“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
رسالة أساسية يحرص المعنيون الفرنسيون على تصديرها الى الحكومة اللبنانية قبيل انعقاد مؤتمر “سيدر” في 6 نيسان المقبل تتمثل بأن لا أموال سيتلقاها لبنان في حال لم ينجز إصلاحات جوهرية مطلوبة منه في قطاعات مختلفة أولها قطاع الكهرباء. وإذا كان لبنان الرسمي يطمح الى تقديم برنامج إستثماري طويل الأمد يصل الى 12 عاما، فإن مصدرا دبلوماسيا فرنسيا يشير الى أنّ أي تمويل سيحصل عليه لبنان في مؤتمر “سيدر” المقبل لن يتجاوز تمويل مشاريع على 4 أعوام، بما ينقض ما تروّجه بعض الجهات الحكومية اللبنانية من أن لبنان ينتظر تمويلا بـ17 مليار دولار. ويرفض المصدر الدبلوماسي الفرنسي ذكر رقم دقيق مفضلا انتظار “مؤشرات الإصلاحات” التي سيرسلها لبنان، ومنها اصلاحات مطلوبة قبل الإنتخابات النيابية المقبلة.
وإذا كانت إيران غير مدعوة لحضور مؤتمر “سيدر” لاسباب لم يفصح عنها المصدر، فإنه أكد مشاركة الدول الخليجية الأربعة التي جال عليها المبعوث الفرنسي المنتدب لشؤون المتوسط السفير بيار دوكان بيار دوكان في كانون الثاني الفائت وهي السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر بعد أن اقتنعت هذه الدول بأن لبنان سوف ينتهج سياسة النأي بالنفس التي نصّ عليها البيان الختامي لاجتماع مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان في نهاية كانون الأول الفائت.
ثمة حرص فرنسي على الإيضاح بأن مؤتمر “سيدر” مختلف عن مؤتمرات باريس (1) و(2) و(3)، وهي كانت مختصة بمساعدة الميزانية اللبنانية بالهبات لمواجهة الأزمة اللاحقة بها جراء تراكم الديون.
لكن مؤتمر “سيدر” ليس له علاقة بسابقاته، ولا يمكن تسميته باريس (4) فهو ليس تكرارا لتلك المؤتمرات سواء في المفهوم أو المضمون أو الشكل، إنه مؤتمر اقتصادي للتنمية عبر الإصلاحات ومع شركات الأعمال بحسب ما تشير رمزية إسمه بالفرنسي.
تمويل لمرحلة واحدة فحسب
لن تطلب السلطات اللبنانية في هذا الإجتماع مساعدات لدعم الميزانية اللبنانية، بل هي تقدّم خطة للإستثمار في مشاريع في لبنان على أمد طويل يمتد الى 12 عاما وهي مقسّمة الى 3 مراحل وكل مرحلة تمتدّ على 4 أعوام. ومنعا لأي التباس حرص المصدر الدبلوماسي الفرنسي على الإيضاح بأن اجتماع “سيدر” سوف يتولى الإهتمام بتمويل مرحلة واحدة لا تتعدّى الأعوام الأربعة على عكس ما تمّ ترويجه أخيرا من ان الإجتماع سيتولى تمويل مشاريع على 8 أعوام بقيمة تقارب الـ17 مليار دولار أميركي. ولدى سؤاله عن الأموال التي ستخصص للمرحلة الأولى قال بأن الأمر لا يزال قيد الدرس لكن لا يمكن أن تتعدّى المبالغ الـ8 الى 10 مليار دولار أميركي.
وشدد على أهمية الإصلاحات المطلوبة من لبنان، منبّها الى أن لبنان لن يحظى بأية مبالغ داعمة للإستثمارت المطلوبة إذا لم يقم بهذه الإصلاحات ومنها جزء من السهل حصوله قبل الإنتخابات النيابية وجزء آخر بعدها. تتناول الإصلاحات “السريعة” قطاعات عدة ليست محدثة قانونيا الى نصوص غير مطبقة وإعادة تحديث بعض النصوص التنظيمية التي تخص القطاعات وخصوصا تلك المتعلقة بقطاع المياه الصالحة للشرب، وإقرار المراسيم الضرورية لكي يتمكن المجلس الأأعلى للخصخصة من إنجاز مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وكشف أن ثمة 285 مشروعا مخصصا للمياه الصالحة للشرب مطروحة في اجتماع “سيدر” أي ما يوازي 60 في المئة من المشاريع المقدّمة، وترواح قيمة المشاريع بين مليون يورو الى مشاريع ضخمة منها ما يتعلق بمرفأ مدينة طرابلس أو الاوتوستراد المحيط بمدينة بيروت وهي مشاريع مكلفة جدّا.
ويرى الفرنسيون أنه بالإمكان إجراء اصلاحات قبل موعد انعقاد المؤتمر ومنها ما يتعلق بقانون عصري للمياه، الى مشاريع للتنمية تتلاءم مع أهداف التنمية المستدامة للألفية التي أقرتها الأمم المتحدة عام 2015 عبر مشاريع لا تلوث البيئة.
إصلاحات قطاعية وخصوصا في الكهرباء
إن التزاوج بين التنمية والإصلاحات أمر ضروري من وجهة النظر الفرنسية في الخطة الطويلة الأمد والتي تمتد على 12 عاما، وهذا ما يتطلب اصلاحات قطاعية في الإقتصاد الكلي “ماكرو” والإقتصاد الجزئي”ميكرو”، في طريقة تخفّض العجز في الميزانية.
يشير المصدر الدبلوماسي الفرنسي الى أهمية الإصلاح في قطاع الكهرباء لأن 50 الى 60 نقطة من العجر اللبناني البالغ 150 نقطة يتأتى من العجز المتراكم في قطاع الكهرباء، وبالتالي لم يكن ليتعدى الـ90 نقطة اي أقل من الدين الفرنسي الذي يبلغ 98 نقطة من الناتج المحلي الإجمالي. واشار الى أن 2،5 من العجز في لبنان مردّه الى قطاع الكهرباء، ولو كان لبنان بلدا أوروبيا لكان الأمر كارثيا لأنه يتعارض كليا مع معاهدة ماستريخت حيث أن العجز في كل بلد أوروبي ينضوي في الإتحاد الأوروبي لا ينبغي أن يتجاوز بمجمله الـ2 في المئة في حين أنه يتخطى ذلك في لبنان في قطاع الكهرباء لوحده!
وأشار الى أن العجز القائم في الميزانية اللبنانية مرتبط بسوء العمل والأعطال التقنية المختلفة لكهرباء لبنان قائلا بأنه يمكن تجنب هذا الأمر عبر اصلاحات منها الطاقة المتجددة ومحاربة السرقة للكهرباء والخصخصة في التوزيع على أن تبقى الشبكات ذات ملكيّة عامّة (…).
ويبدو بأن الجهة المنظمة متأكدة بأن ثمة اصلاحات يستطيع لبنان إنجازها قبل الإنتخابات النيابية في حين أن إصلاحات أخرى قد تنتظر انتهاء الإنتخابات النيابية.
ومن الإصلاحات السريعة المطلوبة ايضا إقرار الميزانية وقانون للمياه وتزويد المجلس الأعلى للخصخصة والشراكة بالأدوات اللازمة التي تمكّنه من العمل. وكشف المصدر عن مشاريع مساعدة للبنان تم التوقيع عليها وهي على الطاولة وتحتاج الى اقرارها في البرلمان اللبناني، ويبلغ عدد هذه المشاريع قرابة العشرين مشروعا في القطاعات كلها. وتبين بأن الوزير المولج بمتابعة وتنظيم مؤتمر “سيدر” والموفد من الحكومة الفرنسية بيار دوكان قد أثار هذا الموضوع مع رئيس المجلس النيابي نبيه برّي في اجتماعه به أخيرا قد وعد برّي بمتابعة هذا الموضوع قائلا أن “الأمر سيمشي”.
الإصلاح أولا…
إن القيام بهذه الإصلاحات قبل الإنتخابات النيابية أمر ضروري لأنها تشكل إشارات يرسلها لبنان الى المجتمع الدّولي من أن الأموال التي سترسل سوف تصرف في مشاريع مجدية ولها بيئة صالحة. ويبدو بحسب المصدر المذكور بأن تنظيم هذا الإجتماع الدولي قبل الإنتخابات مرده الى قناعة فرنسية بأن نيل التزامات من الحكومة القائمة أمر مضمون وسهل، وربما لن يكون الأمر متيسرا مع الحكومة المقبلة التي ستنبثق بعد الإنتخابات النيابية في 6 ايار المقبل، وبالتالي ثمة قناعة بأن تتم مناقشة كل هذه الإصلاحات قبل الإنتخابات النيابية بشكل واف وصريح.
وأشار المصدر الى أن هذا الإجتماع سوف تتم متابعه بشكل حثيث عبر اجتماعات دورية لكبار الموظفين المعنيين في بيروت وفي باريس حيث ستكون نظرة بانورامية شاملة للوضع اللبناني.
ولفت المصدر الفرنسي ردا على سؤال عما ستكون النتيجة في حال لم يلتزم لبنان بالإصلاحات قائلا بأنّ ذلك سيؤدي الى تنظيم مؤتمر ناجح بالخطابات الكلامية لكنه لن يسعف لبنان للحصول على تمويل.
وقال بأن تأجيل زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى لبنان ليس مرتبطا البتة بنتيجة هذا المؤتمر بل حصل بسبب اكتظاظ أجندته وهو يعدّ لزيارة رسمية الى الولايات المتحدة الأميركية، فضلا عن أن القيام بزيارة الى لبنان قبل 3 اسابع من الإنتخابات النيابية ليس بالأمر المنطقي وهو أرجا أيضا زيارة الى العراق للسبب عينه.
وشدد على قدرة لبنان على إجراء الإصلاحات المطلوبة منه في المؤتمر إن رغب بذلك، حتى السلطة الفلسطينية عام 2007 حصلت على مبالغ هائلة من المجتمع الدولي بعد تنظيم مؤتمر مماثل وذلك لأنها قامت بإصلاحات مهمة، وشدد على أن فرنسا لن تنظم مؤتمرات لا مستقبل لها، والمشاريع لن تمولها هبات بل أموال بفوائد مخفضة جدا لمشاريع لها مردود حقيقي. وأخيرا كشف المصدر الدبلوماسي الفرنسي عن استعداد الدول الخليجية للمشاركة في مؤتمر “سيدر” وقد زار الموفد الفرنسي الوزاري السفير دوكان السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت في نهاية كانون الثاني الفائت وحثّ هذه الدول على المشاركة مشددا على سياسة النأي بالنفس التي طلبتها مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان والتي تضمنها بيانها الختامي، وهذه كانت رسالة من المجتمع الدولي بشكل عام ومن الرئيس الفرنسي ماكرون بشكل خاص بأن لبنان سينأى بنفسه عن المشاكل الإقليمية.
يذكر بأن الدول والمنظمات المشاركة في المؤتمر هي ذاتها تلك التي شاركت في اجتماع مجموعة الدعم الدولية في كانون الأول الفائت، وردا على سؤال قال المصدر الدبلوماسي الفرنسي بأنه لم تتم دعوة إيران رافضا الكشف عن السبب بالرغم من إشارته الى زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان الناجحة لإيران قبل ايام.
يندرج إجتماع “سيدر” ضمن باقة الإجتماعات الثلاثة من أجل لبنان وبناء على اقتراح قدمه رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونال موافقة لبنانية شاملة، وقد مهّد اجتماع مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان الذي انعقد في كانون الأول الفائت المناخ المناسب لدعم لبنان عبر لمؤتمرات ثلاثة هي: روما (2) في 15 الجاري “سيدر” في 6 نيسان المقبل واجتماع بروكسيل في 24 و25 نيسان المقبل وهو يتعلق بدعم بلدان الجوار السوري أي لبنان والأردن وتركيا وهو الوحيد الغير مخصص للبنان فحسب.