“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
منذ انتهاء الإستحقاق الإنتخابي النيابي بدأ بثّ مناخ إيجابي في عروق الجسم السياسي اللبناني العليل والذي ازداد اعتلالا بفعل المماحكات الإنتخابية التي حصلت والتي وصلت نسبة الإحتدام فيها الى مستوى غير مسبوق. أول المبادرين كان رئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل، الذي عدّل بخطابه التعبوي الذي قرأه حلفاؤه وخصومه على حدّ سواء بأنه في غير محلّه ولا يصبّ في مصلحة المسيحيين وخصوصا في رميش ومغدوشة وأيضا في التحالفات غير المتجانسة التي اقامها وخصوصا مع الجماعة الإسلامية في صيدا وتخليه عن تحالفات طبيعية مع “حزب الله” مثلا في دائرة كسروان وجبيل بل ذهابه الى ترشيح أشخاص في دوائر مثل بعلبك الهرمل وحاصبيا والنبطية ومرجعيون لم ينجح منهم أحد.
وشكّل اللقاء والغداء بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه برّي بداية الطريق أعقبته المقابلة التي أجراها باسيل مع صحيفة “الأخبار” والتي ضرب فيها عصفورين بحجر واحد. فهو تحدث عن الرئيس القوي داخل طائفته قاصدا الرئيس نبيه بري وقاصدا نفسه ايضا هو الذي يطمح الى التربّع على مقعد رئاسة الجمهورية بعد أعوام كالرئيس المسيحي القوي داخل طائفته.
وكان لتلطيف باسيل الجوّ مع بري وقعه الإيجابي في حركة “امل” من جهة وعند “حزب الله” من جهة ثانية.
وجاء تفكيك اللغم الثاني، حيث كانت رغبة لدى باسيل بأن تتشكل حكومة موالاة ومعارضة، ليرسو الأمرعلى حكومة وفاق وطني تتمثل فيها جميع الأطياف اللبنانية.
أما اللغم الثالث والأخطر فتمثل بالرغبة السعودية باستبعاد “حزب الله” عن الحكومة الجديدة، وتوقيت تصنيف “حزب الله” إرهابيا بجناحيه السياسي كما العسكري مواكبة لتصنيف وزارة الخزانة الأميركية، وقد تمّ تجاوز هذا اللغم أيضا بحسب اوساط سياسية مواكبة لتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة سعد الحريري.
في ذهن السعوديين عندما وضعوا “حزب الله” بجناحيه العسكري والسياسي على لوائح الارهاب تماشيا مع قرارات أميركية أن يمنعوا الحزب من المشاركة في الحكومة الجديدة، لكنّ رئيسا الجمهورية والحكومة يدركان تماما أن هذا الأمر غير واقعي على الإطلاق، وبالتالي لم يتم الإستجابة لبنانيا لهذا المطلب. وإذا كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون معروفا بخياراته السياسية الثابتة استراتيجيا مع محور لا يزال يراكم النجاحات وذلك منذ تفاهم مار مخايل، فالسؤال هو كيف تمكّن الرئيس سعد الحريري من تجنب الضغط السعودي الجديد والذي تبدّى بشكل صارخ في طلب تنحية مدير مكتبه نادر الحريري الذي لم يكن مجرد مدير تنفيذي يحدد المواعيد بل شريكا اساسيا في صياغة التفاهمات السياسية؟ تقول الأوساط السياسة المواكبة لتشكيل الحكومة بأن الحريري –على ما يبدو- حاول موازنة الضغوط السعودية بما يقابلها من ضغوط أميركية وفرنسية. فالولايات المتحدة الأميركية وفرنسا متشبثتان الى أبعد الحدود بالإستقرار في لبنان. لكن لماذا أعاد الأميركيون التأكيد على تصنيف “حزب الله” في هذا التوقيت بالذات؟ تشير الأوساط المذكورة الى أن الأميركيين أعادوا التأكيد على تصنيف الحزب كجزء من معركة ضد محور المقاومة بدأت منذ عام 1982، ولأنهم انزعجوا من نتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة، لكنهم لن يذهبوا بعيدا في زعزعة كيان المؤسسات الدستورية اللبنانية، وهم يدركون بأن “حزب الله” جزء من لا يتجزأ من الحياة السياسية اللبنانية أولا وجزء أساسي من الإستقرار ثانيا. وفي قراءة هذه الأوساط أن التصنيف الأخير جاء لدور “حزب الله” في سوريا ولدوره في الموضوع الفلسطيني وخصوصا قضية القدس وايضا في اليمن، لكن الأميركيين يدركون أن “حزب الله” في لبنان هو قوة سياسية كبرى لا يمكن تشكيل الحكومة من دونها.
وبالتالي وبحسب قراءة الأوساط المذكورة يحاول الحريري موازنة الضغوط السعودية بالضغوط الغربية، وربما أفهم السعوديين أنه لا يمكن تنفيذ طلبهم لأنهم إذا أصروا عليه فمن المستحيل تشكيل حكومة مع ما يستتبع ذلك من تعريض الإستقرار والأمن والإقتصاد الوطني للإهتزاز، ويقع فراغ كبير وليس من مصلحة البلد ملء هذا الفراغ إلا من قبل الدولة نفسها. هكذا تمّ تجاوز هذا المطلب السعودي، وبالتالي نتجه نحو تشكيل الحكومة و”حزب الله” جزء منها.
أما المدّة التي سيتتطلبها التأليف فمرتبطة بألغام جديدة ستواجه التشكيل. أولى العقبات هي وزارة المال التي يتشبث بها الرئيس نبيه بري، الثانية تمثيل المسيحيين من خارج “التيار الوطني الحرّ” والثالثة هي تمثيل السنّة من خارج “تيار المستقبل”.
أما “حزب الله” فتعتبر أوساطه أنه تمّ تجاوز العقبة الخارجية وتحديدا السعودية. والواضح أنه لا قدرة أميركية سعودية لمنع “حزب الله” من أن يكون جزءا من الحكومة. يبث “حزب الله” أجواء إيجابية كبرى تظهرت بحصد الرئيس نبيه بري 98 صوتا جددت له رئاسة المجلس النيابي لولاية سادسة، وحيازة الحريري على 111 صوتا شجع عليها “حزب الله” الذي وضع هدفا بعد الإنتخابات النيابية –بحسب أوساط مقربة منه” هو تضميد الجروح أولا بين حركة “أمل” والتيار الوطني الحرّ” وثانيا بين الأخير وبين “تيار المردة”، حيث سيكون الوضع غير سليم في حال رغب رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل بألا يكون “تيار المردة” ممثلا في الحكومة.
وكذلك ثمة مشكلة في تمثيل السنة من خارج “تيار المستقبل” حيث يوجد 9 مستقلين سنّة مع الرئيس نجيب ميقاتي، 8 من هؤلاء ينتمون فعليا الى قوى 8 آذار بالإضافة الى نجيب ميقاتي وفؤاد مخزومي.
لميقاتي حيثية كبرى في الشمال حيث احتلّ المرتبة الأولى ومخزومي له حيثية في بيروت ونال نتيجة مهمة صحيح بأن ليسوا فريقا واحدا لكن حكومة الوفاق الوطني تتطلب وجودهم.
بسبب هذه الألغام الجديدة ليس من وقت محدد لتشكيل الحكومة علما بأن جميع الأطراف السياسيين يفضلون تشكيلها في أسرع وقت ممكن ، والإستعجال هو بسبب تحديات عدة موجودة أبرزها ثلاثة: الوضع الإقتصادي الضاغط، رغبة في اشراك لبنان في إعادة الإعمار في سوريا والعراق والعمل على تحسين ظروف التواصل بين سوريا والعراق، ومكافحة الفساد.