مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
يعيد موقع “مصدر دبلوماسي” نشر مقابلة أجرتها مجلة “الأمن العام” في عددها الـ55 الصادر في 6 نيسان 2018 مع سفير فرنسا في لبنان برونو فوشيه. لمتابعة مواضيع مجلة “الأمن العام” الضغط على الرابط الآتي:
http://www.general-security.gov.lb/ar/magazines
في اطار متفجر من التوترات الاقليمية تضع فرنسا في طليعة اولوياتها لبنانيا تحصينه من اي صراع او مواجهة، وذلك عبر حث الحكومة اللبنانية والفرقاء اللبنانيين على اعتماد سياسة النأي بالنفس. ويتصدر هذا الهدف الفرنسي 3 تحديات ترصدها فرنسا في لبنان وهي: التهديد الارهابي ومعالجة ملف اللجوء السوري وايجاد حلول للوضع الاقتصادي السيء وهو الهدف الرئيسي لانعقاد مؤتمر “سيدر” في 6 الجاري.
تحاول فرنسا عبر فتح قنوات اتصال مع جميع الفرقاء اللبنانيين المؤثرين ان تسوق لوجهة نظرها من هذه القضايا والتحديات. ويقول السفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه في حوار مع “الامن العام” ان باريس تعتبر “حزب الله” حزبا “سياسيا لبنانيا وجزءا من البرلمان ومن الحكومة” و”تقيم معه علاقات طبيعية”، ويكشف فوشيه بان اللقاءات الفرنسية “المنتظمة مع اعضاء في هذا الحزب”، تتضمن “نقل رسائل وخصوصا من اجل حثهم على احترام سياسة النأي بالنفس”. كما قال.
ولعل الاهتمام الفرنسي باستقرار لبنان يعود في جزء رئيسي منه الى انخراط باريس في قوات “اليونيفيل” في جنوب لبنان، ويعترف فوشيه في مقابلته -التي سبقت سفره للمشاركة في مؤتمر “سيدر”- بان فرنسا لا ترصد حاليا اية توترات غير اعتيادية في جنوب لبنان بالرغم من وصفه الوضع هناك بـ”المتقلب”.
ويكشف فوشيه في حواره مع “الامن العام” بان اقراض فرنسا للبنان في مؤتمر روما (2) لـ400 مليون يورو لشراء معدات عسكرية سيستكمل لاحقا بمعدات فرنسية تبلغ قيمتها 14 مليون يورو ستكون هبات.
17 الف لاجئ سوري فحسب استقبلتهم فرنسا في غضون 7 اعوام من الازمة السورية، ومقابل ما يزيد عن مليون و500 الف لاجئ في لبنان، لا يتردد فوشيه من القول بان “تدفق اللاجئين الى لبنان ادى الى ازمة انسانية لا سابق لها”.
هنا الحوار مع فوشيه، السفير الآتي من خبرة دبلوماسية رفيعة ابرزها تعيينه مستشارا ثانيا في طهران بين عامي 1997 و2000 ثمّ تعيينه مستشارا اول في الرياض حتى عام 2003.
*كلمة “سيدر” هي مختصر لـ”المؤتمر الاقتصادي للتنمية والاصلاحات مع الشركات”، ويأتي في الترتيب الرابع بعد مؤتمرات باريس (1) وباريس (2) و باريس (3)، وتقول الحكومة اللبنانية أن تاريخ 6 نيسان هو بداية لاعمال المؤتمر التي ستكون متواصلة، فكيف ستتم المتابعة الفرنسية؟
-ان “سيدر” هو مؤتمر اقتصادي يختلف في مبدئه وفي تطبيقه عن سلسلة مؤتمرات باريس ويهدف الى مساعدة لبنان عبر تمويل مشاريع تتعلق بالبنى التحتية التي ستتيح اعادة احياء النمو وخلق فرص عمل، وليس للامر اية علاقة بمساعدة الميزانية.
يعتمد مؤتمر “سيدر” على القطاع الخاص وينطوي من جهة اخرى على اصلاحات ينبغي ان تتيح تنقية الوضع الاقتصادي والمالي في البلد. وفي جديد “سيدر” انه يتوخى ادراج آلية متابعة متعددة الاطراف وقوية تتيح احترام كل الالتزامات التي تمّ تقديمها.
*لماذا نظمت فرنسا هذا المؤتمر قبل اسابيع من اجراء الانتخابات النيابية في لبنان في 6 ايار القادم؟
-نعتبر مؤتمر “سيدر” عملية تنخرط في مدة زمنية، وتنظيمه قبل الانتخابات النيابية يتيح اقامة عقد جديد بين لبنان والمجتمع الدولي، ويسمح ايضا في اقامة عقد اجتماعي جديد بين الطبقة السياسية وبين الناخبين. سيتاح للناخبين اخذ العلم بما تمّ اقتراحه في باريس بالنسبة الى قضايا تهمهم. وبالتالي يقومون بانتخاب مسؤولين دعموا هذه المقاربة، وبالتالي ستكون الحكومة اللبنانية ذات فضل لتطبيق هذه المقاربة.
*في 24 و25 نيسان الحالي سينعقد في بروكسل مؤتمر يتناول اللجوء السوري وتداعياته على دول الجوار، ما هو عدد اللاجئين السوريين الذين استقبلتهم فرنسا؟
– اود بداية الاشارة الى ان لبنان برهن باستقباله اكثر من مليون ونصف المليون لاجئ عن كرم لا مثيل له. ليس لهؤلاء اللاجئين اي طموح للبقاء في لبنان، وعليهم العودة الى سوريا عندما تجتمع شروط العودة المستدامة. وحده الحل السياسي يمكنه تحقيق هذه العودة، وهو لا يلوح في الافق حاليا بكل اسف.
بالنسبة الى فرنسا، فقد استقبلت منذ بداية الازمة السورية قرابة الـ17 الف سوري تحت مسمى حق اللجوء. وتضامنا مع لبنان، وضعت فرنسا قيد التطبيق برنامج اعادة توطين انساني بالشراكة مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وتهدف الى استقبال اللاجئين السوريين في فرنسا بصورة دائمة وخصوصا اولئك الذين يعيشون في لبنان ويعتبرون من الفئات الاكثر هشاشة.
في هذا الاطار، نستقبل لاجئين يحتاجون الى رعاية صحية شديدة ولا يمكن ان يتحملها لبنان. يستكمل هذا البرنامج كل الاجراءات التي تتيح لهؤلاء السوريين المقيمين في لبنان ان يقطنوا في فرنسا.
*ما هو دور فرنسا في الاستجابة لازمة النزوح السوري في لبنان لجهة التعاون مع المنظمات والبلديات اللبنانية؟
-ان تدفق اللاجئين الى لبنان ادى الى ازمة انسانية لا سابق لها. لهذا فان فرنسا تتضامن مع لبنان الذي يعتبر اليوم اول بلد يفيد من مساعداتنا في المنطقة استجابة لتداعيات الازمة السورية. لقد اسهمنا بما يوازي الـ147 مليون يورو كهبات منذ بداية الازمة. ان الاولوية هي التدخل في القطاعات التي تتعلق بالمساعدة الإنسانية الطارئة (المساعدات الغذائية، الحصول على المياه، السكن الخ…)، بالاضافة الى الاهتمام بالشباب (التربية، التدريب المهني، التوظيف) وبقطاع الصحة والرعاية. وهذه المساعدة موجهة الى جميع الفئات الشعبية المحتاجة والهشة، سواء كانت من اللاجئين او من المجتمع المحلي المضيف.
*ما هي التوقعات الانتخابية في لبنان؟ وهل لديكم قلق في ما يتعلق بشكل برلمان 2018؟
-نحن نحيّي اجراء الانتخابات التشريعية اللبنانية، فهي تتوج مسارا من اعادة تفعيل عمل المؤسسات الذي بدأ فعليا مع انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية وبتعيين سعد الحريري رئيسا للحكومة. ان عدد المرشحين هو اعلى قياسا الى انتخابات 2009، وهذا مؤشر على حيوية ديموقراطية يمكننا ان نهنئ اللبنانيين عليها. الى ذلك فان عدد النساء المرشحات هو مرتفع ما يشكل فعليا اشارة إيجابية.
*تبدو التوترات الاقليمية والدولية عالية، هل من خطر ان تنعكس حربا في لبنان وخصوصا في الجنوب؟
-اننا نتابع باهتمام الوضع في جنوب لبنان. ونحن لا نرصد توترات وخصوصا في هذه المرحلة، حتى لو كان الوضع متقلبا. نحن متشبثون بالاستقرار في هذه المنطقة، وهو يرتكز في جزء كبير منه على قوات “اليونيفيل” العاملة في جنوب لبنان والتي ندعم عملها. وهذا كان المعنى الموجود في التزامنا عند التصويت على تجديد تفويض عمل “اليونيفيل” في الصيف الماضي. وهذا هو ايضا معنى مستوى الالتزام القوي ضمن قوة حفظ السلام التي تمثلها “اليونيفيل”، وذلك منذ تأسيسها عام 1978، في حين ان جيشنا اليوم يعمل على مسارح عمليات أخرى.
*ماذا عن التعاون في مكافحة الارهاب مع الجيش اللبناني والاجهزة الامنية اللبنانية؟
-لدى فرنسا مع مختلف هؤلاء اللاعبين تعاون ممتاز، سواء على صعيد تبادل المعلومات او على صعيد التدريب، وهذا يشير الى مستوى الثقة الممتاز والعالي بين بلدينا. الى ذلك، لدينا سياسة تسويق الفرنكوفونية، وهي سياسة تتيح لنا تزويد اجازات باللغة الفرنسة للعديد من رجال الشرطة اللبنانيين سنويا.
بالنسبة الى ضباط “الامن العام” اللبناني فهم وبعد الخضوع لامتحان يتسجلون على مدى عام في “المدرسة الوطنية العليا للشرطة” لمتابعة تدريب عالي المستوى مع ضباط مستقبليين او مفوضين من الشرطة الفرنسية.
*طالما ردّدت بان وضع الشرعية يجب ان يتوطد في لبنان هل تلمحون بكلامكم الى “حزب الله”؟ وكيف تصف علاقة فرنسا مع “حزب الله”؟
– بالنسبة الينا من الاساسي ان تكون كل مؤسسات الدولة اللبنانية قوية وقادرة، وهذا هو الشرط الرئيسي الذي لا غنى عنه للاستقرار في لبنان. ولهذا السبب تدعم فرنسا الجيش اللبناني والاجهزة الامنية اللبنانية وهم قاموا بعمل ممتاز في ما يتعلق خصوصا بمحاربة الارهاب. ونحن نتمنى ان تتوافر لهذه المؤسسات وسائل تتيح توطيد الامن في البلد وبسط سلطتها على كاملة على الاراضي اللبنانية.
وهذا ايضا معنى التزام فرنسا في مؤتمر روما (2) الذي انعقد في 15 آذار الفائت.
واذكّر بان وزير اوروبا والعلاقات الخارجية جان-إيف-لودريان اعلن في روما (2) فتح خط اقراض بقيمة 400 مليون يورو لصالح الدولة اللبنانية لكي تتمكن من شراء معدات عسكرية فرنسية. ان هذه المعدات ستكون بهدف تحصين الامن في لبنان. ان هذه القروض ستستكمل لاحقا بمستحقات جديدة من المعدات الفرنسية تبلغ قيمتها 14 مليون يورو من الهبات، إنه الاستثمار الاهم لفرنسا في هذا المجال في بلد في حوض البحر الابيض المتوسط.
في ما يخص “حزب الله”، فنحن نعتبره حزبا سياسيا لبنانيا وهو جزء من البرلمان ومن الحكومة ونقيم معه علاقات طبيعية. نحن نلتقي بشكل منتظم اعضاء في هذا الحزب وننقل لهم رسائل وخصوصا من اجل حثهم على احترام سياسة النأي بالنفس.
إطار
“خريطة الطريق” الفرنسية للاصلاح
فصّل المبعوث الفرنسي الخاص لشؤون المتوسط السفير بيار دوكان والذي نظّم فاعليات مؤتمر “سيدر” في باريس في خطاب له القاه في “مؤتمر الاستثمار والتنمية” في بداية آذار الفائت خريطة الطريق الفرنسية للنهوض بالاقتصاد اللبناني، وهنا ابرز الاصلاحات التي تعوّل عليها فرنسا بحسب ما سردها دوكان وهو اشار الى ان فرنسا تميز بين فترتين من الاصلاح قبل وبعد مؤتمر “سيدر”. ابرز الاصلاحات السابقة لانعقاد المؤتمر هي:
– اعتماد ميزانية 2018 التي تمهّد الطريق لتوحيد الميزانية الحقيقية في المستقبل
– الموافقة البرلمانية على المشاريع التي تتوفر لها المساعدات الدولية فعليا
– الموافقة المتعلّقة بقانون المياه
– موافقة الحكومة على المراسيم التقنية التي يتطلبها المجلس الاعلى للخصخصة والذي اصبح الآن مسؤولا عن الشراكات بين القطاعين العام والخاص لممارسة مهامه الجديدة الخاصة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص
– التعيينات في السلطات التنظيمية (الاتصالات السلكية واللاسلكية، والطاقة، والطيران المدني) التي يعيق عملها نقص الأعضاء المطلوبين.
الاصلاحات التي تلي انعقاد “سيدر” هي: زيادة الإيرادات الضريبية وخفض العجز في الميزانية واصلاح بعض الاعانات التي تعود بالفائدة على الجميع ومكافحة الفساد واصلاح كهرباء لبنان.