“مصدر دبلوماسي”:
اختتم مؤتمر “دعم مستقبل سوريا والمنطقة” أعماله مساء اليوم في بروكسيل، وتلا المفوض الأوروبي للمساعدات الإنسانية وإدارة الأزمات كريستوس ستيليانيديس المقررات الختامية، فقال: أشكركم على مساهماتكم الكبيرة، وشكر خاص للمجتمع المدني ولممثليه من وسوريا والأردن ولبنان وتركيا، فهم أبطال يعملون يوميا في الميدان، لمساعدة هؤلاء النازحين الذين يحتاجون لدعمنا، والذين هم جوهر عملنا”.
وأضاف: “لقد نظرنا في الأولوية، وهي إيجاد حل سياسي في إطار مسار جينيف، والانتقال الديمقراطي إلى سوريا مستقلة، كما وضعنا حلولا للتحديات الإنسانية، وركزنا على الحماية والتعليم والآلية التنفيذية لتقديم المساعدات، ولا بد من تعزيز الصمود والمعافاة الاقتصادية. كذلك ركزنا على دور الدول المجاورة لسوريا، فملايين الناس ما زالوا بحاجة إلى المساعدة وما زالوا يعانون من تبعات الأزمة داخل سوريا وخارجها. وأذكّر بما قلته السنة الماضية في هذه القاعة، بأنه لا ينبغي أن نتخلى عن السوريين، ولا ينبغي أن يشعروا أنهم لوحدهم. ويسعدني أن أقول أن الوفود اليوم قد تعهدت بتقديم 4,5 مليار دولار لهذه السنة، و3,4 مليار دولار للسنة المقبلة. والاتحاد الأوروبي قدم 6 مليارات حتى العام 2019، أي ثلاثة أرباع مجموع التعهدات، لأنه يجب أن نقدم النموذج الذي ينبغي أن نحذو حذوه، لأننا الجهة المانحة الأكبر. وبالنسبة إلى اللاجئين السوريين في تركيا، فإن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء ستخصص مبلغا إضافيا بـ3 مليارات دولار خلال السنتين المقبلتين”.
وتابع: “أود أن أقول أن كل يورو نقدمه ينبغي أن يترجم إلى فعل نصرفه بطريقة واضحة وشفافة وهذه مسؤوليتنا. قبل سنة من الآن، اختتمت هذه الجلسة وقلت أن هذا المؤتمر سيكون الأخير، ولكن للأسف، عدنا بعد سنة لنجتمع هنا اليوم ولكن هدفنا لم يتغير. علينا أن نضمن مستقبلا زاهرا لشعب سوريا، والجيل المقبل سيعيش في سلام وازدهار”.
وختم قائلا: “اليوم، نؤكد من جديد على التزامنا الملموس لتحقيق هذا الهدف، وعلينا أن نواصل المسار نفسه، مسار التضامن والالتزام والشعور بالمسؤولية، فشكرا على إسهاماتكم”.
كلمة الحريري:
في ما يلي نص الكلمة التي ألقاها رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري صباح اليوم خلال الجلسة الافتتاحية لمؤتمر “دعم مستقبل سوريا والمنطقة” المنقعد في بروكسيل:
الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي السيدة فيديريكا موغيريني،
المبعوث الخاص للأمم المتحدة في سوريا السيدستيفان دي ميستورا،
أصحاب السعادة،
السيدات والسادة،
تستمر مأساة الشعب السوري للسنة الثامنة، ويستمر لبنان في إظهار حسن ضيافة وكرم وتضامن استثنائيين مع النازحين السوريين، في وقت تُستنزف وتُنهك قدرات المجتمعات المضيفة والبنى التحتية والخدمات الحكومية.
كما تعلمون جميعاً، سيجري لبنان انتخابات نيابية بعدأسبوعين، وقد قمت بجولات مكثفة في البلد وشاهدتبشكل مباشر الظروف القاسية للنـازحين السوريين وكذلك للمجتمعات المضيفة.
وبناء على ما شاهدته، هل يمكنني القول صراحة أننا اليوم أفضل حالاً مما كنا عليه في العام الماضي؟ الجواب هو ببساطة: لا.
السيدات والسادة،
إن الحقيقة المرة هي أنه رغم جهودنا المشتركة، فإن الظروف قد تدهورت ويبقى لبنان مخيماً كبيراً للاجئين.
لقد عدت للتو من عرسال، القرية التي تقع في البقاع والتي تستضيف أكثر من 120 ألف نازح، والتي كنت قد أخبرتكم عنها العام الماضي. عبد الله، المزارع من عرسال الذي استقبل في منزله عائلة سورية كبيرة منذ ثماني سنوات، ساءت ظروفه وكذلك ظروف العائلة السورية التي يستضيفها.
لقد ازدادت التوترات بين النازحين السوريين والمجتمعات المضيفة في الآونة الأخيرة ويعود ذلك من جهة إلى التنافس على الموارد وفرص العمل الشحيحة، ومن جهة أخرى لأن المجتمعات المضيفة قد رأت أن ظروفها الاقتصادية والاجتماعية قد ازدادت سوءاً نتيجة الأزمة.
خلال العام الماضي، ورغم كل هذه التحديات التي واجهناها، استمرينا بالتمسك بالالتزامات التي تعهدنا بها في مؤتمر بروكسل الأول.
فقد تنازلت الحكومة اللبنانية عن رسوم الإقامة للاجئين، ما سمح لهم بتجديد إقاماتهم بشكل قانوني وتخفيف العبء المالي عنهم. كما اعتمدت الحكومة تدابير مهمة لتسهيل تسجيل ولادات أطفال النازحين المولودين في لبنان. وسهّلت الحكومة أيضاً تسجيل الزواج في حال كان أحد الزوجين لديه إقامة قانونية. ومؤخرا، فإن الأطفال النازحين الذين بلغوا الـ15 سنة من عمرهم في لبنان، والذين لا يحملون هويات جوازات سفر سورية، بات بإمكانهم تقديم مستخرج مدني لتأمين الإقامة الشرعية.
لقد تم إحراز تقدم مهم في قطاع التعليم، حيث شهدنا زيادة بنسبة 13% في العدد الإجمالي للأطفال النازحين المسجلين في التعليم الرسمي الذي يبلغ 221 ألف ولد مسجل في المدارس الرسمية و68 ألفا في المدارس الخاصة والمدعومة و93 ألفا مسجلين في برامج التعليم غير الرسمي.
الى ذلك، أحرزت وزارة الصحة العامة، وبالتعاون مع شركائها المحليين والدوليين، تقدماً كبيراً لضمان توفير الرعاية الصحية بأسعار معقولة للنازحين.
والأهم أننا نجحنا خلال العام الماضي في تحقيق الاستقرار في البلد، في وقت بقينا نستضيف مليون ونصف مليون نازح. وقد استطعنا تحقيق ذلك بدعم من أصدقائنا في المجتمع الدولي الذين أعادوا التأكيد في مناسبات مختلفة على التزامهم باستقرار لبنان وأمنه.
وفي الخامس من كانون الأول الماضي، التزمت الحكومة اللبنانية بكافة مكوناتها بسياسة النأي بالنفس. وتمّ الترحيب بهذه السياسة خلال اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان الذي عُقد في باريس، حيث أكد المجتمع الدولي التزامه باستقرار لبنان السياسي والاقتصادي وبأمنه وبناء مؤسساته.
إلى ذلك، أظهر الشركاء الدوليون في مؤتمر روما 2دعماً والتزاماً ومساهمة قوية في تعزيز الجيش والقوى الأمنية اللبنانية، بما يؤكد على دور لبنان كلاعب مهم في استقرار المنطقة.
لقد عدنا للتو من باريس، حيث قدمت الحكومة اللبنانية رؤية شاملة للاستقرار والنمو المستدام الطويل الأجل وخلق فرص العمل، استناداً على النقاط الأساسية التي قدمتها لكم في مؤتمر بروكسل 1. إن نجاح مؤتمر “سيدر” يؤكد التزام شركائنا الدوليين باستقرار لبنان الاقتصادي وازدهاره. وأود أن أنتهز هذه الفرصة لأشكر أصدقاءنا في المجتمع الدولي على دعمهم السخي وتأمين الأموال الكافية لتمويل المرحلة الأولى من برنامج الإنفاق الاستثماري للحكومة.
أيها السيدات والسادة،
على الرغم من كل التقدم والإنجازات التي حصلت خلال السنوات الماضية، لا يزال لبنان يواجه تحديات،ولا تزال الاحتياجات كبيرة والموارد نادرة. ورغم كل الجهود التي نبذلها، فإن احتمالات عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في لبنان حقيقية وكذلك إمكانية تطرف الشباب اللبنانيين والسوريين العاطلين عن العمل. وقد تؤدي الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة إلى زيادة الاستياء الاجتماعي، ما قد يؤدي إلى اضطرابات وعنف وتهديد للاستقرار السياسي والأمني، ما سيُعطي حافزاً للنازحين للبحث عن ملاذ آمن في مكان آخر.
إنه من الأهمية بمكان أن نستمر في العمل معاً لعكس الاتجاهات السلبية، سواء من خلال المساعدات الإنسانية أو مشاريع التنمية التي من شأنها المساعدة على تحسين سبل عيش النازحين والمجتمعات المضيفة. كيف يمكننا القيام بذلك؟ دعوني اشرح أولوياتنا:
أولاً: يجب أن تموّل خطة لبنان للاستجابة للأزمة بشكل مناسب. إن مساهمات الجهات المانحة في برنامج خطة لبنان للاستجابة للأزمة للعام 2017 بلغت 1.2 مليار دولار أميركي، ما يمثل 45 بالمئة من مطلب لبنان الأساسي البالغ 2.7 مليار دولار أميركي. ويشكل طلبنا 6 في المئة من الكلفة التي قد تتحملها الدول الأوروبية لو استضافت مليون ونصف نازح، والإنفاق يشكل 3 في المئة.
لا تزال الاحتياجات كبيرة، خاصة في قطاعي الصحة والمعيشة. ومطلبنا للعام 2018 هو أيضاً حوالي 2.7 مليار دولار، مع انفاق بلغ حتى الآن 11 ٪ فقط.
ثانياً، يجب ضمان التزامات متعددة السنوات لتأمين استدامة مشاريع على عدة سنوات مثل “الوصول إلى جميع الأطفال بالتعليم RACE II”.
ثالثاً، يجب زيادة الدعم المقدم للمجتمعات المضيفة على الأقل إلى 100 مليون دولار سنوياً، لتمويل مشاريعالبنى التحتية الصغيرة، خاصة في مجال إدارة المياه والنفايات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومراكز التنمية الاجتماعية ومشاريع تنمية البلديات المحلية.
رابعاً، دعم تطوير نظام الحماية الاجتماعية اللبناني،لا سيما توسيع وزيادة نطاق البرنامج الوطني لاستهداف الفقر، من خلال تأمين 125 مليون دولار أميركي على شكل منح خلال السنوات الخمس المقبلة.
خامساً، دعم الإطار الاستراتيجي الوطني للتعليم والتدريب التقني والمهني (TVET) الذي طورته الحكومة اللبنانية بدعم من اليونيسف ومنظمة العمل الدولية، تماشياً مع أهداف التنمية المستدامة، من أجل تعزيز نظام يمنح الشباب والعاملين الكفاءات والمهارات التي يحتاجونها للحصول على عمل لائق والسماح للشركات بتوظيف القوى العاملة التي تحتاجها لنموها.
أخيراً، أطلب دعمكم لإعادة إعمار مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين. هذا المخيم يذكرنا أن لبنان كان في طليعة الحرب ضد الإرهاب منذ البداية. وقد أطلقنا،بدعم من العديد منكم، إعادة بناء المخيم، ولكن لا تزال هناك فجوة تمويلية بقيمة 100 مليون دولار. وأنا أناشدكم اليوم أن تدعمونا لإنجاز العمل الذي بدأناه معاً.
السيدات والسادة،
أود أن أغتنم هذه الفرصة لأكرر تقديري العميق وتقدير الحكومة اللبنانية لجميع الشركاء والحكومات الدوليين وممثلي المجتمع المدني على دعمهم المستمر والقيم،الذي يهدف إلى مساعدة لبنان على مواجهة التحديات المرتبطة بالأزمة الشديدة وغير المسبوقة للنازحين السوريين.
كما أن الحكومة اللبنانية ممتنة لكل من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لعقد مؤتمر بروكسل 2، للتأكيد على عدم نسيان البلدان المضيفة في خضم الصراع السوري الذي طال أمده. ليس لدينا خيار آخر سوى التعاون ومواصلة العمل معاً، للتعامل مع تداعيات الأزمة السورية على لبنان.
مرة أخرى أدعوكم لدعم لبنان في هذه المهمة الشاقة. إنها مسؤولية جماعية. ونأمل ونصلي من أجل التوصل إلى تسوية سريعة لمأساة الشعب السوري.
شكراً.