“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
ليست الأجواء الدولية السائدة حاليا مشجعة على الحل السياسي في سوريا وخصوصا بعد البلبلة التي زرعتها الولايات المتحدة الأميركية في أكثر من ملف، وبعد إطلاقها لصواريخ على سوريا وتشجيعها اسرائيل على التصعيد ضدّ إيران وردّ الأخيرة. أخطر الجولات كانت في الجولان المحتل حيث هاجمت اسرائيل عشرات المواقع الإيرانية ردا على الصواريخ الإيرانية التي استهدفت قواعد عسكرية لها في مرتفعات الجولان، ثم قصف منظومة صواريخ إيرانية في مطار حماة تردد انها تابعة للحرس الثوري الإيراني.
ويتطلع المراقبون للوضع السوري باهتمام الى الموقف الروسي، حيث تمسك روسيا بزمام الأوضاع الميدانية هناك وتبدو اللاعب الرئيسي بعد أن حققت انتصارات ميدانية واسعة مع حلفائها.
إلا أن مراقبين للوضع الروسي يشيرون الى أنه من المبالغة القول أن روسيا أمسكت كليا بزمام الموقف في سوريا بالرغم من انجازاتها وذلك بسبب استمرار الوجود الأميركي وبؤر إرهابية وبسبب سعي أميركي وبريطاني حثيث لعرقلة الحلول السياسية.
ويتوقف المراقبون بشكل مطوّل عند كلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تحدث أخيرا عن الحاجة الى انسحاب القوات الأجنبية من سوريا، وفسّر مبعوثه الى سوريا ألكسندر لافرنتيف الكلام بأنه يعني ” كل المجموعات العسكرية الأجنبية الموجودة على أراضي سوريا بما فيها الأميركيون والأتراك و”حزب الله” والإيرانيون”.
وتشير أوساط ضلعية بالشأن الروسي تحدثت الى موقع “مصدر دبلوماسي” الى أن لافرنتيف أخرج الى العلن ما كان يتم التداول به عبر القنوات الدبلوماسية السرية بين سوريا وروسيا وإيران من منطلق التحالف الوثيق الذي تحرص عليه روسيا لغاية الآن.
وبغضّ النظر عن صوابية كلام لافرنتيف في هذه المرحلة الحساسة التي ترى هذه الدول بالإضافة الى تركيا ضرورة التكاتف فيها في مواجهة المحور الغربي، فإن لهذا الكلام اسسه الواقعية.
عندما يتحدث الروس عن “القوات الأجنبية” فهم يقصدون بالدرجة الأولى القوات الأميركية، لكن ذلك لا يلغي أن لروسيا 3 هموم رئيسية في المرحلة القادمة في سوريا هي: أولا، القضاء على الإرهاب بشكل كامل وبنظر روسيا لا تزال بؤر إرهابية موجودة ينبغي التخلص منها، ثانيا، تطبيع العلاقة بين النظام السوري وبين المجتمع السوري بقدر الإمكان تمهيدا لعودة اللاجئني السوريين وإن بشكل متدرّج. وثالثا، تصفية هموم أطراف دولية في سوريا ولا سيما تركيا وإسرائيل.
تصفية هذه الهموم المعروفة للمعنيين يسهّل لموسكو مثلا الطلب من تركيا الإنسحاب من عفرين. بالنسبة لإسرائيل فإن القلق الأساسي الذي يعبّر عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في لقاءاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتمثل بالوجود الإيراني في الجنوب السوري.
لا تدرج روسيا إيران في ذات المستوى من وجود قوات أخرى “غير شرعية” كما القوات الأميركية، لأنها تدرك بأن وجود لخبراء إيرانيين ولـ”حزب الله” هو بطلب من الحكومة السورية.
ولكن وبهدف تصفية الهمّ الإسرائيلي وبعد تصريحات المسؤولين الروس أخيرا فإن الكلام الذي كان يتم تداوله سرا مع الرئيس السوري بشار الأسد بضرورة أن يجد حلا مع الحليف المشترك أي إيران لكي لا يدخل من لا يريدون السلام في سوريا عبر هذه الثغرة وتمديد الحرب والإستمرار بتدمير سوريا، وهذا ما لا ترغب به روسيا البتّة.
هذه الطمأنة مطلوبة روسيا لإسرائيل وخصوصا في الجولان المحتل.
وبعد ان نقل الموفد الرئاسي الروسي الى سوريا لافرنتيف كلام الكواليس الى العلن، وبالرغم من اعتبار الأوساط المذكورة أن الأمر كان بغنى عنه وخصوصا وأن إيران حليف لروسيا وثمة توقيت حساس، إلا أن ذلك لا ينفي وجود حقيقي لهذا المناخ.
لا ترغب روسيا البتة في الحديث عن تباينات مع إيران، كما تروّج وسائل إعلامية يعتبرها الروس “معادية”، لكن ذلك لا يمنع من أن ثمة تباينات في سوريا بين الطرفين حيال النظرة الى إسرائيل، إذ تؤمن إيران بأن أي حل في الشرق الأوسط يمر بتصفية الكيان الإسرائيلي نهائيا في حين تعترف روسيا بحق الأمن للإسرائليين وبحقهم بالعيش بأمان كما الفلسطينيين. وبالرغم من انتقال هذا الكلام من السر الى العلن إلا أن ذلك لا ينفي بأن موسكو وطهران حليفان وأن التباين لا يتفوق على المصالح المشتركة للطرفين بحسب الأوساط الضليعة بالشأن الروسي.