“مصدر دبلوماسي”- كتبت المحامية مريم الشامي:
من الثابت ان المجتمع اللبناني سوائ الحزبي أو المدني مارس وعلى مدار سنوات طوال حركات إحتجاجية داخل الأحزاب وفي الشارع وفي المؤسسات الدستورية بقصد تغيير قانون الانتخاب الأكثري المتهم بالإسئثار والإلغاء وحدل الأكثريات الطائفية والمذهبية للأقليات لا بل كان متهما بتهميش المسيحيين وتحكم المسلمين بهم و بنوابهم.
كما وكان يؤخذ على القانون الأكثري عدم تخصيصه لحصص محفوظة للنساء لضمان تمثيلهن في الندوة البرلمانية سيما وان لبنان ملتزم بالمواثيق والمعاهدات الدولية الت وقع عليها ومن المفترض إلتزامه بها ومنها إتفاقية “السيداو”. ولكن، وبكل أسف وفي كل مرة تطلب الأمم المتحدة من الحكومة اللبنانية تقديم تقريرها عن مدى التزام الدولة اللبنانية بتطبيق بنود هذه الاتفاقية لناحية إشراك النساء في مفاصل الحكم وغيره يكون الجواب اللبناني محبطا للآمال والوعود التي كان يغدق بها السياسيون على النساء والمنظمات الدولية والجمعيات الدولية والدول المانحة!!!
وفي ظل هذا الواقع المرير، ووسط تخلخل أعمدة الثقة داخليا وخارجيا، أفقيا وعاموديا في المجتمع اللبناني، ولد قانون الإنتخاب الجديد فأسمي نسبيا – وان كان مناطقيا بإمتياز بسبب تصغير دائرة الصوت التفضيلي لمستوى القضاء-.
ولد القانون وفيه الكثير من السقطات، مشوها خلقيا يعتريه عيب فادح ومقزز لجهة إستبعاده الحصة المحفوظة للنساء، أي”الكوتا”، بعد ان ضربت أكثرية الأحزاب بعرض الحائط قطاعاتها النسائية المناضلة ووعودها لها بإستثناء بعض الأحزاب والشخصيات السياسية ومنهم دولة الرئيس بري و حركة “أمل” التي حاولت وحتى الرمق الأخير أن تمرر “الكوتا” ضمن القانون، لكنها فؤجئت بمواجهة شرسة وتكتل قوي ضاغط حال دون ذلك.
بكل أسف أقر القانون ونشر بالجريدة الرسمية ووضعت له المراسيم التطبيقية رغم صرخات وصيحات وإعتراضات النساء والرجالات الرجال داخل الأحزاب وفي المجتمع المدني، إلا ان الصرخة المدوية كانت بترشح 113 إمرأة للإنتخابات النيابية، الأمر الذي أصاب المعارضين “للكوتا” و”المحرّمين” على المرأة النيابة والوزارة بصدمة سياسية لم تكن بالحسبان ما دفعهم للوقوف مليا عند هذه الترشيحات ومحاولة وأدها في مهدها ان تيسر، أو حرق أوراقها وتذويبها بلوائحها لإمتصاص نقمة المجتمع الدولي والدول والجمعيات المانحة وبأحسن الأحوال حفاظا على المظهر العام ومراعاة “الجندر” في هذه اللوائح.
وبالفعل أدارت الماكينات الانتخابية محركاتها بالتزامن مع رنين مستمر لهواتف أكثرية المرشحات من قبل بعض الأحزاب بقصد ضمهن الى لوائح هذا الحزب او ذاك، وما كان كفرا بالأمس أصبح حلالا، ومن كانت خصما بمواقفها المتشددة اصبحت مرحبا بها ووردة اللائحة وبريقها.
أجلست المرشحات في الصفوف الأمامية والى جانب رؤساء الكتل واللوائح بحيث سمح لهن أخذ الكثير من الصور للذكرى قبل “نكبة7أيار” التي أصابت النساء مقتلا.
في 7 أيار رفع اللثام عن الكثير من الحقائق وتحدثت الوقائع بالأرقام كيف تمت عملية إستمالة اللوائح للنساء وما هي الغاية من ذلك. كما وبيّن الفارق الشاسع لناحية كمية الأصوات التفضيلية ما بين أفراد اللائحة الواحدة من الرجال والنساء “المستمالات” خداعا بأن عدد الأصوات التفضيلية للمرشحات في بعض اللوائح الفائزة لم تتجاوز الـ30صوتا رغم أنهن سيدات كفوءات ومناضلات داخل أحزابهن او خارجها إجتماعيا ومدنيا ومعروفات في دوائرهنّ.
الأمر الذي يدلل بما لا يرقى اليه الشك انه تم إحكام السيطرة على توجيه كل الأصوات بإتجاه مرشحين معينين من الرجال وترك النساء يواجهن مصيرهن الأسود المرمز اليه بأرقام أصبحت تهمة عمد البعض إلصاقها بهن بطريقة محترفة لتستخدم بوجههن كإشارة حمراء تمنعهن من العبور بقضايا المرأة اللبنانية الى داخل المؤسسات الدستورية او حتى الشارع.
هذا البعض يختلف كثيرا عن “حركة أمل” التي ناصرت المرأة اللبنانية، وساند رئسها مطالبتها بالكوتا النسائية قولا وفعلا ولأجل دلك كانت “حركة أمل” صادقة مع كادراتها النسائية في الاستحقاق النيابي فلم تغامر بترشيح الكثيرات منهن، المتميزات المتمكنات، لأنها التجربة الأولى لقانون إنتخاب فيه الكثير من التفاصيل ويفرض تحالفات معقدة وتبديل وإستبدال مقعد من هنا او هُناك.
نعم انتخابات 2018 كانت إنتكاسة للمرأة اللبنانية وأصابتها بصميم نضالها، وإن إنتقاد مسار وآليات العملية الإنتخابية قد لا يخفف من الأضرار المستقبلية لهذه النكبة لا بل يزيد الطين بلة ويعرقل سبل المطالبة بحصة وزارية والضغط لتبني البيان الوزاري العتيد للكوتا النسائية.
لذا على الحركات النسائية في لبنان ان تعيد صياغة خطابها وتعترف بأن الممر الإلزامي لممارسة العمل السياسي هو الأحزاب مع ما يواكب ذلك من بناء تحالفات إستراتيجية لا آنية مع الأحزاب او حتى التشبيك مع مجتمع مدني شعبوي متواضع موحد لترميم ما تصدع ولتستمر ثورة النساء بزخمها وقوتها القادرة على الدفع بحركة المرأة اللبنانية نحو الأفضل .