“مصدر دبلوماسي”: مارلين خليفة
صاعقة كانت نسب الإقتراع في معظم الدوائر الإنتخابية وخصوصا في دائرة بيروت الثانية وفي معظم الدوائر المسيحية والسنية والدرزية. صاعقة، الى درجة استوجبت نداءين من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لحث الناخبين على الإقتراع وعشرات الرسائل النصية من الأحزاب لحث الناخبين على التوجه الى صناديق الإقتراع.
لكن مسؤولي هذه الأحزاب وخصوصا في “التيار الوطني الحر” و”تيار المستقبل” وهما التياران اللذان يقودان حلفا “سياسيا” بات واضحا للعيان، روّجا لعملية الإنتخاب فحسب متناسين مشاعر الناس السياسية والهموم اليومية والمعيشية التي يتخبطون فيها، ونسب البطالة، وشح الأموال، ومشاكل اللجوء التي تثقل على كاهلهم، والضرائب التي تأكل من لقمة عيشهم، تناسوا كل ذلك، وركزوا على “التحالفات الرقمية” الهجينة لجمع الحواصل الإنتخابية وأحصوا الأصوات التفضيلية لدى جمهورهم، والأهم أنهم لم يترددوا برهة في التحالف مع الخصوم في السياسة وكأن لا جمهور سيحاسبهم مخاصمين حلفاءهم الطبيعيين… ولعل المثال الأبلغ على ذلك يتمثل بالطلاق الإنتخابي- المفاجئ لجمهوري الطرفين- بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” في معظم الدوائر…ثم تحالف “التيار الحر” مع “تيار المستقبل” ومع “الجماعة الإسلامية” ومع شخصيات مناقضة لخطه السياسي نذكر منها على سبيل المثال ميشال معوض في الشمال.
لما يزل مبكرا تحليل نتائج الإنتخابات بحسب النتائج النهائية، ولكن في المحصلة الأولية يمكننا القول أن عصيانا إنتخابيا نفذه اللبنانيون وخصوصا السنة في دائرة بيروت الثانية، حيث أضاع زعيم “تيار المستقبل” ورئيس الحكومة سعد الحريري البوصلة وراح يفتش عن خصم مهما كان الثمن. فقد بدأ “تيار المستقبل” معركته الإنتخابية بلا خصم، وبعد دراسة واقعه الإنتخابي قرر أن “يخترع” خصما فلم يجد سوى أبناء بيروت من الشيعة، أي جمهور “حزب الله” وحركة “أمل”. لكن جمهوره لم يصدقه لأنه بات يتميز بالوعي والإرادة المستقلة. يعرف جمهور الحريري بأن التسوية السياسية التي دخل فيها زعيمه مع “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” هي التي أتت به رئيسا للحكومة ويعرف أن “التيار الوطني الحر” بمؤازرة من “حزب الله” وحركة “أمل” أي شيعة السلطة لم يتركوا وسيلة لكي يعيدوه الى لبنان أثناء “غيبته” في الرياض لأكثر من ثلاثة أسابيع، وبالتالي يعرف هذا الجمهور أنه من المستحيل على الحريري مخاصمة حزب يشاركه الحكومة، علما بأن الحريري يدين لـ”حزب الله” بذلك بشكل علني في جلساته الخاصة.
لكن عندما اقترب موعد الإنتخابات النيابية، اكتشف “تيار المستقبل” بأن ارقامه منخفضة جدا بسبب القانون النسبي فاخترع معركة “هوية بيروت” التي لم تنطل على جمهوره فقاطع الإنتخابات بشكل كبير.
من جهته، لم يصدق الجمهور المسيحي كل الوعود الإنتخابية التي أغدقت عليه لأنه “جرّب” النواب الحاليين ويعرف جيدا النواب الجدد ومعظمهم من أصحاب الثروات غير الملتصقين البتة بهمومه المعيشية والحياتية والسياسية، وكذلك لم يحب هذا الجمهور وخصوصا في أكثريته البرتقالية مخاصمة الحليف والتحالف مع الخصوم في شكل يضرب عرض الحائط بذكائه السياسي.
هكذا قرر عدد كبير من اللبنانيين وجلّهم من المستقلين واصحاب الراي الحر العصيان الإنتخابي، وحده جمهور “حزب الله” وحركة “امل” إندفع كأمواج البحر للإنتخاب، لأن أحزابه لم تخذله بالسياسة وأقامت تحالفات تتفق مع مبادئها ولم تخذله وتدخله في تحالفات هجينة رقمية ومحرجة له فحصد الأكثرية في التصويت وسيحصد كما هو ظاهر أكثرية المقاعد النيابية.