط على الرابط الآتي: http://www.general-security.gov.lb/ar/magazines
تعتبر الحصانات والامتيازات الدبلوماسية احدى ركائز العلاقات الدولية الاساسية وتهدف الى تأمين اداء فعال لوظائف البعثات الدبلوماسية في بلد معيّن.
تعني كلمة حصانة “الاعفاء من اعباء معينة”، وغالبا ما كان يعني الاعفاء المالي والضريبي، لكن “قاموس روبير” الحديث اعطى كلمة حصانة معنى “الاعفاء من القواعد العامة في مادة القضاء والمالية”. وتعني الحصانة القضائية حسب القانون الدولي العام ان الدول لا يمكن ان تخضع ضد ارادتها لقضاء دولة. أما كلمة امتياز فتعني منح افضلية خاصة لفرد او لفئة من الافراد مع امكانية التمتع بها خارج اطار القانون العام. وبحسب كتاب “الدبلوماسية نشأتها وتطورها وقواعدها ونظام الحصانات والإمتيازات الدبلوماسية” لوزير الخارجية السابق الدكتور علي الشامي فان “مصطلح أو كلمة حصانات وامتيازات تعنى في الأصل منح حماية للمبعوث الدبلوماسي بهدف عدم التعرض لشخصه، ومن جهة اخرى تعني التمتع بمزايا وباعفاءات معينة اخرى تسمح للمبعوث الدبلوماسي بتأمين وتحقيق اهداف مهمته”.
أما ابرز حصانات البعثة الدبلوماسية فهي:
*حصانة المقرات الدبلوماسية والأمكنة الخاصة التي تستخدمها البعثة في ممارسة مهامها ونشاطها من مبنى السفارة وملحقاته. ومن واجب الدولة المعتمد لديها مساعدة البعثة الدبلوماسية وتسهيل اقتناء المقرات اللازمة لها ومساعدتها على الحصول على المساكن اللائقة لأفراد البعثة عند الاقتضاء.
*حصانة المحفوظات والوثائق والاوراق الرسمية الخاصة بالبعثة إذ لا يجوز تفتيشها او مصادرتها او التعرض لها مهما كانت الأسباب وانى وجدت.
*الملجأ الدبلوماسي أو حق اللجوء الدبلوماسي: يرتبط بحق هذه المقرات في ايواء اشخاص يلجأون اليها طلبا للحماية وهربا من خطر يهدد حياتهم وهربا من السلطات المحلية وقضائها ويرتبط بمدى حق الدولة صاحبة الاقليم في ملاحقة هؤلاء الاشخاص الى حدّ دخول واقتحام هذه المقرات في حال رفضت البعثة الدبلوماسية او رئيسها تسليمها اليهم.
*الحصانة القضائية للبعثة، نظرا لان البعثة الدبلوماسية تستمد حصانتها من حصانة الدولة وهي تجسيد لها. تعتبر هذه الحصانة نوعا من عدم خضوع البعثة لسلطان الدولة الوطنية (المعتمد لديها)، ولا يمكن مقاضاتها بأية صورة من الصور ما دامت الدولة المعتمدة لم تتنازل عن هذه الحصانة الدبلوماسية. وتشمل حصانة البعثة القضائية جميع الأعمال التي تتعلق بوظائفها التي يقرها القانون الدبلوماسي والتعامل الدبلوماسي، وهي ذات بنية مفتوحة ترتبط بتطور العلاقات الدولية والدبلوماسية.
الامتيازات
يعني مصطلح امتيازات منح بعض المزايا المالية المتعلقة بالاعفاء من الضرائب والرسوم الجمركية. وبعد ان كانت هذه الامتيازات تمنح على اساس المجاملة الدولية والمعاملة بالمثل، اصبحت تمنح على اساس انها قواعد واضحة، ويظهر ذلك من خلال اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 التي تضمنت ما يقارب الـ 19 مادة تنص على الامتيازات الدبلوماسية. أبرز الإمتيازات:
*إعفاء مقرات البعثة من الضريبة العقارية والضرائب وأي رسوم تسجيل.
*اعفاء مواد وامتعة البعثة: من اية ضرائب مباشرة ويشمل ذلك العائدات او المداخيل التي تجبيها البعثة من منح سمات الدخول للرعايا الأجانب وما يشابه ذلك من رسوم او تجديد او تمديد جوازات السفر لرعايا الدولة المعتمدة او من رسوم تجبيها البعثة من جراء عمليات تصديق الشهادات الرسمية وافادات الولادات والوفيات، هذا بالاضافة الى اعفاء البعثة من دفع رسوم الطوابع البريدية وغيرها على وثائقها. وكذلك من الضريبة المباشرة عل المداخيل، والمبعوث الدبلوماسي معفي بطبيعة الحال من اداء الشهادة امام المحاكم المحلية من المسائل المتصلة مباشرة بالحصانة الشخصية وبالحصانة القضائية التي يتمتع بهما. ولا ننسى الحصانة التنفيذية التي تعني استبعاد اتخاذ وتنفيذ اية اجراءات او تدابير زجرية من حجز أو توقيف أو تفتيش أو وضع تحت الحراسة أو المراقبة إزاء الدولة الاجنبية من شأنها المساس بسيادتها واستقلالها او المساس بكرامتها.
بالنسبة الى حصانات اعضاء البعثة فالمبعوث الدبلوماسي وافراد اسرته وبيته لهم حرمة شخصية مطلقة وشاملة لذاته ولسكنه وأوراقه ومراسلاته وتنقله ولمروره في اراضي اقليم دولة ثالثة وهذا ما تؤكده كل الإتفاقيات الدبلوماسية كما يرد في كتاب الدكتور علي الشامي. وثمة اختلافات بين أعضاء البعثة بحسب اتفاقية فيينا لعام 1961 وهي ميّزت بين 4 فئات: الموظفون الدبلوماسيون بمن فيهم رئيس البعثة، والملحقون العسكريون من بحريين وجويين وتجاريين وثقافيين وافراد اسرهم.
الموظفون الاداريون والفنيون وافراد اسرهم. العاملون المستخدمون في البعثة.
الخدم الخصوصيون من غير مستخدمي الدولة المعتمدة.
الحصانة امتياز
استاذ العلاقات الدولية كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الدكتور عادل خليفة يعتبر ان الحصانة بحد ذاتها هي نوع من الإمتياز يعطى لأشخاص يمثلون الدولة وكان سابقا يعني اعفاء من النظام المالي أو الضريبي، أما اليوم فالحصانة هي الحماية للبعثة الدبلوماسية وأعضاء هذه البعثة، الحماية على الصعد كلها قضائية أمنية عدم التفتيش أو التوقيف أو كشف عن وثائق ومستندات لها علاقة بالدبلوماسي وبدولته. الحصانة الدبلوماسية هي شاملة وكاملة للبعثة الدبلوماسية التي تعتمد في دولة أخرى. الحصانة اليوم هي اعفاء وحماية وامتياز”.
ويشير الدكتور خليفة الى أن الحصانة مرتبطة بصلاحية الدولة لان هذه الحصانة تعطي الدولة صلاحية ممارسة سلطتها على اقليم دولة اخرى، بالسفارة الخاصة بها، وصلاحية شخصية على رعاياها في هذه الدولة الاخرى، وبالتالي فهي ترتبط ارتباطا وثيقا بالحصانة وبصلاحيات الدولة وبالسيادة”.
ومتى يبدأ الدبلوماسي بالتمتع بهذه الحصانات وماذا إذا تأخر قبول أوراق اعتماده؟
بحسب اتفاقية فيينا لعام 1961 جاء في المادة 39 في فقرتها الأولى أنه “يجوز لصاحب الحق في الإمتيازات والحصانات ان يتمتع بها منذ دخوله اقليم الدولة المعتمد لديها لتولي منصبه او منذ اعلان تعيينه الى وزارة الخارجية او اية وزارة اخرى قد يتفق عليها ان كان موجودا في اقليمها. أما لجهة انتهاء مدة التمتع بالحصانات والإمتيازات الدبلوماسية فاعتبرت الإتفاقية أن هذه الأخيرة لا تنتهي تلقائيا بانتهاء المهام او الوظائف الدبلوماسية بل تنتهي بمغادرة اقليم الدولة المعتمد لديها وهذا ما نصت عليه المادة رقم 39 في فقرتها الثانية.
وإذا كان مفهوم حصانة الدول متشعبا فماذا عن حصانة الدولة على صعيد العمل الدبلوماسي؟ بحسب كتاب الدكتور علي الشامي فقد “تجلى مفهوم حصانة الدولة المطلقة من خلال تأكيد الدول في هذه الإتفاقيات الدبلوماسية على ان البعثات الدبلوماسية بوصفها ممثلة لدولها تتمتع مع اعضائها بحصانة شخصية وقضائية مطلقة، وذلك بهدف ضمان الاداء الفعال لوظائف البعثة واعضائها. هذا من جهة، وقد برزت حصانة الدولة القضائية باعتبارها حصانة مطلقة من خلال الحصانة القضائية التي يتمتع بها المبعوثون الدبلوماسيون بموجب المادّة رقم 31 من اتفاقية فيينا لعام 1961، وذلك على الشكل الآتي:
اولا، اكدت هذه المادة على ان المبعوث الدبلوماسي يتمتع بحصانة قضائية جزائية مطلقة.
ثانيا، اكدت على حصانة قضائية مدنية وادارية مطلقة عن جميع الاعمال التي يقوم بها نيابة عن دولته وتدخل في اغراض البعثة. أما الاعمال الخاصة بالمبعوث والتي لا تدخل في أغراض البعثة ولا يقوم بها نيابة عن دولته، فلا تشملها الحصانة وبالتالي يخضع المبعوث للقضاء الوطني.
يبدو، اذن، من خلال مضمون هذه المادة ان اتفاقية فيينا لعام 1961، تبنّت مفهوم الحصانة القضائية المطلقة التي تشمل جميع الاعمال التي تتعلق بالدّولة والتي يقوم بها المبعوث الدبلومسي نيابة عنها، سواء اكانت اعمالا تتعلق بالمسائل الجنائية ام بالمسائل المدنية والادارية. ومن هذا المنطلق، تصبح الحصانة القضائية المطلقة التي تتمتع بها البعثة الدبلوماسية واعضاؤها بناء على المعيار او المفهوم الوظيفي، مدخلا وركنا اساسيا بفهم حصانة الدولة القضائية المطلقة، باعتبار ان الاتفاقيات الدبلوماسية اكدت على ان البعثة بوصفها ممثلة للدولة تستمد حصانتها منها”.
الحصانة نوعان: القضائية المدنية الادارية أي أنه لا تستطيع دولة ما أن تخضع لقضاء دولة أخرى، وبالتالي فإن هذه الحصانة تطال الدبلوماسية على الصعد كافّة. عندما يرتكب دبلوماسي اي خطأ او اي جنحة يجب رفع الحصانة الدبلوماسية عنه قبل محاكمته، ولا يمكنه أن يبتّ بقبول أو برفع حصانته بل يجب العودة الى الدولة التي عينته، أو محاكمته في دولته.
الحصانة هي مفهوم عام أصبح يطال كل العلاقات الدولية والدبلوماسية بين الدول. الدولة المضيفة دورها الدفاع عن المدعين في بعض الأحيان بانتظار رفع الحصانة عن هذا الدبلوماسي فاما محاكمته في الدولة المعتمدة واما محاكمته في دولته الأولى.
درجات الحصانة:
هنالك جسمان، الجسم الدبلوماسي والجسم الإداري، والموظفين والخدم.
الجسم الإداري والخدم والحراس يخضعون لحصانة نسبية، الدبلوماسي يخضع لحصانة مطلقة.
لا حصانة لهؤلاء في القضايا الخاصة التي تعنيهم مباشرة خارج إطار عملهم.