“مصدر دبلوماسي”-خاص
نظّم مركز الشرق الأوسط للأبحاث والدراسات الإستراتيجية والمنتدى الإقليمي للإستشارات والدراسات ومؤسسة كونراد أيدناور جلسة نقاش مغلقة حول الورقة التي قدّمها العميد الركن المتقاعد خالد حمادة بعنوان إستقرار لبنان: بين القرارات الدّولية والضغوط الإقليمية حضرتها نخبة من الباحثين السياسيين.
وقبل الدخول في تفاصيل النقاش تحدث رئيس مركز الشرق الأوسط للأبحاث والدراسات الإستراتيجية إيلي الهندي ورحب بالحضور وكذلك مدير مركز كونراد إيدناور في لبنان مالتي غايير.
عرض مضمون ورقة حمادة
وعرض العميد حمادة ملخصا شاملا عن الورقة التي أعدّها.
يستهل حمادة ورقته بمقدمة تشير الى أن “استقرار لبنان ارتهن منذ تأسيسه لمؤثرات القوى الخارجية الفاعلة. وقد أدى تداخل عوامل عدّة خلال السنوات المنصرمة، أبرزها سيطرة “حزب الله” على القرار السياسي والإقتصادي للحكومة اللبنانية، تنامي نفوذ ايران التوسعي الذي أدّى الى تورّط “حزب الله” في الصراع السوري وسيطرته الكاملة على الحدود الشرقية بين سوريا ولبنان، وظهور روسيا كلاعب اقليمي مهيمن على القرار الميداني في سوريا وعلى مسار التسوية السياسية، كلّ ذلك وضع التوازن الدقيق في لبنان على المحك. مستقبل الإستقرار في لبنان سيبقى دائما في موقع حرج إذا استمر التدخل الخارجي ولا سيما أمنه الداخلي وأمن حدوده وتوازنه الداخلي الهش والدعم الدولي ولا سيما المالي ودوره المستقبلي في نظام إقليمي متغيّر”.
نقد التسوية السياسية الأخيرة في لبنان
وركز العميد حمادة على نقد التسوية السياسية بين “التيار الوطني الحر” و”تيار المستقبل”، فقال في ورقته:” لم يكن الإستقرار الأمني أو السياسي يوما في لبنان وليد تسوية سياسية داخلية بين مجموعات سياسية محلية، مراكز القوى الإقليمية والدولية كانت دائما هي المحرّك الأساس للمجموعات اللبنانية التي بقيت عاجزة عن تحقيق الإنصهار الوطني الحقيقي كشريك في تأسيس لبنان الوطن ولبنان الدولة، وربّما لا يزال مصطلح الكيان اللبناني الذي يستحضر الطريقة التي أعلنت بها دولة لبنان الكبير والذي اعتمد في الأدبيات السياسية خير تعبير عن توصيف واقعي لوطن لا يزال قيد الولادة”.
وطرح العميد حمادة مجموعة افكار جدلية أبرزها:
أولا، أن التسوية السياسية التي أوصلت العماد ميشال عون الى سدّة الرئاسة في 31 تشرين الأول 2016 أدت الى عدة أمور أبرزها دخول لبنان وللمرة الأولى مرحلة من التشنج والعزلة مع دول الخليج العربي نتيجة استمرار نشاط “حزب الله” العسكري في سوريا واليمن واستمرار الحملات الإعلامية التي شنّها الحزب بحق دول الخليج وتحديدا المملكة العربية السعودية، رغم تأكيد كل من رئيس الجمهورية في خطاب القسم ورئيس الحكومة في البيان الوزاري، الإلتزام بإتفاق الطائف وميثاق جامعة الدول العربية والقرارات الدولية لا سيما القراران 1701 و1559 والإبتعاد بلبنان عن الصراعات الإقليمية. (…) أما من أبرز الخروق التي عددها حمادة لالتزام لبنان بشرط النأي بالنفس بعد ازمة استقالة الرئيس سعد الحريري في الرياض فهي ” استمرار النشاط العسكري لـ”حزب الله” في اكثر من دولة عربية، بالإضافة الى استمرار الزيارات الميدانية لكوادر من الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعية الى الجنوب اللبناني وتحديدا لبقعة عمل اليونيفيل” مما شكل مرات خرقا فاضحا للقرار 1701 (…).”
الأمر الثاني استمرار الفراغ الأمني وعدم السيطرة الكاملة على الحدود الشرقية، يقول حمادة في ورقته: أن نجاح الجيش في عملية “فجر الجرود” ضد تنظيم “داعش” الإرهابي في 30 آب 2017 ” لم تتمكن الحكومة اللبنانية من استثمار الإنتصار الكبير الذي حققه الجيش، بمعنى الدفع نحو سيطرة الجيش على المعابر الحدودية ووقف عمليات تهريب ومرور الأسلحة والمقاتلين والبضائع من والى سوريا وكذلك تطبيق الخطط الأمنية وإعادة المواطنين الى كنف الدولة في البقاعين الأوسط والشمالي. إنتهت عملية “فجر الجرود” والتي كانت من الممكن ان تشكل نقطة تحوّل نموذجية لإظهار قدرة الجيش على حماية لبنان بصفقة عقدها “حزب الله” والنظام السوري مع التنظيم الإرهابي الأمر الذي طرح أمام الجهات الداعمة للجيش أكثر من علامة استفهام حول قدرة الدولة اللبنانية وقواتها المسلّحة على استعادة السيطرة على قرارها الأمني والسياسي”.
ثالثا، تطور الوضع في الجنوب السوري وتحقيق الجيش السوري و”حزب الله” تقدما على المعارضة على كامل الغوطة الغربية، الممتدة حتى الحدود المحتلة عند هضبة الجولان، وخروج قوافل مقاتلي “جبهة النصرة” نحو ادلب بموجب اتفاق مع النظام. وعلى المقلب السوري ووفقا لعدّة تقارير استعلامية فإن الرئيس بوتين تولى تثبيت اتفاق غير معلن بين الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يقضي بالتزام الرئيس السوري تامين منطقة عازلة بعمق 40 كلم مقابل خط وقف اطلاق النار. هذا الأمر يعني التزاما روسيا بضمان أمن شمال إسرائيل على الجبهة السورية كما يعني مزيدا من حرية الحركة بين الجنوب السوري والجنوب اللبناني لمقاتلي “حزب الله”، يرفع من احتمالات التوتر في الجنوب اللبناني ويضاعف من سيطرة “حزب الله” على قرار الحرب والسلم في لبنان”.
أضاف العميد حمادة عاملا رابعا هو قدرة لبنان على تطبيق الإلتزامات الدولية “التي عبّر عنها بيان باريس الصادر في 8 كانون الأول المنصرم عن مجموعة الدعم الدولية واكد على الزامية تطبيق الشروط الدولية لا سيما القراران 1559 و1701. اما العامل الخامس فهو الموقف الدولي والإقليمي من تمدد النفوذ الإقليمي.
وسادسا عودة روسيا الى المنطقة وتعارض المصالح الروسية الإيرانية، وفي هذه النقطة كتب الآتي: “روسيا القوة العائدة الى المنطقة نجحت بالتحرك بحرية في كل الفراغات التي خلّفها الإرتباك الأميركي فثبّتت نظام الأسد وأقامت قاعدتين عسكريتين: بحريّة في بانياس، وجوية في حميميم لمدة خمسين سنة قابلة للتجديد، فضمنت السيطرة على قرار سوريا السياسي وعلى ساحلها وأجوائها. أقامت علاقة استثنائية وتفاهمات مع تل أبيب وافسحت المجال لطائراتها لقصف مواقع النظام السوري ومواقع حلفائه ورعت في الوقت عينه عودة قوات النظام الى حدود المنطقة المحتلة في الجولان وضمان أمن الحدود الإسرائيلية الشمالية. أعلنت انتصارها على الإرهاب وحافظت على صلات متينة مع أنقرة، ونجحت في جمع التناقضات التركية والإيرانية تحت رعايتها رغم موقفيهما المختلفين من النظام في سوريا. زيارات بوتين لمصر وتركيا وتثبيت التعاون في المجال النووي مع كلّ من مصروتركيا بالإضافة الى النجاح في مدّ أنبوب الغاز الروسي عبر البحر الأسود، والسيطرة على الساحل السوري برسم خطّ تماس جديد في وسط العالم العربي. روسيا التي استحوذت على هذا الكمّ من الميزات الجيوسياسية والتي نجحت في اعلان اربع مناطق خفض التوتر في سوريا، من خلال مفاوضات قادتها في كل من آستانا وسوتشي بشكل مواز لمؤتمر جنيف، لا تبدو مرحبة بشركاء في النفوذ ما بعد التسوية السياسية.
النفوذ التركي الذي ترعاه في الشمال السوري يعبّر عن الرغبة في مقارعة الولايات المتحدة عبر حلفائها الأكراد أكثر منه دعوة الى الشراكة في ادارة سوريا، طبعا اذا اخذنا بعين الاعتبار الرفض الكلّي للنظام السوري لاي وجود عسكري تركي واعتبار ذلك عدوانا صريحا على سوريا. التسوية السياسية النهائية يجب أن تلائم ما بين النفوذ الأميركي والنفوذ الروسي في سوريا.
روسيا ستسعى لخروج القوات التركية من الشمال السوري، والولايات المتحدة الأميركية ستسعى بدورها لخروج القوات الإيرانية من دمشق ومحيطها. بمعنى آخر، فإن التنافس الأميركي الروسي على الجغرافيا السورية قد يفضي عند اقرار التسوية، الى خروج الميليشيات الإيرانية بالتزامن مع انهاء الوجود الميليشوي الكردي في الشمال السوري”.
وفي ختام ورقته يقول العميد حمادة بأن المتغيرات الآنفة الذكر تؤسس لمجموعة من الظروف وربما الحقائق التي تجعل قدرة لبنان محدودة على تجاوز المرحلة وتطرح العديد من الإشكاليات المتعلقة بإستقراره وهي كالآتي:
أولا، ما هي قدرة لبنان على الصمود والتماسك في ظل العزلة العربية وحالة الجفاء مع دول الخليج العربي وما هي تداعيات ذلك على الإقتصاد وعلى التقديمات المالية التي يبدو لبنان بأمس الحاجة اليها؟
ثانيا، ما هي قدرة لبنان على الوفاء بالعهود التي قطعها على نفسه أمام المجموعة الدولية في اجتماع باريس، وتحديدا قدرة الحكومة على إجبار الفرقاء السياسيين على الإلتزام بالنأي بالنفس في ظل استمرار “حزب الله” بخرق القرار 1701؟ وما هي تداعيات تخلي المجموعة الدولية عن دعم لبنان اقتصاديا في مؤتمر “سيدر” ودعم قواته المسلّحة في روما (2) وحل مسألة النازحين في مؤتمر بروكسيل؟
ثالثا، ما هي قدرة الدولة اللبنانية على اتخاذ قرار بالسيطرة على الحدود الشرقية وإقفال المعابر غير الشرعية كافّة، والتي تشكّل موردا اقتصاديا لـ”حزب الله”؟ الى جانب استمرار تهريب الأسلحة والمقاتلين؟ وما هي تداعيات عدم القدرة على ذلك امام المجتمع الدولي وتحديدا المجموعة الدولية لدعم لبنان؟
رابعا، ما هي تداعيات التسوية النهائية في سوريا في ظلّ عدم اتضاح مستقبل قوات الحرس الثوري العاملة في سوريا ومصير محور طهران-بيروت؟
خامسا، ما هي حدود طموح روسيا في المنطقة بعد نجاحها في بناء علاقات استراتيجية على مستوى الدفاع والطاقة مع كلذ من تركيا ومصر، وتثبيت قواعدها العسكرية في سوريا، واضطلاعها بدور الضامن لأمن اسرائيل، وارتسام خط نفوذ روسي يبدأ من البحر الأسود مرورا بشرق المتوسط حتى البحر الأحمر، في ضوء الضياع الأميركي؟ ما هو موقع لبنان في ضوء كل ذلك وهل يتحول لبنان الى ساحة صراع أميركي روسي بواسطة لاعبين إقليميين؟
نقاش حول الإستراتيجية الدفاعية
ودارت أخيرا حلقة نقاش مغلقة أجاب عنها حمادة على أسئلة الحضور واستمع الى مداخلاتهم، وأبرز الأفكار التي طرحت تعلقت بالإسترتيجية الدفاعية التي سيقبل لبنان على الحوار حولها وكان تخوّف من أن تحرف هذه الإستراتيجية عن مضمونها فتصبح المقاومة تموّل من قبل الدولة اللبنانية عوض أن تموّل من ايران كما قال سام منسى. في حين تحدثت الباحثة منى فياض عن إمكانية تنازل إيران في اليمن مقابل التشدد في سوريا وهي نقطة ارتكازها. وقال ابراهيم شمس الدين بأن لبنان يتحول الى كونفيديرالية طوائف بتوافق بين الجميع، وتحدث عن دور ايران و”حزب الله” تعقيبا على مداخلات أشارت الى وهن في الدور الإيراني فأشار شمس الدين الى أن الحكومة الإيرانية قد تدخل في تسوية لها علاقة باليمن لكن وضعها في العراق ليس متأزما البتة بالرغم من تنوع داخلي عراقي عبّر عن ذاته لكنه لا يصل حدّ المواجهة. مشيرا الى أن الوضع في العراق أفضل منه في لبنان واصفا “حزب الله” بأنه تحوّل الى حالة شبه مستقلة عن ايران نظريا كونه يعمل بحيوية خاصة، منبها الى أن انحساره الى الداخل اللبناني يعني تمكّنه أكثر وليس العكس”. ورفض مصطلح الإستراتيجية الدفاعية قائلا أن لبنان دولة فيها مؤسسات وليس هذا المصطلح المطروح الا محاولة لترويج استيطان “حزب الله” في الداخل اللبناني. ونبّه الحاضرون الى سوء العلاقة مع الخليج وهي سابقة لم تحصل في تاريخ لبنان وضرورة إعادة الحيوية للعمل الإقليمي.