“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
إذا اردت أن تعرف ما يحصل في ملف النزوح السوري الى لبنان فتّش عما التزمت به حكومة الرئيس سعد الحريري السابقة في مؤتمر بروكسيل (2).
انعقد مؤتمر ” دعم مستقبل سوريا والمنطقة” المعروف بمؤتمر بروكسيل (2) في 24 و25 نيسان الفائت وقد استضافه الإتحاد الأوروبي برئاسة مشتركة مع الأمم المتّحدة.
وعلى غرار المؤتمرات السابقة في الكويت ولندن جدد المؤتمر التزامه بالدعم السياسي والإنساني والمادي للشعب السوري من جهة ولبلدان الجوار وللمجتمعات الأشد تأثرا بالصراع، وهو تمكّن من جمع 86 وفدا بينها 57 دولة و10 ممثلين للمنظمات الإقليمية وللمؤسسات المالية كـ”صندوق النقد الدولي” الى 19 وكالة تابعة للأمم المتحدة. وقد شاركت 250 منظمة غير حكومية (جمعيات أهلية) بالتحضيرات التي جرت للمؤتمر الذي استمر ليومين وذلك بحسب البيان الرئيسي المشترك للمنظمين.
هذا البيان تحديدا هو موضوع هذا التقرير وقد تمّ التوقيع عليه من الحكومة اللبنانية السابقة برئاسة سعد الحريري مع كلّ ما يحويه من نصوص ملأى بألغام تصب في صالح الدمج الطويل الأمد ولا تتلاقى مع الهدف اللبناني بإعادة النازحين السوريين بأسرع وقت الى بلادهم.
نقض البيان المشترك لا يكون إلا عبر الحكومة
هذا البيان الختامي المشترك، وقعه لبنان من دون ان يتمكن من وضع لمساته عليه، وكانت الحجة أنه غير ملزم للبنان وحده بل للأردن وتركيا. هذا المناخ السائد بين أوساط مستشاري الحريري ينقضه نصّ البند الثالث من البيان المشترك الذي ينصّ على الآتي:” إن المشاركين السابقين في مؤتمر بروكسيل (1) أي المانيا والكويت والنروج وقطر والمملكة المتحدة، قدموا مدخلات جوهرية على التحضيرات وورقة الإجراءات للمؤتمر. كذلك فإن الأردن ولبنان كانا منضويين عن قرب بروح الشراكة، مع اعتراف كامل بجهودهم منذ بداية الصراع السوري. كذلك أسهمت تركيا بشكل مهم لأنها بلد يستضيف أكبر عدد من اللاجئين السوريين وكونها لاعب اقليمي رئيسي”.
وبالتالي فإن توقيع الحكومة اللبنانية على هذا البيان المشترك يلزمها حكما، بحسب ما قالت أوساط دبلوماسية قريبة من الأمم المتحدة تحدثت الى موقع “مصدر دبلوماسي” شارحة بأن المجتمع الدولي يعتبر بأن النقاشات الحاصلة حاليا في لبنان في شأن إعادة اللاجئين السوريين الى ديارهم فورا وتحركات وزارة الخارجية والمغتربين والجدال السياسي الحاصل ليست الا جزءا من اللعبة السياسية اللبنانية الداخلية، ولا تعدو كونها مماحكات سياسية، في حين أن الحكومة اللبنانية التزمت ببيان بروكسيل (2) في شأن الخطط الدولية في إدارة ملف اللجوء السوري، وهذا ما يهم المجتمع الدولي الذي ينظر الى الحكومة كحكومة وليس كأفراد يتفردون بقرارات لا تشمل الجميع”.
ولفتت الأوساط الى أن “أي رغبة بتغيير هذا الأمر يتطلب قرارا جامعا من الحكومة اللبنانية الجديدة تطلب فيه سحب التوقيع عن بيان بروكسيل (2) معلنة بأنها لن تنفّذ ما ورد فيه”.
الألغام حاضرة في البيانين الخاص بلبنان والمشترك
قبل التوغّل في البنود المثيرة للجدل في البيان المشترك، فإن التمحيص في حيثيات البيان الخاص بلبنان يكشف ايضا أن الحكومة اللبنانية التزمت بأمور تصبّ في مصلحة الدمج غير المباشر من خلال بنود عدة منها التزامها بأن يجدد اللاجئون السوريون اقاماتهم مجانا وتقديم تسهيلات سكنية للاجئين للسماح لهم بالإستمرار في دفع ايجاراتهم (البند 43) والالتزام باعادة السماح للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين بمتابعة تسجيل اللاجئين السوريين (البند 44) وتوفير العلاج الصحي لجميع السوريين وللبنانيين الأكثر هشاشة (المادة 48) وسواها من البنود.
البنود المثيرة للجدل
ما هي أبرز الأفكار والبنود المثيرة للجدل في البيان المشترك؟ هنا ملخص عنها أعده موقع “مصدر دبلوماسي“:
*شاركت الجمعيات الأهلية بشكل مكثف بالمشاورات التي سبقت المؤتمر واطلعت على كافة تفاصيله ومن اصل 164 جمعية اهلية يذكر البيان انه كان ثمة 15 جمعية من سوريا و72 من البلدان الثلاثة الرئيسية التي تستضيف لاجئين وبطبيعة الحال أن لبنان هو جزء منها.
*منظمات المجتمع المدني في سوريا وفي بلدان الجوار السوري ناقشت الأدوار التي ستضطلع بها في مستقبل سوريا في جلسات مغلقة ومستقلة برعاية الإتحاد الأوروبي ومكتب الممثل الخاص لسوريا. وقد أكد الإتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي على استمراره للعمل مع المجتمع المدني السوري كشريك أساسي للتوصل الى حل سلمي في الصراع وتطلعاته المشروعة للإسهام في مستقبل البلد.
*المؤتمر طلب تعهدات مالية للمساعدة في حل ازمة اللجوء لغاية سنة 2020.
*من المفيد قراءة البند 17 بحرفيّته:” اتفق المشاركون على أن الظروف الحالية ليا توصل الى تحقيق العودة الطوعية في أمان وكرامة. لا تزال هناك مخاطر كبيرة بالنسبة للمدنيين في جميع أنحاء البلاد حيث لا يزال الوضع يتسم بمواصلة القتال والنزوح حيث تم تشريد 2.6 مليون شخص في عام 2017 وحده. ولم تتحقق بعد شروط العودة كما حددتها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ووفقاً لمعايير قانون اللاجئين الدولية يجب أن تكون أي عودة منظمة طوعية وفي أمان وكرامة“.
*ذكر البند 19 أنه بالرغم من التزام بلدان الجوار لا سيما الأردن ولبنان بكل الإلتزامات في مؤتمري لندن عام 2016 وبروكسل عام 2017 فإنه مطلوب المزيد من العمل لتوفير الحماية المستمرة والفعالة للاجئين ضد مخاطر الإخلاء القسري والعودة والى تحسين حالة إقامتهم القانونية.
*شدد البند 20 على ضرورة توفير الدعم على المدى الطويل والمستمر وخصوصا في الصحة والتربية والتنمية الإقتصادية وخلق فرص عمل والدمج في أسواق العمل للاجئين وللمجتمعات المضيفة سويا وخصوصا النساء والشباب. والتزم المشاركون بتوفير الدعم للفئات الأكثر هشاشة من اللاجئين وللمجتمع المضيف من خلال دفع الأموال وآليات مساعدة اجتماعية حمائية. وقال أن إعادة التوطين هو تدبير حمائي رئيسي للاجئين.
*هنأ البند 21 الحكومة اللبنانية على رؤيتها للاستقرار والتنمية وخلق فرص عمل وخصوصا في خطة الإستثمار التي قدمتها في “ٍسيدر” والمربوطة بسلة اصلاحات مقرونة بمدة زمنية، وكذلك رحبت بنتائج مؤتمر روما (2) الذي انعقد في 14 آذار 2018.
*في البند 24 ورد الآتي:” التزم المشاركون بدعم المزيد من الاستثمارات من أجل تعزيز النمو الاقتصادي الشامل والتنمية الاجتماعية في لبنان والأردن بما في ذلك من خلال التمويل بشروط ميسرة ومزج المنح بالقروض واستخدام خطة الاتحاد الأوروبي للاستثمار الخارجي بالتعاون مع المؤسسات الأوروبية والقطاع الخاص. وأشادوا بالجهود التي تبذلها البلدان المضيفة لفتح سبل الوصول إلى التعليم والمياه والصرف الصحي والخدمات الصحية وشجعوا على إحراز المزيد من التقدم.
الاستثمار في البنية التحتية ورأس المال البشري ضروري لتحسين جودة الخدمات وسيستمر دعمه.
كما أشار المشاركون إلى أهمية التدريب المهني للاجئين للمجتمعات المضيفة بما يتماشى بشكل وثيق مع احتياجات العمل في القطاع الخا. وينبغي تعزيز تدابير الحماية لا سيما توفير الإقامة القانونية”.
منع العودة المبكرة أحد أولويات المفوضية
تنبغي الإشارة في نهاية هذا التقرير الى أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والتي تعمل في لبنان منذ بدء الأزمة السورية لا تخفي أجندتها التي تتلاءم مع أهداف المجتمع الدولي التي وافق عليها لبنان سواء في مؤتمرات لندن أو الكويت أو بروكسيل (1) والآن بروكسيل (2). وقد نشرت المفوضية أولوياتها لسنة 2018 على موقعها الرسمي ومن المفيد الإطلاع عليها وهي كالآتي:
· الحفاظ على حيز اللجوء للاجئين السوريين ما داموا بحاجة للحماية، ومنع العودة المبكرة.
· ضمان توفير الحماية الملائمة، وإيجاد حلول دائمة للاجئين غير السوريين (معظمهم عراقيون).
· الحفاظ على رفاه اللاجئين وكرامتهم بما في ذلك من خلال توفير المساعدة النقدية لتلبية احتياجاتهم الأساسية ودعم الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم والمأوى الملائم وخدمات المياه والصرف الصحي والنظافة.
· توفير المساعدة القانونية للأشخاص عديمي الجنسية.