“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
(خاص)
أعدّ موقع “مصدر دبلوماسي”، ترجمة خاصة لخطاب ألقاه المبعوث الفرنسي الخاص لشؤون المتوسط السفير بيار دوكان في مؤتمر “الإستثمار اللبناني في البنية التحتية” في 6 الجاري. ويعتبر هذا الخطاب خريطة طريق فرنسية للنهوض بالإقتصاد اللبناني قبيل انعقاد مؤتمر “سيدر” في 6 نيسان المقبل.
ويشرح بالتفصيل ماهية “المؤتمر الإقتصادي للتنمية من خلال الإصلاحات والشركات” وما سيجلبه للبنان، وما المطلوب من لبنان لإرساء عقد استثماري جديد بينه وبين المجتمع الدولي. واللافت بأن دوكان قال بأن ثمة دور كبير يلعبه لبنان شرط عدم مشاركته في النزاعات الإقليمية.
في ما يأتي النص الحرفي للخطاب:
معالي رئيس مجلس الوزارء،
معالي الوزراء،
حضرة السيّد حاكم مصرف لبنان،
سعادة السيدات والسادة النواب،
السيّد الأمين العام،
سعادة السيدات والسادة السفراء،
السادة الرؤساء،
أصدقائي الأعزّاء، للّذين أعرفهم،
سيّداتي وسادتي،
سُررتُ جدًّا بدعوتي إلى هذا الحدث الذي سيُظهر ويؤكّد إمكانات لبنان الاقتصادية للاستثمار الخاص في البنية التحتية من جهة، ويشكّل من جهة أخرى حدثًا تحضيريًّا مركزيًّا لمؤتمر CEDRE الذي ينظّمه بلدي بالتعاون الوثيق مع السلطات اللبنانيّة. سيكون أمرًا بغاية الأهمّية أن يأتي ممثّلان أو ثلاثة ممثلين لشركات لبنانية ودولية، يتمّ تمثيلها اليوم، ويتكلّمون في باريس.
سبق وقلت “مؤتمر CEDRE” وليس “مؤتمر الـ CEDRE”، ( أي الأرز)، وليس حتّى “مؤتمر باريس 4″. سلسلة المؤتمرات باريس 1 ، في عام 2001 ، باريس 2 ، في عام 2002 ، وباريس 3 ، في عام 2007، والتي كان من دواعي سروري المشاركة فيها، يعبّر عن مصلحة بلدي، بالإضافة إلى مصلحة المجتمع الدولي، لدعم لبنان. ولكن هذه المرّة، عندما تحدّث رئيس مجلس الوزراء اللبناني في شهر آب الماضي عن مثل هذا المشروع مع الرئيس ماكرون (الرئيس الفرنسي إيمانويل)، من الواضح أنه كان لديه مفهوم آخر أكثر تنظيمًا. الرئيس ماكرون الحريص على مساعدة بلد صديق، قَبِل هذا المبدأ فورًا الذي تحدث عنه بالطبع مع نظيره ميشال عون، وكلّفني بمهمّة إسداء المشورة للسلطات اللبنانية من أجل إعداد هذه العمليّة. تعني كلمة CEDRE ” المؤتمر الاقتصادي للتنمية من خلال الإصلاحات والشركات”. إنّه اختصار أتشرّف باختراعه كما يسرّني أنّه قد تمّ تبنّيه من قِبَل السلطات اللبنانية. اسمحوا لي أن أوضح قليلًا هذه المواضيع الخمسة.
مؤتمر
سيعنقد مؤتمر CEDRE في 6 نيسان/أبريل، بعد شهرٍ واحد. إنه اجتماع على مستوى وزاريّ على الأقلّ وسيشارك فيه رئيس الجمهورية من جهة، ويشاركه الرئاسة من الجانب الفرنسي وزيرنا الأوروبي والخارجي جان إيف لو دريان، ووزير الاقتصاد والمالية برونو لو مير. تتمّ دعوة حوالي 50 دولة ومنظّمة دولية إلى هذا المؤتمر.
سيبحث المؤتمر في الوقت عينه البرنامج الاستثماري اللبناني، بالإضافة إلى الرؤية الاقتصادية للسلطات وبرنامج الإصلاحات التي تتبنّاها لجعل هذه الاستثمارات ممكنة ومفيدة. هذا المؤتمر جزء من تسلسل سياسي مبشّر بالخير شهد انتخاب رئيس الجمهورية ميشال عون، ومن ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية، وسوف نرى في غضون شهرين الانتخابات النيابية. إنّ تنظيم “الـ” CEDRE، إذا جاز التعبير، قبل الانتخابات يسمح وبكلّ شفافية بتقديم بيانات “عقد اجتماعي” جديد للمساعدات وعقد استثماري جديد بين المجتمع الدولي ولبنان وقادته وشعبه.
اقتصاد
مؤتمر باريس هو الثاني في سلسلة من ثلاثة مؤتمرات تنعقد بعد اجتماع مجموعة الدعم الدولية في الأمم المتحدة في 8 كانون الأوّل/ديسمبر الماضي. سيُعقَد المؤتمر الأوّل في روما في 15 آذار/مارس المقبل، الذي يهدف إلى دعم القوات المسلّحة اللبنانية وقوى الأمن الداخليّ. وسيُعقد مؤتمر مساعدة الدول، في بروكسيل في نهاية شهر نيسان/أبريل، بما فيها لبنان الذي يستضيف اللاجئين السوريين. لدى هذه المؤتمرات الثلاثة هدف واحد أخير ألا وهو: مساعدة الدولة اللبنانيّة على دعم مؤسساتها في سياق إقليمي صعب، وبالتالي الاعتراف بدور الاستقرار الذي تلعبه البلاد ما لم تشارك في النزاعات الإقليمية.
إلا أنّ لمؤتمر CEDRE محتوى اقتصادي ملحوظ: إنها مسألة إحياء اقتصاد يعرف كلّ واحد منّا إمكاناته، كالمشاكل الهيكلية، ضمن حالة تفاقمت بسبب عدم الاستقرار في المنطقة وتدفّق اللاجئين السوريين. تمّ اختراع مفهوم المرونة النفسية للناس ثم التكيّف مع الدول والشعوب. ومن خلال رؤية قدرة الشعب اللبناني، في ظلّ ظروفٍ نعرف أنّها صعبة، تمّ تبنّي هذا المفهوم بشكلٍ كامل في نظر الرأي العام العالمي.
الاجتماع الاقتصادي في النهاية، يعني أننا سنتحدث عن الاقتصاد الجزئيّ، وهذا يعني مشاريع الاستثمار وظروف النشاط التجاري وتنظيم القطاعات الاقتصادية، وعن الاقتصاد الكلّيّ أيضًا، وهذا يعني الإدارة الجيدة للتمويل العام وتوازن الحسابات الداخلية والخارجية والحكم الصالح.
بالنسبة إلى التنمية
هذه الممارسة ليست تكرارًا لمؤتمرات باريس الثلاثة، لأنه ليس إدارة للأزمات بل انعكاس لتطوّر متوسّط الأمد في بلدٍ متوسّط الدخل ويعاني من نقصٍ كبير في البنية التحتية الأساسية ماديًّا واجتماعيًّا.
إنّ مشروع “Capital Investment Program” أي برنامج استثمار رأس المال الذي تقدمه الحكومة اللبنانية يغطي أكثر من عشر سنوات. ومن المفترض أن يكون لهذا المؤتمر هدفا أقلّ مدّةً، أربع أو خمس سنوات، ولكنها مَهَمّة متوسطة الأمد ترافقها الرؤية الاقتصادية بحلول عام 2030،التي يقوم بتحضيرها المستشار “ماكينزي” بناءً على طلب السلطات اللبنانيّة، بالإضافة إلى الانعكاسات الاقتصادية الكلية لصندوق النقد الدولي. وهاتان الوثيقتان ستكونان أمرًا مفيدًا لنا.
ساعد البنك الدولي في تحديد أولويات المشاريع الحكومية من خلال قياس احتياجاتها بدقّة، وحالة استعدادها، وطرق تمويلها بين القطاعين العام والخاص. والجميع يكنّ له الامتنان.
من خلال الإصلاحات
الجميع يعرف جيّدًا، ورئيس مجلس الوزراء هو الأول (الذي تكلّم عن ذلك مرارًا وتكرارًا)، فإن الاقتصاد اللبناني بحاجةٍ لإصلاحات، وهذا لا يعني بالضرورة اتخاذ قرارات سياسية واجتماعية حازمة بل إصلاحات قطاعيّة والتكيّف مع الأطر التنظيمية أو حتّى وبكل بساطة تنفيذ القوانين التي تمّ التصويت عليها سابقا، بحيث يمكن تحقيق الاستثمارات اللازمة التي اقترحتها الحكومة.
نميّز بين فترتين من الإصلاح. يمكن تنفيذ بعض الإصلاحات حتى قبل مؤتمر باريس. ويمكنني القول إنها علامات حسن نيّة إلى حدّ ما. أنا مثلًا أفكّر بخمسة عناصر:
– اعتماد ميزانية 2018 التي تمهّد الطريق لتوحيد الميزانية الحقيقية في المستقبل
– الموافقة البرلمانية على المشاريع التي تتوفر لها المساعدات الدولية فعليًّا
– الموافقة المتعلّقة بقانون المياه
– موافقة الحكومة على المراسيم التقنية التي يتطلبها المجلس الأعلى للخصخصة ، والذي أصبح الآن مسؤولاً عن الشراكات بين القطاعين العام والخاص لممارسة مهامه الجديدة الخاصة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص
– التعيينات في السلطات التنظيمية (الاتصالات السلكية واللاسلكية، والطاقة، والطيران المدني) التي يعيق عملها نقص الأعضاء المطلوبين.
بالطبع لا يمكن اتخاذ تدابير “ثقيلة” إلّا بعد المؤتمر وخصوصا بعد الانتخابات، لأنها تنطوي على عمل طويل الأجل واستثمار سياسي. وهي معروفة جيّدًا ويتعلّق الأمر بالزيادة في الإيرادات الضريبية، وخفض العجز في الميزانية، وإصلاح بعض الإعانات التي تعود بالفائدة على الجميع، بدلًا من أن تستهدف الفئات الأكثر حرمانًا، ومكافحة الفساد، وبطبيعة الحال، إصلاح كهرباء لبنان وهي على حدٍّ سواء قضية تتعلق بالبنية التحتية والإدارة والمالية العامة. إن جميع هذه الإصلاحات تعود بالفائدة على لبنان على الشعب اللبناني الذي يتمنّى الحصول على مياه الشرب والكهرباء المستمرة بصورة شرعية وجمع ومعالجة النفايات المنزلية بانتظام.
بالتعاون مع الشركات
يجب أيضًا أن تكون الإصلاحات مصممة باعتبارها تدابير من الراحة والحماية للمستثمرين من القطاع الخاص، سواء كانت مؤسسات صناعية أو تجارية أو مؤسسات مالية. ويلعب القطاع الخاصّ دورًا بارزًا في لبنان الذي يتميّز بموقعه الجغرافيّ الإستراتيجي وديناميكيته الريادية، ونوعية قطاعه المالي، وقوّته العاملة المؤهلة وقدرته على إبراز نفسه اقتصاديًّا في بقيّة العالم. إنّ المشاريع ذات الأحجام المتعددة التي يتم عرضها في خطة الاستثمار اللبنانية من المرجح أن تثير اهتمام الشركات الصغيرة والكبيرة وجميع البلدان. التنفيذ الفعال لقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والذي يفرض إجراءات شفّافة، سوف يمهد الطريق لمزيد من مشاركة القطاع الخاص. وعلاوة على ذلك، فإنني مقتنع بأن العديد من هذه المشاريع مربح بطبيعته. بالإضافة إلى مشاريع أخرى ستكون مربحة مع الدعم العام المقاس التي سنناقش فيها الطرائق في باريس بعد شهر.
متابعة
كان باستطاعتي زيادة حرف “S” لـ “CEDRE” لإخباركم كلمة متابعة المؤتمر. أودّ تقريبًا التحدث عن متابعة عملية “CEDRE”. لن يتوقّف CEDRE في 6 نيسان/أبريل مساء، بل سيستمر مع اجتماعات التنسيق مع أصحاب المصلحة هنا في بيروت، من خلال اجتماعات متكررة لكبار المسؤولين ورؤوس الأموال والمقرّات، وحتى من خلال المراقبة الفردية لكل مشروع على الإنترنت من خلال موقع ويب مخصص. هذا لضمان تنفيذ القرارات التي سنتخذها في باريس. قد تكون هذه المتابعة المتعددة الأطراف، في نهاية المطاف، الفرق الرئيسي مع باريس 1 و2 و3.
معالي رئيس المجلس،
سيّداتي وسادتي،
آمل أن أكون قد أقنعتكم في هذا الخطاب الطويل، أنّ لفرنسا دورًا مميّزًا لاستقرار لبنان وازدهاره لأسبابٍ تاريخية وجغرافية وثقافية، ولأسبابٍ ودّيّة بكل بساطةٍ. هذه هي الرسالة التي حملتها في بعثاتي السابقة هنا وأرحب بجودة العمل الذي أنجزته مع رئيس المجلس وفريقه، وفِرَق رئيس الجمهوريّة وجميع الوزراء وممثّلي جميع الأطراف الذين تشرّفتُ بمقابلتهم.
هذه هي الرسالة التي طلبت مني السلطات (الفرنسية) أن أعرضها أمامكم اليوم على الملأ. وهذه الرسالة التي حملتُها منذ بداية العام باسم لبنان إذا جاز التعبير، الى بلدانٍ عدّة وأمام جميع المنظّمات الدولية المهتمة، وقد أدهشني إصغاؤهم الدقيق والمتعاطف والودّي على حدٍّ سواء. الطاقة نفسها والقناعة نفسها تحرّكانني اليوم لأنني أعتقد أن هذه الرسالة صحيحة ومسموعة. وأنا سعيد لأنني استطعتُ أن أُعيدها هنا، أمام ممثّلي الشركات. إن العملية التي نقوم بها سويةً هي طموحة وتحمل أغراضًا بغاية الصعوبة، ولكنّها ضرورية. شكرًا على اهتمامكم.